طرق التعامل مع الزوجة الناشز

كتابة:
طرق التعامل مع الزوجة الناشز

الوعظ والكلام الحسن

كيف يقوم الزوج بوعظ زوجته الناشز وتأديبها بالكلام؟

اتَّفق أهل العلم على أنَّه يحقُّ للزوج أن يؤدب زوجته الناشز، وأول طُرق التأديب هو الوعظ حيث قال الله تبارك وتعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}،[١] ويكون الوعظ للناشز بتذكيرها بالكلام الذي يُليِّن القلب ويجعلها تُطيع زوجها، وتجتنب الوقوع في العقاب الذي يترتب على مخالفتها له.[٢]


ويكون وعظ الناشز باللين والكلام الحسن كأن يقول لها الزوج: لا تكوني الزوجة المخالفة التي تسيء العشرة وكوني الزوجة الصالحة القانتة لله تعالى الحافظة للغيب، ويذكِّرها بما جاء في القرآن الكريم من آيات تحثُّ على حُسن عشرة الزوج والإحسان إليه، والآيات التي تُبين أنَّ الزوج له قوامة عليها، ويحذِّرها مما قد يترتب على نشوزها من ضرب وهجر وإسقاط للنفقة وكذلك يُحذِّرها من العقاب في الآخرة فيطلب منها أن تتقي الله تعالى في الحق الواجب عليها ويبين لها أن نشوزها يُسقط القَسم.[٣]


ويُندب للزوج أن يُذكرها بالأحاديث التي قالها النبي -صلّى اللَّه عليه وسلّم- والتي تأمر الزوجة بطاعة زوجها وعدم معصيته منها قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: "إذا باتَتِ المرأةُ هاجرةً فِراشَ زَوجِها ؛ لَعَنتْها الملائكةُ حتَّى تُصبحَ"،[٤] وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: "لَوْ كُنْتُ آمِرًا أحدًا أنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ ؛ لأَمَرْتُ المرأةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها ، ولا تُؤَدِّي المرأةُ حقَّ زَوْجِها ؛حَتَّى لَوْ سألَها نَفْسَها على قَتَبٍ لأَعْطَتْهُ".[٥][٣]


كما يذكرها بالأحاديث التي قد يستميل به قلبها ويلينه منها قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: "المَرْأَةُ كالضِّلَعِ، إنْ أقَمْتَها كَسَرْتَها، وإنِ اسْتَمْتَعْتَ بها اسْتَمْتَعْتَ بها وفيها عِوَجٌ"،[٦] ولِيعلم الزوج أنه في حال ارتدعت الزوجة من الوعظ وعادت إلى طاعة زوجها فإنَّه يُحرم على الزوج أن يستخدم معها الطرق التي تأتي بعد الوعظ فلا يجوز له هجرها ولا ضربها.[٧]


الهجر في المضجع

كيف يكون هجر الرجل لزوجته الناشز وهل هناك أكثر من صورة للهجر؟


صور الهجر في المضجع

اختلفَ الفقهاء في كيفية الهجر وصورِه فكانت أقوالهم في ذلك كما يأتي:[٨]


مذهب الحنفية

في مذهب الحنفية عدة أقال في كيفية الهجر للناشز فقيل يكون هجر الرجل لزوجته بترك مجامعتها ومضاجعتها في الفراش، وقيل بأن يكون الهجر بترك الكلام بينهما في وقت مضاجعته لها وليس ترك جماعها أو مضاجعتها، وذلك لأنَّ الجماع حقٌ مشتركٌ بين الزوجين فلا يجوز إيقاع الضرر بها بتركه، فلا يكون التأديب بما يسبب لها الضرر أو يَبطُل به الحق، وقيل أيضًا يكون الهجر بترك جماع الزوجة ومضاجعتها لوقت حاجتها ورغبتها به، وليس في وقت رغبته وحاجتها إليها؛ لأن هذا الترك لزجرها وتأديبها هي فلا يكون تأديبه لها بأن يحرِم نفسه ما يريد ويمتنعَ عن مضاجعتها في وقت حاجتها لها.[٨]


ومما قيل في مذهب الحنفية أيضًا أنَّ من صور الهجر هو مفارقتها في المضجع على أن يضاجع زوجةً أُخرى تكون حلالًا له، في قسمة الزوجة الناشز وفي حقها؛ وذلك لأنَّها استحقت القسم في حال طاعتها لزوجها ومراعتها له وليس في حال تضييع حقه.[٨]


المالكية

.قالوا بأنَّ الهجر للناشز يكون بترك مضاجعتها في الفراش، فلا ينام معها في نفس الفراش.[٨]


الشافعية

قال الشافعية بأن الهجر للزوجة الناشز يكون بترك الوطء وقيل أن لا ينام معها في نفس الفراش ولا يضاجعها، وقيل هو هجرها بالكلام أي أن يُغلظ معها في الكلام.[٨]


الحنابلة

يكون الهجر في المضجع بأن لا ينام معها في نفس الفراش وكذلك هجرها في الكلام وذلك لما روي عن ابن عباس أنه قال: " تُضَاجِعُهَا فِي فِرَاشِكَ، وَقَدْ هَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فَلَمْ يَدْخُل عَلَيْهِنَّ شَهْرً".[٨]


مدة هجر الزوجة في المضجع شرعًا

وأما مدة هجر الزوجة في المضجع فاختلفَ فيه الفقهاء على عدة أقوال كما يأتي:[٨]

  • قال الحنفية بهجر الزوجة في حال في نشوزها دون تقييد المدة، فيهجرها زوجها حتى ترجع إلى طاعته.
  • قال المالكية بأنَّ مدة الهجر شهر وللزوجِ أن يزيد عن هذه المدة ليصل إلى أربعة شهور فيكون كمن يولي من امرأته.
  • قال الشافعية أن الهجر في الكلام لا يكون فوق الثلاثة أيام لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه قال: "لاَ يَحِل لِلْمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ".[٩]
  • قال الحنابلة تكون مدة هجر الزوجة في المضجع وترك الفراش ما شاء الرجل وأما هجرها في الكلام فلا يكون فوق الثلاثة أيام مستدلين بنفس الحديث الذي استدل به الشافعية.


هل يمكن للزوجة أن تهجر زوجها في مضجعه؟

قال العلماء بأنَّه لا يجوز للمرأة أن تهجر زوجها بأي حالٍ من الأحوال، وذلك لأنَّ للزوج حق عظيم على زوجته، لكن إذا كان الزوج يسيء لزوجته ويعصي الله تعالى ولا يتقي الله فيها فلها أن تذهب وتُسلم أمرها للقاضي فإما أن يعود زوجها إلى صوابه وإما أن يقوم القاضي بتطليقها منه.[١٠]


التأديب بالضرب غير المبرح

هل يعدُّ الضرب من طرُق تأديب الزوجة الناشز، وما كيفية ذلك وما غايته ودرجته؟


ماهية ضرب الزوجة الناشز

يجب أن يعلم الزوج أن الضرب هو آخر الحلول للزوجة الناشز وذلك إذا لم تستجب الزوجة في حال الوعظ والهجر ولا يتَّخذ هذا الحلَّ أسلوبًا في حياته، فالله تعالى إنما شرعه في وقتٍ مخصوص وهو في حالة النشوز وعليه فلا يجوز ضرب الزوجة مطلقًا في أي حالةٍ غير النشوز.[١١]


وهذا مخالفٌ لما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "ما رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضرَب خادمًا قطُّ ولا ضرَب امرأةً له قطُّ ولا ضرَب بيدِه شيئًا قطُّ إلَّا أنْ يُجاهِدَ في سبيلِ اللهِ ولا نِيلَ منه شيءٌ قطُّ فينتقِمَه مِن صاحبِه إلَّا أنْ يكونَ للهِ فإنْ كان للهِ انتقَم له، ولا عرَض له أمرانِ إلَّا أخَذ بالَّذي هو أيسرُ حتَّى يكونَ إثمًا فإذا كان إثمًا كان أبعدَ النَّاسِ منه".[١٢][١١]


كما كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يعيب على أبي جهم لضربه نسائه،[١٣] وقد جاءَ عند فقهاء المالكية والشافعية أن الناشز إذا لم تنزجر إلا بالضرب المبرح، لا يجوز له ضربها، ولا يجوز له أن يضربها الضرب المبرح حتى وإن علمَ أنَّ هذا ما يجعلها تترك النشوز وإن حصلَ منه ذلك وضربها الضرب المبرح فلها أن تُطلق منه ولها حقُّ الاقتصاص كذلك فقد قَال الدّردِير: "لاَ يَجُوزُ الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لاَ تَتْرُكُ النُّشُوزَ إِلاَّ بِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فَلَهَا التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ وَالْقِصَاصُ".[١١]


وتجدر الإشارة إلى أنَّه لا يحق للزوج أن يضرب زوجته وهو المقصِّر، فمن قصَّر في حقِّ زوجته من عشرة أو نفقة أو معاملة كالإساءة إليها وشتمها فلا لومَ عليها في خروجها وعدم تحمُّلها وصبرها عليه، وفي هذه الحالة لا يجوز له الضرب وهو ظلمٌ في حق الزوجة.[١٤]


القصد من ضرب الزوجة الناشز

إن المراد والقصد من ضرب الزوجة الناشز هو تأديبها وزجرها لتعود إلى طاعة زوجها وليس تشويه الزوجة أو إتلاف شيء فيها.[١٥]


ضابط ضرب الزوجة الناشز

ومع أن الضرب جائز للزوجة الناشز إلا أن هناك مجموعة من الضوابط لذلك وهي كما يأتي:[١٥]

  • أن لا يكون ضربه لها مبرحًا فلا يشوه لها لحمًا ولا يكسر لها عظمًا لأنَّ الآية الكريمة قيدته بأن لا يكون مبرحًا وجاءت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- تؤكد هذا.
  • أن لا يزيد ضربه لها عن عشر ضربات.
  • أن لا يضربها في المقاتِل ولا يضربها على الوجه، وأي فعلٍ من الزوج فيه تشويهُ وضرر عليها فإن فعله يُعدُّ جناية ولها أن تطلب الطلاق والقصاص منه.
  • أن يكون في ظنِّه أنَّ الضرب سيحقق نتيجةً معها ويصلح حالها ويزجرها.
  • أن يترك ضربها إن أطاعته وعادت إلى صوابها.[١٥]


وسائل ضرب الزوجة الناشز

وأما وسائل ضرب الزوجة فقد قال الشافعية في أحد الأقوال والحنابلة إن للزوج أن يؤدب زوجته الناشز بضربها بسوط أو بعصا ضربًا غير مبرح، وأما المالكية وبعض الشافعية والحنابلة فقال يؤدب الزوج زوجته الناشز بضربها بالسواك أو بما هو مثله كمنديلٍ مثلُا أو بغيره، ولا يجوز له أن يضربها بسوط أو عصا أو بخشب لأنَّ المراد هو التأديب فقط، كما جاء عند الشافعية والحنابلة على أنَّ الأولى من الزوج هو العفو عن زوجته الناشز وأن يترك ضربها حتَّى وإن جازَ له ذلك.[١٦]

المراجع

  1. سورة النساء، آية:34
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 295. بتصرّف.
  3. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 296. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1947، حديث صحيح.
  5. رواه الألباني، في السلسة الصحيحة، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم:3366، إسناده صحيح رجاله ثقات.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5184، حديث صحيح.
  7. مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 296. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج ح خ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 297. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2561، حديث صحيح.
  10. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 7726. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقية الكويتية، صفحة 299. بتصرّف.
  12. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:488، أخرجه في صحيحه.
  13. كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 227. بتصرّف.
  14. ابن جبرين، شرح أخصر المختصرات، صفحة 55. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 226. بتصرّف.
  16. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 300. بتصرّف.
4204 مشاهدة
للأعلى للسفل
×