محتويات
سبب ظهور شعر اللهو والمجون في العصر العباسي الثاني
كان هذا الشعر امتدادًا طبيعيًّا لما كان عليه الشعراء في العصر العباسي الأول، ويعود سبب ظهور هذا اللون من الشعر إلى الفساد الكبير والانحلال الخلقي الذي كان متفشِّيًا بين طائفة من الناس في العصر العباسي نظرًا لانتشار المواخير وبيوت النخاسة والجواري المتفلّتات من الأخلاق والحشمة، فكان الشعراء يغدون على هذه الدور ويروحون ويقولون الشعر فيها، وفيما يأتي نماذج من الأشعار عن هذا اللون من الشعر.[١]
شعراء اللهو والمجون في العصر العباسي الثاني
من أبرز شعراء المجون في العصر العباسي الثاني: أحمد بن الحجاج، ابن سكرة الهاشمي.
أحمد بن الحجاج
هو الحُسين بن أحمد بن الحجّاج، كنيتُه أبو عبد الله، قال الثعالبي عن شعره "هو وإن كان في شعره لا يستر من العقل بسحق، ولا يبقى جل قوله إلا على السخف، فإنه من سحرة الشعروعجائب العصر"، ومن أشعاره في المجون واللهو قولُه ممتدحًا الحاكم البويهيّ في بغداد:[٢]
فديتُ وجهَ الأميرِ من قَمَرْ
:::يجلو القذى نورَه عن البصرْ
فديتُ من وجهِهِ يشكّكُني
::: في أنّه من سلالةِ البشرِ
إنّ زليخًا لو أبصرَتْكَ لَما
مَلّتْ إلى الحَشرِ لذّةَ النّظَرِ
ولم تقسْ يوسفًا إليكَ كما
نجمُ السّهى لا يُقاسُ بالقمرْ
ابن سكرة الهاشمي
هو أبو الحسن محمد بن عبد الله، معروفٌ باسم ابن سكرة البغداديّ الهاشميّ، وصفه الثعالبي بقوله "شاعرٌ متّسعُ الباع في أنواعِ الإبداع، فائقٌ في قولِ المُلَح والطّريف، أحدُ الفحول الأفراد" ومن أشعارِه في الخمر والمجون قولُه:[٢]
اشربْ فلليومِ فضلٌ لو علمتَ بهِ
:::بادرتَ باللهوِ واستعجلتَ بالطّربِ
وردُ الخدودِ ووردُ الرّوضِ قد جُمِعا
::: والغيمُ مبتسمٌ والشّمسُ في الحُجُبِ
لا تحبسِ الكأسَ واشربْها مُشَعشَعَةً
حتّى تموتَ بها موتًا بلا سببِ
قصائد من شعر اللهو والمجون في العصر العباسي الثاني
- قصيدة (يا من يفندني في اللهو والترب) لابن المعتزّ:
يا مَن يُفَنِّدُني في اللَهوِ وَالتَرَبِ
- دَع ما تَراهُ وَخُذ رَأيِي فَحَسبُكَ بي
أَفي المُدامَةِ تَلحاني وَتَعذُلُني
- لَقَد جَذَبتَ جَموحاً غَيرَ مُنجَذِبِ
وَرُبَّ مِثلِكَ قَد ضاعَت نَصيحَتُهُ
- وَلَم يُطِق وُدَّ ذي رَأيٍ وَلا أَدَبِ
وَقَد يُباكِرُني الساقي فَأَشرَبُها
- راحاً تُريحُ مِنَ الأَحزانِ وَالكُرَبِ
ما زالَ يَقبِضُ روحَ الدَنِّ مِبزَلُهُ
- حَتّى تَغَلغَلَ سِلكُ الدِرِّ في الثُقَبِ
وَأَمطَرَ الكَأسُ ماءً مِن أَبارِقِهِ
- فَأَنبَتَ الدُرَّ في أَرضٍ مِنَ الذَهَبِ
وَسَبَّحَ القَومُ لَمّا أَن رَأَوا عَجَباً
- نوراً مِنَ الماءِ في نارٍ مِنَ العِنَبِ
لَم يُبقِ فيها البِلى شَيئاً سِوى شَبَحٍ
- يُقيمُهُ الظَنُّ بَينَ الصُدقِ وَالكَذِبِ
سُلافَةٌ وَرِثَتها عادُ عَن إِرَمٍ
- كانَت ذَخيرَةَ كِسرى عَن أَبٍ وَأَبِ
في جَوفِ أَكلَفَ قَد طالَ الوُقوفَ بِهِ
- لا يَشتَكي الساقَ مِن أَينٍ وَلا تَعَبِ
يَتيمَةٌ بَينَ أَهلِ الدَهرِ قَد رُزِقَت
- جَدّاً مُزاحاً وَجِدَّ الناسِ مِن لَعِبِ[٣]
- قصيدة (نزلنا دير باشهرا) لأبي العيناء الضّرير:
نزلنا دير باشهرا
- على قسّيسه ظهرا
وسقّانا وروّانا
- من الصّافية العذرا
وطاب الوقت فى الدّير
- فرابطنا به عشرا
ونلنا كلّ ما نهوا
- ه من لذّاتنا جهرا[١]
- قصيدة (عمرت بقاع دير الزعفران) لمصعب الورّاق:
عمرت بقاع دير الزّعفران
:::بفتيان غطارفة هجان
بكل فتى يحنّ إلى التصابي
- ويهوى شرب عاتقة الدّنان
بكل فتى يميل إلى الملاهي
- وأصوات المثالث والمثاني
ظللنا نعمل الكاسات فيه
- على روض كنقش الخسرواني
وأغصان تميل بها ثمار
- قريبات من الجاني دواني[١]
- قصيدة (وعواتق باشرت بين حدائق) للحسين بن الضحاك:
وعواتقٍ باشرتُ بين حدائقٍ
- ففضضتهن وقد غنين صحاحا
أتبعت وخزة تلك وخزة هذه
- حتى شربت دماءهن جراحا
أبرزتهن من الخدور حواسراً
- وتركت صون حريمهن مباحا
في دير سابر والصباح يلوح لي
- فجمعت بدراً والصباح وراحا
ومنعمٍ نازعت فضل وشاحه
- وكسوته من ساعدي وشاحا
ترك الغيور يعض جلدةَ زندهِ
- وأمال أعطافاً عليَّ ملاحا
ففعلتُ ما فعل المشوقُ بليلةٍ
- عادت لذاذتها عليَّ صباحا
فاذهب بظنك كيف شئت وكله
- مما اقترفت لذاذة وجماحا[٤]
- قصيدة (أخوي حي على الصبوح صباحا) للحسين بن الضحاك:
أخوَّي حي على الصبوح صباحا
هُبَّا ولا تعدا الصباح رواحا
هذا الشميط كأنه متحيرٌ
في الأفقِ سد طريقه فألاحا
ما تأمران بقهوةٍ قرويةٍ
قرنت إلى دركِ النجاح نجاحا
مهما أقام على الصبوحِ مُساعدٌ
وعلىالغبوقِ فلن أريدَ براحا
هل تعذران بديرِ سرجس صاحباً
بالصحو أو تريان ذاك جُناحا
إني أعيذكما بألفةِ بيننا
أن تشربا بقرى الفراتِ قراحا
عجت قواقزنا وقدس قسنا
هزجاً وأصخبنا الدجاج صياحا[٥]
- قصيدة (شهدت مواطن اللذات طرا) لأبي الشبل البرجمي:
شهدت مواطن اللذّات طرّا
- وجبت بقاعها بحرا وبرّا
فلم أر مثل أشموني محلاّ
- ألذّ لحاضريه ولا أسرّا
به جيشان من خيل وسفن
- أناخا في ذراه واستترّا
كأنهما زحوف وغى ولكن
- إلى اللذات ما كرّا وفرّا
سلاحهما القواقز والقناني
- وأكواس تدور هلمّ جرّا
وضربهما المثالث والمثاني
- إذا ما الضرب في الحرب استحرّا[١]
- قصيدة (يا دير قوطا لقد هيجت لي طربا) لعبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع:
يا دير قوطا لقد هيجت لي طربا
- أزاح عن قلبي الأحزان والكربا
كم ليلة فيك واصلت السرور بها
- لما وصلت لها الأدوار والنّخبا
في فتية بذلوا في القصف ما ملكوا
- وأنفقوا في التّصابي المال والنّشبا[١]
- قصيدة (بأبي زور أتاني بالغلس) لعبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع:
بأبي زور أتاني بالغلس
- قمت إجلالًا له حتى جلس
فتعانقنا جميعًا ساعةً
- كادت الأرواح فيها تختلس
قلت يا سؤلي ويا بدر الدّجى
- في ظلام الليل ما خفت العسس
قال: قد خفت ولكنّ الهوى
- آخذ بالروح منى والنّفس
زارني يخطر في مشيته
- حوله من نور خدّيه قبس[١]
- (قصيدة وشادن ما رأت عيني له شبها) لعبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع:
وشادن ما رأت عيني له شبها
- في الناس لا عجما منهم ولا عربا
إذا بدا مقبلًا ناديت واطربا
- وإن مضى معرضا ناديت: واحربا[١]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح خ شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني، صفحة 458 - 472. بتصرّف.
- ^ أ ب د حمدة الرويلي، شعارء الزهد والمجون في الشعر العباسي حتى نهاية القرن الراربع الهجري، صفحة 783. بتصرّف.
- ↑ "يا من يفندني في اللهو والترب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2022.
- ↑ "وعواتقٍ باشرت بين حدائقٍ"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/2/2022.
- ↑ "أخوي حي على الصبوح صباحا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/2/2022.