شعراء العصر العباسي الأول

كتابة:
شعراء العصر العباسي الأول

أبرز شعراء العصر العباسي الأول 

كانت بغداد في العصر العباسي الأول (750م-847م) مدينةً مزدهرةً بالفنون والعلوم، ومن الفنون التي شاعت فيها هو الشعر على اختلاف أغراضه وموضوعاته، إذ برز عدد من الشعراء، ومن بينهم ما يأتي:

أبو نواس

أبو نُوَاس (762م - 814م)؛ اسمه الحسن بن هانئ، من كبار الشعراء العباسيين، وُلد في الأهواز ونشأ في البصرة، أبوه عربيّ، وأمه فارسية، بعد أن تُوفي والده بقي في حضانة أمه، وبجانب تعلّمه الأدب واللغة كان يعمل عند عطار ليُعيل أمه، ثم انتقل إلى البادية، وهناك لازَم الراوية خلف الأحمر، وتعلّم الشعر على يديه.[١]

بعد أن أصبح شاعرًا فذًّا انتقل إلى بغداد، وكان على صلة بالرشيد ومن بعده الأمين، ثارَ أبو نواس في شعره على التقاليد الدارجة في نظم الشعر، فاتَّجه إلى تجديد الألفاظ والمعاني، واعتمد في شعره نهج سهولة الألفاظ بدلًا من فصاحتها الشديدة، ومتانتها، وبداوتها، ومن أوجه التجديد الملحوظة في شعره، الاستغناء عن ذِكر الأطلال، ووصف الإبل، والخيل، والصحراء، والخيام، والرماح، والذئاب كما هو معتاد.[١]

بالإضافة إلى الاتجاه إلى وصف القصور، والبساتين، والمُدن التي أصبحت كثيرةً في العصر العباسي، وكتب أبو نواس في موضوعات شعرية كثيرة ومختلفة، إلا أنّه كان مولعًا في وصف الخمر، وكتب في المدح، والهجاء، والرثاء، كما أنّه أول من كتب شعرًا في الطرديات أيّ الصيد.[١]

من أبرز أشعاره في وصف الخمر ما يأتي:[٢]

أسقياني من شمولِ

في مدى اليوم الطويل

خمرةً في عَرفِ مِشكٍ

عُصرت من نهرِ بيلِ

ويحُها يسطعُ منها

فائحًا من رأس ميل

في لسان الشربِ منها

مثلُ لذع الزَنجبيل

عُتّقَت حولًا وحَولًا

بين كرَم ونخيل

وعلى وجهٍ غزالٍ

أحورِ العين كحيل

فاسقيانيها نهارًا

واهتفا بالشمسِ زولي

إنما يُذهبُ مالي

طولُ إدمانِ الشمول

قلت لمّا رام نسكي

فنهى عنه عذولي

أن أدعها قوتَ أُخرى

من مزاجٍ الزنجبيلِ

أبو تمام

أبو تمام (798- 848)؛ هو حبيب بن أوس الطائي، وُلد في منبج في حلب عام 798م، وقيل في عام 806م، ينسبه الأصفهاني إلى قبيلة طيّء، بينما ينسبه آخرون إلى أب رومي من تدوس، وكان أبو تمام في دمشق يعمل حائكًا، ثم انتقل إلى فسطاط مصر، وبقي فيها خمس سنوات يعمل ساقيًا في الجامع الكبير، وقال الشعر فيه.[٣]

ذهب إلى العراق واتصل ببعض الخلفاء، مثل: المعتصم بالله، والواثق، وحمد بن معتصم، بعد ذلك ترك بغداد، وانتقل إلى أرمينيا وخرسان للتكسّب من الشعر في مدح الخلفاء والوزراء، وعاصر من الشعراء العباسيين البحتري، وله كتاب الحماية وهو كتاب ذائع الصيت جمع فيه مختارات من شعر العرب.[٣]

تمسّك أبو تمام بأسلوب الشعر الأصيل وكتب في مختلف الموضوعات الشعرية، ولم يتجه لتسهيل الألفاظ، أو تجديد بنية القصيدة، وتمتاز قصائده بأنّها مليئة بالألفاظ الفلسفية المُستمدّة من تعليمه، كما أنّه كثير ما خالف قواعد اللغة؛ لأنّه تعمّق بالمعاني.[٣]

ومن أبرز أشعار أبي تمام ما يأتي:[٤]

لَيتَ الخَيالَ فَريسَةً لِرُقادي

يَدنو بِطَيفِكِ عَن نَوى وَبعادِ

وَلَقَد أَطَلتُ إِلى سُلوكِ شِقَّتي

وَجَعَلتُ هَجرَكِ وَالتَجَنُّبَ زادي

أَهوِن بِما حَمَّلتِنيهِ مِنَ الضَنى

لَو أَنَّ طَيفَكِ كانَ مِن عُوّادي

وَلَقَلَّما نَزَلَ الخَيالُ بِمُقلَةٍ

رَوعاءَ نافِرَةٍ بِغَيرِ رُقادِ

ما تَلتَقي الأَجفانُ مِنها ساعَةً

وَإِذا التَقَت فَلِغَضِّ دَمعٍ بادِ

لا يَبعَدَن قَلبي الَّذي خَلَّفتُهُ

وَقفاً عَلى الإِتِهامِ وَالإِنجادِ

إِنَّ الَّذي عَمَرَ الرَقادَ وِسادَةً

لَم يَدرِ كَيفَ نَبا عَليَّ وِسادي

لا زالَ جَيبُ اللَيلِ مُنفَصِمَ العُرى

عَن كُلِّ أَوطَفَ مُبرِقٍ مِرعادِ

يَسقي مَنازِلَ عاثَ فيهِنَّ البِلى

بَينَ الغُوَيرِ فَجانِبِ الأَجمادِ

وَإِذا الرِياحُ تَبَوَّعَت فَصُدورُها

لِعِناقِ حاضِرِ أَرضِكُم وَالبادي

وَلَقَد بَعَثتُ مِنَ الدُموعِ إِلَيكُمُ

بِرَكائِبٍ وَمِنَ الزَفيرِ بِحادِ

إِنّي مَتى اِستَنجَدتُ سِربَ مَدامِعٍ

خَذَلَتهُ أَسرابُ الفِراقِ العادي

بشار بن برد

بشار بن بُرد (724-784)؛ وُلد في البصرة، وكان أكمه العينين منذ ولادته بشع الخِلقة كما وُرد عنه، وبدأ بقول الشعر منذ صغره لكسب المال، وكان هجاء بشار هجاء مُقذعًا، وبالإضافة إلى مهارته بالشعر كان خطيبًا، كما أنّه جدَّد في بنية القصيدة، بل هو رأس المُجدّدين، إلا أنّ طابع قصائده كان بدويًّا، وألفاظه ثقيلة تقليدية.[٥]

لكنّ قصائده الغزلية امتازت بألفاظ رقيقة، وكثيرًا ما غنّى قصائده المُغنون في البصرة، وكان بشار غزير الشِّعر، ولم يكن صادقًا أو مخلصًا في الشعر -في نظر النقاد- بل تكلّف في صياغة المعاني، ويظهر في شعره الفحش والإسفاف في بابي الغزل والهجاء.[٥]

ومن أبرز أشعار بشار بن برد ما يأتي:[٦]

تَجَهَّز طالَ في النَصَبِ الثَواءُ

وَمُنتَظَرُ الثَقيلِ عَلَيَّ داءُ

تَرَكتُ رِياضَةَ النَوكى قَديمًا

فَإِنَّ رِياضَةَ النَوكى عَياءُ

إِذا ما سامَني الخُلَطاءُ خَسفًا

أَبَيتُ وَرُبَّما نَفَعَ الإِباءُ

وَإِغضائي عَلى البَزلاءِ وَهنٌ

وَوَجهُ سَبيلِها رَحبٌ فَضاءُ

قَضَيتُ لُبانَةً وَنَسَأتُ أُخرى

وَلِلحاجاتِ وَردٌ وَاِنقِضاءُ

أبو العتاهية

أبو العتاهية (748-825)؛ هو إسماعيل بن القاسم، وُلدَ في الأنبار، ونشأ في الكوفة، وكان صانعًا للجِرار، اتصل ببعض الخلفاء العباسيين، مثل: الهادي، والمهدي، والرشيد، والأمين، والمأمون بعدما أصبح شاعرًا، وكان شعره غزيرًا جدًّا متفاونةً بالقوة، إذ كان بعض شعره جيّدًا وبعضه رديئًا، وكانت موضوعات شعره تميل إلى الفلسفة، والزّهد، مع أخذه بمبدأ الجبر، وهو أول من أدخل الفلسفة إلى الشعر العربي.[٧]

ومن أبرز أشعار أبي العتاهية ما يأتي: [٨]

إِمامَ الهُدى أَصبَحتَ بِالدينِ مَعنِيا

وَأَصبَحتَ تَسقي كُلَّ مُستَمطِرٍ رِيّا

لَكَ اسمانِ شُقّا مِن رَشادٍ وَمِن هُدًا

فَأَنتَ الَّذي تُدعى رَشيدًا وَمُهدِيّا

إِذا ما سَخِطتَ الشَيءَ كانَ مُسَخَّطًا

وَإِن تَرضَ شَيئًا كانَ في الناسِ مَرضِيّا

بَسَطتَ لَنا شَرقًا وَغَربًا يَدَ العُلا

فَأَوسَعتَ شَرقِيّاً وَأَوسَعتَ غَربِيّا

وَوَشَّيتَ وَجهَ الأَرضِ بِالجودِ وَالنَدى

فَأَصبَحَ وَجهُ الأَرضِ بِالجودِ مَوشِيّا

وَأَنتَ أَميرَ المُؤمِنينَ فَتى التُقى

نَشَرتَ مِنَ الإِحسانِ ما كانَ مَطوِيّا

قَضى اللَهُ أَن يَبقى لِهارونَ مُلكُهُ

وَكانَ قَضاءُ اللَهِ في الخَلقِ مَقضِيّا

تَحَلَّبَتِ لدُنيا لِهارونَ بِالرِضا

وَأَصبَحَ نَقفورٌ لِهارونَ ذِمِّيّا

المراجع

  1. ^ أ ب ت عبد عون الروضان، موسوعة شعراء العصر العباسي الجزء الأول، صفحة 50. بتصرّف.
  2. "أسقياني من شمول"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2021.
  3. ^ أ ب ت عبد عون الروضان، موسوعة شعراء العصر العباسي الجزء الأول، صفحة 33. بتصرّف.
  4. "ليت الخيال فريسة لرقادي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عبد عون الروضان، موسوعة شعراء العصر العباسي الجزء الأول، صفحة 85. بتصرّف.
  6. "تجهز طال في النصب الثواء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2021. بتصرّف.
  7. عبد عون الروضان، موسوعة شعراء العصر العباسي الجزء الأول، صفحة 46. بتصرّف.
  8. "إمام الهدى أصبحت بالدين معنيا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/11/2021. بتصرّف.
4854 مشاهدة
للأعلى للسفل
×