الامتيازات الأجنبية
يقول حافظ إبراهيم:
سَكَتُّ فَأَصغَروا أَدَبي
- وَقُلتُ فَأَكبَروا أَرَبي
وَما أَرجوهُ مِن بَلَدٍ
- بِهِ ضاقَ الرَجاءُ وَبي
وَهَل في مِصرَ مَفخَرَةٌ
- سِوى الأَلقابِ وَالرُتَبِ
وَذي إِرثٍ يُكاثِرُنا
- بِمالٍ غَيرِ مُكتَسَبِ
وَفي الرومِيِّ مَوعِظَةٌ
- لِشَعبٍ جَدَّ في اللَعِبِ
يُقَتِّلُنا بِلا قَوَدٍ
- وَلا دِيَةٍ وَلا رَهَبِ
وَيَمشي نَحوَ رايَتِهِ
- فَتَحميهِ مِنَ العَطَبِ
فَقُل لِلفاخِرينَ أَما
- لِهَذا الفَخرِ مِن سَبَبِ
أَروني بَينَكُم رَجُلاً
- رَكيناً واضِحَ الحَسَبِ
أَروني نِصفَ مُختَرِعٍ
- أَروني رُبعَ مُحتَسِبِ
أَروني نادِياً حَفلاً
- بِأَهلِ الفَضلِ وَالأَدَبِ
وَماذا في مَدارِسِكُم
- مِنَ التَعليمِ وَالكُتُبِ
وَماذا في مَساجِدِكُم
- مِنَ التِبيانِ وَالخُطَبِ
وَماذا في صَحائِفِكُم
- سِوى التَمويهِ وَالكَذِبِ
حَصائِدُ أَلسُنٍ جَرَّت
- إِلى الوَيلاتِ وَالحَرَبِ
فَهُبّوا مِن مَراقِدِكُم
- فَإِنَّ الوَقتَ مِن ذَهَبِ
فَهَذي أُمَّةُ اليابا
- نِ جازَت دارَةَ الشُهُبِ
فَهامَت بِالعُلا شَغَفاً
- وَهِمنا بِاِبنَةِ العِنَبِ[١]
أثرت بنا من الشوق القديم
يقول حافظ إبراهيم:
أثرتَ بنا مِنَ الشَّوقِ القديمِ
- وذِكرَى ذلكَ العيشِ الرَّخيمِ
وأيّامٍ كَسَوناها جَمَالاً
- وأرقَصنا لها فَلَكَ النَّعيمِ
مَلأناها بنا حُسناً فكانت
- بجِيدٍ الدَّهرِ كالعِقِدِ النَّظِيمِ
وفِتيانٍ مَساميحٍ عليهم
- جلابيبٌ منَ الذَّوقِ السَّليمِ
لهمْ شيمٌ ألذُّ من الأمانِي
- وأطربُ منْ معاطاة ِ النَّديمِ
كهمِّكَ في الخَلاعَة ِ والتَّصابِي
- وإنْ كانوا على خُلُقٍ عَظيمِ
ودعوتهم إلى أنسٍ فوافَوا
- موافاة َ الكريمِ إلَى الكريمِ
وَجَاءُوا كَالْقَطا وَرَدَتْ نَميراً
- عَلى ظمَأٍ وهَبُّوا كالنَّسِيمِ
وكانَ اللَّيْلُ يمرحُ في شبابٍ
- ويَلهُو بالمَجَرَّة ِ والنُّجُومِ
فواصَلنا كُؤوسَ الرّاحِ حتى
- بَدَتْ للعينِ أنوارُ الصَّريمِ
وأعملنَا بهَا رأيَابنِ هاني
- فألحِقْنا بأصحابِ الرَّقيمِ
وظَبْيٍ مِنْ بنِي مِصْرٍ غَرِيرٍ
- شَهِيَّ اللَّفظِ ذي خَدٍّ مَشيمِ
ولّحْظٍ بابليٍّ ذِي انكسارِ
- كأنَّ بطرفهِ سيما اليتيمِ
سقانَا في مُنادَمَة ٍ حديثاً
- نَسِينَا عِنْده بِنْتَ الكُرُومِ
سَلامُ اللهِ يا عَهدَ التَّصابي
- عليكَ وفِتيَة ِ العَهدِ القَديمِ
أحِنُّ لهم ودُونَهُمُ فَلاة
- كأنَّ فَسِيحَها صَدرُ الحَليمِ
كأنَ أديمَهَا أحشاءُ صَبٍ
- قدْ التهبتْ مِنَ الوجْدِ الأليمِ
كَأنَّ سَرَابَها إِذْ لاَحَ فِيها
- خِداعٌ لاحَ في وجهِ اللَّئيمِ
تَضِلُّ بليلهِا لِهْبٌ فتَحْكِي
- بوادي التِّيهِ أقوامَ الكَليمِ
وتَمشي السّافياتُ بها حَيارَى
- إذا نُقِلَ الهجيرُ عن الجحيمِ
فمَن لي أنْ أرى تلك المَغاني
- وما فيها من الحُسنِ القَديمِ
فما حَظُّ ابنِ داوُدٍ كحَظِّي
- ولاَ أُوتيتُ مِنْ عِلْمِ العليمِ
ولا أنا مُطلَقٌ كالفِكرِ أسري
- فاستَبِقُ الضَّواحِكَ في الغُيُومِ
ولكنّي مُقَيَّدَة ٌ رِحَالِي
- بقَيدِ العُدمِ في وادي الهُمومِ
نَزَحتُ عن الدّيارِ أرُوَّمُ رِزقي
- وأضرِبُ في المهامِة ِوالتُّخُومِ
وما غادَرتُ في السُودان قَفراً
- ولم أصبُغ بتُربَتِه أديمي
وهأَنا بين أنيابِ المَنايا
- وتحت بَراثِنِ الخَطبِ الجَسيمِ
ولولاَ سَوْرَة ٌ للمجدِ عِندي
- قَنِعْتُ بعيشتِي قَنَعَ الظَّليمِ
أيابْنَ الأكرَمين أباً وجَدّاً
- ويا بنَ عُضادَة ِ الدِّنِ القَويمِ
أقامَ لدِيننَا أَهلُوكَ رُكْناً
- له نَسَبٌ إلى رُكنِ الحَطيمِ
فما طافَ العُفاة ُ به وعادُوا
- بغيرِ العسجدية ِ واللطِيمِ
أتَيْتُكَ والخُطُوبُ تُزِفُّ رَحلِي
- ولي حالٌ أرقُّ مِنَ السَّديمِ
وقدْ أصْبَحْتُ مِنْ سَعْيِ وكَدحِي
- على الأرزاقِ كالثَّوبِ الرَّديمِ
فلاَ تُخْلقْ-فُدِيتَ-أديمَ وجَهِي
- ولا تَقطَعْ مُواصَلَة َ الحَميمِ[٢]
كم ذا يكابد عاشق ويلاقي
يقول حافظ إبراهيم:
كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
- في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً
- يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً
- يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ
- بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً
- طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى
- بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
ما البابِلِيَّةُ في صَفاءِ مِزاجِها
- وَالشَربُ بَينَ تَنافُسٍ وَسِباقِ
وَالشَمسُ تَبدو في الكُئوسِ وَتَختَفي
- وَالبَدرُ يُشرِقُ مِن جَبينِ الساقي
بِأَلَذَّ مِن خُلُقٍ كَريمٍ طاهِرٍ
- قَد مازَجَتهُ سَلامَةُ الأَذواقِ
فَإِذا رُزِقتَ خَليقَةً مَحمودَةً
- فَقَدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّمُ الأَرزاقِ
فَالناسُ هَذا حَظُّهُ مالٌ وَذا
- عِلمٌ وَذاكَ مَكارِمُ الأَخلاقِ
وَالمالُ إِن لَم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً
- بِالعِلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ
وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ
- تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ
لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ
- ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ
كَم عالِمٍ مَدَّ العُلومَ حَبائِلاً
- لِوَقيعَةٍ وَقَطيعَةٍ وَفِراقِ
وَفَقيهِ قَومٍ ظَلَّ يَرصُدُ فِقهَهُ
- لِمَكيدَةٍ أَو مُستَحَلِّ طَلاقِ
يَمشي وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ عِمامَةٌ
- كَالبُرجِ لَكِن فَوقَ تَلِّ نِفاقِ
يَدعونَهُ عِندَ الشِقاقِ وَما دَرَوا
- أَنَّ الَّذي يَدعونَ خِدنُ شِقاقِ
وَطَبيبِ قَومٍ قَد أَحَلَّ لِطِبِّهِ
- ما لا تُحِلُّ شَريعَةُ الخَلّاقِ
قَتَلَ الأَجِنَّةَ في البُطونِ وَتارَةً
- جَمَعَ الدَوانِقَ مِن دَمٍ مُهراقِ
أَغلى وَأَثمَنُ مِن تَجارِبِ عِلمِهِ
- يَومَ الفَخارِ تَجارِبُ الحَلّاقِ
وَمُهَندِسٍ لِلنيلِ باتَ بِكَفِّهِ
- مِفتاحُ رِزقِ العامِلِ المِطراقِ
تَندى وَتَيبَسُ لِلخَلائِقِ كَفُّهُ
- بِالماءِ طَوعَ الأَصفَرِ البَرّاقِ
لا شَيءَ يَلوي مِن هَواهُ فَحَدُّهُ
- في السَلبِ حَدُّ الخائِنِ السَرّاقِ
وَأَديبِ قَومٍ تَستَحِقُّ يَمينُهُ
- قَطعَ الأَنامِلِ أَو لَظى الإِحراقِ
يَلهو وَيَلعَبُ بِالعُقولِ بَيانُهُ
- فَكَأَنَّهُ في السِحرِ رُقيَةُ راقي
في كَفِّهِ قَلَمٌ يَمُجُّ لُعابُهُ
- سُمّاً وَيَنفِثُهُ عَلى الأَوراقِ
يَرِدُ الحَقائِقَ وَهيَ بيضٌ نُصَّعٌ
- قُدسِيَّةٌ عُلوِيَّةُ الإِشراقِ
فَيَرُدُّها سوداً عَلى جَنَباتِها
- مِن ظُلمَةَ التَمويهِ أَلفُ نِطاقِ
عَرِيَت عَنِ الحَقِّ المُطَهَّرِ نَفسُهُ
- فَحَياتُهُ ثِقلٌ عَلى الأَعناقِ
لَو كانَ ذا خُلُقٍ لَأَسعَدَ قَومَهُ
- بِبَيانِهِ وَيَراعِهِ السَبّاقِ
مَن لي بِتَربِيَةِ النِساءِ فَإِنَّها
- في الشَرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها
- أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا
- بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى
- شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
أَنا لا أَقولُ دَعوا النِساءَ سَوافِراً
- بَينَ الرِجالِ يَجُلنَ في الأَسواقِ
يَدرُجنَ حَيثُ أَرَدنَ لا مِن وازِعٍ
- يَحذَرنَ رِقبَتَهُ وَلا مِن واقي
يَفعَلنَ أَفعالَ الرِجالِ لِواهِياً
- عَن واجِباتِ نَواعِسِ الأَحداقِ
في دورِهِنَّ شُؤونُهُنَّ كَثيرَةٌ
- كَشُؤونِ رَبِّ السَيفِ وَالمِزراقِ
كَلّا وَلا أَدعوكُمُ أَن تُسرِفوا
- في الحَجبِ وَالتَضييقِ وَالإِرهاقِ
لَيسَت نِساؤُكُمُ حُلىً وَجَواهِراً
- خَوفَ الضَياعِ تُصانُ في الأَحقاقِ
لَيسَت نِساؤُكُمُ أَثاثاً يُقتَنى
- في الدورِ بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ
تَتَشَكَّلُ الأَزمانُ في أَدوارِها
- دُوَلاً وَهُنَّ عَلى الجُمودِ بَواقي
- فَتَوَسَّطوا في الحالَتَينِ وَأَنصِفوا
فَالشَرُّ في التَقييدِ وَالإِطلاقِ
- رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ إِنَّها
في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وَثاقِ
- وَعَلَيكُمُ أَن تَستَبينَ بَناتُكُم
نورَ الهُدى وَعَلى الحَياءِ الباقي[٣]
المراجع
- ↑ "سكت فأصغروا أدبي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022.
- ↑ " أثرت بنا من الشوق القديم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022.
- ↑ "كم ذا يكابد عاشق ويلاقي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022.