أعنف حب عشته
- تلومني الدنيا إذا أحببتهُ
- كأني .. أنا خلقتُ الحبَّ واخترعتُهُ
- كأنني على خدودِ الوردِ قد رسمتهُ
- كأنني أنا التي ..
- للطيرِ في السماءِ قد علّمتهُ
- وفي حقولِ القمحِ قد زرعتهُ
- وفي مياهِ البحرِ قد ذوّبتهُ
- كأنني .. أنا التي
- كالقمرِ الجميلِ في السماءِ
- قد علّقتُه
- تلومُني الدنيا إذا
- سمّيتُ منْ أحبُّ .. أو ذكرتُهُ
- كأنني أنا الهوى
- وأمُّهُ .. وأختُهُ
- من حيثُ ما انتظرتهُ
- مختلفٌ عن كلِّ ما عرفتهُ
- مختلفٌ عن كلِّ ما قرأتهُ
- وكلِّ ما سمعتهُ
- لو كنتُ أدري
- أنهُ نوعٌ منَ الإدمانِ .. ما أدمنتهُ
- لو كنتُ أدري أنهُ
- بابٌ كثيرُ الريحِ.. ما فتحتهُ
- لو كنتُ أدري أنهُ
- عودٌ من الكبريتِ.. ما أشعلتهُ
- هذا الهوى .. أعنفُ حبٍّ عشتهُ
- فليتني حينَ أتاني فاتحاً
- يديهِ لي .. رددْتُهُ
- وليتني من قبلِ أن يقتلَني .. قتلتُهُ
- هذا الهوى الذي أراهُ في الليلِ
- أراهُ .. في ثوبي
- وفي عطري .. وفي أساوري
- أراهُ .. مرسوماً على وجهِ يدي
- أراهُ منقوشاً على مشاعري
- لو أخبروني أنهُ
- طفلٌ كثيرُ اللهوِ والضوضاءِ ما أدخلتهُ
- وأنهُ سيكسرُ الزجاجَ في قلبي لما تركتهُ
- لو أخبروني أنهُ
- سيضرمُ النيرانَ في دقائق
- ويقلبُ الأشياءَ في دقائق
- ويصبغُ الجدرانَ بالأحمرِ والأزرقِ في دقائق
- لكنتُ قد طردتهُ
- يا أيّها الغالي الذي
- أرضيتُ عني الله .. إذْ أحببتهُ
- أروعُ حبٍّ عشتهُ
- فليتني حينَ أتاني زائراً
- بالوردِ قد طوّقتهُ
- وليتني حينَ أتاني باكياً
- فتحتُ أبوابي لهُ .. وبستهُ[١]
سأقول لكِ أُحِبُّكِ
- سَأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
- حينَ تنتهي كلُّ لُغَاتِ العشق القديمة
- فلا يبقى للعُشَّاقِ شيءٌ يقولونَهُ.. أو يفعلونَهْ..
- عندئذ ستبدأ مُهِمَّتي..
- في تغيير حجارة هذا العالمْ..
- وفي تغيير هَنْدَسَتِهْ..
- شجرةً بعد شجرة..
- وكوكباً بعد كوكبْ..
- وقصيدةً بعد قصيدة..
- سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
- وتضيقُ المسافةُ بين عينيكِ وبين دفاتري..
- ويصبحُ الهواءُ الذي تتنفَّسينه يمرُّ برئتيَّ أنا..
- وتصبحُ اليدُ التي تضعينَها على مقعد السيّارة..
- هي يدي أنا..
- سأقولها، عندما أصبح قادراً،
- على استحضار طفولتي، وخُيُولي، وعَسَاكري،
- ومراكبي الورقية..
- واستعادةِ الزَمَن الأزرق معكِ على شواطئ بيروتْ..
- حين كنتِ ترتعشين كسمَكةٍ بين أصابعي..
- فأغطّيكِ، عندما تَنْعَسينْ،
- بشَرْشَفٍ من نُجُوم الصيفْ..
- سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
- وسنابلَ القمح حتى تنضجَ.. بحاجةٍ إليكِ..
- والينابيعَ حتى تتفجَّرْ..
- والحضارةَ حتى تتحضَّرْ..
- والعصافيرَ حتى تتعلَّمَ الطيرانْ..
- والفراشات حتى تتعلَّمَ الرَسْم..
- وأنا أمارسَ النبوة
- بحاجةٍ إليكِ..
- سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
- عندما تسقط الحدودُ نهائياً بينكِ وبين القصيدة..
- ويصبح النومُ على وَرَقة الكتابة
- ليسَ الأمرُ سَهْلاً كما تتصوَّرينْ..
- خارجَ إيقاعاتِ الشِّعرْ..
- ولا أن أدخلَ في حوارٍ مع جسدٍ لا أعرفُ أن أتهجاه..
- كَلِمَةً كلمة..
- ومقطعاً مقطعاً...
- إنني لا أعاني من عُقْدَة المثقّفينْ..
- لكنَّ طبيعتي ترفضُ الأجسادَ التي لا تتكلَّمُ بذكاءْ...
- والعيونَ التي لا تطرحُ الأسئلة..
- إن شَرْطَ الشهوَة عندي، مرتبطٌ بشَرْط الشِّعْرْ
- فالمرأةُ قصيدةٌ أموتُ عندما أكتُبُها..
- وأموتُ عندما أنساها..
- سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
- عندما أبرأُ من حالة الفُصَام التي تُمزِّقُني..
- وأعودُ شخصاً واحداً..
- سأقُولُها، عندما تتصالحُ المدينةُ والصحراءُ في داخلي.
- وترحلُ كلُّ القبائل عن شواطئ دمي..
- الذي حفرهُ حكماءُ العالم الثالث فوق جَسَدي..
- التي جرّبتُها على مدى ثلاثين عاماً...
- فشوَّهتُ ذُكُورتي..
- وأصدَرَتْ حكماً بِجَلْدِكِ ثمانينَ جَلْدَهْ..
- بِتُهْمةِ الأنوثة...
- لذلك. لن أقولَ لكِ (أُحِبّكِ).. اليومْ..
- ورُبَّما لن أَقولَها غداً..
- فالأرضُ تأخذ تسعةَ شُهُورٍ لتُطْلِعَ زهْرَهْ
- والليل يتعذَّبُ كثيراً.. لِيَلِدَ نَجْمَهْ..
- والبشريّةُ تنتظرُ ألوفَ السنواتِ.. لتُطْلِعَ نبيَّاً..
- فلماذا لا تنتظرينَ بعضَ الوقتْ..
- لِتُصبِحي حبيبتي؟؟.
- بِتُهْمةِ الأنوثة...[٢]
ألا تجلسينَ قليلاً
- ألا تجلسينَ قليلاً
- ألا تجلسين؟
- فإن القضية أكبرَ منكِ.. وأكبرَ مني..
- كما تعلمين..
- وما كان بيني وبينكِ..
- لم يكُ نقشاً على وجه ماء
- ولكنه كان شيئاً كبيراً كبيراً..
- كهذي السماء
- فكيف بلحظةِ ضعفٍ
- نريد اغتيالَ السماء؟..
- ألا تجلسين لخمس دقائقَ أخرى؟
- ففي القلب شيءٌ كثير..
- وحزنٌ كثيرٌ..
- وليس من السهل قتلُ العواطف في لحظات
- وإلقاءُ حبكِ في سلةِ المهملات..
- فإن تراثاً من الحبِ.. والشعرِ.. والحزن..
- والخبز.. والملحِ.. والتبغ.. والذكريات
- يحاصرنا من جميع الجهات
- فليتكِ تفتكرينَ قليلاً بما تفعلين
- فإن القضيةَ..
- أكبرُ منكِ.. وأكبرُ مني..
- كما تعلمين..
- ولكنني أشعر الآن أن التشنج ليس علاجاً
- لما نحن فيهِ..
- وأن الحمامةَ ليست طريقَ اليقين
- وأن الشؤون الصغيرة بيني وبينكِ..
- ليست تموتُ بتلك السهولة
- وأن المشاعرَ لا تتبدلُ مثل الثياب الجميلة..
- أنا لا أحاولُ تغييرَ رأيكِ..
- إن القرارَ قرارُكِ طبعاً..
- ولكنني أشعر الآن أن جذورك تمتد في القلبِ،
- ذاتَ الشمالِ ، وذات اليمين..
- فكيف نفكُّ حصارَ العصافير، والبحرِ،
- والصيفِ، والياسمينْ..
- وكيف نقصُّ بثانيتين؟
- شريطاً غزلناه في عشرات السنين..
- - أسكب كأساً لنفسي..
- -وأنتِ؟
- تذكرتُ أنكِ لا تشربين..
- أنا لست ضد رحيلكِ.. لكن..
- أفكر أن السماء ملبدةٌ بالغيوم..
- وأخشى عليكِ سقوطَ المطر
- فماذا يضيركِ لو تجلسين؟
- لحين انقطاع المطرْ..
- وما يضيركِ؟
- لو تضعينَ قليلاً منَ الكحل فوق جفونكِ..
- أنتِ بكيتِ كثيراً..
- ومازال وجهكِ رغم اختلاط دموعك بالكحل
- مثلَ القمرْ..
- أنا لست ضدّ رحيلكِ..
- لكنْ..
- لديَّ اقتراح بأن نقرأ الآن شيئاً من الشعرِ.
- علَّ قليلاً من الشعرِ يكسرُ هذا الضجرْ..
- تقولينَ إنكِ لا تعجبين بشعري!!
- سأقبل هذا التحدي الجديدْ..
- بكل برودٍ.. وكل صفاء
- وأذكرُ..
- كم كنتِ تحتفلينَ بشعري..
- وتحتضنينَ حروفي صباحَ مساءْ..
- وأضحكُ..
- من نزواتِ النساء..
- فليتكِ سيدتي تجلسين
- فإن القضية أكبر منكِ .. وأكبرُ مني..
- كما تعلمين..
- أما زلتِ غضبى؟
- إذن سامحيني..
- فأنتِ حبيبةُ قلبي على أي حال..
- سأفرضً أني تصرفتُ مثل جميع الرجال
- ببعض الخشونة..
- وبعض الغرورْ..
- فهل ذاك يكفي لقطع جميع الجسورْ؟
- وإحراقِ كل الشجر..
- أنا لا أحاول ردَّ القضاء وردَّ القدر..
- ولكنني أشعر الآنَ..
- أن اقتلاعكِ من عَصَب القلب صعبٌ..
- وإعدام حبكِ صعبٌ..
- وعشقكِ صعبٌ
- وكرهكِ صعبٌ..
- وقتلكِ حلمٌ بعيد المنالْ..
- فلا تعلني الحربَ..
- إن الجميلاتِ لا تحترفن القتالْ..
- ولا تطلقي النارَ ذات اليمين،
- وذاتَ الشمال..
- ففي آخر الأمرِ..
- لا تستطيعي اغتيالَ جميع الرجالْ..
- لا تستطيعي اغتيالَ جميع الرجالْ..[٣]
حُب بلا حدود
- يا سيِّدتي:
- كنتِ أهم امرأةٍ في تاريخي
- قبل رحيل العامْ.
- أنتِ الآنَ.. أهمُّ امرأةٍ
- بعد ولادة هذا العامْ..
- أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيَّامْ.
- أنتِ امرأةٌ..
- صُنعَت من فاكهة الشِّعرِ..
- ومن ذهب الأحلامْ..
- أنتِ امرأةٌ.. كانت تسكن جسدي
- قبل ملايين الأعوامْ..
- يا سيِّدتي:
- يالمغزولة من قطنٍ وغمامْ.
- يا أمطاراً من ياقوتٍ..
- يا أنهاراً من نهوندٍ..
- يا غاباتِ رخام..
- يا من تسبح كالأسماكِ بماءِ القلبِ..
- وتسكنُ في العينينِ كسربِ حمامْ.
- لن يتغيرَ شيءٌ في عاطفتي..
- في إحساسي..
- في وجداني.. في إيماني..
- فأنا سوف أَظَلُّ على دين الإسلامْ..
- يا سيِّدتي:
- لا تَهتّمي في إيقاع الوقتِ وأسماء السنواتْ.
- أنتِ امرأةٌ تبقى امرأةً.. في كلَِ الأوقاتْ.
- سوف أحِبُّكِ..
- عند دخول القرن الواحد والعشرينَ..
- وعند دخول القرن الخامس والعشرينَ..
- وعند دخول القرن التاسع والعشرينَ..
- وسوفَ أحبُّكِ..
- حين تجفُّ مياهُ البَحْرِ..
- وتحترقُ الغاباتْ..
- يا سيِّدتي:
- أنتِ خلاصةُ كلِّ الشعرِ..
- ووردةُ كلِّ الحرياتْ.
- يكفي أن أتهجى اسمك..
- حتى أصبحَ مَلكَ الشعرِ..
- وفرعون الكلماتْ..
- يكفي أن تعشقني امرأةٌ مثلكِ..
- حتى أدخُلَ في كتب التاريخِ..
- وتُرفعَ من أجلي الراياتْ..
- يا سيِّدتي
- لا تَضطربي مثلَ الطائرِ في زَمَن الأعيادْ.
- لَن يتغيرَ شيءٌ منّي.
- لن يتوقّفَ نهرُ الحبِّ عن الجريانْ.
- لن يتوقف نَبضُ القلبِ عن الخفقانْ.
- لن يتوقف حَجَلُ الشعرِ عن الطيرانْ.
- حين يكون الحبُ كبيراً..
- والمحبوبة قمراً..
- لن يتحول هذا الحُبُّ
- لحزمَة قَشٍّ تأكلها النيرانْ...
- يا سيِّدتي:
- ليس هنالكَ شيءٌ يملأ عَيني
- لا الأضواءُ..
- ولا الزيناتُ..
- ولا أجراس العيد..
- ولا شَجَرُ الميلادْ.
- لا يعني لي الشارعُ شيئاً.
- لا تعني لي الحانةُ شيئاً.
- لا يعنيني أي كلامٍ
- يكتبُ فوق بطاقاتِ الأعيادْ.
- يا سيِّدتي:
- لا أتذكَّرُ إلا صوتُكِ
- حين تدقُّ نواقيس الآحادْ.
- لا أتذكرُ إلا عطرُكِ
- حين أنام على ورق الأعشابْ.
- لا أتذكر إلا وجهُكِ..
- حين يهرهر فوق ثيابي الثلجُ..
- وأسمعُ طَقْطَقَةَ الأحطابْ..
- ما يُفرِحُني يا سيِّدتي
- أن أتكوَّمَ كالعصفور الخائفِ
- بين بساتينِ الأهدابْ...
- ما يَبهرني يا سيِّدتي
- أن تهديني قلماً من أقلام الحبرِ..
- أعانقُهُ..
- وأنام سعيداً كالأولادْ...
- يا سيِّدتي:
- ما أسعدني في منفاي
- أقطِّرُ ماء الشعرِ..
- وأشرب من خمر الرهبانْ
- ما أقواني..
- حين أكونُ صديقاً
- للحريةِ.. والإنسانْ...
- يا سيِّدتي:
- كم أتمنى لو أحببتُكِ في عصر التَنْويرِ..
- وفي عصر التصويرِ..
- وفي عصرِ الرُوَّادْ
- كم أتمنى لو قابلتُكِ يوماً
- في فلورنسَا.
- أو قرطبةٍ.
- أو في الكوفَةِ
- أو في حَلَبٍ.
- أو في بيتٍ من حاراتِ الشامْ...
- يا سيِّدتي:
- كم أتمنى لو سافرنا
- نحو بلادٍ يحكمها الغيتارْ
- حيث الحبُّ بلا أسوارْ
- والكلمات بلا أسوارْ
- والأحلامُ بلا أسوارْ
- يا سيِّدتي:
- لا تَنشَغِلي بالمستقبلِ، يا سيدتي
- سوف يظلُّ حنيني أقوى مما كانَ..
- وأعنفَ مما كانْ..
- أنتِ امرأةٌ لا تتكرَّرُ.. في تاريخ الوَردِ..
- وفي تاريخِ الشعْرِ..
- وفي ذاكرةَ الزنبق والريحانْ...
- يا سيِّدةَ العالَمِ
- لا يُشغِلُني إلا حُبُّكِ في آتي الأيامْ
- أنتِ امرأتي الأولى.
- أمي الأولى
- رحمي الأولُ
- شَغَفي الأولُ
- شَبَقي الأوَّلُ
- طوق نجاتي في زَمَن الطوفانْ...
- يا سيِّدتي:
- يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى
- هاتي يَدَكِ اليُمْنَى كي أتخبَّأ فيها..
- هاتي يَدَكِ اليُسْرَى..
- كي أستوطنَ فيها..
- قولي أيَّ عبارة حُبٍّ
- حتى تبتدئَ الأعيادْ[٤]
المراجع
- ↑ "أعنف حب عشته"، الديوان.
- ↑ "سأقول لك أحبك"، بوابة الشعراء.
- ↑ "ألا تجلسين قليلا"، الديوان.
- ↑ "حب بلا حدود"، الديوان.