صور الوحي إلى النبي محمد

كتابة:
صور الوحي إلى النبي محمد

جبريل عليه السلام

جبريل عليه السلام قائد الملائكة وهو من اختصَّه الله بما لم يختصَّ به غيره من الملائكة أو البشر، فكأنَّه عند الله بمنزلة الحاجب من الملك ولله المثل الأعلى، اختصَّه الله بالقوة والعظمة من بين الملائكة فإذا به يمتلك ستمئة جناح، ولما رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- في صورته الحقيقية لأول مرة غشي عليه، فهو الموكل بإهلاك الظالمين من الأقوام وهو من اجتث قرى لوط فدمرها، واختصه الله بتنزيل القرآن على النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- حيث قال تعالى في سورة الشعراء: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}،[١] فكان هناك العديد من الصور لتلقي النبي -عليه الصلاة والسلام- للوحي، وبعد أن تمَّ الحديث عن بعض صفات جبريل لا بدَّ أن يأتي المقال على مفهوم الوحي وصوره على النبي عليه الصلاة والسلام، وفيما يأتي سيكون ذلك.[٢]

مفهوم الوحي

الوحي هو مصدر وحى، وأمَّا تعريفه حسب معجم المعاني في اللغة العربية فهو كلّ ما ألقيته إلى غيرك ليقوم بإعلامه، وأمَّا الوحي الإلهي فهو ما يوحي به الله من كلامٍ لأنبيائه، ومهبط الوحي أي مكان نزوله وأمين الوحي هو جبريل عليه السلام،[٣] وأمَّا الوحي في تعريفه الشرعي فهو العرفان الذي يجده المرء في نفسه مع تيقنه بأنَّه من الله سواء كان ذلك بواسطة أم بغير واسطة وسواء كانت الواسطة بصوتٍ يسمعه أم بغير صوت، وللتفريق بين الإلهام والوحي أنَّ في الوحي تيقنٌ أنَّ ذلك من الله وأمَّا في الإلهام فيكون شعور خفيٌ غير معروف المصدر تنساق النفس فيه إلى ما يُطلب منها، وقد قال في ذلك الأستاذ الإمام في رسالة التوحيد: "وقد عرفوه شرعًا أنَّه إعلام الله تعالى لنبيٍّ من أنبيائه بحكمٍ شرعيٍّ ونحوه"،[٤] وقد أشار العلماء إلى سبعة وجوهٍ للوحي موجودة في كتاب الله تعالى وهي الإشارة والإلهام والإرسال والقول والأمر والإعلام والوسوسة، وقد قال في ذلك ابن خلدون: "استغراق لقاء الملك الروحاني بإدراك الأنبياء المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر بالكلية، ثم يتنزل إلى المدارك البشرية، كل ذلك في لحظة واحدة، بل في أقرب من لمح البصر"، والأصل في ضرورة الوحي أن يكون هناك اتصالٌ ما بين الحاضر والغيب ووصول كلامه تعالى إلى خلقه، والإيمان بالوحي ضرورةٌ لا بد منها في إيمان المسلم، وبهذا يكون تبيينٌ لمفهوم الوحي وفيما يأتي تفصيلٌ لصور الوحي إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام. [٥]

صور الوحي إلى النبي محمد

وأما الوقوف على صور الوحي إلى النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- فتكون بالضرورة الوقوف على كيفية تلقي النبي -عليه الصلاة والسلام- للوحي، إذ يختلف ذلك من نبيٍّ إلى آخر وقد تلقي عليه الصلاة والسلام الوحي بصورتين وفيما يأتي سيكون تفصيل ٌوذكرٌ لها:[٦]

انسلاخ النبي من حالته العادية إلى حالة أخرى

وأمَّا هذه الحالة فهي الأشدُّ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يغيب عمَّا حوله ويتصبب منه العرق تصببًا، وإذا كان راكبًا على ناقةٍ فتكاد تبرك لشدة الموقف، وإذا مسَّ فخذه فخذ إنسانٍ آخر فتكاد ترضُّ وبهذه الحالة يكون -عليه الصلاة والسلام- قد انسلخ من حالته البشرية العادية إلى حالةٍ أخرى يستطيع بها تلقي الوحي من جبريل -عليه السلام- وهو في حالته الروحانثة تلك، فإذا ما سُرِّي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وجد نفسه واعيًا لجميع ما أُلقي عليه فيبلغه كما سمعه، وأمَّا الحاضرون في هذه الحالة فلا يسمعون إلا دويًّا كدويِّ النَّحل أو صوتًا شديدًا كصلصلة الجرس، وهذه أشدُّ الحالات على النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث قال تعالى في سورة المزمل: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}.[٧]

تحوُّل جبريل إلى الصورة البشرية

وأمَّا الصورة الثاني فهي تحوُّل جبريل -عليه السلام- من صورته الملائكية إلى صورة بشرية فيأتي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويُكلِّمه، وقد كان كثيرًا ما يتمثل جبريل بصورة دحية الكلبي أو صورةٍ لأعرابيٍّ غير معروف، وهذه الحالة هي الأهون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ورد في ذلك عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها: "أنَّ الحارثَ بنُ هشامِ سألَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كيفَ يأتيكَ الوحيُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يأتيني مثلِ صَلصلةِ الجرَسِ وَهوَ أشدُّهُ عليَّ وأحيانًا يتمثَّلُ لي الملَكُ رجلًا فيُكلِّمني فأعي ما يقول قالَت عائشةُ فلقد رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ينزلُ عليْهِ الوحيُ في اليومِ البردِ الشَّديدِ فيَفصِمُ عنْهُ وإنَّ جبينَهُ ليتفصَّدُ عرقًا."[٨]

هل يوجد فرق بين الوحي والتنزيل

وبعد أنَّ تمَّ الوقوف على مفهوم الوحي وصوره على النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يتبادر إلى الذهن سؤال يقتضي الإجابة وهو هل هناك فرقٌ بين كلمة الوحي وكلمة التنزيل، فقد ورد في القرآن الكريم آياتٌ بلفظ الوحي وأخرى بلفظ التنزيل، وهنا لا بدَّ من الوقوف على معنى لفظة "تنزيل" إذ لم ترد في المعاجم إلا مطلقةً على المُنزَّل نفسه وهو القرآن الكريم، فيقول التنزيل العزيز أي القرآن الكريم، وقد قال في ذلك ابن القيم رحمه الله: " ثم أخبر سبحانه أنه تنزيل من رب العالمين وذلك يتضمن أمورًا: أحدها أنه تعالى فوق خلقه كلهم وأن القرآن نزل من عنده"، وأمَّا في إيضاح مفهوم الوحي فقد ورد ذلك في فقرة -مفهوم الوحي- وبذلك فإنَّ العلماء لم يقفوا أو يتعرضوا لذلك الفرق، على أنَّ كلام الله هو أحكم كلام وأمتن كلام وقد يكون في ذلك حكمة لم يُهتدى إليها بعد، وبذلك يكون تمام الحديث عن مفهوم الوحي وصوره والوقوف على عنوان الفرق بين الوحي والتنزيل، والله في ذلك هو أعلى وأعلم.[٩]

المراجع

  1. سورة الشعراء، آية: 193-195.
  2. "جبريل عليه السلام .. الملك القائد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
  3. "الوحي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
  4. محمد رشيد بن علي رضا، الوحي المحمدي (الطبعة 1)، صفحة 26، جزء 1. بتصرّف.
  5. "مفهوم الوحي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
  6. "كيف كان يتلقّى النبي الوحي"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020. بتصرّف.
  7. سورة المزمل، آية: 5.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3634، صحيح.
  9. "الفرق بين الوحي والتنزيل"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2020.
5346 مشاهدة
للأعلى للسفل
×