الناسخ والمنسوخ
يمكنُ أن يُعرَّف النسخ في الشريعة الإسلامية أنّه تبديل حكمٍ بحكمٍ آخر أو تبديل آية من القرآن الكريم بآيةٍ أخرى أو حديث بآية وهو على عدَّة وجوه، وقد كان هذا في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والوحي يهبطُ عليه، أمَّا بالعقل والاجتهاد فلا يجوز النسخ أبدًا، فالنسخ هو إلغاء حكم شرعي وهو "المنسوخ" بنصٍّ شرعي يسمَّى "الناسخ"، ويتضمَّن النسخ موضوع النواهي والأوامر في الشرع فقط أمَّا في العقيدة والعبادات وأصولها لم يقع فيها نسخ أبدًا. وللنسخ عدَّة أنواع: نسخُ القرآن بالقرآن، نسخ القرآن بالسنة، نسخ السنة بالقرآن، نسخ السنة بالسنة، وهذا المقال سيتحدَّث عن صحة نسخ القرآن بالسنة مع ذكر بعض الأمثلة على ذلك. [١]
صحة نسخ القرآن بالسنة
نسخ القرآن بالسنة النبوية أحد أنواع النسخ في الشريعة الإسلامية، ويندرجُ أيضًا تحت نسخ القرآن بشكل عام عدة أنواع حسب نوع النسخ الذي وقع على النص القرآني: الأول المنسوخ تلاوةً وحكمًا، الثاني المنسوخ حكمًا مع بقاء التلاوة، المنسوخ تلاوةً مع بقاء الحكم. وأمَّا بالنسبة لنسخ القرآن بالسنة، فقد اختلف العلماء في صحة هذا النسخ وفرَّق العلماء بين نسخ القرآن بالسنة المتواترة ونسخه بسنة الآحاد، فهناك من الأئمة والعلماء من أجاز نسخ القرآن بالسنة المتواترة ومن هؤلاء: الإمام مالك -رحمه الله- والحنفية إضافة إلى كثير غيرهم، معتقدينَ بأنَّه ليس هناك مانع لا شرعًا ولا عقلًا على جواز ذلك، فكلاهما القرآن والسنة وحيٌ من عند الله، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [٢]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إني أوتيتُ القرآنَ ومثلَه معه" [٣]. وهناك من العلماء من قالوا بعدم جواز نسخ القرآن بالسنة منهم الإمام الشافعي والإمام أحمد كما ذُكر في إحدى الروايات عنه وكثير من أهل الظاهر مستندين في ذلك إلى كثير من الأدلة التي ساقوها في هذا المجال. [٤]
أمَّا بالنسبة للسنة الآحاد كذلك وقع خلاف كبير بين العلماء بين من أجاز نسخ القرآن بالسنة الآحاد وبين من رفض جواز ذلك، والراجح جواز نسخ القرآن بالسنة لأنَّه وقعَ وتحقّق أكثر من مرة، وسيتمُّ ذكر بعض الأمثلة على ذلك في الفقرة التالية.
أمثلة على نسخ القرآن بالسنة
على الرّغم من الخلاف الذي وقعَ بين العلماء حول صحة نسخ القرآن بالسنة إلا أنَّه وقعت بالفعل مثل هذه الأمور في الشرع الإسلامي، فالراجح هو جواز نسخ القرآن بالسنة كما قال الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- في "مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر"، وقد تمَّ ذلك بالفعل في نسخ آيةِ الرضاع ونسخ سورتي الخلع والحفد بالسنة المتواترة، كما وقع أيضًا نسخ آية وجوب الوصية بحديث آحاد، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر كل مثال على حِدَة: [٥]
- نسخ آية خمس رضعات تلاوةً فقط بالسنة المتواترة: فقد وردَ في الحديث الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قال: "كان فيما أُنزل من القرآنِ: عشرُ رضعاتٍ معلوماتٍ يُحَرِّمْنَ. ثم نُسِخْنَ: بخمسٍ معلوماتٍ. فتُوُفِّيَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وهنَّ فيما يُقرأُ من القرآنِ" [٦].
- نسخ سورة الحفد وسورة الخلع بالسنة المتواترة: ولفظ السورتين هو: "اللهمَّ إياك نعبد، ولكَ نصلي ونسجد، وإليكَ نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابكَ إنَّ عذابك الجد بالكافرين ملحق، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونثني عليك الخير، ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك"، وروى هذا ابنُ أبي شيبة وقد صححه الألباني.
- نسخ حكم آية الوصية مع بقاء تلاوتها بالسنة الآحاد: وهي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [٧]، وقد نسخت هذه الآية كما قال كثير من العلماء بحديث الآحاد الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا وصيَّة لوارث" [٨].
المراجع
- ↑ الناسخ, ، "www.marefa.org"، اطُّلع عليه بتاريخ 12-1-2019، بتصرف
- ↑ {النجم: الآية 3-4}
- ↑ الراوي: المقدام بن معد يكرب الكندي، المحدث: الألباني، المصدر: تخريج مشكاة المصابيح، الصفحة أو الرقم: 162، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
- ↑ نسخ القرآن بالسنة, ، "www.alukah.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 12-1-2019، بتصرف
- ↑ جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة ووقوعه, ، "www.islamweb.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 12-1-2019، بتصرف
- ↑ الراوي: عائشة أم المؤمنين، المحدث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1452، خلاصة حكم المحدث: صحيح
- ↑ {البقرة: الآية 180}
- ↑ الراوي: عبدالله بن عباس، المحدث: ابن عدي، المصدر: الكامل في الضعفاء، الصفحة أو الرقم: 5/423، خلاصة حكم المحدث: غريب من هذا الطريق