شعر لعلي رضي الله عنه

كتابة:
شعر لعلي رضي الله عنه

من قصائد علي بن أبي طالب

إنّ لعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- العديد من القصائد التي اشُتهرت نسبتها إليه، ومن أبرزها ما يأتي:

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت

يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:[١]

النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت

إِنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها

لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها

إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها

فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها

وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها

أَينَ المُلوكُ الَّتي كانَت مُسَلطَنَةً

حَتّى سَقاها بِكَأسِ المَوتِ ساقيها

أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها

وَدورُنا لِخرابِ الدَهرِ نَبنيها

كَم مِن مَدائِنَ في الآفاقِ قَد بُنِيَت

أًمسَت خَراباً وَدانَ المَوتُ دانيها

لِكُلِّ نَفسٍ وَإِن كانَت عَلى وَجَلٍ

مِنَ المَنيَّةِ آمالٌ تُقَوّيها

فَالمَرءُ يَبسُطُها وَالدَهرُ يَقبُضُها

وَالنَفسُ تَنشُرُها وَالمَوتُ يَطويها

اعمل لدار البقاء رضوان خازنها

يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:[٢]

اعمل لدار البقاء رضوان خازنها

الجار أحمد والرحمن بانيها

أرضها ذهب والمسك طينتها

والزعفران حشيش نابت فيها

أنهارها لبن محض ومن عسل

والخمر يجري رحيقا في مجاريها

والطير تجري على الأغصان عاكفة

تسبح الله جهراً في مغانيها

من يشتري الدار بالفردوس يعمرها

بركعة في ظلام الليل يخفيها

أو سد جوعة مسكين بشبعته

في يوم مسغبة عم الغلا فيها

النفس تطمع في الدنيا وقد علمت

إن السلامة منها ترك ما فيها

أموالنا لذوي الميراث نجمعها

ودارنا لخراب البوم نبنيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها

إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فمن بناها بخير طاب مسكنه

ومن بناها بشر خاب بانيها

والناس كالحب والدنيا رحى نصبت

للعالمين وكف الموت يلهيها

فلا الإقامة تنجي النفس من تلف

ولا الفرار من الأحداث ينجيها

تلك المنازل في الآفاق خاوية

أضحت خرابا وذاق الموت بانيها

أين الملوك التي عن حظها غفلت

حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

أفنى القرون وأفنى كل ذي عمر

كذلك الموت يفني كل ما فيها

نلهو ونأمل آمالا نسر بها

شريعة الموت تطوينا وتطويها

فاغرس أصول التقى ما دمت مقتدراً

واعلم بأنك بعد الموت لاقيها

تجني الثمار غداً في دار مكرمة

لا من فيها ولا التكدير يأتيها

الأذن والعين لم تسمع ولم تره

ولم يجر في قلوب الخلق ما فيها

فيا لها من كرامات إذا حصلت

ويا له من نفوس سوف تحويها

لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلا

يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:[٣]

لَكَ الحَمدُ يا ذا الجودِ والمَجدِ وَالعُلا

تَبارَكتَ تُعطي مَن تَشاءَ وَتَمنَعُ

إِلَهي وَخَلّاقي وَحِرزي وَمَوئِلي

إِلَيكَ لَدى الإِعسارِ وَاليُسرِ أَفزَعُ

إِلَهي لَئِن جُلتُ وَجَمَّت خَطيئَتي

فَعَفوُكَ عَن ذَنبي أَجَلُّ وَأَوسَعُ

إِلَهي لَئِن أَعطَيتَ نَفسي سُؤلُها

فَها أَنا في أَرضِ النَدامَةِ أَرتَعُ

إِلَهي تَرى حالي وَفَقري وَفاقَتي

وَأَنتَ مُناجاتي الخَفيَّةِ تَسمَعُ

إِلَهي فَلا تَقطَع رَجائي وَلا تُزِغ

فُؤادي فَلي في سَيبِ جُودِكَ مَطمَعُ

إِلَهي لِئَن خَيَّبتَني أَو طَرَدتَني

فَمَن ذا الَّذي أَرجو وَمَن لي يَشفَعُ

إِلَهي أَجِرني مِن عَذابِكَ إِنَّني

أَسيرٌ ذَليلٌ خائِفٌ لَكَ أَخضَعُ

إِلَهي فَآنِسني بِتَلقينِ حُجَّتي

إِذا كانَ لي في القَبرِ مَثوىً وَمضجَعُ

إِلَهي لَئِن عَذَّبتَني أَلفَ حَجَّةٍ

فَحَبلُ رَجائي مِنكَ لا يَتَقَطَّعُ

إِلَهي أَذِقني طَعمَ عَفوكَ يَومَ لا

بَنونٌ وَلا مالٌ هُناكَ يَنفَعُ

إِلَهي إِذا لَم تَرعَني كُنتُ ضائِعاً

وَإِن كُنتَ تَرعاني فَلَستُ أَضيعُ

إِلَهي إِذا لَم تَعفُ عَن غَيرِ مُحسِنٍ

فَمنَ لَمسيءٍ بِالهَوى يَتَمَتَّعُ

إِلَهي لَئِن فَرَّطتُ في طَلبِ التُقى

فَها أَنا أَثْرَ العَفو أَقفو وَاَتبَعُ

إِلَهي لَئِن أَخطَأتُ جَهلاً فَطالَما

رَجَوتُكَ حَتّى قيلَ ها هُوَ يَجزَعُ

إِلَهي ذُنوبي جازَت الطَودَ وَاَعتَلَت

وَصَفحُكَ عَن ذَنبي أَجَلُّ وَأَرفَعُ

إِلَهي يُنجِّي ذِكرُ طَوْلِكَ لَوعَتي

وَذِكرُ الخَطايا العَينُ مِنّيَ تَدمَعُ

إِلَهي أَنِلني مِنكَ روحاً وَرَحمَةً

فَلَستُ سِوى أَبوابِ فَضلِكَ أَقرَعُ

إِلَهي لِئَن أَقصَيتَني أَو طَرَدتَني

فما حِيلَتي يا رَبُّ أَم كَيفَ أَصنَعُ

إِلَهي حَليفُ الحُبِّ بِاللَيلِ ساهِرٌ

يُنادي وَيَدعو وَالمغَفَّلُ يَهجَعُ

وُكُلَهُمُ يَرجو نَوالَكَ راجياً

لِرَحمَتِكَ العُظمى وَفي الخُلدِ يَطمَعُ

إِلَهي يُمنّيني رَجائي سَلامَةً

وَقُبحُ خَطيئاتي عَليَّ يَشيَّعُ

إِلَهي فَإِن تَعفو فَعَفوُكَ مُنقِذي

وَإِلا فَبالذَنبِ المُدَمِّرِ أُصرَعُ

إِلَهي بِحَقِّ الهاشِميِّ وَآلِهِ

وَحُرمَةُ إِبراهيمَ خِلَّكَ أَضرَعُ

إِلَهي فَاِنشُرني عَلى دينِ أَحمَدٍ

تَقيّاً نَقيّاً قانِتاً لَكَ أَخشَعُ

إذا اشتملت على اليأس القلوب

يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:[٤]

إِذا اِشتَمَلَت عَلى اليَأسِ القُلوبُ

وَضاقَ لِما بِهِ الصَدرُ الرَحيبُ

وَأَوطَنَتِ المَكارِهُ وَاِطمَأَنَّت

وَأَرسَت في أَماكِنِها الخُطوبُ

وَلَم تَرَ لِاِنكِشافِ الضُرِّ وَجهاً

وَلا أَغنى بِحيلَتِهِ الأَريبُ

أَتاكَ عَلى قُنوطٍ مِنكَ غَوثٌ

يَمُنُّ بِهِ اللَطيفُ المُستَجيبُ

وَكُلُّ الحادِثاتِ إِذا تَناهَت

فَمَوصولٌ بِها الفَرَج القَريبُ

ومحترس من نفسه خوف ذلة

يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:[٥]

وَمُحتَرِسٍ مِن نَفسِهِ خَوف ذِلَّةٍ

تَكونُ عَلَيهِ حُجَّةٌ هِيَ ماهِيَا

فَقَلَّصَ بَردَيهِ وَأَفضى بِقلبِهِ

إِلى البِرِّ وَالتَقوى فَنالَ الأَمانيا

وَجانِبَ أَسبابَ السَفاهَةِ وَالخَنا

عَفافاً وَتَنزيهاً فَأَصبِح عاليا

وَصانَ عِن الفَحشاءِ نَفساً كَريمَةً

أَبَت هِمَّةً إِلا العُلى وَالمَعالِيَا

تَراهُ إِذا ما طاشَ ذو الجَهلِ وَالصِبى

حَليماً وَقوراً صائِنَ النَفسِ هاديا

لَهُ حِلمُ كَهلٍ في صَرامَةِ حازِمٍ

وَفي العَينِ إِن أَبصَرَت أَبصَرَت ساهيا

يَروقُ صَفاءَ الماءِ مِنهُ بِوَجهِهِ

فَأَصبَحَ مِنهُ الماءُ في الوَجهِ صافيا

وَمِن فَضلِهِ يَرعى ذِماماً لِجارِهِ

وَيَحفَظُ مِنهُ العَهدَ إِذ ظَلَّ راعيا

صَبوراً عَلى صَرفِ اللَيالي وَرُزئِها

كَتوماً لِأَسرارِ الضَميرِ مُداريا

لَهُ هِمَّةٌ تَعلو عَلى كُلِّ هِمَّةٍ

كَما قَد عَلا البَدرَ النُجومُ الدَراريا

تنزّه عن مجالسة اللئام

يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:[٦]

تنزّه عن مجالسة اللئـام

وألمم بالكرام بني الكرام

ولا تك واثقا بالدهر يوما

فان الدهر منحلّ النظام

ولا تحسد على المعروف قوما

وكن منهم تنل دار السلام

وثق بالله ربك ذي المعالي

وذي الآلاء والنعم الجسام

وكن للعلم ذا طلب وبحث

وناقش في الحلال وفي الحرام

وبالعوراء لا تنطق ولكـن

بما يرضي الإله من الكلام

وإن خان الصديق فلا تخنـه

ودم بالحفظ منه وبالذمام

ولا تحمل على الإخوان ضغنـا

وخذ بالصفح تنج من الآثام

رأيت ربي بعين قلبي

يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:[٧]

رَأَيتُ رَبّي بِعَينِ قَلبي

فَقُلتُ لا شَكَّ أَنتَ أَنتا

أَنتَ الَّذي حُزتَ كُلَّ أَينٍ

بِحَيثُ لا أَينَ ثَمَّ أَنتا

فَلَيسَ لِلأَينِ مِنكَ أَينٌ

فَيَعلَمُ الأَينُ أَينَ أَنتا

وَلَيسَ لِلوَهمِ فيكَ وَهمٌ

فَيَعلَمُ الوَهمُ كَيفَ أَنتا

أَحَطتَ عِلماً بِكُلِّ شَيءٍ

فَكُلُ شَيءٍ أَراهُ أَنتا

وَفي فَنائي فَنا فَنائي

وَفي فَنائي وَجَدتَ أَنتا

آلى ابن عبد حين جاء محاربا

يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:[٨]

آلى اِبنُ عَبدٍ حينَ جاءَ مُحارِباً

وَحَلَفتَ فَاِستَمِعوا مِنَ الكَذّابِ

أَن لا يَفِرَّ وَلا يَمَلِّلَ فَاِلتَقى

أَسَدانِ يَضطَرِبانِ كُلُّ ضِرابِ

اليَومَ يَمنَعُني الفَرارُ حَفيظَتي

وَمُصَمِّمٌ في الرَأسِ لَيسَ بِنابِ

أَعليَّ تَقتَحِمُ الفَوارِسَ هَكَذا

عَنّي وَعَنهُم خَبِّروا أَصحابي

فَغَدَوتُ أَلتَمِسُ القِراعَ بِمُرهَفٍ

عَضبٍ مَعَ البَتراءِ في أَقرابِ

وَغَدَوتُ اَلتَمِسُ القِراعَ وَصارِمٌ

عَضبٌ كَلَونِ المِلحِ في أقراب

عَرَفَ اِبنُ عَبدٍ حينَ أَبصَرَ صارِماً

يَهتَزُّ أَنَّ الأَمرَ غَيرُ لِعابِ

أَدّى عُمَيرٌ حينَ أَخلَصَ صَقلَهُ

صافي الحَديدَةِ يَستَفيضُ ثَوابي

أَردَيتُ عَمراً إِذ طَغى بِمُهَنَّدٍ

صافي الحَديدِ مُجَرَّبٍ قَصّابِ

فَصَدَدتُ حينَ تَرَكتُهُ مُتَجَدِّلاً

كَالجِذعِ بَينَ دَكادِكٍ وَرَوابي

وَعَفَفتُ عَن اَثوابِهِ وَلَوَ أنني

كُنتُ المُقَطَّرَ بَزَّني أَثوابي

عَبدَ الحِجارَةَ مِن سَفاهَةِ رَأيِهِ

وَعَبَدتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوابي

لا تَحسَبَنَّ اللَهَ خاذِلُ دينِهِ

وَنَبِيَّهُ يا مَعشَرَ الأَحزابِ

المراجع

  1. "النفس تبكي على الدنيا وقد علمت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/8/2022.
  2. ملتقى أهل الحديث، ملتقى أهل الحديث، صفحة 356، جزء 80.
  3. أحمد بن عثمان المزيد، تعظيم الله جل جلاله تأملات وقصائد، صفحة 152-154.
  4. ابن أبي الدنيا، الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا، صفحة 81.
  5. "ومحترس من نفسه خوف ذلة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/8/2022.
  6. "تَنَّزَه عَن مُجالَسَةِ اللِّئامِ"، ديواني، اطّلع عليه بتاريخ 22/8/2022.
  7. "رأيت ربي بعين قلبي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/8/2022.
  8. "آلى ابن عبد حين جاء محاربا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/8/2022.
6380 مشاهدة
للأعلى للسفل
×