شعر معروف الرصافي

كتابة:
شعر معروف الرصافي

قصيدة أقم في الأرض صرحاً من ضياء

قال معروف الرصافي: أقم في الأرض صرحاً من ضياء

بحيث يمس كرسي السماءِ

وبعدُ فجسم العرفان شخصاً

تردى المجد فضفاض الرداء

وفي يسراه ضَع لوح المعالي

وما وفي الثناء عليك مئن

وأجلسه على الكرسي يمحو

ويثبت ما يشاء من العلاء

وقف وارفع لإليه الطرف وانظر

ألا يا كعبة الفضلاء يا من

فضائله عظمن بلا انتهاء

أهِم بأن أحيط بهن وصفا

ومن لي بالإحاطة بالفضاء

وأقدِم أن أتِم عُلاك مدحاً

فيرجعني عُلاك إلى الوراء

وما وفّى الثناء عليك مثنٍ

لأنك فوق توفية الثناء

وما اتقدت ذكاء بما يداني

ذكاءك يا إمام الأذكياء

ولو كانت أشعتها تحاكي

شعاعك ما انكسرن من الهواء

بفكرك دوحة العرفان تنمو

كذا الأدواح تنمو بالضياء

وأقسم لو تكون من الذراري

لكنت لشمس في كبد السماء

ولولا الصبح يطلع كل يوم

لقلت الصبح أنت بلا مراء


قصيدة قرأت وما غير الطبيعة من سفر

قرأت وما غير الطبيعة من سفر

صحائف نحوي كل فن من الشعر

أرى غرر الأشعار تبدو نضيدةً

على صفحات الكون سطراً على سطر

وما حادثات الدهر إلاّ قصائد

يفوه بها للسامعين فم الدهر

وما المرء إلا بيت شعر عروضه

مصائب لكن ضربه حفرة القبر

تنظّمنا الأيام شعراً وإنّما

ترّد المنايا ما نظمن إلى النثر

فمّنا طويل مسهب بحر عمره

ومنّا قصير البحر مختصر العمر

وهذا مديح صيغ من أطيب الثنا

وذاك هجاء صيغ من منطق هجر

وربّ ينام في المقابر زرتهم

بمنهل دمع لا ينهنه بالزجر

وقفت على الأجداث وقفة عاشق

على الدار دارس الطلل القفر

فما سال فيض الدمع حتى قرنته

إلى زفرات قد تصاعدن من صدري

أسكان بطن الأرض هلاّ ذكرتم

عهوداً مضت منكم وأنتم على الظهر

رضيتم بأكفان البلى حللاً لكم

وكنتم أولي الديباج والحلل الحمر

وقد كنتم تؤذي الحشايا جنوبكم

فكيف رقدتم والجنوب على العَفر

ألا يا قبوراً زرتها غير عارف

بها ساكن الصحراء من ساكن القصر

لقد حار فكري في ذويك وإنه

ليختار في مثوى ذويك أو لو الفكر

فقلت وللأجداث كفي مشيرة

ألا أن هذا الشعر من أفجع الشعر

وليل عدافىّ الجناحين بته

أسامر في ظلمائه واقع النسر

وأقلع من سفن الخيال مراسياً

فنجري من الظلماء في لجج خضر

أرى القية الزرقاء فوقي كأنها

رواق من الديباج رصع بالدر

ولولا خروق في الدجى من نجومه

قبضت على الظلماء بالأنمل العشر


قصيدة فتنت الملائك قبل البشر

فتنت الملائك قبل البشر

وهامت بك الشمس قبل القمر

وسر بك السمع قبل البصر

وغنى بك الشعر قبل الوتر

فأنت بحسنك بنت العبر

ترفّ لمرآك روح الغرام

ويهوَى طلوعك بدر التمام

ليطلع مثلك في الاحتشام

ويرْقبَ خَطرَة هذا القوام

لكيما يَهبُّ نسيم السحر

تميلُ بقدِّك خمرُ الدلالْ

فيضحكُ في مَيله الاعتدال

وفيك ارتقى الحسنُ عرش الجلال

ومنه العقول غدت في عقال


قصيدة أن بليلا من نسيم السحر

أن بليلاً من نسيم السحر

لمّا جرى في المربع المخمل

أخبر ريّاه أصحّ الخبر

عمّا جرى في الروض للبلبل

إذ هو مذ ألقى به ناظره

من بعد ما ثغر الصباح ابتسم

صادف فيه وردة زاهرة

والطلّ كاللؤلؤ فيها انتظم

مضمومة أوراقها الناضرة

مثل فم يطلب تقبيل فم

فظلّ يرنو مستديم النظر

رنوّ ظمآنٍ إلى منهل

وهي غدت ممّا بها من خفر

محمرّةً من نظر مخجل

ثم تمادى غرداً صادحا

يعلن للوردة أشواقه

ينطق بالحب لها بائحا

وهي التي تفعل أنطاقه

وتنشر الطيب له نافحا

كأنها تقصد انشاقه

حتى غدا البلبل منذ الصغر

في حبّها منطلق المقول

ينشد فيها شعره المبتكر

ولا يني فيه ولا يأتلي

أما ترى الأزهار كيف اغتدت

فراشة الروض عليها تطير

لها جناح هي منه ارتدت

ملاءةً مَوشيّةً من حرير

فهي إلى الروضة مذ ورّدت

أرسلها البلبل نحو الأمير

تحمل للورد أمير الزهر

رسائل الشوق من البلبل

فشاع في الأزهار هذا الخبر

واستَوجب العطف على المرسل
6516 مشاهدة
للأعلى للسفل
×