طرق إجراء البحوث النفسية

كتابة:
طرق إجراء البحوث النفسية

مفهوم البحث النفسية

تُعرف البحوث في علم النفس على أنها طرق منظمة هدفها التوصل إلى المعارف واكتشاف الحقائق أو البحث عن حل لمشكلة معينة، أو الإجابة عن سؤال ما، من خلال استخدام أساليب علمية تساعد الباحث في الحصول على تحليل أكثر دقة وموضوعية للمشكلة التي يفحصها من أجل إثراء المحتوى العلمي والمعرفي، وذلك بإضافة معلومة جديدة للمعلومات القديمة المتوفرة، أو التحقق من معلومة سابقة أو التأكيد على صحتها، وتختص البحوث النفسية في دراسة سلوك الإنسان ونشاطه ضمن بيئته، والطريقة التي يتكيف فيها، وتنقسم الأبحاث النفسية إلى نوعين: أبحاث أساسية الغرض منها وضع النظريات التي تفسر وتتنبأ بكيفية حدوث ظاهرة طبيعية معينة، مثل: النظرية السلوكية ونظرية التعلم المعرفية وغيرها من النظريات، والأبحاث التطبيقية والتي الغرض منها اختبار مدى صحة ودقة النظرية من خلال اختبارها ضمن مواقف حقيقية وواقعية، ومثال عليها التجربة الشهيرة لنظرية الإشراط الكلاسيكي للعالم بافلوف.[١]

طرق إجراء البحوث النفسية

عندما يقوم الباحث النفسي بوضع فرضية معينة، فإنه يسعى للتحقق منها من خلال جمع المعلومات وتحليلها وفهمها وتفسيرها، فيثبت بذلك الفرضية أو ينفيها، وتختلف الوسائل التي يمكن بها إجراء البحوث حسب الموضوع الذي تتناوله، وفيما يأتي سيتم توضيح تلك الطرق:

دراسة الحالة

مصطلح شائع في علم النفس وخاصةً في علم النفس السريري يستخدم للإشارة إلى عملية جمع البيانات ودراستها وتلخيصها، بحيث تختص هذه المعلومات بشخص معين أو مؤسسة معينة، وتعد أكثر الطرق التي يمكن من خلالها الحصول على معلومات شاملة ومفصلة عن حياة الشخص منذ ولادته وحتى اللحظة التي يقوم بها الباحث بجمع المعلومات، مستخدمًا بذلك طرق متنوعة للفحص والقياس والتشخيص بهدف التوصل إلى العوامل والأسباب والخبرات المختلفة التي مر بها الفرد، مثل المقابلة الشخصية والاختبارات النفسية والتقارير الطبية والملاحظات الذاتية التي يسجلها الأخصائي بنفسه وغيرها من الوسائل.[٢]

وتهدف دراسة الحالة إلى فهم حالة المريض ومشكلته وطبيعتها وأسبابها بشكل أفضل، من أجل استخدام أحد طرق العلاج النفسي الفعال، فمن خلال دراسة الحالة يتم التوصل إلى نموذج أو تقرير منظم يحتوي على المعلومات العامة والشخصية والعقلية والجسمية والصحية والتعليمية والمهنية وغيرها من المعلومات، ويشترط في دراسة الحالة أن تكون الحالة الخاضعة للدراسة قيمة علميًا، كما يجب على الباحث أو الأخصائي التحقق من دقة المعلومات، وسردها بشكل موضوعي ومعتدل وموجز دون الإخلال في وصف المشكلة او إهمال التفاصيل المهمة، ومن إيجابيات هذه الطريقة أنها تمكن الأخصائي من الفهم والتنبؤ بالمشكلة بطريقة مبنية على أساس علمي، كما تساعد المريض على التنفيس الانفعالي والاستبصار بالمشكلة، إلا أنها قد تستغرق وقتًا طويلًا، خاصة إذا كان الزمن عنصر فعال ومؤثر.[٣]

التجربة

يقصد بالتجربة قيام الباحث بتهيئة ظروف صناعية داخل المختبر، يتحكم بها في بيئة البحث ومتغيراته، بهدف جمع بيانات تتعلق بتساؤل أو فرض أو مشكلة ما، حيث يقوم بوصف المواقف السلوكية عن طريق الملاحظة المقصودة للتجربة، واختبار الفرضية بالإثبات أو النفي وتسجيل النتائج ومن ثم تفسيرها، وتعد التجربة أهم طرق البحث في التوصل إلى الحقائق والقوانين، إذ تتميز بأنه يمكن تكرار تطبيقها في الظروف نفسها أكثر من مرة والحصول على النتائج ذاتها.[٤]

إن المنهج التجريبي قائم على أساس دراسة العلاقة بين المتغيرات، ويمكن تعريف المتغير على أنه خاصية تأخذ قيم مختلفة للأفراد الذين يحملون سمات متباينة مثل العمر، الجنس، المهنة، المستوى الاقتصادي وغيرها، وعكسها الثابث إذ تعد خاصية تحمل القيمة نفسها لمجموعة الأفراد، ومثال ذلك إذا أراد باحث استخدام عينة مكونة من ذكور فقط فالجنس هنا ثابت، أما إذا استخدمت عينة مكونة من ذكور وإناث فالجنس هنا متغير، وفي التجارب يوجد ثلاثة أنواع من المتغيرات، أولًا: المتغير المستقل وهو المتغير الذي يقوم الباحث بدراسة الكيفية التي يؤثر بها على متغير آخر، ثانيًا: المتغير التابع وهو المتغير الذي يتأثر بالمتغير المستقل، ثالثًا: المتغير الدخيل: وهو متغير يسعى الباحث إلى ضبطه وتثبيته بحيث لا يؤثر في المتغير التابع فيغير من نتائج التجربة إيجابًا أو سلبًا.[٥]

وتوجد عدة طرق يمكن أن يقوم بها الباحث بالتجربة، بحيث يختار أكثر طريقة تخدم أغراض بحثه ويستخدمها، معتمدًا في اختياره على أنواع المتغيرات وتوزيع المجموعات وغيرها من العوامل التي تؤثر في التجربة، وفيما يأتي سيتم توضيح أهم أنواع التجارب:[٦]

  • التجارب المعملية: وهي أسهل أنواع التجارب وأكثرها دقة تتم داخل المختبر التجريبي بحيث يقوم الباحث بتحديد الشروط التجريبية، وضبط جميع المتغيرات والمثيرات لخدمة التجربة والتوصل إلى النتائج، ويمتاز هذا النوع من التجارب بإمكانية تكرارها أكثر من مرة.
  • التجارب غير المعملية: يعد هذا النوع من التجارب أكثر صعوبة في التطبيق وأقل دقة، حيث يقوم الباحث بدراسة عوامل تتواجد في ظروف طبيعية دون تدخل من قبل الباحث، حيث يفترض الباحث المتغير التابع والمستقل بحسب ما يلاحظ من أثر لكل متغير على الآخر.
  • تجارب المجموعة الواحدة: وتسمى أيضًا تجارب الاختبار القبلي البعدي، حيث يتم في البداية قياس حالة المتغير التابع قبل إدخال المتغير المستقل من خلال الاختبار القبلي، ثم يتم قياس أثر المتغير المستقل على المتغير التابع على المجموعة نفسها من خلال الاختبار البعدي.
  • تجارب على أكثر من مجموعة: وهنا يتم استخدام مجموعتين في التجربة، الأولى: تسمى المجموعة الضابطة وفيها يتم إدخال المتغير المستقل عليها، والثانية: تسمى المجموعة التجريبية وفيها يتم إدخال المتغير المستقل، بحيث يعد الفرق بين نتائج المجموعتين هو أثر المتغير المستقل، وهنا يتم استخدام مجموعتين لديها سمات متشابهة.
  • تجارب القصيرة والطويلة: ويقصد بالتجارب القصيرة تلك التي تحتاج إلى مدة زمنية قصيرة من الدراسة للتوصل إلى النتائج، مثل دراسة أثر الألوان على التركيز عند الأطفال، أما الطويلة فيقصد بها التجارب التي تحتاج إلى مدة زمنية طويلة من الدراسة والمتابعة من أجل التوصل إلى نتائج، مثال ذلك دراسة أثر برنامج لتعديل سلوك على الأطفال الذين يعانون من تشتت الانتباه.

الدراسة المبنية على المشاهدة

تعد الدراسة المبنية على المشاهدة أحد أهم وسائل الحصول على المعلومات، كما تعد من أقدمها، ويقصد بها أن يقوم الباحث بتوجيه انتباهه على سلوك الفرد أو الجماعة المراد دراستها في أحد المواقف الحياتية الطبيعية، أو مواقف التفاعل الاجتماعي بأنواعها المختلفة، كمشاهدة مجموعة من الأطفال أثناء اللعب، أو عمال أثناء قيامهم بعملهم، أو شخص ضمن موقف يشعر فيه بالإحباط وغيرها من المواقف المختلفة، وذلك بهدف تسجيل الحقائق والتغيرات التي تحدث في سلوكه نتيجة لنموه وتفاعله مع البيئة، من أجل تحديد العوامل التي تحرك سلوكه لتفسيرها أو تقويمها.[٧]

إن استخدام هذا النوع من الطرق له العديد من الإيجابيات، حيث يمكن للباحث الحصول على عدد كبير من معلومات التي لا يمكن أن يحصل عليها من خلال طرق أخرى، كما أنها تمكن الباحث من دراسة السلوك الإنساني ضمن مواقف طبيعية دون أن يغلب عليها الطابع الاجتماعي، أما سلبياتها فترجع إلى عدم رغبة بعض الأشخاص أن يكونوا موضع مشاهدة كالأسر مثلًا، وكما أن معرفة بعض الأشخاص بأنهم مراقبون يجعلهم أكثر تصنع وأقل تلقائية، عدا عن أن خبرات الباحث وآرائه الشخصية قد تدخل بشكل تلقائي أثناء عملية المشاهدة وتسجيل الملاحظات وبالتالي تصبح العملية أقل موضوعية، بالإضافة إلى أن تكلفتها قد تكون عالية في بعض الأحيان.[٨]

حتى تكون المشاهدة فعالة يجب على الباحث مراعاة عدد من الأمور: كسرية المعلومات، والدقة والموضوعية في التسجيل والتفسير، والتركيز على السلوك المتكرر والتمييز بين السلوك السوي وغير السوي، وعليه اختيار أنسب نوع من أنواع الدراسة المبنية على المشاهدة، ومن أنواعها:[٩]

  • المشاهدة المباشرة: وتسمى أيضًا المشاهدة المشاركة ويكون فيها الباحث متفاعل مع الموقف والأشخاص بشكل مباشر.
  • المشاهدة غير المباشرة: وتسمى أيضًا المشاهدة غير المشاركة ويكون فيها الباحث غير متفاعل مع الموقف والأشخاص، كما أن الأشخاص لا يكونوا على علم بأنهم موضع ملاحظة.
  • المشاهدة العرضية: يحدث هذا النوع من المشاهدة عن طريق الصدفة، دون تخطيط من الباحث، أي أنها غير مقصودة، لذلك تعد سطحية وغير دقيقة علميًا.
  • المشاهدة الدورية: تتم خلال فترة زمنية معينة يحددها الباحث حسب أغراض بحثه، قد تكون هذه الفترة كل يوم أو كل شهر أو كل أسبوع.
  • الملاحظة المنظمة الداخلية: وتعرف أيضًا بالتأمل الباطني وهنا يطلب الباحث من الشخص أن يراقب نفسه وأفكاره وسلوكه في موقف محدد، وذلك لصعوبة تواجد الباحث في بعض المواقف، إلا أن تطبيقها يكاد يكون مستحيل على بعض الفئات التي تعاني من صعوبة في التعبير، كالأطفال الذي يعانون من اضطراب طيف التوحد، أو ذوي الإعاقات العقلية وغيرهم من الفئات.
  • المشاهدة المنظمة الخارجية: هنا يقوم الباحث بمراقبة سلوك الفرد وتسجيل الملاحظات بنفسه وتمتاز هذه الطريقة بدقتها، وهي عكس المشاهدة الداخلية المنظمة حيث يمكن استخدامها مع مختلف الفئات وخاصةً مع الأطفال.

الدراسة الاستقصائية

الدراسات الاستقائية هي أحد طرق جمع البيانات، تتم عن طريق عمل استبيان أو قوائم تحتوي على مجموعة من الأسئلة، تتضمن جوانب الموضوع الخاضع للدراسة الإيجابية منها والسلبية، يتم توزيعه على عدد كبير من الناس، وتكون مهمة الفرد فيها تقدير مدى انطباق العبارة الواردة عليه، ويمكن إجراء الاستقصاء باستخدام عدة وسائل كتوزيعه بشكل مباشر على الطلاب في المدارس والجامعات والمعاهد وغيرها، كما يمكن إجراؤها عن طريق الهاتف، أو البريد الإلكتروني وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، وتتميز الدراسات الاستقصائية بسهولة تطبيقها، وإمكانية إجرائها على عدد كبير من الناس خاصةً في مجال البحوث الاجتماعية، بالإضافة إلى أنها تمكن الباحث من التركيز في العوامل والجوانب التي يختارها لإخضاعها للدراسة دون غيرها من العوامل.[١٠]

كما يمكن إجراء الدراسات الاستقصائية عن طريق المقابلة، حيث يقوم الباحث باستهداف عينة محددة من المجتمع، وتتم المقابلة عن طريق إجراء محادثة هادفة بين الباحث وهو الطرف الذي يقوم بتوجيه الأسئلة، وأحد أفراد العينة وهو الذي يقوم بإعطاء المعلومات بالإجابة عن الأسئلة، ويسجل الباحث الإجابات لغاية تحليل وتفسير محتواها، وتتميز المقابلة بأنها تمكن الباحث من الحصول على معلومات لا يمكن الحصول عليها من خلال طرق بحث أخرى،.[١١]

تحليل المحتوى

يعد تحليل المحتوى أحد طرق جمع البيانات بحيث يقوم الباحث بجمع كل المصادر التي تحتوي على معلومات تتعلق بموضوع بحثه ويخضعها للدراسة، فإذا أراد الباحث دراسة السمات الشخصية لأحد القياديين، فعليه أن يقوم بجمع كل أنواع الوثائق والكتب والبرامج التي تتضمن أعماله وسيرته الذاتية، وتتميز هذه الطريقة بعدم حاجة الباحث إلى التواصل المباشر مع الشخص نفسه، إذ يمكن الاكتفاء بما يتوفر من معلومات عنه.[١٢]

ومن إيجابيات طريقة تحليل المحتوى أنها تمكن الباحث من التعرف إلى جوانب مختلفة ومتعددة لموضوعات الدراسة، كما أن توفر المعلومات مكتوبة أو مسجلة يقلل من احتمالية نسيان بعض المعلومات التي قد تكون هامة، إضافة إلى إمكانية الوصول للمعلومات في أي وقت، إلا أن هذه الطريقة تواجهها بعض المعوقات في بعض الأحيان حيث إن بعض مصادر المعلومات تعمل على إظهار صورة مثالية عن الأشخاص أو الموضوعات أو القوانين، كما أن بعض الوثائق والمعلومات المهمة قد تكون سرية فلا يستطيع الباحث الوصول إليها، عدا عن احتمالية وجود بعض المعلومات المغلوطة أو المزورة، مما يؤثر على مصداقية البحث، لذلك يترتب على الباحث التحقق من صدق وثبات مصادر المعلومات لتحقيق أعلى قدر من الفائدة.[١٣]

المراجع

  1. نجاة عيسى حسين إنصورة، أساسيات وأصول علم النفس، صفحة 45-49. بتصرّف.
  2. "دراسة الحالة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-30. بتصرّف.
  3. هادي مشعان ربيع، القياس والتقويم في التربية والتعليم، صفحة 104-110. بتصرّف.
  4. "المنهج التجريبى"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
  5. محمد بن عبد العزيز الحيزان، البحوث الإعلامية أسسها أساليبها مجالاتها، صفحة 53-56. بتصرّف.
  6. سامي محسن الختاتنة، فاطمة عبد الرحيم النوايسة، علم النفس الإجتماعي، صفحة 92. بتصرّف.
  7. "الملاحظة/ المزايا والعيوب"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
  8. رجاؤ وحيد دويدري، كتاب البحث العلمى أساسياته النظرية وممارسته العملية، صفحة 322. بتصرّف.
  9. "الاختبارات والمقاييس :"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-01. بتصرّف.
  10. "استقصاء (بحث بشري)"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
  11. "وسائل جمع البيانات"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
  12. "بحث وصفي"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
  13. بواسطة محمود أحمد درويش، مناهج البحث في العلوم الإنسانية، صفحة 178-179. بتصرّف.
4457 مشاهدة
للأعلى للسفل
×