شعر نزار قباني عن الصداقة

كتابة:
شعر نزار قباني عن الصداقة

إلى صديقة جديدة

وَدَّعتُكِ الأمس، وعدتُ وحدي
مفكِّراً ببَوْحكِ الأخيرِ
كتبتُ عن عينيكِ ألفَ شيءٍ
كتبتُ بالضوءِ وبالعبيرِ
كتبتُ أشياءَ بدون معنى
جميعُها مكتوبة بنورِ
مَنْ أنتِ، مَنْ رماكِ في طريقي؟
مَنْ حرَّكَ المياهَ في جذوري؟
وكانَ قلبي قبل أن تلوحي
مقبرةً ميِّتَةَ الزُّهورِ
مُشْكلتي أنّي لستُ أدري
حدّاً لأفكاري ولا شعوري
أضَعْتُ تاريخي، وأنتِ مثلي
بغير تاريخٍ ولا مصيرِ
محبَّتي نارٌ فلا تُجَنِّي
لا تفتحي نوافذ السّعيرِ
أريدُ أن أقيكِ من ضلالي
من عالمي المسمَّم العطورِ
هذا أنا بكلِّ سيئاتي
بكلِّ ما في الأرضِ من غرورِ
كشفتُ أوراقي فلا تُراعي
لن تجدي أطهرَ من ما عندي من شرور
للحسن ثوراتٌ فلا تهابي
وجرِّبي أختاهُ أن تثوري
ولتْثقي مهما يكنْ بحُبِّي
فإنَّه أكبرُ من كبيرِ[١]

صديقتي وسجائري

واصل تدخينك يغريني
رجلٌ في لحظة تدخين
ما أشهى تبغك والدّنيا
تستقبل أول تشرين
والقهوة والصّحف الكسلى
ورؤىً وحطام فناجين
دخّن لا أروع من رجلٍ
يفنى في الرّكن ويفنيني
رجلٌ تنضم أصابعه
وتفكّر من غير جبين
أشعل واحدةً من أخرى
أشعلها من جمر عيوني
ورمادك ضعه على كفّي
نيرانك ليست تؤذيني
فأنا كامرأةٍ يرضيني
أن ألقي نفسي في مقعد
ساعاتٍ في هذا المعبد
أتأمل في الوجه المجهد
وأعدّ، أعدّ، عروق اليد
فعروق يديك تُسلّيني
وخيوط الشّيب هنا وهنا
تنهي أعصابي، تنهيني
دخّن، لا أروع من رجلٍ
يفنى في الرّكن، ويفنيني
احرقني، احرق بي بيتي
وتصرّف فيه كمجنون
فأنا كامرأةٍ يكفيني
أن أشعر أنّك تحميني
أن أشعر أن هناك يداً
تتسلّل من خلف المقعد
كي تمسح رأسي وجبيني
تتسلّل من خلف المقعد
لتداعب أذني بسكون
ولتترك في شعري الأسود
عقداً من زهر اللّيمون
دخّن، لا أروع من رجلٍ يفنى في الرّكن، ويفنيني.[٢]

ثلاث بطاقات من آسيا

من آسيا
عليك يا صديقتي السّلام
فبعد عينيك أنا
لا أعرف السّلام
قطعت في تشردي الطّويل
يا قمري
يا أرنبي الجميل
يا رغوة الحليب والرّخام
قطعت ألف عام
بدون عينيك، بلا خبز ولا طعام
تصّوري
أنّي بلا عينيك ألف عام
بدون مصباحين أخضرين
بدون شمعتين
بينهما أنام
فيروزتي
ما زلت في سفينتي
أصارع الشّموس، واللّصوص، والدّوارة
نزلت في مرافئ موبوءة المياه
صلّيت في معابد ليس لها إله
وأرخص الخمور ذقت
قُتلت ألف مرّة
غرقت ألف مرّة
صُلبت فوق حائط النّهار
وسبعة قطعتها من أوسع البحار
من أخطر البحار
لمست سقف الشّمس
كانت رحلتي انتحار
تصوري
أنّي بلا عينيك، يا حبيبتي، قرون
لا كوكب في الأفق لا منار
بحارتي في السّطح ميتون
وخبزي الإسفنج والمحار
تصوّري الأرض وما تكون
يا أرنبي الحنون
بدون عينيك بلا فسقيه اخضرار
بدون شاطئين مقمرين
بدون غابتين
أنشد في حمامها القرار.[٣]

قصائد الشعراء عن الصداقة

قال الإمام الشّافعي عن الصداقة:[٤]

إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً

فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا

فَفِي النَّاسِ أبْدَالٌ وَفي التَّرْكِ راحة

وفي القلبِ صبرٌ للحبيب ولو جفا

فَمَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهْوَاكَ قلبهُ

وَلا كلُّ مَنْ صَافَيْتَه لَكَ قَدْ صَفَا

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة

فلا خيرَ في ودٍ يجيءُ تكلُّفا

ولا خيرَ في خلٍّ يخونُ خليلهُ

ويلقاهُ من بعدِ المودة بالجفا

وَيُنْكِرُ عَيْشاً قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ

وَيُظْهِرُ سِرًّا كان بِالأَمْسِ قَدْ خَفَا

سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا

صديق صدوق صادق الوعد منصفا

قال إيليا أبو ماضي عن الصداقة:[٥]

ما عزّ من لم يصحب الخذما

فأحطم دواتك، واكسر القلما

وارحم صباك الغضّ، إنّهم

لا يحملون وتحمل الألما

كم ذا تناديهم وقد هجعوا

أحسبت أنّك تسمع الرّمما

ما قام في آذانهم صمم

وكأنّ في آذانهم صمما

القوم حاجتهم إلى همم

أو أنت مّمن يخلق الهمما؟

تاللّه لو كنت (ابن ساعدة)

أدبا (وحاتم طيء) كرما

وبذذت (جالينوس) حكمته

والعلم (رسططا ليس) والشّيما

وسبقت (كولمبوس) مكتشفا

وشأوت (أديسون) معتزما

فسلبت هذا البحر لؤلؤة

وحبوتهم إيّاه منتظما

وكشفت أسرار الوجود لهم

وجعلت كلّ مبعّد أمما

قالت سعاد الصباح عن الصداقة:[٦]

كن صديقي
كن صديقي
كم جميلٌ لو بقينا أصدقاء
إنّ كلّ امرأة تحتاج أحياناً إلى كفّ صديق
وكلامٌ طيب تسمعه
وإلى خيمة دفء صنعت من كلمات
لا إلى عاصفة من قبلات
فلماذا يا صديقي
لست تهتمّ بأشيائي الصّغيرة !؟
ولماذا لست تهتم بما يرضي النّساء؟
كن صديقي
كن صديقي
إنّني أحتاج أحياناً لأن أمشي على العشب معك
وأنا أحتاج أحيانا لأن أقرأ ديواناً من الشّعر معك
وأنا -كامرأة- يسعدني أن أسمعك
فلماذا –أيها الشّرقي- تهتمّ بشكلي !؟
ولماذا تبصر الكحل بعيني
ولا تبصر عقلي!؟
إنّني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار
فلماذا لا ترى في معصمي إلّا السّوار!؟
ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار!؟
كن صديقي
كن صديقي
ليس في الأمر انتقاص للرّجولة.
غير أنّ الرّجل الشّرقي لا يرضى بدورٍ
غير أدوار البطولة.
فلماذا تخلط الأشياء خلطاً ساذجاً؟
ولماذا تدعّي العشق وما أنت العشيق
إنّ كلّ امرأةٍ في الأرض تحتاج إلى صوت ذكيٍّ
وعميق
وإلى النّوم على صدر بيانو أو كتاب
فلماذا تهمل البعد الثّقافي
وتَعنى بتفاصيل الثّياب؟
كن صديقي
كن صديقي
أنا لا أطلب أن تعشقني العشق الكبيرا
لا، ولا أطلب أن تبتاع لي يختاً
وتهديني قصورا
لا، ولا أطلب أن تمطرني عطراً فرنسيّاً
وتعطيني القمر
هذه الأشياء لا تسعدني
فاهتماماتي صغيرة
وهواياتي صغيرة
وطموحي هو أن أمشي ساعاتٍ وساعاتٍ معكْ
تحت موسيقى المطر
وطموحي هو أن أسمع في الهاتف صوتكْ
عندما يسكنني الحزن
ويبكيني الضّجر
كن صديقي
كن صديقي
فأنا محتاجة جدّاً لميناء سلام
وأنا متعبة من قصص العشق، وأخبار الغرام
وأنا متعبة من ذلك العصر الذي
يعتبر تمثال رخام
فتكلّم حين تلقاني
لماذا الرّجل الشّرقي ينسى
حين يلقى، نصف الكلام؟
ولماذا لا يرى فيها سوى قطعة حلوى؟
وزغاليل حمام
ولماذا يقطف التّفاح من أشجارها
ثم ينام!؟
لماذا؟
كن صديقي.



المراجع

  1. "إلى صديقة جديدة"، الديوان.
  2. "صديقتي وسجائري"، الديوان.
  3. "ثلاث بطاقات من آسيا"، الديوان.
  4. "إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً"، الديوان.
  5. "ما عز من لم يصحب الخذما"، الديوان.
  6. "كن صديقي"، بوابة الشعراء.
5737 مشاهدة
للأعلى للسفل
×