ضوابط المزاح في الإسلام

كتابة:
ضوابط المزاح في الإسلام

المزاح

المُزاح يعني الهزل أو المداعبة وهو عكس الجدّ، وما يحمل في طيّاته الطُرفة والضحك،[١] ويحتاج الناس عموماً إلى المُزاح لتناسي همومهم وتخفيف الضغوطات الحياتية حولهم، كما يؤلّف المزاح بين القلوب ويُشعر الإنسان بالراحة النفسية، ويكسر حواجز الجديّة عند التواصل مع الأصدقاء وزملاء العمل، لكن للمُزاح ضوابط شرعية يجب مراعاتها، وهذا ما سنذكره في هذا المقال.

ضوابط المزاح في الإسلام

عدم الاستهزاء بالدين

إنّ تعاليم الدين الإسلامي مُنزّهة عن المُزاح والاستهزاء، ولا يجوز الخوض فيها من أجل إضحاك الآخرين، يقول -تعالى-: (ولئِن سألْتهُمْ ليقُولُنّ إِنّما كُنّا نخُوضُ ونلْعبُ قُلْ أبِاللّهِ وآياتِهِ ورسُولِهِ كُنتُمْ تسْتهْزِؤُون لا تعْتذِرُواْ قدْ كفرْتُم بعْد إِيمانِكُمْ).[٢]

عدم الكذب

لا يستخدم الشخص الكذب لإضحاك الآخرين وممازحتهم؛ فهذا مما يُخالف تعاليم الدين، فلا يُدخِل المازح الكذب من أجل إضحاك من حوله، قال النّبي -صلى الله عليه وسلم-: (ويلٌ للذي يحدِّثُ فيكذبُ لِيُضحك بهِ القوم، ويلٌ لهُ، ويلٌ لهُ).[٣][٤]

وينبغي التنبيه إلى أنّ المزاح كان من هديه -صلى الله عليه وسلم-؛ ولكنّه لم يكن إلا بما يُدخل السرور، ويُزيل الحزن، ومع ذلك كلّه ما كان يمزح إلا بما هو صواب لا كذب؛ فقد صحّ عن الصحابة -رضي الله عنهم- أنّهم سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رسولَ اللَّهِ إنَّكَ تداعِبُنا؟! قالَ: إنِّي لا أقولُ إلَّا حقًّا).[٥][٤]

عدم إلحاق الضرر بالآخرين

يحدث أن يُخبر شخص صديقه بموت والده كذباً من باب المُزاح، فما يكون من الأخير إلا استقلال مركبته مُسرعاً، وربما يؤدي إلى تعرّضه لحادث سير، وكل ذلك على إثر المُزاح، أو أن يقوم أحدهم بتخويف شقيقه الصغير من باب المُزاح، فهذا كلّه مما نهى الدين عنه؛ فليس تخويف وترويع الناس مما يبيح المزاح، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحلُّ لمسلِمٍ أنْ يُروِّع مسلِمًا).[٦][٧]

عدم اتخاذ المزاح بشكل مفرط

إذ من الأفضل أن يراوح المسلم بين الجد والمزاح ويوازن بينهما؛ لأنّ كثرة المداومة على المزاح قد تكون سبباً في الانشغال عن ذكر الله، والبعد عن أمور الدين المهمة؛ مما يؤدي إلى قسوة القلب، كما أنّ بعض أنواع المزاح تلحق الأذى بالآخرين، وتُسقط مهابة المسلم ووقاره، إضافة إلى توريث الحقد في النفوس.[٨]

أن لا يؤدي المزاح إلى معصية

كأن يلجأ المسلم إلى الغيبة والنميمة من باب المزاح لإضحاك الآخرين؛ فليس لمسلم أنْ يغتاب أخيه المُسلم، أو أن يتجرأ على السخرية والاستهزاء به، أو يقلل من شأنه مُستهيناً بكرامته الإنسانية، أو بوضعه الصحي، أو يكون عيباً من عيوب شخصيته.[٩]

يقول -عز وجل-: (يا أيُّها الّذِين آمنُوا لا يسْخرْ قومٌ مِّن قوْمٍ عسى أن يكُونُوا خيْرًا مِّنْهُمْ ولا نِساء مِّن نِّساء عسى أن يكُنّ خيْرًا مِّنْهُنّ ولا تلْمِزُوا أنفُسكُمْ ولا تنابزُوا بِالألْقابِ بِئْس الاِسْمُ الْفُسُوقُ بعْد الإِيمانِ ومن لّمْ يتُبْ فأُوْلئِك هُمُ الظّالِمُون)؛[١٠] وينبغي أن يكون المزاح خالٍ من الإشارة لفاحشة، أوأي أمرٍ يندرج تحت إطار الأمور المنهي عنها دينياً.[٩]

عدم المزاح بأمور الجادة

مثل طلب الزواج، أو الموافقة عليه، أو الطلاق، أو الرجعة التي تكون من بعد الطلاق؛ فهذا باب شرٍ كبير، يوقع الإنسان في المحظور، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثٌ جِدُّهنَّ جدٌّ وَهَزلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ والطَّلاقُ والرَّجعةُ).[١١][١٢]

اختيار الوقت المناسب للمزاح

ينبغي على الشخص أن يكون فطناً ذكياً يتخير الوقت المناسب للمزاح، كأن يكون في وقت فرح، أو عند ملاقاة الأصدقاء، أو لتسلية الحزين فهذ مما يُوجر عليه الإنسان؛ فقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حزيناً، ذهب إليه وهو يقول: "لَأَقُولَنَّ شَيْئًا يُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".[١٣]

المراجع

  1. "تعريف المزاح"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2/11/2022. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية:65-66
  3. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن معاوية بن حيدة القشيري، الصفحة أو الرقم:4990، حسنه الألباني.
  4. ^ أ ب [حسام الدين عفانة]، فتاوى د حسام عفانة، صفحة 154. بتصرّف.
  5. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1990، صححه الألباني.
  6. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، الصفحة أو الرقم:5004، صححه الألباني.
  7. [عبد الله بن عبد المحسن التركي]، الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام، صفحة 24. بتصرّف.
  8. "حكم المزاح الذي يسمى المقالب بين الأصحاب"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2/11/2022. بتصرّف.
  9. ^ أ ب [عبد الحميد البلالي]، البيان في مداخل الشيطان، صفحة 105. بتصرّف.
  10. سورة الحجرات، آية:11
  11. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2194، حسنه الألباني.
  12. "المزاح الممدوح والمذموم"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2/11/2022. بتصرّف.
  13. [النووي]، شرح النووي على مسلم، صفحة 81. بتصرّف.
4340 مشاهدة
للأعلى للسفل
×