شعر النابغة الذبياني في الرثاء

كتابة:
شعر النابغة الذبياني في الرثاء


شعر النابغة الذبياني في الرثاء

كان النابغة الذبياني -وهو زياد بن معاوية بن ضباب الذبيانيّ- من شعراء الطبقة الأولى الذين أكثروا من شعر المديح للملوك وبخاصة النعمان بن المنذر،[١] وكذلك له مراثٍ كثيرة دوِّنَت في ديوانه للنعمان بن المنذر،[٢] ومن أبرزها ما يأتي:


قصيدة دعاك الهوى

هذه القصيدة في رثاء النعمان بن المنذر، ويقول فيها النابغة:[٣]

دَعاكَ الهَوى وَاِستَجهَلَتكَ المَنازِلُ

وَكَيفَ تَصابي المَرءَ وَالشَيبُ شامِلُ

وَقَفتُ بِرَبعِ الدارِ قَد غَيَّرَ البِلى

مَعارِفَها وَالسارِياتُ الهَواطِلُ

أُسائِلُ عَن سُعدى وَقَد مَرَّ بَعدَنا

عَلى عَرَصاتِ الدارِ سَبعٌ كَوامِلُ

فَسَلَّيتُ ما عِندي بِرَوحَةِ عِرمِسٍ

تَخُبُّ بِرَحلي تارَةً وَتُناقِلُ

مُوَثَّقَةِ الأَنساءِ مَضبورَةِ القَرا

نَعوبٍ إِذا كَلَّ العِتاقُ المَراسِلُ

كَأَنّي شَدَدتُ الرَحلَ حينَ تَشَذَّرَت

عَلى قارِحٍ مِمّا تَضَمَّنَ عاقِلُ

أَقَبَّ كَعَقدِ الأَندَرِيِّ مُسَحَّجٍ

حُزابِيَّةٍ قَد كَدَّمَتهُ المَساحِلُ

أَضَرَّ بِجَرداءِ النُسالَةِ سَمحَجٍ

يُقَلِّبُها إِذ أَعوَزَتهُ الحَلائِلُ

إِذا جاهَدَتهُ الشَدَّ جَدَّ وَإِن وَنَت

تَساقَطَ لا وانٍ وَلا مُتَخاذِلُ

وَإِن هَبَطا سَهلًا أَثارا عَجاجَةً

وَإِن عَلَوا حَزنًا تَشَظَّت جَنادِلُ

وَرَبِّ بَني البَرشاءِ ذُهلٍ وَقَيسِها

وَشَيبانَ حَيثُ اِستَبهَلَتها المَنازِلُ

لَقَد عالَني ما سَرَّها وَتَقَطَّعَت

لِرَوعاتِها مِني القُوى وَالوَسائِلُ

فَلا يَهنَئِ الأَعداءَ مَصرَعُ مَلكِهِم

وَما عَتَقَت مِنهُ تَميمٌ وَوائِلُ

وَكانَت لَهُم رِبعِيَّةٌ يَحذَرونَها

إِذا خَضخَضَت ماءَ السَماءِ القَبائِلُ

يَسيرُ بِها النُعمانُ تَغلي قُدورُهُ

تَجيشُ بِأَسبابِ المَنايا المَراجِلُ

يَحُثُّ الحُداةَ جالِزًا بِرِدائِهِ

يَقي حاجِبَيهِ ما تُثيرُ القَنابِلُ

يَقولُ رِجالٌ يُنكِرونَ خَليقَتي

لَعَلَّ زِيادًا لا أَبا لَكَ غافِلُ

أَبى غَفلَتي أَنّي إِذا ما ذَكَرتُهُ

تَحَرَّكَ داءٌ في فُؤادِيَ داخِلُ

وَأَنَّ تِلادي إِن ذَكَرتُ وَشِكَّتي

وَمُهري وَما ضَمَّت لَدَيَّ الأَنامِلُ

حِباؤُكَ وَالعيسُ العِتاقُ كَأَنَّها

هِجانُ المَها تُحدى عَلَيها الرَحائِلُ

فَإِن تَكُ قَد وَدَّعتَ غَيرَ مُذَمَّمٍ

أَواسِيَ مُلكٍ ثَبَّتَتها الأَوائِلُ

فَلا تَبعَدَن إِنَّ المَنِيَّةَ مَوعِدٌ

وَكُلُّ اِمرِئٍ يَوماً بِهِ الحالُ زائِلُ

فَما كانَ بَينَ الخَيرِ لَو جاءَ سالِمًا

أَبو حُجُرٍ إِلّا لَيالٍ قَلائِلُ

فَإِن تَحيَ لا أَملَل حَياتي وَإِن تَمُت

فَما في حَياتي بَعدَ مَوتِكَ طائِلُ

فَآبَ مُصَلّوهُ بِعَينٍ جَلِيَّةٍ

وَغودِرَ بِالجَولانِ حَزمٌ وَنائِلُ

سَقى الغَيثُ قَبرًا بَينَ بُصرى وَجاسِمٍ

بِغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ قَطرٌ وَوابِلُ

وَلا زالَ رَيحانٌ وَمِسكٌ وَعَنبَرٌ

عَلى مُنتَهاهُ ديمَةٌ ثُمَّ هاطِلُ

وَيُنبِتُ حَوذانًا وَعَوفًا مُنَوِّرًا

سَأُتبِعُهُ مِن خَيرِ ما قالَ قائِلُ

بَكى حارِثُ الجَولانِ مِن فَقدِ رَبِّهِ

وَحَورانُ مِنهُ مُوحِشٌ مُتَضائِلُ

قُعودًا لَهُ غَسّانُ يَرجونَ أَوبَهُ

وَتُركٌ وَرَهطُ الأَعجَمينَ وَكابُلُ


قصيدة كتمتك ليلًا بالجمومين

قال النابغة هذه القصيدة في رثاء النعمان بن المنذر، يقول فيها:[٤]

كَتَمتُكَ لَيلًا بِالجَمومَينِ ساهِرا

وَهَمَّينِ هَمًّا مُستَكِنًّا وَظاهِرا

أَحاديثَ نَفسٍ تَشتَكي ما يَريبُها

وَوِردَ هُمومٍ لَم يَجِدنَ مَصادِرا

تُكَلِّفُني أَن يَفعَلَ الدَهرُ هَمَّها

وَهَل وَجَدَت قَبلي عَلى الدَهرِ قادِرا

أَلَم تَرَ خَيرَ الناسِ أَصبَحَ نَعشُهُ

عَلى فِتيَةٍ قَد جاوَزَ الحَيَّ سائِرا

وَنَحنُ لَدَيهِ نَسأَلُ اللَهَ خُلدَهُ

يَرُدَّ لَنا مُلكًا وَلِلأَرضِ عامِرا

وَنَحنُ نُرَجّي الخُلدَ إِن فازَ قِدحُنا

وَنَرهَبُ قِدحَ المَوتِ إِن جاءَ قامِرا

لَكَ الخَيرُ إِن وارَت بِكَ الأَرضُ واحِداً

وَأَصبَحَ جَدُّ الناسِ يَظلَعُ عاثِرا

وَرُدَّت مَطايا الراغِبينَ وَعُرِّيَت

جِيادُكَ لا يُحفي لَها الدَهرُ حافِرا

رَأَيتُكَ تَرعاني بِعَينٍ بَصيرَةٍ

وَتَبعَثُ حُرَّاسًا عَلَيَّ وَناظِرا

وَذَلِكَ مِن قَولٍ أَتاكَ أَقولُهُ

وَمِن دَسِّ أَعدائي إِلَيكَ المَآبِرا

فَآلَيتُ لا آتيكَ إِن جِئتُ مُجرِمًا

وَلا أَبتَغي جارًا سِواكَ مُجاوِرا

فَأَهلي فِداءٌ لِاِمرِئٍ إِن أَتَيتُهُ

تَقَبَّلَ مَعروفي وَسَدَّ المَفاقِرا

سَأَكعَمُ كَلبي أَن يَريبَكَ نَبحُهُ

وَإِن كُنتُ أَرعى مُسحَلانَ فَحامِرا

وَحَلَّت بُيوتي في يَفاعٍ مُمَنَّعٍ

تَخالُ بِهِ راعي الحَمولَةِ طائِرا

تَزِلَّ الوُعولُ العُصمُ عَن قُذُفاتِهِ

وَتُضحي ذُراهُ بِالسَحابِ كَوافِرا

حِذارًا عَلى أَن لا تُنالَ مَقادَتي

وَلا نِسوَتي حَتّى يَمُتنَ حَرائِرا

أَقولُ وَإِن شَطَّت بِيَ الدارُ عَنكُمُ

إِذا ما لَقَينا مِن مَعَدٍّ مُسافِرا

أَلِكني إِلى النُعمانِ حَيثُ لَقيتَهُ

فَأَهدى لَهُ اللَهُ الغُيوثَ البَواكِرا

وَصَبَّحَهُ فُلجٌ وَلا زالَ كَعبُهُ

عَلى كُلِّ مَن عادى مِنَ الناسِ ظاهِرا

وَرَبَّ عَلَيهِ اللَهُ أَحسَنَ صُنعِهِ

وَكانَ لَهُ عَلى البَرِيَّةِ ناصِرا

فَأَلفَيتُهُ يَومًا يُبيدُ عَدوَّهُ

وَبَحرَ عَطاءٍ يَستَخِفَّ المَعابِرا


قصيدة ألم أقسم عليك

أيضًا هذه المرثيّة قالها في النعمان بن المنذر، ويقول فيها:[٥]

أَلَم أُقسِم عَلَيكَ لِتُخبِرَنّي

أَمَحمولٌ عَلى النَعشِ الهُمامُ

فَإِنّي لا أُلامُ عَلى دُخولٍ

وَلَكِن ما وَراءَكَ يا عِصامُ

فَإِن يَهلِك أَبو قابوسَ يَهلِك

رَبيعُ الناسِ وَالشَهرُ الحَرامُ

وَنُمسِكُ بَعدَهُ بِذِنابِ عَيشٍ

أَجَبِّ الظَهرِ لَيسَ لَهُ سَنامُ

المراجع

  1. الزركلي، الأعلام، صفحة 54 - 55. بتصرّف.
  2. حسن صالح سلطان، نصرت صالح يونس، رثاء الأحياء / رثاء الأموات قراءة في مراثي النابغة الذبياني، صفحة 137 - 154. بتصرّف.
  3. محمد أبو الفضل إبراهيم، ديوان النابغة الذبياني، صفحة 115. بتصرّف.
  4. "كتمتك ليلاً بالجمومين ساهرا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/1/2022.
  5. "ألم أقسم عليك لتخبرني"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/1/2022.
6121 مشاهدة
للأعلى للسفل
×