شعر عن غدر الصديق

كتابة:
شعر عن غدر الصديق


تغيرت المودة والإخاءُ

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

تَغَيَّرَتِ المَوَدَّةُ وَالإِخاءُ

وَقَلَّ الصِدقُ وَاِنقَطَعَ الرَجاءُ

وأَسلَمَني الزَمانُ إِلى صَديقٍ

كَثيرِ الغَدرِ لَيسَ لَهُ رَعاءُ

وَرُبَّ أَخٍ وَفَيتَ لَهُ بِحَقٍّ

وَلَكِن لا يُدومُ لَهُ وَفاءُ

أَخِلّاءٌ إِذا اِستَغنَيتُ عَنهُم

وَأَعداءٌ إِذا نَزَلَ البَلاءُ

يُديمونَ المَوَدَّةَ ما رَأوني

وَيَبقى الوُدُّ ما بَقِيَ اللِقاءُ

وَإِن غُنّيتُ عَن أَحَدٍ قَلاني

وَعاقَبَني بِما فيهِ اِكتِفاءُ

سَيُغنيني الَّذي أَغناهُ عَنّي

فَلا فَقرٌ يَدومُ وَلا ثَراءُ

وَكُلُّ مَوَدَّةٍ لِلّهِ تَصفو

وَلا يَصفو مَعَ الفِسقِ الاِخاءُ

وَكُلُّ جِراحَةٍ فَلَها دَواءٌ

وَسوءُ الخُلقِ لَيسَ لَهُ دَواءُ

وَلَيسَ بِدائِمٍ أَبَداً نَعيمٌ

كَذاكَ البُؤسُ لَيسَ لَهُ بَقاءُ

إِذا أَنكَرتُ عَهداً مِن حَميمٍ

فَفي نَفسي التَكَرُّمُ وَالحَياءُ

إِذا ما رَأسُ أَهلِ البَيتِ وَلّى

بَدا لَهُمُ مِنَ الناسِ الجَفاءُ


هنا حفل و ذكرى و وفاء

يقول الشاعر إبراهيم ناجي:

ها هنا حفلٌ وذكرى ووفاء

لبّنا أنت ملبِّي الأصدقاء

يا لها من غربة مضنية

ليس تنجاب وأيام بطاء

ذهب الموت بأغلى صاحب

وثوى في الترب أوفى الأوفياء

لست أنساك وقد أقبلت لي

تشتكي غدر صديق قد أساء

آه من جرح ومن قلب على

ألم الجرح انطوى مر الإباء

كلما آلمك الجرح فأح

سست به لطّفته بالكبرياء

أيها الشاكي من الدهر استرح

كلنا يا أيها الشاكي سواء

الجراحات التي عانيتها

لم تدع أرواحنا إلا ذماء

برم العيش بها لم يشفها

ويتولى الدهر سأمان وجاء

أذن الموت لها فالتأمت

وشفاها بعدما استعصى الشفاء

لست أرثيكَ أيرثى خالد

في رحاب الخلد موفور الجزاء

كيف أرثيك أيرثى فاضل

عاش بالخيرات موصول الدعاء

إنما الدنيا هي الخير على

قلة الخير وقحط العظماء

إنما الدنيا فتى عاش لكم

باذلاً من قوته حتى الفناء

فإذا مات فقد عاش بكم

فهو بالذكرى جدير بالبقاء

ذلك الشاعر قد واساكمُ

وبكى آلامكم كل البكاء

ذلك الشاعرُ قد غناكمُ

صادحاً في أيككم بشرى الهناء

وأولو الشعر المصابيح التي

حطمتهن رياح الصحراء

خلدت أنوارهم رغم البلى

وبها المدلج في الليل استضاء

سوف يفنى القول إلا قولهم

ويموت الناس إلا الشعراء

عد إلينا نسمة حائرة

ذات نجوى وحنين وولاء

ثم حلق بجناحين إلى

عالم نحن له جد ظماء

طِر مطارَ النسم واترك قدَما

ثقلت بالشوك في أرض الشقاء


أنت الذي علمتني

يقول الشاعر زكي مبارك:

أنت الذي علّمتني

يا سيدي برّ الصديق

وتركتني في فتيةٍ

ما فيهمو برٌّ رفيق

لم ألق بعدك منهمو

إلا الجفاء أو العقوق

حتى كأني لم أبت

منهم على عهد وثيق

وكأنهم لم يبصروا

في خلّتي الحر الصدوق

فنَسوا هواي ولم يَفق

من ودّهم قلبى المشوق

ونسوا طريف حديثنا

عند الصبوح أو الغبوق

ليت الهوى ما قادني

يوماً إلى ذاك الطريق

أو ليتني لم أنخدع

جهلاً بهاتيك البروق

بل ليتني بعد الذي

عانيتُ من صحبى أفيق

مولايَ لو أبصرتني

لفزعت من دمعي الطليق

وشجاك جسمى ناحلاً

وكأنه الطيف الطروق

أشكو إليك وإنما

يشكو المضيم إلى الشفيق

فارحم فديتك مهجةً

أودى بها الحزن العميق

حزنٌ يقطّع في الحشا

فكأنه غدر الصديق

يا ويح قلبي لم يزل

يهفو به الروح الخفوق

وتقوده الذكرى إلى

عهد الهوى الغض الرفيق

أيام نمرح في الصبا

في ذلك العيش الأنيق

أيام نسقى في الهوى

والود كأساً من رحيق

تلك الليالي لم تدَع

من بعدها حسناً يروق

كلّا ولا خلّت لنا

إلا الزفير أو الشهيق


لست أبكي على نوال صديقٍ

يقول الشاعر ابن الرومي:

لست أبكي على نوال صديق

راعني بعد بره بالعقوقِ

إنما أشتكي فساد ودادٍ

حال مجناه من جفاف العروق

أحمد الخالق الذي لو رعاني

لم يَكِل حاجتي إلى مخلوق

صرت كلّاً على الصديق مُضاعاً

طالباً منه غير ما مرزوق

تلك عندي مصيبتان ويكفي

بعض إحداهما شجاً في الحلوق

يا أبا سهل الذي اعتد حقي

ظالماً من محقَّرات الحقوق

أنا بالله عائذ من عُنوقٍ

سُمتَني أخذهنَّ من بعد نوق

سمتني الخسف والجفاء وغَرَّبْ

ت بذاك الجفاء بعد الشروق

وتلونت لي وأخلفني نَو

ؤك إلا تملُّقاً ببروق

إن هذا لحادث لم أخله

في طروق الخطوب ذات الطروق

كم عدات نسختَها بعدات

حلَّ إنجازها مع العيوق

لا تصدِّق مقالة ابن خرخشا

ذ فما عائب لكم بصدوق

زعم الشيخ أن مولدك المي

مون في الغدر غير ما مسبوق

مولد فيه كوكب لك يُحذي

ك ملالاً لكل إلف علوق

ولما ريعتِ القلوب ولا لي

عت بشيء كمبغض موموق


لي قلة في الأصدقاء حستهم

يقول الشاعر أحمد زكي أبو شادي:

لي قلة في الأصدقاء حسبتهم

فوق الجواهر للبخيل المعدم

لم ينظروا يوما إلي بريبة

بل بجلوني كالنبي الملهم

منهم قبست أشعتي وإليهمو

عادت مفاخرها وعدت إليهم

دار الزمان ولم يدورا حوله

وتجمعوا حولي وحول تألمي

خلقوا لي الأفراح من صلب الأسى

حتى كأن الكارثات تنعمي

لا منهمو من باع كنز مودتي

وكأنه قد باع عرضي أو دمي

تخذ النفاق طعامه وشرابه

والكيد مهنته وبارك مأتمي

ومضى يمن علي بعد نكاية

ما للنكاية غير فرط تبسمي

إني امرؤ أحيا لأن عقيدتي

تحيا ولست بمن يدنس مرقمي

ولأنني فوق الظنون ومبدئي

ما كان للراضين أو للوم

وإذا طعنت من الذي أحببته

فعليّ وزري لا عرفت تندمي

دنيا سأقطعها بغير ترحم

منها ولم أبخل لها بترحمي

يا من يعيش مشاغبا وحياته

خدع على خدع وجم توهم

لا تحسبني بعد غدرك وامقا

إن المحبة لا تكون لأرقم

إن كان أعماني تودد ماكر

متنفنّن أو ساحر مترنم

فالحق يأبى أن أضيع رحمتي

والعدل يأبى أن أضلل كالعمي


عجبت لقلبي كيف لا يتفطر

يقول أبو الهدى الصيادي:

عجبت لقلبي كيف لا يتفطر

دهته جنود الحزن والله اكبر

فقدت احبائي الذين ألفتهم

وامسيت وحدي حائرا اتفكر

اراعي نجوم الليل في الروم والنوى

يصارع لي قلبا يغيب ويحضر

غدا هدفا للنائبات تنوشه

باسمهها فالنبل كالسحب يمطر

ولله مني مقلة طبعها البكا

ودمع لما قد ناب قلبيَ أحمر

إذا رامت الأحزان غيري بطارق

عذيرك منها بي لدى السير تعثر

وهل بعد فقد الناصرين مصيبة

وان هو لا خلق سوى الله ينصر

اكابد احزانا اذن لو تجسمت

جبال شرودا دونها وهي اكبر

وعصر اذا لامست اذيال طوره

ترى منه امواه العجائب تقطر

تقدم فيه من بني اللؤم امة

خسيسة اصل عيبها ليس ينكر

تدلت لاوشاج الزنوج عروقها

واخرى لعمري من بني الزنج احقر

تباع وتشرى والولاء زمامها

وسادت وان الدهر حينا يغبر

لان عرف الدهر اللئام فانهم

معرفهم عند الكرام منكر

انفسي اطرحي لوم الزمان واهله

ففاجرهم والبر يقلى ويعذر

تريدين من شين الخصال محامدا

وهل هو يبدي غير ما هو يضمر

خذي الصبر درعا والتوكل حارسا

وخل صنوف الزور بالزور تجأر

وحسبك جبار السموات كافيا

معينا وما المرئي لا المقدر

وكم غلب الايام يا نفس صابر

ولم ير صدع الخطب من هو يصبر

ولله جل الله في الصبر آية

لطائفها تملى وتتلى وتذكر

ويا رب آلام من الدهر ازعجت

فؤادي فاضحت ضمنه النار تسعر

صبرت لها صبر الكرام بهمة

سمت عن ذراها هامة البدر تقصر

وعن جلد اضحكت سني وعنوة

على القلب أوقات الاحبة تخطر

فلا جلدي مهما صبرت بنافع

ولا لهفتي في طي سري تضمر

أليلاي كم من ليلة طال ليلها

ينام الخلي البال فيها واسهر

وتنسى الليالي رونقي باحبتي

واجلس لا انسى ولا أتذكر

أقاتل حيرانا طلائع فكرتي

ومثلي وايم الله من يتحير

وهل خاطري يصفو وقلبي يرعوي

ولي لوعة عن طور يعقوب تسفر

ولي بعد من بعد الاحباء وارد

قريب بمحو الرأي والعزم يصدر

يسامرني بالماضيات التي جرت

ومنه لقلبي ماضيات تحدر

فانظم شعرا كله الدر مثلما

لئاليءُ دمعي فوق خدي تنثر

واروي أسانيد المحبة طاهرا

وخلفي كلاب الحقد بالسوء تجهر

مضى قبل حزب الخيرين وبعدهم

ارى الناس أخيارا ولا أتخير

ولست أذم الناس طرا وإنما

قليل على النعماء من هو يشكر

وأحسن ما يلفى من النعم امروءٌ

مع الأمن والإيمان خل مطهر

مضت وانقضت واحسرتي حفل الوفا

فلا الماء سيال ولا الربع مزهر

على الظن قد يجفو الصديق واين من

اذا اذنب الاخوان يعفو ويغفر

وكم قاطع حبل الوداد لدرهم

وراض له والعزم ادنى وأصغر

خليلي كم ليل شققت ظلامه

بعزم وامواه المنية تهدر

ومزقت غلغال الغياهب ثابتاً

ولي همة عن ذي المجرة تكبر

وما خنت والله الصديق ولم أمل

اذا لم يمل عنى الخلل ويغدر

ويا رب خداع دهاني بزعمه

ولي ناظر يطويه علما وينشر

واوهمته اني انخدت ليرتوي

بسيبي ولا يلفى الصغار فيحقر

وتؤثر نفسي برها عن خصاصة

ومثلي لعمر المجد من هو يؤثر

تروم كفافا همتي كل همها

غدا ولقاء الله يامي يذكر

مررت على الخمسين أمضيت نصفها

غريبا ولي شأن من الفجر أنور

فغار لمجدي حاسدوه واكثروا

عنادا وزورا والحواسد تكثر

وقد افرطوا جهلا بذمي واسرفوا

بسبي ومذموم الخصائل يفجر

فأعرضت عنهم لا لفقد عزيمة

وعزم ولكن المهيمن اغير

وما جهل الأخيار زهر مناقبي

ولي شرف في جبهة الفجر يزهر

بآل الرفاعي الحسيني مظهري

مضيء ومن شمس الظهيرة اظهر

وبين صدور الشم من آل فاطم

علي طراز من سنا المجد اخضر

لئن بت محجوبا وفزت سفاسف

فحينا جمال الشمس بالعتم يستر

ولست بالي انصف الدهر او جفا

فكل ابن انثى قد يموت ويقبر

وكل له رغم المحرف صبغة

حقيقتها الخلصاء لا تتغير

نعم جمع الاغيار مالا وليس لي

من المال ما يكفي لصاع فيحكر

ونامت لهم عين الزمان فشقشقوا

غرورا وعين الله بالعدل تنظر

ستأخذهم من جانب الغيب صيحة

لها يضحك الامهال والسر يظهر

وما ضرني اني من المال فارغ

ولي من جناب الله عز ومظهر

فهل كان عيسى نفحة الروح تاجرا

ويحيى وموسى والحبيب الموقر

مضى الأنبياء الزهر والفقر درعهم

ومظهرهم ما زال يسمو ويكبر

أجل ولمثلى بالنيين اسوة

فخل فلانا بيت قارون يعمر

لعمر المعالي ذا الليالي رقيبة

ونكبر بالسر الخفي وتصغر

تمر بكر وهي في نول نسجها

تقدم في أدوارها وتؤخر

ولا بد من طي لنشر اتت به

ومن ذا الذي يا عز لا يتغير

دعيني من الأحلام والزعم فالذي

يرى المجد عن أسبابه ليس يفتر

ينازعني المجد الصميم سواقط

مع الغرض الأدنى تقل ونكثر

دعيون لا ام حصان ولا اب

وللفلس منهم يسجد المنكبر

ثقيل اذ الاقي الكرام بمحفل

خفيف اذا ما قام كالقرد يسكر

وقائلة لي خل همك واسترح

فكم ليلة عنها الخوارق تصدر

فقلت نعم لله في كل لمحة

لطائف لا تحصى ولا هي تحصر

فيكفرها المفتون والحق ظاهر

ويشكرها العبد المنيب فينصر
6766 مشاهدة
للأعلى للسفل
×