محتويات
قصيدة: ترى الرجل النحيف فتزدريه
قال العباس بن فرناس:[١]
تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ
- وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ
وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ
- فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ
فَما عِظَمُ الرِجالِ لَهُم بِفَخرٍ
- وَلَكِن فَخرُهُم كَرَمٌ وَخَيرُ
بُغاثُ الطَيرِ أَكثَرُها فِراخًا
- وَاُمُّ الصَقرِ مِقلاتٌ نَزورُ
ضِعافُ الطَيرِ أَطوَلُها جُسومًا
- وَلَم تَطُلِ البُزاةُ وَلا الصُقورُ
ضِعافُ الأُسدِ أَكثرُها زَئيرًا
- وَأَصرَمُها اللَواتي لا تَزيرُ
لَقَد عَظُمَ البَعيرُ بِغَيرِ لُبِّ
- فَلَم يَستَغنِ بِالعِظَمِ البَعيرُ
يُصَرِّفُهُ الصَبيُّ بِكُلِّ وَجهٍ
- وَيَحبِسُهُ عَلى الخَسفِ الجَريرُ
وَتَضرِبُهُ الَوليدَةُ بِالهَراوى
- فَلا غِيَرٌ لَدَيهِ وَلا نَكيرُ
فَإِن أَكُ في شِرارِكُمُ قَليلاً
- فَإِنّي في خِيارِكُمُ كَثيرُ
قصيدة: أقيموا بني أمي صدور مطيكم
أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم
- فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ
فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ
- وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ
وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى
- وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ
لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ
- سَرى راغِباً أَو راهِباً وَهوَ يَعقِلُ
وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ
- وَأَرقَطُ زُهلولٌ وَعَرفاءُ جَيأَلُ
هُمُ الرَهطُ لا مُستَودَعُ السِرَّ ذائِعٌ
- لَدَيهِم وَلا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ
وَكُلٌّ أَبِيٌّ باسِلٌ غَيرَ أَننَّي
- إِذا عَرَضَت أُولى الطَرائِدِ أَبسَلُ
وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ
- بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ
وَما ذاكَ إِلاّ بَسطَةٌ عَن تَفَضُّلٍ
- عَلَيهِم وَكانَ الأَفضَلَ المُتَفَضَّلُ
وَلي صاحِبٌ من دونِهم لا يَخونني
- إِذا التبسَت كفِّي بِهِ يَتَأكّلُ
وَإِنّي كَفانِي فَقدُ مَن لَيسَ جازِياً
- بِحُسنى وَلا في قُربٍه مُتَعَلَّلُ
ثَلاثَةُ أَصحابٍ فُؤادٌ مُشَيَّعٌ
- وَأَبيَضُ إِصليتٌ وَصَفراءُ عَيطَلُ
هَتوفٌ مِنَ المُلسِ المُتونِ يَزينُها
- رَصائِعُ قَد نيطَت إلَيها وَمِحمَلُ
إِذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها
- مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ
وَأَغدو خميصَ البَطنِ لا يَستَفِزُّني
- إِلى الزاد حِرصٌ أَو فُؤادٌ مُوَكّلُ
وَلَستُ بِمِهيافٍ يُعَشّي سَوامَهُ
- مُجَدَّعَةً سُقبانَها وَهيَ بُهَّلُ
وَلا جَبأَ أَكهى مُرِبٍّ بِعِرسِهِ
- يُطالِعُها في شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ
وَلا خَرِقٍ هَيقٍ كَأَنَّ فُؤادَهُ
- يَظَلُّ بِهِ المُكَّاءُ يَعلو وَيَسفِلُ
وَلا خالِفٍ دارِيَّةٍ مُتَغَزَّلٍ
- يَروحُ وَيَغدو داهِناً يَتَكَحَّلُ
وَلَستُ بِعَلٍّ شَرُّهُ دونَ خَيرِهِ
- أَلَفَّ إِذا ما رُعتَهُ اِهتاجَ أَعزَلُ
وَلَستُ بِمِحيارِ الظَلامِ إِذا اِنتَحَت
- هُدى الهَوجِل العِسّيفِ يَهماءُ هَوجَلُ
إِذا الأَمَعزُ الصُوّانُ لاقى مَناسِمي
- تَطايَرَ مِنهُ قادِحٌ وَمُفَلَّلُ
أَديمُ مِطالَ الجوعِ حَتّى أُميتَهُ
- وَأَضرِبُ عَنهُ الذِكرَ صَفحاً فَأَذهَلُ
وَأَستَفُّ تُربَ الأَرضِ كَيلا يَرى لَهُ
- عَلَيَّ مِنَ الطَولِ اِمُرؤ مُتَطَوَّلُ
وَلَولا اجتِنابُ الذَأم لَم يُلفَ مَشرَبٌ
- يُعاشُ بِهِ إِلّا لَدَيَّ وَمَأكَلُ
وَلَكِنَّ نَفساً مُرَّةً لا تُقيمُ بي
- عَلى الذَأمِ إِلّا رَيثما أَتَحَوَّلُ
وَاَطوي عَلى الخُمصِ الحَوايا كَما اِنطَوَت
- خُيوطَةُ مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ
وَأَغدو عَلى القوتِ الزَهيدِ كَما غَدَا
- أَزَلُّ تَهاداهُ التَنائِفُ أَطحَلُ
غَدا طاوِيًا يُعارِضُ الريحَ هافِيًا
- يَخوتُ بِأَذنابِ الشِعابِ وَيَعسَلُ
فَلَمّا لَواهُ القوتُ مِن حَيثُ أَمَّهُ
- دَعا فَأَجابَتهُ نَظائِرُ نُحَّلُ
مُهَلهَةٌ شِيبُ الوُجوهِ كَأَنَّها
- قِداحٌ بِكَفَّي ياسِرٍ تَتَقَلقَلُ
أَو الخَشرَمُ المَبعوثُ حَثحَثَ دَبرَهُ
- مَحابيضُ أَرداهُنَّ سامٍ مُعَسَّلُ
مُهَرَّتَهٌ فوهٌ كَأَنَّ شُدوقَها
- شُقوقُ العِصِيَّ كَالِحاتٌ وَبُسلُ
فَضَجَّ وَضَجَّت بِالبَراح كَأَنَّها
- وَإِيّاه نوحٌ فَوقَ عَلياءَ ثُكَّلُ
وَأَغضى وَأَغضَت وَاِتَّسى وَاِتَّسَت بِهِ
- مَراميلُ عَزّاها وَعَزَّتهُ مُرمِلُ
شَكا وَشَكَت ثُمَّ اِرعَوى بَعدُ وَاِرعَوَت
- وَلَلصَّبرُ إِن لَم يَنفَع الشَكوُ أَجمَلُ
وَفاءَ وَفاءَت بادِراتٌ وَكُلُّهَا
- عَلى نَكَظٍ مِمّا يُكاتِمُ مُجمِلُ
وَتَشرِبُ أَسآرِيَ القَطا الكُدرُ بَعدَما
- سَرَت قَرَباً أَحناؤُها تَتَصَلصَلُ
هَمَمتُ وَهَمَّت وَاِبتَدَرنا وَأَسدَلَت
- وَشَمَّرَ مِنّي فارِطٌ مُتَمَهَّلُ
فَوَلَّيتُ عَنها وَهَي تَكبو لِعَقرِهِ
- يُباشِرُهُ مِنها ذُقونٌ وَحَوصَلُ
كَأَنَ وَغاها حَجرَتَيهِ وَحَولَهُ
- أَضاميمُ مِن سِفرِ القَبائِلِ نُزَّلُ
تَوافَينَ مِن شَتّى إِلَيهِ فَضَمَّها
- كَما ضَمَّ أَذوادَ الأَصاريمِ مَنهَلُ
فَعَبَّت غِشاشاً ثُمَّ مَرَّت كَأَنَّها
- مَعَ الصُبحِ رَكبٌ مِن أُحاضَةَ مُجفِلُ
وَآلَفَ وَجهَ الأَرضِ عِندَ افتِراشِها
- بِأَهدَأ تُنبيهِ سَناسِنُ قُحَّلُ
وَأَعدِلُ مَنحوضاً كَأَنَّ فُصوصَهُ
- كِعابٌ دَحاها لاعِبٌ فَهيَ مُثَّلُ
فَإِن تَبتَئِس بِالشَنفَرى أُمُّ قَسطَلٍ
- لَما اِغتَبَطَت بِالشَنفَرى قَبلُ أَطوَلُ
طَريدُ جِناياتٍ تَياسَرنَ لَحمَهُ
- عَقيرَتُهُ لأَيَّها حُمَّ أَوَّلُ
تَنامُ إِذا ما نامَ يَقظى عُيونُها
- حِثاثًا إِلى مَكروهِهِ تَتَغَلغَلُ
وَإِلفُ هُمومٍ ما تَزالُ تَعودُهُ
- عِيادًا كَحُمّى الرَبعِ أَو هِيَ أَثقَلُ
إِذا وَرَدت أَصدَرتُها ثُمَّ إِنَّها
- تَثوبُ فَتَأتي مِن تُحَيتٍ وَمِن عَلُ
فَإِمّا تَرَيني كَاِبنَةِ الرَملِ ضاحِياً
- عَلى رِقَّةٍ أَحفى وَلا أَتَنَعَّلُ
فَإِنّي لَمَولى الصَبرِ أَجتابُ بَزَّهُ
- عَلى مِثلِ قَلبِ السِمعِ وَالحَزمَ أَفعَلُ
وَأُعدِمُ أَحياناً وَأَغنى وَإِنَّما
- يَنالُ الغِنى ذو البُعَدةِ المُتَبَذَّلُ
فَلا جَزعٌ مِن خَلَّةٍ مُتَكَثَّفٌ
- وَلا مَرحٌ تَحتَ الغِنى أَتَخَيَّلُ
وَلا تَزدَهي الأَجهالُ حِلمي وَلا أَرى
- سِؤولًا بِأعقابِ الأَقاويلِ أَنمُلُ
وَلَيلَةِ نَحسٍ يَصطَلِيَ القَوسَ رَبُّها
- وَأَقطُعَهُ اللاتي بِها يَتَنَبَّلُ
دَعَستُ عَلى غَطشٍ وَبَغشٍ وَصُحبَتي
- سُعارٌ وَإِرزيزٌ وَوَجرٌ وَأَفكُلُ
فَأَيَّمتُ نِسواناً وَأَيتَمتُ آلَدَةً
- وَعُدتُ كَما أَبدَأتُ وَاللَيلُ أَليَلُ
وَأَصبَحَ عني بِالغُمَيصاءِ جالِسًا
- فَريقانِ مَسؤولٌ وَآخَرُ يَسأَلُ
فَقالوا لَقَد هَرَّت بِلَيلٍ كِلابُنَا
- فَقُلنا أَذِئُبٌ عَسَّ أَم عَسَّ فُرغُلُ
فَلَم تَكُ إِلّا نَبأَةً ثُمَّ هَوَّمَت
- فَقُلنا قَطاةٌ ريعَ أَم رِيَعَ أَجدَلُ
فَإِن يَكُ مِن جِنٍّ لَأَبَرحُ طارِقًا
- وَإِن يَكُ أُنساً ماكَها الأُنسُ تَفعَلُ
وَيَومٍ مِنَ الشِعرى يَذوبُ لَوابُهُ
- أَفاعيهِ في رَمضائِهِ تَتَمَلمَلُ
نَصَبتُ لَهُ وَجهي وَلا كِنَّ دونَهُ
- وَلا سِترَ إِلّا الأَتُحَمِيَ المُرَعبَلُ
وَضافٍ إِذا هَبَّت لَهُ الريحُ طَيَّرَت
- لَبائِدَ عَن أَعطافِهِ ما تَرَجَّلُ
بَعيدٌ بِمَسَّ الدُهنِ وَالفَليُ عَهدُهُ
- لَهُ عَبَسٌ عافٍ مِنَ الغِسلِ مُحوِلُ
وَخَرقٍ كَضَهرِ التِرسِ قَفرٍ قَطَعتُهُ
- بِعامِلَتَينِ ظَهرُهُ لَيسَ يُعمَلُ
وَأَلحَقتُ أولاهُ بِأُخراهُ موفِياً
- عَلى قُنَّةٍ أُقعي مِراراً وَأَمثِلُ
تَرودُ الأَراوِيَ الصُحمُ حَولِي كَأَنَّها
- عَذارى عَلَيهنَّ المُلاءُ المُذَيَّلُ
وَيَركُدنَ بالآصالِ حَولِي كَأَنَّني
- مِنَ العُصم أَدفى يَنتَحي الكَيحَ أَعقَلُ
قصيدة: أعلى الممالك ما يبنى على الأسل
أَعلى المَمالِكِ ما يُبنى عَلى الأَسَلِ
- وَالطَعنُ عِندَ مُحِبِّيهِنَّ كَالقُبَلِ
وَما تَقِرُّ سُيوفٌ في مَمالِكِها
- حَتّى تُقَلقَلُ دَهراً قَبلُ في القَلَلِ
مِثلُ الأَميرِ بَغى أَمراً فَقَرَّ بِهِ
- طولُ الرِماحِ وَأَيدي الخَيلِ وَالإِبِلِ
وَعَزمَةٌ بَعَثَتها هِمَّةٌ زُحَلٌ
- مِن تَحتِها بِمَكانِ التُربِ مِن زُحَلِ
عَلى الفُراتِ أَعاصيرٌ وَفي حَلَبٍ
- تَوَحُّشٌ لِمُلَقّي النَصرِ مُقتَبَلِ
تَتلو أَسِنَّتُهُ الكُتبَ الَّتي نَفَذَت
- وَيَجعَلُ الخَيلَ أَبدالاً مِنَ الرُسُلِ
يَلقى المُلوكَ فَلا يَلقى سِوى جَزَرٍ
- وَما أَعَدّوا فَلا يَلقي سِوى نَفَلِ
صانَ الخَليفَةُ بِالأَبطالِ مُهجَتَهُ
- صِيانَةَ الذَكَرِ الهِندِيَّ بِالخَلَلِ
الفاعِلُ الفِعلَ لَم يُفعَل لِشِدَّتِهِ
- وَالقائِلُ القَولَ لَم يُترَك وَلَم يُقَلِ
وَالباعِثُ الجَيشَ قَد غالَت عَجاجَتُهُ
- ضَوءَ النَهارِ فَصارَ الظُهرُ كَالطَفَلِ
الجَوُّ أَضيَقُ ما لاقاهُ ساطِعُها
- وَمُقلَةُ الشَمسِ فيهِ أَحيَرُ المُقَلِ
يَنالُ أَبعَدَ مِنها وَهيَ ناظِرَةٌ
- فَما تُقابِلُهُ إِلّا عَلى وَجَلِ
قَد عَرَّضَ السَيفَ دونَ النازِلاتِ بِهِ
- وَظاهَرَ الحَزمَ بَينَ النَفسِ وَالغِيَلِ
وَوَكَّلَ الظَنَّ بِالأَسرارِ فَاِنكَشَفَت
- لَهُ ضَمائِرُ أَهلِ السَهلِ وَالجَبَلِ
هُوَ الشُجاعُ يَعُدُّ البُخلَ مِن جُبُنٍ
- وَهوَ الجَوادُ يَعُدُّ الجُبنَ مِن بَخَلِ
يَعودُ مِن كُلِّ فَتحٍ غَيرَ مُفتَخِرٍ
- وَقَد أَغَذَّ إِلَيهِ غَيرَ مُحتَفِلٍ
وَلا يُجيرُ عَلَيهِ الدَهرُ بُغيَتَهُ
- وَلا تُحَصِّنُ دِرعٌ مُهجَةَ البَطَلِ
إِذا خَلَعتُ عَلى عِرضٍ لَهُ حُلَلاً
- وَجَدتُها مِنهُ في أَبهى مِنَ الحُلَلِ
بِذي الغَباوَةِ مِن إِنشادِها ضَرَرٌ
- كَما تُضِرُّ رِياحُ الوَردِ بِالجُعَلِ
لَقَد رَأَت كُلُّ عَينٍ مِنكَ مالِئَها
- وَجَرَّبَت خَيرَ سَيفٍ خَيرَةُ الدُوَلِ
فَما تُكَشِّفُكَ الأَعداءُ مِن مَلَلٍ
- مِنَ الحُروبِ وَلا الآراءِ عَن زَلَلِ
وَكَم رِجالٍ بِلا أَرضٍ لِكَثرَتِهِم
- تَرَكتَ جَمعَهُمُ أَرضاً بِلا رَجُلِ
ما زالَ طِرفُكَ يَجري في دِمائِهِمِ
- حَتّى مَشى بِكَ مَشيَ الشارِبِ الثَمِلِ
يا مَن يَسيرُ وَحُكمُ الناظِرينَ لَهُ
- فيما يَراهُ وَحُكمُ القَلبِ في الجَذَلِ
إِنَّ السَعادَةَ فيما أَنتَ فاعِلُهُ
- وُفِّقتَ مُرتَحِلاً أَو غَيرَ مُرتَحِلِ
أَجرِ الجِيادَ عَلى ما كُنتَ مُجرِيَها
- وَخُذ بِنَفسِكَ في أَخلاقِكَ الأُوَلِ
يَنظُرنَ مِن مُقَلٍ أَدمى أَحِجَّتَها
- قَرعُ الفَوارِسِ بِالعَسّالَةِ الذُبُلِ
فَلا هَجَمتَ بِها إِلّا عَلى ظَفَرٍ
- وَلا وَصَلتَ بِها إِلّا عَلى أَمَلِ
قصيدة: الرأي قبل شجاعة الشجعان
قال المتنبي:[٤]
الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ
- هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ
- بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ
وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ
- بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ
لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ
- أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ
وَلَما تَفاضَلَتِ النُفوسُ وَدَبَّرَت
- أَيدي الكُماةِ عَوالِيَ المُرّانِ
لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ
- لَمّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ
خاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتّى ما دُرى
- أَمِنِ اِحتِقارٍ ذاكَ أَم نِسيانِ
وَسَعى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ في العُلى
- أَهلُ الزَمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ
تَخِذوا المَجالِسَ في البُيوتِ وَعِندَهُ
- أَنَّ السُروجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
وَتَوَهَّموا اللَعِبَ الوَغى وَالطَعنُ في ال
- هَيجاءِ غَيرُ الطَعنِ في المَيدانِ
قادَ الجِيادَ إِلى الطِعانِ وَلَم يَقُد
- إِلّا إِلى العاداتِ وَالأَوطانِ
كُلُّ اِبنِ سابِقَةٍ يُغيرُ بِحُسنِهِ
- في قَلبِ صاحِبِهِ عَلى الأَحزانِ
إِن خُلِّيَت رُبِطَت بِآدابِ الوَغى
- فَدُعاؤُها يُغني عَنِ الأَرسانِ
في جَحفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبارُهُ
- فَكَأَنَّما يُبصِرنَ بِالآذانِ
يَرمي بِها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ
- كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَريبٌ دانِ
فَكَأَنَّ أَرجُلَها بِتُربَةِ مَنبِجٍ
- يَطرَحنَ أَيدِيَها بِحِصنِ الرانِ
حَتّى عَبَرنَ بِأَرسَناسَ سَوابِحاً
- يَنشُرنَ فيهِ عَمائِمَ الفُرسانِ
يَقمُصنَ في مِثلِ المُدى مِن بارِدٍ
- يَذَرُ الفُحولَ وَهُنَّ كَالخِصيانِ
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ
- تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلتَقِيانِ
رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ
- وَثَنى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ
- وَبَنى السَفينَ لَهُ مِنَ الصُلبانِ
وَحَشاهُ عادِيَةً بِغَيرِ قَوائِمٍ
- عُقمَ البُطونِ حَوالِكَ الأَلوانِ
تَأتي بِما سَبَتِ الخُيولُ كَأَنَّها
- تَحتَ الحِسانِ مَرابِضُ الغِزلانِ
بَحرٌ تَعَوَّدَ أَن يُذِمَّ لِأَهلِهِ
- مِن دَهرِهِ وَطَوارِقِ الحَدَثانِ
فَتَرَكتَهُ وَإِذا أَذَمَّ مِنَ الوَرى
- راعاكَ وَاِستَثنى بَني حَمدانِ
المُخفِرينَ بِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ
- ذِمَمَ الدُروعِ عَلى ذَوي التيجانِ
مُتَصَعلِكينَ عَلى كَثافَةِ مُلكِهِم
- مُتَواضِعينَ عَلى عَظيمِ الشانِ
يَتَقَيَّلونَ ظِلالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ
- أَجَلِ الظَليمِ وَرِبقَةِ السَرحانِ
خَضَعَت لِمُنصُلِكَ المَناصِلُ عَنوَةً
- وَأَذَلَّ دينُكَ سائِرَ الأَديانِ
وَعَلى الدُروبِ وَفي الرُجوعِ غَضاضَةٌ
- وَالسَيرُ مُمتَنِعٌ مِنَ الإِمكانِ
وَالطُرقُ ضَيِّقَةُ المَسالِكِ بِالقَنا
- وَالكُفرُ مُجتَمِعٌ عَلى الإيمانِ
نَظَروا إِلى زُبَرِ الحَديدِ كَأَنَّما
- يَصعَدنَ بَينَ مَناكِبِ العِقبانِ
وَفَوارِسٍ يُحَيِ الحِمامُ نُفوسَها
- فَكَأَنَّها لَيسَت مِنَ الحَيَوانِ
ما زِلتَ تَضرِبُهُم دِراكاً في الذُرى
- ضَربًا كَأَنَّ السَيفَ فيهِ اِثنانِ
خَصَّ الجَماجِمَ وَالوُجوهَ كَأَنَّما
- جاءَت إِلَيكَ جُسومُهُم بِأَمانِ
فَرَمَوا بِما يَرمونَ عَنهُ وَأَدبَروا
- يَطَؤونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ
يَغشاهُمُ مَطَرُ السَحابِ مُفَصَّلًا
- بِمُثَقَّفٍ وَمُهَنَّدٍ وَسِنانِ
حُرِموا الَّذي أَمِلوا وَأَدرَكَ مِنهُمُ
- آمالَهُ مَن عادَ بِالحِرمانِ
وَإِذا الرِماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ
- شَغَلَتهُ مُهجَتُهُ عَنِ الإِخوانِ
هَيهاتَ عاقَ عَنِ العِوادِ قَواضِبٌ
- كَثُرَ القَتيلُ بِها وَقَلَّ العاني
وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فيهِمِ
- فَأَطَعنَهُ في طاعَةِ الرَحمَنِ
قَد سَوَّدَت شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُم
- فَكَأَنَّ فيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ
وَجَرى عَلى الوَرَقِ النَجيعُ القاني
- فَكَأَنَّهُ النارَنجُ في الأَغصانِ
إِنَّ السُيوفَ مَعَ الَّذينَ قُلوبُهُم
- كَقُلوبِهِنَّ إِذا اِلتَقى الجَمعانِ
تَلقى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ
- مِثلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ
رَفَعَت بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَت
- قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النيرانِ
أَنسابُ فَخرِهِمِ إِلَيكَ وَإِنَّما
- أَنسابُ أَصلِهِمِ إِلى عَدنانِ
يا مَن يُقَتِّلُ مَن أَرادَ بِسَيفِهِ
- أَصبَحتُ مِن قَتلاكَ بِالإِحسانِ
فَإِذا رَأَيتُكَ حارَ دونَكَ ناظِري
- وَإِذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني
لقراءة المزيد من القصائد، إليك هذا المقال: شعر عن الشجاعة.
المراجع
- ↑ "ترى الرجل النحيف فتزدريه"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-01-2020.
- ↑ "أقيموا بني أمي صدور مطيكم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-01-2020.
- ↑ "أعلى الممالك ما يبنى على الأسل"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-01-2020.
- ↑ "الرأي قبل شجاعة الشجعان"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-01-2020.