النابغة الذبياني
يعدّ النابغة الذبياني من أشهر شعراء العصر الجاهلي، وهو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضريّ، كان يُكنَّى بأبي أمامة، ولد في عام 535 م، وتوفّي في عام 604 م، وهو من الذين كانت تُضرب لهم قبة من جلد أحمر في سوق عكاظ لتعرض أشعاره عليها، أما عن لقبه النابغة فقد لُقّب به لأنّه نبغ في الشعر ليكون إبداعه في كتابة القصيدة دفعة واحدة، وقيل بأنَّه سُمِّيَ بالنابغة لأنه لم يكتب الشعر حتى استوى رَجُلًا، وهو من شعراء المعلقات، وقد تنوعت الأغراض الشعرية بالنسبة للنابغة الذبياني، لكن شعر النابغة الذبياني في الغزل كان من أجمل ما كُتب فيه، وفي هذا المقال سيتم تناول بعض شعر النابغة الذبياني في الغزل.
شعر النابغة الذبياني في الغزل
كان النابغة الذبياني من الشعراء الذي ذات صيتهم في الغزل، فكتب العديد من القصائد التي احتوت أبياتها على الغزل من خلال بعض المفردات والتشبيهات التي جعلت شعر النابغة الذبياني في الغزل من أجمل ما كُتب في الشعر العربي، وفيما يأتي بعض شعر النابغة الذبياني في الغزل:
- يقول في إحدى قصائده:
نَظَرَتْ بمُقْلَة شادِنٍ مُتَرَبِّبٍ
- أحوى، أحمَّ المقلتينِ، مقلدِ
والنظمُ في سلكٍ يزينُ نحرها
- ذهبٌ توقَّدُ، كالشّهابِ المُوقَدِ
صَفراءُ كالسِّيرَاءِ، أكْمِلَ خَلقُها
- كالغُصنِ، في غُلَوائِهِ، المتأوِّدِ
قامتْ تراءى بينَ سجفيْ كلةٍ
- كالشّمسِ يومَ طُلُوعِها بالأسعُدِ
أوْ دُرّةٍ صَدَفِيّة ٍ غوّاصُها
- بَهِجٌ متى يرها يهلّ ويسجدِ
أو دُميَة ٍ مِنْ مَرْمَرٍ، مرفوعة ٍ
- بنيتْ بآجرٍ، تشادُ، وقرمدِ
- ويقول:
سَقَطَ النّصيفُ، ولم تُرِدْ إسقاطَهُ
- فتناولتهُ، واتقتنا باليدِ
بمُخَضَّبٍ رَخْصٍ، كأنّ بنانَهُ
- عنمٌ، يكادُ من اللطافةِ يُعقدِ
نظرَتْ إليك بحاجة ٍ لم تَقْضِها
- نظرَ السقيمِ إلى وجوهِ العُوَّدِ
تَجْلُو بقادِمَتَيْ حَمامة أيكَةٍ
- برداً أسفّ لثاتهُ بالإثمدِ
كالأقحوانِ، غَداة َ غِبّ سَمائِه
- جفتْ أعاليهِ، وأسفلهُ ندي
أخذ العذارى عِقدَها، فنَظَمْنَهُ
- مِن لُؤلُؤٍ مُتتابِعٍ، مُتَسَرِّدِ
لو أنها عرضتْ لأشمطَ راهبٍ
- عبدَ الإلهِ، صرورةٍ، متعبدِ
لرنا لبهجتها، وحسنِ حديثها
- ولخالهُ رشداً وإنْ لم يرشدِ
- ويقول أيضًا:
لَعَمري لَنِعمَ الحَيِّ صَبَّحَ سِربَنا
- وَأَبياتَنا يَوماً بِذاتِ المَراوِدِ
يَقودُهُمُ النُعمانُ مِنهُ بِمُحصَفٍ
- وَكَيدٍ يَغُمُّ الخارِجِيَّ مُناجِدِ
وَشيمَةِ لا وانٍ وَلا واهِنِ القُوى
- وَجَدٍّ إِذا خابَ المُفيدونَ صاعِدِ
فَآبَ بِأَبكارٍ وَعونٍ عَقائِلٍ
- أَوانِسَ يَحميها اِمرُؤٌ غَيرُ زاهِدِ
يُخَطَّطنَ بِالعيدانِ في كُلِّ مَقعَدٍ
- وَيَخبَأنَ رُمّانَ الثُدِيِّ النَواهِدِ
وَيَضرِبنَ بِالأَيدي وَراءَ بَراغِزٍ
- حِسانِ الوُجوهِ كَالظِباءِ العَواقِدِ
غَرائِرُ لَم يَلقَينَ بَأساءَ قَبلَها
- لَدى اِبنِ الجُلاحِ ما يَثِقنَ بِوافِدِ
- ويقول:
بانَتْ سُعادُ، وأمْسَى حَبلُها انجذما
- واحتَلّتِ الشَّرْعَ فالأجزاعَ من إضَما
إحْدى بَلِيٍّ، وما هامَ الفُؤادُ بها،
- إلاّ السّفاهَ، وإلاّ ذِكْرَةً حُلمَا
ليستْ منَ السّودِ أعقابًا إذا انصرفتْ،
- ولا تَبيعُ، بجَنْبَيْ نَخْلَةَ، البُرَمَا
غَرّاءُ أكمَلُ مَنْ يَمشِي على قَدَم
- حُسْناً وأمْلَحُ مَن حاوَرْتَهُ الكَلِمَا
قالت: أراكَ أخا رَحْلٍ وراحِلَةٍ،
- تَغشَى مَتالِفَ، لن يُنظِرْنك الـهرَمَا
حَيّاكِ رَبّي، فإنّا لا يَحِلّ لَنا
- لَهْوُ النّساءِ، وإنّ الدِّينَ قد عزَمَا
مُشَمّرينَ على خُوصٍ مُزَمَّمَةٍ،
- نرجو الإلـهَ، ونرجو البِرّ والطُّعَمَا
هَلاّ سألْتِ بَني ذُبيانَ ما حَسَبي،
- إذا الدّخانُ تَغَشّى الأشمَطَ البَرما
وهَبّتِ الرّيحُ مِنْ تِلقاءِ ذي أُرُلٍ،
- تُزجي مع اللّيلِ من صُرّادِها صِرَمَا
صُهبَ الظّلالِ أتَينَ التّينَ عن عُرُضٍ
- يُزْجينُ غَيْماً قليلاً ماؤهُ شَبِمَا
- ويقول:
أتارِكَةٌ تدَلَلّهَا قَطامِ
- وضِنّاً بالتّحِيّةِ والكَلامِ
فإنْ كانَ الدّلالَ، فلا تَلَجّي؛
- وإنْ كانَ الوَداعَ، فبالسّلامِ
فلو كانَتْ، غداةَ، البَينِ مَنّتْ
- وقد رَفَعُوا الخدُورَ على الخِيامِ
صفَحْتُ بنَظرَةٍ، فرأيتُ منها
- تُحَيْتَ الخِدْرِ، واضِعَةَ القِرامِ
ترائِبَ يَسْتَضِيءُ الحَلْيُ فيها،
- كجَمْرِ النّارِ بُذّرَ بالظّلامِ
كأنّ الشّذْرَ والياقوتَ، منها،
- على جَيْداءَ فاتِرَةِ البُغامِ
خَلَتْ بغَزالِها، ودَنَا علَيها
- أراكُ الجزْعِ، أسْفَلَ مِن سَنامِ
تَسَفُّ بَريرَهُ، وتَرودُ فيهِ،
- إلى دُبُرِ النّهارِ، مِنَ البَشَامِ
- إلى دُبُرِ النّهارِ، مِنَ البَشَامِ
شعر النابغة الذبياني في الحكمة
يعد النابغة الذبياني من الشعراء البارعين في كتابة الحكمة، إلى جانب شعر النابغة الذبياني في الغزل فقد كان له العديدُ من القصائد التي تضمنت أبيات تعكس تجربته في الحياة، لينقل هذه التجربة إلى القصائد بطابع الحكمة والنصح، وفيما يأتي بعض أبيات النابغة الذبياني في الحكمة:
- يقول:
وَاِستَبقِ وِدَّكَ لِلصَديقِ وَلا تَكُن
- قَتَباً يَعَضُّ بِغارِبٍ مِلحاحا
فَالرُفقُ يُمنٌ وَالأَناةُ سَعادَةٌ
- فَتَأَنَّ في رِفقٍ تَنالُ نَجاحا
وَاليَأسُ مِمّا فاتَ يُعقِبُ راحَةً
- وَلِرُبَّ مَطعَمَةٍ تَعودُ ذُباحا
يَعِدُ اِبنَ جَفنَةَ وَاِبنَ هاتِكِ عَرشِهِ
- وَالحارِثَينِ بِأَن يَزيدَ فَلاحا
وَلَقَد رَأى أَنَّ الَّذي هُوَ غالَهُم
- قَد غالَ حِميَرَ قَيلَها الصَبّاحا
وَالتُبَّعَينِ وَذا نُؤاسٍ غُدوَةً
- وَعلا أُذَينَةَ سالِبَ الأَرواحا
- وَعلا أُذَينَةَ سالِبَ الأَرواحا
- ويقول:
مَن يَطلِبِ الدَهرُ تُدرِكهُ مَخالِبُهُ
- وَالدَهرُ بِالوِترِ ناجٍ غَيرُ مَطلوبِ
ما مِن أُناسٍ ذَوي مَجدٍ وَمَكرُمةٍ
- إِلّا يَشُدُّ عَلَيهِم شِدَّةَ الذيبِ
حَتّى يُبيدَ عَلى عَمدٍ سَراتَهُمُ
- بِالنافِذاتِ مِنَ النَبلِ المَصايِيبِ
إِنّي وَجَدتُ سِهامَ المَوتِ مُعرِضَةً
- بِكُلِّ حَتفٍ مِنَ الآجالِ مَكتوبِ
- بِكُلِّ حَتفٍ مِنَ الآجالِ مَكتوبِ