شعر عن الموت

كتابة:
شعر عن الموت

أما يردعُ الموتُ

قال أبو فراس الحمداني:

أما يردعُ الموتُ أهلَ النهّى

وَيَمْنَعُ عَنْ غَيّهِ مَنْ غَوَى
أمَا عَالِمٌ، عَارِفٌ بالزّمانِ 
يروحُ ويغدو قصيرَ الخطا
فَيَا لاهِيًا، آمِنًا، وَالحِمَامُ 
إليهِ سريعٌ، قريبُ المدى

يُسَرّ بِشَيْءٍ كَأَنْ قَدْ مَضَى

ويأمنُ شيئًا كأنْ قد أتى

إذا مَا مَرَرْتَ بِأهْلِ القُبُورِ

تيقّنتَ أنّكَ منهمْ غدا

وأنَّ العزيزَ بها والذّليلَ

سَوَاءٌ إذا أُسْلِمَا لِلْبِلَى

غَرِيبَيْنِ، مَا لَهُمَا مُؤنِسٌ،

وَحِيدَيْنِ، تَحْتَ طِبَاقِ الثّرَى

فلا أملٌ غيرُ عفوِ الإلهِ

وَلا عَمَلٌ غَيْرُ مَا قَدْ مَضَى
فَإنْ كَانَ خَيْراً فَخَيْراً تَنَالُ 
وإنْ كانَ شرّاً فشرّاً يرى[١]

كفى بكَ داءً

قال الشاعر المتنبي:

كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا

وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا

تَمَنّيْتَهَا لمّا تَمَنّيْتَ أنْ تَرَى

صَديقًا فأعْيَا أوْ عَدُوًا مُداجِيَا

إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ

فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا

وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ

وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا

فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ من الطَّوَى

وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا

حَبَبْتُكَ قَلْبي قَبلَ حُبّكَ من نأى

وَقد كانَ غَدّاراً فكُنْ أنتَ وَافِيَا

وَأعْلَمُ أنّ البَينَ يُشكيكَ بَعْدَهُ

فَلَسْتَ فُؤادي إنْ رَأيْتُكَ شَاكِيَا

فإنّ دُمُوعَ العَينِ غُدْرٌ بِرَبّهَا

إذا كُنّ إثْرَ الغَادِرِين جَوَارِيَا

إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خَلاصًا من الأذَى

فَلا الحَمدُ مكسوبًا وَلا المالُ باقِيَا

وَللنّفْسِ أخْلاقٌ تَدُلّ على الفَتى

أكانَ سَخاءً ما أتَى أمْ تَسَاخِيَا

أقِلَّ اشتِياقًا أيّهَا القَلْبُ رُبّمَا

رَأيْتُكَ تُصْفي الوُدّ من ليسَ صافيَا

خُلِقْتُ ألُوفًا لَوْ رَجعتُ إلى الصّبَى

لَفارَقتُ شَيبي مُوجَعَ القلبِ باكِيَا

وَلَكِنّ بالفُسْطاطِ بَحْرًا أزَرْتُهُ

حَيَاتي وَنُصْحي وَالهَوَى وَالقَوَافِيَا[٢]

الموتُ رَبْعُ فَناءٍ

قال أبو العلاء المعرّي:

الموتُ رَبْعُ فَناءٍ لم يَضَعْ قَدَمًا

فيهِ امرؤٌ، فثَناها نحوَ ما ترَكا

والملكُ للَّهِ، من يَظفَرْ بنَيلِ غِنًى

يَرْدُدهُ قَسرًا، وتضمنْ نفسه الدّركا

لو كانَ لي أو لغَيري قدْرُ أُنْمُلَةٍ،

فوقَ التّرابِ، لكانَ الأمرُ مُشترَكا

ولو صفا العَقلُ، ألقى الثّقلَ حامِلُه

عَنهُ، ولم تَرَ في الهَيجاءِ مُعتَرِكا

إنّ الأديمَ، الذي ألقاهُ صاحبُهُ،

يُرْضي القَبيلَةَ في تَقسيمِهِ شُرَكا

دعِ القَطاةَ، فإنْ تُقدَرْ لِفيكَ تَبِتْ

إلَيهِ تَسري، ولم تَنصِبْ لها شرَكا

وللمَنايا سعَى الساعونَ، مُذْ خُلِقوا

فلا تُبالي أنَصَّ الرّكْبُ أم أركا

والحَتْفُ أيسرُ، والأرواحُ ناظرَةٌ

طَلاقَها من حَليلٍ، طالما فُرِكا

والشّخْصُ مثلُ نجيبٍ رامَ عنبرَةً

من المَنونِ، فلمّا سافَها بَرَكا[٣]

الموت مجّانًا

وقد قال محمود درويش:

كان الخريف يمرّ في لحمي جنازة برتقال

قمرًا نحاسيًا تفتته الحجارة والرّمال

وتساقط الأطفال في قلبي على مهج الرّجال

كل الوجوم نصيب عيني، كل شيء لا يقال

ومن الدّم المسفوك أذرعة تناديني: تعال!

فلترفعي جيّداً إلى شمس تحنّت بالدّماء

لا تدفني موتاك! خليهم كأعمدة الضّياء

خلّي دمي المسفوك لافتة الطّغاة إلى المساء

خلّيه ندىً للجبال الخضر في صدر الفضاء!

لا تسألي الشّعراء أن يرثوا زغاليل الخميلة

شرف الطّفولة أنّها

خطر على أمن القبيلة

إنّي أباركهم بمجدٍ يرضع الدّم و الرّذيلة

وأهنيء الجلّاد منتصرًا على عين كحيلة

كي يستعير كساءه الشّتوي من شعر الجديلة

مرحى لفاتح قرية! مرحى لسفّاح الطّفولة !

يا كفر قاسم! إنّ أنصاب القبور يد تشدّ

وتشدّ للأعماق أغراسي وأغراس اليتامى إذ تمدّ

باقون يا يدك النّبيلة، علّمينا كيف نشدو

باقون مثل الضّوء، والكلمات، لا يلويهما ألم وقيد

يا كفر قاس!

إنّ أنصاب القبور يد تشدّ![٤]

لِدوا لِلمَوتِ وَاِبنوا لِلخَرابِ

قال أبو العتاهية:

لِدوا لِلمَوتِ وَاِبنوا لِلخَرابِ

فَكُلُّكُمُ يَصيرُ إِلى ذَهابِ

لِمَن نَبني وَنَحنُ إِلى تُرابٍ

نَصيرُ كَما خُلِقنا مِن تُرابِ

أَلا يا مَوتُ لَم أَرَ مِنكَ بُدّاً

أَبيتَ فَلا تَحيفُ وَلا تُحابي

كَأَنَّكَ قَد هَجَمتَ عَلى مَشيبي

كَما هَجَمَ المَشيبُ عَلى شَبابي

وَيا دُنيايَ ما لي لا أَراني

أَسومُكِ مَنزِلًا إِلّا نَبا بي

أَلا وَأَراكَ تَبذُلُ يا زَماني

لي الدُنيا وَتَسرِعُ بِاِستِلابي

وَإِنَّكَ يا زَمانُ لَذو صُروفٍ

وَإِنَّكَ يا زَمانُ لَذو اِنقِلابِ

وَمالي لَستُ أَحلُبُ مِنكَ شَطرًا

فَأَحمَدَ غِبَّ عاقِبَةِ الحِلابِ

وَمالي لا أُلِحُّ عَلَيكَ إِلّا

بَعَثتَ الهَمَّ لي مِن كُلِّ بابِ

أَراكَ وَإِن طُلِبتَ بِكُلِّ وَجهٍ

كَحُلمِ النَومِ أَو ظِلَّ السَحابِ

أَوِ الأَمسِ الَّذي وَلّى ذَهابًا

فَلَيسَ يَعودُ أَو لَمعِ السَرابِ

وَهَذا الخَلقُ مِنكَ عَلى وَفازٍ

وَأَرجُلُهُم جَميعًا في الرِكابِ

وَمَوعِدُ كُلِّ ذي عَمَلٍ وَسَعيٍ

بِما أَسدى غَدًا دارُ الثَوابِ

تَقَلَّدتُ العِظامَ مِنَ الخَطايا

كَأَنّي قَد أَمِنتُ مِنَ العِقابِ

وَمَهما دَمتُ في الدُنيا حَريصًا

فَإِنّي لا أُوَفَّقُ لِلصَوابِ

سَأَسأَلُ عَن أُمورٍ كُنتُ فيها

فَما عُذري هُناكَ وَما جَوابي

بِأَيَّةِ حُجَّةٍ أَحتَجُّ يَومَ الـ

ـحِسابِ إِذا دُعيتُ إِلى الحِسابِ

هُما أَمرانِ يوضِحُ عَنهُما لي

كِتابي حينَ أَنظُرُ في كِتابي

فَإِمّا أَن أُخَلَّدَ في نَعيمٍ

وَإِمّا أَن أُخَلَّدَ في عَذابِ[٥]

الموت في نفسي أغدو به وأجي

أما اللواح فقد قال:

الموت في نفسي أغدو به وأجي

وكل عرق بجسمي فهو مختلجي

ما نمت إلا وحاديه يؤرقني

داعٍ إلى مصرعي أو قمت فهو نج

لم أدر مت بحتف الأنف أو حرق

أو مت من غرق طاف على اللجج

أو من سما حالق أهوي فمت ولا

على السيوف السريجيات في رهج

فالموت فرد وأسباب له اتسعت

ما عند ملجا ولا عند العزيز لج

أنى التبهج بالدنيا وزخرفها

وطيب عيشتها في روضها البهج

لا الشيب ينهى ولا الأموات واعظة

ولا الصروف بتأويب ولا دلج

للموت والأمل الفياح معتلج

لا بد من مصرع من بعد معتلج

لا حجة بعد نص النص واضحة

والعقل والرسل جاءت حجة الحجج

ونعمة اللَه في المخلوق شاهدةً

عليه من عقله المنصور عن فلج

يا مازجًا بالرضى من سخط خالقه

حتام تأتي بفعل منك ممتزج

ترجو النجاة بهذا غير واقعة

لك النجاة وهذا فعل غير نج

تبغي مع الركب إدراك المفاز غدًا

وأنت أقعد دون الركب من بذج

لا يدرك الفوز إلا بعد أربعةٍ

وهن هن إلى الجنات كالدرج

شفاعة المصطفى من بعد سابقةٍ

ونية واصطناع الصالح الأرج

يا ليت شعري في العقبى أأسعد أم

أشقى ومن حرج ألقى إلى حرج

وأنشج الشرب من حوض النبي غدًا

أم حبل بيني وبين المشرب النشج

يا فارج الهم إن الهم أكربني

لعل لطفك يدنيني إلى الفرج

أرجوك تنسخ آمالي بمغفرةٍ

فأنت أكرم مرجوٍّ نداه رجي

يا رب صل على المختار سيدنا

ما نار نور صباح نار مبتلج[٦]

المراجع

  1. "أَما يَردَعُ المَوتُ أَهلَ النُهى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022. بتصرّف.
  2. " كفى بك داء أن ترى الموت شافيا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022. بتصرّف.
  3. "الموت ربع فناء لم يضع قدما"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022. بتصرّف.
  4. "الموت مجانا"، بوابة الشعراء، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022. بتصرّف.
  5. "لِدوا لِلمَوتِ وَاِبنوا لِلخَرابِ"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022. بتصرّف.
  6. "الموت في نفسي أغدو به وأجي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022. بتصرّف.
5605 مشاهدة
للأعلى للسفل
×