صحة الحديث (سبق المفردون)

كتابة:
صحة الحديث (سبق المفردون)

نص الحديث

هذا الحديث روي مطولاً ومختصراً؛ فرواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له جُمْدَانُ، فَقالَ: سِيرُوا هذا جُمْدَانُ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ).[١]

ورواه الإمام أحمد عن أبي هريرة: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسير في طريق مكة، فأتى على جمدان، فقال: هذا جمدان، سيروا، سبق المفردون، قالوا: وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً، ثم قال: اللهم اغفر للمحلقين. قالوا: والمقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين. قالوا: والمقصرين؟ قال: والمقصرين)،[٢] وهذه الزيادة في الدعاء للمحلقين والمقصرين مروية في البخاري وغيره من كتب السنة.

حكم الحديث

هذا الحديث حديث صحيح لا مطعن فيه، سواء المختصر منه كما وراه الإمام مسلم أو بتمامه كما رواه الإمام أحمد، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط -رحمه الله- في تخريجه على المسند تعليقاً على سند رواية الإمام أحمد: "حديث صحيح، وهذا سند حسن في المتابعات، وعبد الرحمن متابع".[٣]

وأخرج الشطر الأول منه مسلم (2676)، وابن حبان (858)، والبيهقي في "الشعب" (504)، وفي "الدعوات الكبير" (18)، وابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/32) من طريق روح بن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد، وأخرج الشطر الثاني مسلم (1302) من طريق روح بن القاسم، عن العلاء، به.[٣]

معنى الحديث وما يستفاد منه

كان النبي عليه الصلاة والسلام يسير مع أصحابه باتجاه مكة في عمرة القضاء، التي كانت في السنة السادسة للهجرة، حتى وصلوا إلى جبل يسمى "جُمدان"، وهو "جبل في طريق مكة، يَبْعُدُ عنها شمالاً أقل من مئة كيلو متر للمتجه إلى المدينة، يشاهَدُ على اليسار من الطريق القديم المار بعُسْفان، وعلى اليمين من الطريق المار بجُدة بين وادي خليص وبين البحر".[٤]

وقال النبي لأصحابه "سبق المفردون" كالمنبه لهم والمنشط لأذهانهم على البحث والسؤال، والاستفسار عن معنى قول النبي ووجه سبق المفردين، فلما سأل الصحابة رسول الله عن معنى قوله بين لهم -عليه السلام- أن المقصودين هم القائمين بهذه العبادة العظيمة ألا وهي ذكر الله -تعالى-.

والتفريد كما قال الإمام النووي في شرحه على مسلم "قال ابن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ: وَأَصْلُ الْمُفَرِّدِينَ الَّذِينَ هَلَكَ أَقْرَانُهُمْ وَانْفَرَدُوا عَنْهُمْ، فَبَقُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى.. وقال بن الْأَعْرَابِيُّ يُقَالُ فَرَّدَ الرَّجُلُ إِذَا تَفَقَّهَ وَاعْتَزَلَ، وخلا بمراعاة الأمر والنهى".[٥]

والمعنى الإجمالي أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- ينبه الصحابة إلى أنّ السابق الحقيقي هو الذي سبق أقرانه؛ فانشغل بما ينفعه من أمر آخرته وأعظم ذلك هو ذكر الله -تعالى-،[٦] والمقصود الذكر النافع الذي يورث القلب خشية وإنابة واندفاعاً نحو سائر الطاعات، لا الذكر اللساني الذي لا يواطئه القلب، ومن فعل ذلك فقد انفرد عن أقرانه بما يغفل عنه كثير من الناس، واستحق أن يكون هو السابق الحقيقي.

المراجع

  1. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة رضي الله عنه ، الصفحة أو الرقم:2676، صحيح.
  2. رواه الإمام أحمد بن حنبل، في المسند، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:9332، صحيح.
  3. ^ أ ب الإمام أحمد بن حنبل (1421)، مسند الإمام أحمد بن حنبل (الطبعة 1)، بيروت:الرسالة، صفحة 194، جزء 15.
  4. الإمام أحمد بن حنبل (1421)، مسند الإمام أحمد بن حنبل (الطبعة 1)، بيروت:الرسالة، صفحة 194، جزء 15.
  5. أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (1392)، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (الطبعة 2)، بيروت:دار إحياء التراث العربي، صفحة 4، جزء 17.
  6. عبد الرؤوف المناوي (1356)، فيض القدير شرح الجامع الصغير، مصر:المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 92، جزء 4.
4335 مشاهدة
للأعلى للسفل
×