صلاة المغرب شروط صحتها ومبطلاتها، وكيف صلاها النبي بالتفصيل

كتابة:
صلاة المغرب شروط صحتها ومبطلاتها، وكيف صلاها النبي بالتفصيل

تعريف صلاة المغرب

تُعدُ الصَّلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين وأساسه وفيها يظهرُ خضوع العبد واستسلامِهِ لِرَّبهِ،[١] وقد فَرضَ الله تعالى خمس صلواتٍ على المسلمين في اليومِ والليلة، ومنها ما يؤدى في النهار وهي صلاةُ الفجرِ وصلاةُ الظهرِ وصلاة العصر، ومنها ما يؤدى في الليل وهي صلاةُ المغرب وصلاة العشاء، وأمّا صلاةُ المغرب فهي إحدى الصلوات الخمس المفروضة فرضًا عينيًا على كُلِّ مُسلمٍ مُكلفٍ، تودى في الليل وبعدها صلاةُ العشاء، وهي رابعُ صلاةٍ في الصلوات الخمس على مدارِ اليومِ والليلةِ، وصلاةُ المغرب هي صلاةٌ جهريةٌ وعددُ ركعاتها ثلاث ركعاتٍ،[٢] وكانت تسميةُ صلاة المغرب في أول الإسلام وقد جاءت في حديثِ إمامةِ جبريل لرسول الله عندما أتاهُ لِيُعلِّمَهُ مواقيت الصلاة واستقرت الصلوات على أسمائها التي وردت في الحديث منذُ ذلك الوقت، ويُعدُ تسمية صلاة المغرب بهذا الاسم هو اسمٌ توقيفيٌ علَّمهُ جبريل لرسول الله من أولِ الوقتِ الذي فُرضَ فيهِ الصلاة.[٣]

وقت صلاة المغرب

فَرَضَ الله تعالى الصلوات الخمس على عباده محددةً بوقتٍ معينٍ؛ لحكمةٍ اقتضاها الله تعالى بأن يبقى العبدُ على صلةٍ مع خالقهِ في أوقاتِ هذه الصلوات، وأمّا تفريقها بهذه الأوقات لكي لا يشعرَ العبدُ بالملل والثقل في حال أداها كُلّها دفعةً واحدةً، وقد ذكرَ الله تعالى أوقاتُ الصلوات جميعها في حديثٍ واحدٍ،[٤] وأما وقتُ صلاة المغرب فيجدرُ الإشارةُ بدايةً إلى أن المغرب هو من غروبِ الشمسِ أي توارت وغابت، ويُطلقُ أيضًا على وقتِ الغروبِ ومكانِهِ، وصلاةُ المغرب تؤدى في هذا الوقت وتفصيلُ ذلك كما يأتي:[٥]

  • أوّل وقت صلاة المغرب: أجمعَ الفقهاءُ على أن أوَّل وقت صلاةِ المغرب يدخلُ عندَ غيابِ الشمسِ وتكاملِ غُرُوبها، وهذه يظهرُ بوضوحٍ في الصحراء، وفي المناطق المأهولةِ يُعرفُ بزوال الشعاع من قممِ الجبال، وإقبال الظلام من الشرق.
  • آخر وقت صلاة المغرب: الجمهور من الفقهاء على أنَّ آخرَ وقتٍ للمغربِ ما لم يغبِ الشفق، وأما المالكيّة في المشهورِ عندهم والشافعيّةُ في المذهبِ الجديدِ أن لصلاةِ المغرب وقتًا واحدًا وهو بالمقدار الذي يقومُ المًُصلي فيتطهر ويسترُ عورتهُ ويؤذن ويقيم الصلاة، كما ذهبَ الشافعيّةُ والمالكيّةُ إلى أن تسمية المغرب بالعشاء هو أمرٌ مكروهٌ مُستدلين بما رويَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قال: "لا تَغْلِبَنَّكُمُ الأعْرَابُ علَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ المَغْرِبِ قَالَ الأعْرَابُ: وتَقُولُ: هي العِشَاءُ"،[٦] وأمّا الصحيح من مذهب الحنابلة أنَّهُ لا يكرهُ تسميتها بالعشاء، وإنما تسميتها بالمغربِ أولى من تسميتها بالعشاء.

شروط صحة صلاة المغرب

يُعرفُ الشرطُ في اصطلاحِ الأُصولييّن بأنه ما يلزم من عدمهِ العدم ولا يلزم من وجودِهِ الوجود،[٧] فما لم يتحقق الشرط قبل العمل لا يكونُ العملُ صحيحًا، ومثالُ ذلك شروط صحة الصلاة، فيجبُ أن تتواجد بدءًا من الصلاةِ إلى انتهائِها،[٨] وشروطِ صحةِ الصَّلاة هي ما يُبنى عليها صحة الصَّلاة وإذا اختلَّ شرطٌ منها فالصلاةُ لا تكون صحيحة، وهناكٌ شروطٌ عامةٌ لكل العبادات وهي الإسلامُ والعقلُ والتمييز فهي من شروطِ صحة الصلاة أيضًا، وشروطُ صحة صلاة المغرب إضافةً لما سبق فهي كما يأتي:[٧]

دخول وقت صلاة المغرب

أجمعَ العلماء على عدمِ صحةِ صلاة المغرب قبل دخولِ وقتها، ودليلُ ذلك هو قول الله وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتًا}،[٩] ووقتُ صلاة المغرب قد ذُكر مجملًا في القرآن الكريم حيثُ قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}،[١٠] فدلوكُ الشمس يعني زوالها، وغسق الليل هو انتصافهُ وهذا الوقت يشتمل على أربعِ أوقاتٍ للصلوات وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقد سبقَ بيان وقت صلاة المغرب بالتفصيل في الفقرةِ السابقةِ.

ستر العورة

فمن أدى صلاة المغرب ولم يستر عورته فإن صلاتَه غير صحيحة، حيثُ قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}،[١١] قال ابن عبد البر: "وأجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه، وهو قادر على الاستتار به وصلى عرياناً"، وسميت العورةُ بهذا الاسم؛ لِقُبحِ ظهورها ولأنَّ الأبصار تُغضُ عنها، وقد وقع الإجماعُ على وجوبِ ستر العورة،[٨] والعورةُ بالنسبةِ للمُصلين على ثلاثةِ أقسام وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة،[١٢] وهي: العورة المخففة هي عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين فعورته هي القبلُ والدبر، وعورةٌ متوسطةٌ وهي العورة لمن بلغَ عشر سنينٍ فما فوق فعورتُهُ ما بين السُّرة والرُكبة، وعورةٌ مُغلظةٌ وهي عورة المرأة الحُرة البالغة فجميعُ جسدها يعدُ عورةً في الصلاةِ ما عدا الوجه والكفين.

الطهارة

والطهارةُ نوعان طهارةٌ من الحدثِ وطهارةٌ من النجاسة، وطهارةُ الحدث هي شرطٌ لصحةِ صلاة المغرب والحدثِ نوعان الحدثُ الأكبر والحدثِ الأصغر، وقد أجمعَ العلماء على أنَّ صلاةَ المُحدثِ غيرُ صحيحة، حيثُ قالَ رسول الله: "لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ".[١٣] والنوع الثاني من أنواع الطهارة هو الطهارةُ من النجاسةِ، فمن صلّى وعليهِ نجاسة مع علمهِ بها فإن صلاته غير صحيحة، ويجبُ التأكدُ من عدمِ وجودِ النجاسةِ في ثلاثةِ مواضع الأولى في البدن، فيكونُ البدنُ نظيفًا وخاليًا من أي شكلٍ من أشكالِ النجاسةِ التي قد تُصيبه، ودليلُ هذا ما رواه ابنُ عباس عن رسول الله حيثُ قال: "مَرَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى قَبْرَيْنِ فقالَ: أما إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ، قالَ فَدَعا بعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ باثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ علَى هذا واحِدًا وعلَى هذا واحِدًا، ثُمَّ قالَ: لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفُ عنْهما ما لَمْ يَيْبَسا. وفي رواية: وكانَ الآخَرُ لا يَسْتَنْزِهُ عَنِ البَوْلِ، أوْ مِنَ البَوْلِ"،[١٤] وفي الثوبِ فمن شروطِ صحة صلاة المغرب هو عدمً وجودِ نجاسةٍ في الثوب ودليلُ ذلك ما رويَ عن رسول الله: أنَّهُ جَاءَتِ امْرَأَةٌ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَتْ: أرَأَيْتَ إحْدَانَا تَحِيضُ في الثَّوْبِ، كيفَ تَصْنَعُ؟ قالَ: تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بالمَاءِ، وتَنْضَحُهُ، وتُصَلِّي فِيهِ[١٥] وثالثُ موضعٍ في المكان الذي تؤدى الصلاةُ فيه، فمن شروط صحة صلاة المغرب هو إزالةُ النجاسةِ من المكان، ودليلُ ذلك ما روي عن رسول الله: "أنَّهُ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ"،[١٦] فمتى تحققت الطهارةُ في هذهِ المواضعِ الثلاثةِ وهي البدن والثوب والمكان وتمَ التأكدُ من عدمِ وجودَ النجاسةِ فيها فإنه يكون قد تحققَ شرطٌ من شروطِ صحة صلاة المغرب.

استقبال القبلة

ومن شروط صحة صلاة المغرب هو استقبال القبلة إلا في حالات الخوف الشديد،[١٧] فمن صلّى إلى غيرِ القبلة وهو قادرٌ على استقبالها، فصلاتهُ باطلةٌ بإجماعِ أهلِ العلمِ، حيثُ قال الله تباركِ وتعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}،[١٨] فمن شروطِ صحة صلاة المغرب التوجه نحو المسجدِ الحرام كما أمرَ تعالى، ولما نُقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث المُسيء في الصلاة أنَّهُ قال له: "ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ".[١٩]

النية

تُعدُ النية من شروط صحة صلاة المغرب، فالصَّلاةُ من غير النية، صلاةٌ باطلةٌ حيثُ روىَ عمر بن الخطاب عن رسول الله أنه قال: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"،[٢٠] فلا يتقبلُ الله العمل بلا نية، فبالنية تميز العادة عن العبادة، فيجبُ على المُصلي أن يأتي بالنية قبل الصلاة، وتُعرفُ النية بأنها العزم على فعل العبادة تقربًا لله تعالى وامتثالًا لأمرِهِ، ومحلها القلبُ لا اللسان إذ تُعدُ النيةُ عملٌ قلبيٌ محض لا علاقة للسانِ.[٢١]

مبطلات صلاة المغرب

والصَّلاةُ كباقي الأعمال التي فرضها الله تعالى، إن حدثَ فيها أمرٌ مما نهى الله عنه فإنها تُعدُ باطلةً، والصَّلاةُ تبطُلُ بأمرين بوجودِ فعلٍ يحرمُ بها، وبتركِ ما أوجبه الله فيها، وعليه فإن مبطلات صَّلاة المغرب ما يأتي:[٢٢]

الأكل والشرب عمدًا

فمن أكلَ أو شربَ متعمدًا في صلاةِ المغرب فإن صلاته تبطل ولا تكونُ صحيحة، وقد وقعَ الإجماعُ من العلماءِ على بُطلانِ صلاة الفريضة إن أكلَ المُصلي أو شربَ عمدًا، حيثُ قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامداً أن عليه الإعادة"، وقال الجمهور بأن صلاة التطوع تبطلُ أيضًا باالأكلِ أو الشربِ متعمدًا؛ لأنَّ ما يُبطل الفريضة يُبطل التطوع، ومن أكلَ أو شربَ ناسيًا وجاهلًا بالحكم فلا تبطلُ صلاته على أرجحِ أقوالِ أهلِ العلم، وهو ما قاله الشافعيّة والحنابلة، ولا تبطلُ صلاة المغرب في حالِ ابتلعَ المصلي شيئًا من ما بين أسنانِهِ إذا كانَ حجمه أقل من حبة الحمص.

الكلام عمدًا

فمن تكلمَ في صلاةِ المغربِ من غيرِ مصلحةٍ وكان متعمدًا لذلك فصلاتُهُ باطلة حيثُ روى زيد بن أرقم: "كنَّا نتَكَلَّمُ خَلفَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في الصَّلاةِ ، يُكلِّمُ الرَّجُلُ منَّا صَاحبَه إلى جنبِه ، حتَّى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فأمرنا بالسُّكوتِ ونُهينا عنِ الكلامِ"،[٢٣] وأمّا من تكلم في صلاةِ المغربِ جهلًا منه بالحكم أو تكلمَ سهوًا فصلاته صحيحة حيثُ روى معاوية بن الحكم السلمي: "بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ"،[٢٤] وأمّا إطلاقُ الحكم بعدمِ بطلان الصلاة بالكلام الذي يُحسبُ من مصلحةِ الصلاة فهو لما رواه أبو هريرة عن رسول الله حيثُ قال: "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقالَ له ذُو اليَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ فَقالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ"،[٢٥] ويجوزُ الكلام في الصلاةِ لإصلاحِها بشرطِ ألا يكثر عرفًا وألا يفهم المقصود بالتسبيح، وما يُشرع من الكلامِ لمن نابهُ شيء في صلاة المغرب هو التسبيح، فلا يُعدلُ عن التسبيح إلى الكلام، إلا في حالِ تعذرِ حصول المقصود بالتسبيح، ومن عدلَ عن التسبيح بغير عذرٍ بما في معنى الكلام المُتعمد فصلاتهُ باطلة.

العمل الكثير عمدًا

وتبطلُ صلاة المغرب بالعملِ الكثير الذي ليسَ من جنسِ الصلاة حيثُ قال النووي في ذلك: "إن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرًا أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلاً لم يبطلها بلا خلاف، هذا هو الضابط ثم اختلفوا في ضبط القليل والكثير على أربعة أوجه إلى أن قال: والرابع وهو الصحيح المشهور وبه قطع المصنف والجمهور: أنّ الرجوع فيه إلى العادة فلا يضر ما يعده الناس قليلًا، كالإشارة برد السلام، وخلع النعل، ورفع العمامة ووضعها، ولبس خف ونزعه، وحمل صغير ووضعه ودفع مارٍ، ودلك البصاق في ثوبه وأشباه هذا، وأما ما عده الناس كثيرًا كخطوات كثيرة متوالية وفعلات متتابعة فتبطل الصلاة"، وأمّا الحركات الخفيفة في الصلاة كتحريكِ الأصابعِ مثلًا في تسبيحٍ أو غيره، أو حكُ الجلدِ فلا تبطلُ الصلاة بها، حتى وإن كانت كثيرةً ومتوالية إلا أنَّ هذه الحركاتُ مكروهه.

الضحك في الصلاة

تبطلُ صلاة المغرب بالضحك وقد نقلَ ابنُ المنذر أجماعَ العلماء على ذلك، وقال النووي: "وهو محمولٌ على من بان منه حرفان، وقال أكثر العلماء لا بأس بالتبسم، وإن غلبه الضحك ولم يقوَ على دفعه فلا تبطل الصلاة به إن كان يسيرًا، وتبطل به إن كان كثيرًا، وضابط القلة والكثرة العرف"، فمن ضحكَ متعمدًا في صلاتِهِ وكانَ الضحكُ كثيرًا وليس تبسمًا أو ضحكًا يسيرًا فصلاتُهُ باطلةٌ، وقد أرجع العلماء هذا الأمر للعرف، فما تعارفُ الناس عليه أنه ضحكٌ يسير لا تبطلُ به الصلاة، ومن تعارفَ عليهِ الناس أنه ضحكٌ كثيرٌ فإنه مبطلٌ للصلاة.

ترك الواجب

وتبطلُ صلاة المغرب بتركِ واجبٍ فيها، فمن تركَ رُكنًا من صلاة المغربِ أو واجبًا منها عمدًا ومن غيرِ عذر فإن صلاته باطلةٌ حيثُ رويَ أن رسول الله قال للأعرابي الذي لم يؤدي صلاته بطريقةٍ صحيحةٍ: "ارجع فصلِّ فإنَّكَ لم تصلِّ"،[٢٦] وأمّا من تركَ واجبًا من الصلاةِ سهوًا فيسجدُ سجود السهو وصلاته صحيحة، ومثالُ ذلك من تركَ التسبيح في السجود أو الركوع في صلاةِ المغرب، وأما الركن فلا يسدُ مكانهُ سجود السهو بل يجبُ الإتيان به ومثالُ ذلك كمن تركَ قراءةَ الفاتحة في أحدِ ركعات صلاة المغرب سواءً كانَ متعمدًا أم ساهيًا فصلاتُهُ باطلة ولا يجبرها سجود السهو، وكذلك تبطلُ صلاة المغرب بتركِ شرطٍ من شروطها عمدًا كمن تركَ الوضوء قبل تأديةِ الصلاة عمدًا فصلاته باطلةٌ، وهذا متفقٌ عليه بين العُلماء، ومن كشفَ العورةَ عمدًا صلاته باطلة،[٢٧] أما من ترك الشرطُ سهوًا فهو موضعُ خلافٍ بينَ العلماء، والشكُ في صلاةِ المغرب لا يُبطلها حيثُ روي عن رسول الله أنه قال: "إذا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أمْ أرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشك ولْيَبْنِ علَى ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ"،[٢٨] ويعدُ الشكُ في الصلاة من موجبات سجود السهو وليس من مبطلاتها.

سنة صلاة المغرب

 عُرفَ عن رسول الله أنه كان يُصلي ركعتين سُنة بعدَ صلاة المغرب، وهي سُنَّةٌ من السنن الرواتب، كما رويَ أنَّه صلّى ركعتينِ قبل صلاة المغرب، لكن ما ثبتَ عن رسول الله بالأدلةِ الصحيحةِ هو صلاةُ ركعتين بعد صلاة المغرب، وهو ما فعلَهُ أصحابِه بأمره وبإقرارٍ منه،[٢٩] وأما الركعتين قبل صلاة المغرب فحملها الفقهاءُ على الندب، وليست من السُنن الرواتب، وهذا ما عليه مذهبُ الشافعيَّة على الصَّحيح من أقوالِهم، وبعضٌ من الحنفيَّةِ والظاهريَّة، وروايةٌ عن أحمد، وبه قال بعضٌ من أهل الحديث والسلف، وهو ما اختاره ابنُ تيميَّة وابنُ القيِّم، وابنُ حجرٍ، والصنعانيُّ، والشوكانيُّ، وابنُ باز, والألبانيُّ ، وابنُ عُثيمين مُستدلين بعدةِ أحاديثِ عن رسول الله منها قول رسول الله: "صَلُّوا قبلَ صَلاةِ المغربِ، قال في الثالثة: لِمَن شاء؛ كراهية أن يتَّخذها الناسُ سُنَّةً".[٣٠][٣١]

ما يستحب قراءته في صلاة المغرب

وأمّا ما يُستحبُ قراءته في صلاة المغرب فجاءَ في سُنّةِ رسول الله أنَّه كان يقرأ بقصارِ المفصل، وثبت أنَّهُ قرأ من طوال المفصل فقد رويَ عن رسول الله أنه قرأَ في صلاة المغرب بسورةالمرسلات وسورةالطور، وثبت عن رسول الله أيضًا أنه قرأَ بسورةِالأعرافِ على ركعتين، وهي سورةٌ طويلةٌ وغير ذلك من سُّور القرآن الكريم، فمن الأفضل في صلاة المغرب أن لا يلتزم الإمام بسورٍ معينةٍ، فيقرأُ مرةً من قصارِ السورِ ومرةً من الطوالِ وهكذا، فلم يثبت عن رسول الله أنَّه لازمَ سورًا معينةً في صلاةِ المغرب، وهذا ما يجبُ العمل به، وهو التنويع في قراءةِ السور بحسب ما يقتضي الحالُ والوقت، وهذا هو ما وردَ عن رسول الله.[٣٢]

كيف صلّى النبي صلاة المغرب

قبلَ أداءِ صلاةِ المغرب لا بُدَّ من تحقيقِ الشروطِ التي تسبقُ الصلاة، ومنها الوضوء فيجبُ أن يكون الوضوءُ صحيحًا وتامًا كما توضأَ رسول الله وقد نُقلَ عن رسول الله أنه كانَ يتوضأ كما يأتي: "كانَ يغسل يديه ثلاث مرات أول ما يبدأ، ويسمي الله، ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر، ثم يغسل وجهه، ثم يغسل ذراعيه مع المرفقين، ثم يمسح رأسه مع الأذنين، ثم يغسل رجليه مع الكعبين"، ويكون هذا الغسل كُله ثلاثًا ما عدا مسحُ الرأس مرةً واحدةً، وقد نقل عن رسول الله أنه غسلَ مرةً ومرتين وثلاثة، والغالبُ هو الغَسل ثلاث مرات، وبعدَ الانتهاءِ من الوضوءِ يقول المتوضئ دعاء الفراغِ من الوضوء وهو: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين".[٣٣]

وصِفةُ الصَّلاةِ الصحيحةِ نُقلت عن رسول الله حيثُ قال: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي"،[٣٤] وأمّا كيفيةُ صلاة المغرب وهي ثلاثُ ركعات، فبعدَ تحقيقِ الشروط ما قبل الصلاة واستقبال القبلة، على المسلم القيام للصلاة؛ إذ يُعد القيام رُكنًا من أركانِ الصلاة للقادرِ عليهِ، وينوي المُصلي لصلاةِ المغرب ويُعيّنها في قلبِهِ، من غيرِ التلفظِ بها فالنيةُ هي عملٌ قلبيٌ محض، والنيةُ في الصلاة هي شرطٌ أو ركنٌ على خلافٍ بينَ أهلِ العلمِ، ويفتتحُ صلاته بالتكبيرِ مع رفعِ اليدين، ويقرأ بدعاءِ الاستفتاح، ويقرأُ بعده بالفاتحة، ويعدها بما شاءَ من سورِ القرآن الكريم، ثُمَّ يركع مع قول: "سبحان ربي العظيم" في ركوعِهِ ثلاث مرات، ثُمَّ يعتدل من الركوعِ مع قول: "سمعَ الله لمن حمده"، ثُمَّ يقومُ معتدلًا مطمئنًا مع قول: "ربَّنا ولكَ الحمدُ"، وبعدَ ذلك يسجد المُصلي مع قول: " سبحان ربي الأعلى" ثلاث مرات، ثُمَّ يقوم من سجودِهِ ويسجدُ سجدةُ ثانيةً كالأولى، ثُمَّ يقومُ المُصلي مُكبرًا ويؤدي الركعة الثانية من صلاةِ المغرب كما أدى الأولى إلا أنّها من غيرِ دعاءِ الاستفتاح، ويسجد بعد الركعتين للتشهدِ الأول، ثُمَّ يقوم المصلي للركعة الثالثةِ فيؤديها كما سبق، ويجلس للتشهد الأخير ثُمَّ يُسلم عن يمينِهِ ويسارهِ.[٣٥]

المراجع

  1. "أهمية الصلاة"، www.alukah.net، 2020-07-05. بتصرّف.
  2. "صلاة المغرب"، ar.wikipedia.org، 2020-07-05. بتصرّف.
  3. "تسمية الصلوات الخمس بأسمائها المشهورة من تعليم جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم"، islamqa.info، 2020-07-05. بتصرّف.
  4. "مواقيت الصلوات الخمس"، islamqa.info، 2020-07-05. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 314. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن سنان المزني، الصفحة أو الرقم:563، حديث صحيح.
  7. ^ أ ب "شروط صحة الصلاة"، islamqa.info، 2020-07-05. بتصرّف.
  8. ^ أ ب "ملخص شروط صحة الصلاة من تمام المنة"، www.alukah.net، 2020-07-05. بتصرّف.
  9. سورة النساء، آية:103
  10. سورة الإسراء، آية:78
  11. سورة الأعراف، آية:31
  12. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 231. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6954، حديث صحيح.
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:292، حديث صحيح.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر ، الصفحة أو الرقم:227، حديث صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:221، حديث صحيح.
  17. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 756. بتصرّف.
  18. سورة البقرة، آية:144
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6251، حديث صحيح.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1، حديث صحيح.
  21. سعيد بن وهف القحطاني، صلاة المؤمن، صفحة 177. بتصرّف.
  22. "مبطلات الصلاة ، وهل الشك مما يبطلها ؟"، www.islamweb.net، 2020-07-06. بتصرّف.
  23. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم:405، حديث صحيح.
  24. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن الحكم السلمي ، الصفحة أو الرقم:537، حديث صحيح.
  25. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:714، حديث صحيح.
  26. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:793، صحيح.
  27. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 120. بتصرّف.
  28. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:571، صحيح.
  29. "سنة المغرب القبلية والبعدية"، binbaz.org.sa، 2020-07-06. بتصرّف.
  30. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مغفل، الصفحة أو الرقم:1183، حديث صحيح.
  31. "سُنَّةُ المغربِ"، dorar.net، 2020-07-06. بتصرّف.
  32. "ما هي السنة في القراءة في صلاة المغرب"، binbaz.org.sa، 2020-07-08. بتصرّف.
  33. "كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم"، binbaz.org.sa، 2020-07-08. بتصرّف.
  34. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم:893، حديث صحيح.
  35. "كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم"، islamqa.info، 2020-07-08. بتصرّف.
5344 مشاهدة
للأعلى للسفل
×