شعر للحافظ

كتابة:
شعر للحافظ

الامتيازات الأجنبية

يقول حافظ إبراهيم:


سَكَتُّ فَأَصغَروا أَدَبي


وَقُلتُ فَأَكبَروا أَرَبي


وَما أَرجوهُ مِن بَلَدٍ


بِهِ ضاقَ الرَجاءُ وَبي


وَهَل في مِصرَ مَفخَرَةٌ


سِوى الأَلقابِ وَالرُتَبِ


وَذي إِرثٍ يُكاثِرُنا


بِمالٍ غَيرِ مُكتَسَبِ


وَفي الرومِيِّ مَوعِظَةٌ


لِشَعبٍ جَدَّ في اللَعِبِ


يُقَتِّلُنا بِلا قَوَدٍ


وَلا دِيَةٍ وَلا رَهَبِ


وَيَمشي نَحوَ رايَتِهِ


فَتَحميهِ مِنَ العَطَبِ


فَقُل لِلفاخِرينَ أَما


لِهَذا الفَخرِ مِن سَبَبِ


أَروني بَينَكُم رَجُلاً


رَكيناً واضِحَ الحَسَبِ


أَروني نِصفَ مُختَرِعٍ


أَروني رُبعَ مُحتَسِبِ


أَروني نادِياً حَفلاً


بِأَهلِ الفَضلِ وَالأَدَبِ


وَماذا في مَدارِسِكُم


مِنَ التَعليمِ وَالكُتُبِ


وَماذا في مَساجِدِكُم


مِنَ التِبيانِ وَالخُطَبِ


وَماذا في صَحائِفِكُم


سِوى التَمويهِ وَالكَذِبِ


حَصائِدُ أَلسُنٍ جَرَّت


إِلى الوَيلاتِ وَالحَرَبِ


فَهُبّوا مِن مَراقِدِكُم


فَإِنَّ الوَقتَ مِن ذَهَبِ


فَهَذي أُمَّةُ اليابا


نِ جازَت دارَةَ الشُهُبِ


فَهامَت بِالعُلا شَغَفاً


وَهِمنا بِاِبنَةِ العِنَبِ[١]


أثرت بنا من الشوق القديم

يقول حافظ إبراهيم:


أثرتَ بنا مِنَ الشَّوقِ القديمِ


وذِكرَى ذلكَ العيشِ الرَّخيمِ


وأيّامٍ كَسَوناها جَمَالاً


وأرقَصنا لها فَلَكَ النَّعيمِ


مَلأناها بنا حُسناً فكانت


بجِيدٍ الدَّهرِ كالعِقِدِ النَّظِيمِ


وفِتيانٍ مَساميحٍ عليهم


جلابيبٌ منَ الذَّوقِ السَّليمِ


لهمْ شيمٌ ألذُّ من الأمانِي


وأطربُ منْ معاطاة ِ النَّديمِ


كهمِّكَ في الخَلاعَة ِ والتَّصابِي


وإنْ كانوا على خُلُقٍ عَظيمِ


ودعوتهم إلى أنسٍ فوافَوا


موافاة َ الكريمِ إلَى الكريمِ


وَجَاءُوا كَالْقَطا وَرَدَتْ نَميراً


عَلى ظمَأٍ وهَبُّوا كالنَّسِيمِ


وكانَ اللَّيْلُ يمرحُ في شبابٍ


ويَلهُو بالمَجَرَّة ِ والنُّجُومِ


فواصَلنا كُؤوسَ الرّاحِ حتى


بَدَتْ للعينِ أنوارُ الصَّريمِ


وأعملنَا بهَا رأيَابنِ هاني


فألحِقْنا بأصحابِ الرَّقيمِ


وظَبْيٍ مِنْ بنِي مِصْرٍ غَرِيرٍ


شَهِيَّ اللَّفظِ ذي خَدٍّ مَشيمِ


ولّحْظٍ بابليٍّ ذِي انكسارِ


كأنَّ بطرفهِ سيما اليتيمِ


سقانَا في مُنادَمَة ٍ حديثاً


نَسِينَا عِنْده بِنْتَ الكُرُومِ


سَلامُ اللهِ يا عَهدَ التَّصابي


عليكَ وفِتيَة ِ العَهدِ القَديمِ


أحِنُّ لهم ودُونَهُمُ فَلاة


كأنَّ فَسِيحَها صَدرُ الحَليمِ


كأنَ أديمَهَا أحشاءُ صَبٍ


قدْ التهبتْ مِنَ الوجْدِ الأليمِ


كَأنَّ سَرَابَها إِذْ لاَحَ فِيها


خِداعٌ لاحَ في وجهِ اللَّئيمِ


تَضِلُّ بليلهِا لِهْبٌ فتَحْكِي


بوادي التِّيهِ أقوامَ الكَليمِ


وتَمشي السّافياتُ بها حَيارَى


إذا نُقِلَ الهجيرُ عن الجحيمِ


فمَن لي أنْ أرى تلك المَغاني


وما فيها من الحُسنِ القَديمِ


فما حَظُّ ابنِ داوُدٍ كحَظِّي


ولاَ أُوتيتُ مِنْ عِلْمِ العليمِ


ولا أنا مُطلَقٌ كالفِكرِ أسري


فاستَبِقُ الضَّواحِكَ في الغُيُومِ


ولكنّي مُقَيَّدَة ٌ رِحَالِي


بقَيدِ العُدمِ في وادي الهُمومِ


نَزَحتُ عن الدّيارِ أرُوَّمُ رِزقي


وأضرِبُ في المهامِة ِوالتُّخُومِ


وما غادَرتُ في السُودان قَفراً


ولم أصبُغ بتُربَتِه أديمي


وهأَنا بين أنيابِ المَنايا


وتحت بَراثِنِ الخَطبِ الجَسيمِ


ولولاَ سَوْرَة ٌ للمجدِ عِندي


قَنِعْتُ بعيشتِي قَنَعَ الظَّليمِ


أيابْنَ الأكرَمين أباً وجَدّاً


ويا بنَ عُضادَة ِ الدِّنِ القَويمِ


أقامَ لدِيننَا أَهلُوكَ رُكْناً


له نَسَبٌ إلى رُكنِ الحَطيمِ


فما طافَ العُفاة ُ به وعادُوا


بغيرِ العسجدية ِ واللطِيمِ


أتَيْتُكَ والخُطُوبُ تُزِفُّ رَحلِي


ولي حالٌ أرقُّ مِنَ السَّديمِ


وقدْ أصْبَحْتُ مِنْ سَعْيِ وكَدحِي


على الأرزاقِ كالثَّوبِ الرَّديمِ


فلاَ تُخْلقْ-فُدِيتَ-أديمَ وجَهِي


ولا تَقطَعْ مُواصَلَة َ الحَميمِ[٢]


كم ذا يكابد عاشق ويلاقي

يقول حافظ إبراهيم:


كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي


في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ


إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً


يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ


لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً


يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي


كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ


بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ


إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً


طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي


وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى


بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ


ما البابِلِيَّةُ في صَفاءِ مِزاجِها


وَالشَربُ بَينَ تَنافُسٍ وَسِباقِ


وَالشَمسُ تَبدو في الكُئوسِ وَتَختَفي


وَالبَدرُ يُشرِقُ مِن جَبينِ الساقي


بِأَلَذَّ مِن خُلُقٍ كَريمٍ طاهِرٍ


قَد مازَجَتهُ سَلامَةُ الأَذواقِ


فَإِذا رُزِقتَ خَليقَةً مَحمودَةً


فَقَدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّمُ الأَرزاقِ


فَالناسُ هَذا حَظُّهُ مالٌ وَذا


عِلمٌ وَذاكَ مَكارِمُ الأَخلاقِ


وَالمالُ إِن لَم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً


بِالعِلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ


وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ


تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ


لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ


ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ


كَم عالِمٍ مَدَّ العُلومَ حَبائِلاً


لِوَقيعَةٍ وَقَطيعَةٍ وَفِراقِ


وَفَقيهِ قَومٍ ظَلَّ يَرصُدُ فِقهَهُ


لِمَكيدَةٍ أَو مُستَحَلِّ طَلاقِ


يَمشي وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ عِمامَةٌ


كَالبُرجِ لَكِن فَوقَ تَلِّ نِفاقِ


يَدعونَهُ عِندَ الشِقاقِ وَما دَرَوا


أَنَّ الَّذي يَدعونَ خِدنُ شِقاقِ


وَطَبيبِ قَومٍ قَد أَحَلَّ لِطِبِّهِ


ما لا تُحِلُّ شَريعَةُ الخَلّاقِ


قَتَلَ الأَجِنَّةَ في البُطونِ وَتارَةً


جَمَعَ الدَوانِقَ مِن دَمٍ مُهراقِ


أَغلى وَأَثمَنُ مِن تَجارِبِ عِلمِهِ


يَومَ الفَخارِ تَجارِبُ الحَلّاقِ


وَمُهَندِسٍ لِلنيلِ باتَ بِكَفِّهِ


مِفتاحُ رِزقِ العامِلِ المِطراقِ


تَندى وَتَيبَسُ لِلخَلائِقِ كَفُّهُ


بِالماءِ طَوعَ الأَصفَرِ البَرّاقِ


لا شَيءَ يَلوي مِن هَواهُ فَحَدُّهُ


في السَلبِ حَدُّ الخائِنِ السَرّاقِ


وَأَديبِ قَومٍ تَستَحِقُّ يَمينُهُ


قَطعَ الأَنامِلِ أَو لَظى الإِحراقِ


يَلهو وَيَلعَبُ بِالعُقولِ بَيانُهُ


فَكَأَنَّهُ في السِحرِ رُقيَةُ راقي


في كَفِّهِ قَلَمٌ يَمُجُّ لُعابُهُ


سُمّاً وَيَنفِثُهُ عَلى الأَوراقِ


يَرِدُ الحَقائِقَ وَهيَ بيضٌ نُصَّعٌ


قُدسِيَّةٌ عُلوِيَّةُ الإِشراقِ


فَيَرُدُّها سوداً عَلى جَنَباتِها


مِن ظُلمَةَ التَمويهِ أَلفُ نِطاقِ


عَرِيَت عَنِ الحَقِّ المُطَهَّرِ نَفسُهُ


فَحَياتُهُ ثِقلٌ عَلى الأَعناقِ


لَو كانَ ذا خُلُقٍ لَأَسعَدَ قَومَهُ


بِبَيانِهِ وَيَراعِهِ السَبّاقِ


مَن لي بِتَربِيَةِ النِساءِ فَإِنَّها


في الشَرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ


الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها


أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ


الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا


بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ


الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى


شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ


أَنا لا أَقولُ دَعوا النِساءَ سَوافِراً


بَينَ الرِجالِ يَجُلنَ في الأَسواقِ


يَدرُجنَ حَيثُ أَرَدنَ لا مِن وازِعٍ


يَحذَرنَ رِقبَتَهُ وَلا مِن واقي


يَفعَلنَ أَفعالَ الرِجالِ لِواهِياً


عَن واجِباتِ نَواعِسِ الأَحداقِ


في دورِهِنَّ شُؤونُهُنَّ كَثيرَةٌ


كَشُؤونِ رَبِّ السَيفِ وَالمِزراقِ


كَلّا وَلا أَدعوكُمُ أَن تُسرِفوا


في الحَجبِ وَالتَضييقِ وَالإِرهاقِ


لَيسَت نِساؤُكُمُ حُلىً وَجَواهِراً


خَوفَ الضَياعِ تُصانُ في الأَحقاقِ


لَيسَت نِساؤُكُمُ أَثاثاً يُقتَنى


في الدورِ بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ


تَتَشَكَّلُ الأَزمانُ في أَدوارِها


دُوَلاً وَهُنَّ عَلى الجُمودِ بَواقي


فَتَوَسَّطوا في الحالَتَينِ وَأَنصِفوا


فَالشَرُّ في التَقييدِ وَالإِطلاقِ


رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ إِنَّها


في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وَثاقِ


وَعَلَيكُمُ أَن تَستَبينَ بَناتُكُم


نورَ الهُدى وَعَلى الحَياءِ الباقي[٣]


المراجع

  1. "سكت فأصغروا أدبي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022.
  2. " أثرت بنا من الشوق القديم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022.
  3. "كم ذا يكابد عاشق ويلاقي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/4/2022.
4077 مشاهدة
للأعلى للسفل
×