طرق تحريك الدعوى العمومية
ما المقصود بالشكوى، وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر فيها؟
لا يكاد يخلو تشريع من النص على طرق تحريك الدعوى العمومية، إذ تتفق جميع تشريعات الأصول الجزائية على مجموعة من الطرق يمكن من خلالها تحريك الدعوى العمومية، وتتمثل هذه الطرق بالشكوى والبلاغ وهما الطريقتان التقليديّتان المتعارف عليهما في مختلف التشريعات، فهما الوسيلة أو الطريق الأول للمجني عليه أو الضحية للوصول إلى السلطات القضائية المختصة للمطالبة بحقه وجبر الضرر الذي تعرض له[١] لهذا فإنّ طرق تحريك الدعوى العمومية على نوعين: الشكوى، والبلاغ.
الشكوى
الشكوى هي التعبير أو التصرف الذي يبدي من خلاله المجني عليه رغبته في أن تقوم السلطة العامة بتحريك إجراءات الدعوى العمومية ضد من تمّ اتهامه بارتكاب الفعل الجرمي، وبالتالي فالشكوى ما هي إلا وسيلة لإخبار سلطات الضبط القضائي أو السلطات القضائية المختصة في البلاد عن وقوع فعل معين يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، وتتم الشكوى سواء من لحقه الضرر المباشر منها أم من قبل الخلف العام له، ولذلك يشترط فيها عدة شروط أهمها:[٢]
- أن تكون الشكوى قد تمّ تقديمها من قبل الشخص الذي لحقه الضرر أو من محاميه.
- أن تكون الغاية من الشكوى هي تقديم الجاني للمحاكمة وتوقيع العقوبة عليه في حال ثبتت إدانته.
- أن يكون المجني عليه متمتعًا بأهلية التقاضي، حتى يتمكن من تقديم الشكوى واللجوء إلى القضاء.
- أن يكون الضرر الذي هو محل الشكوى قد وقع بالفعل وليس محتمل الوقوع مستقبلًا.
البلاغ
هو كل ما يرد إلى علم الجهات القضائية من أخبار عن وقوع جريمة ما، سواء أكان البلاغ قد تم شفاهة أم كتابة أم بأي وسيلة أخرى، ويستوي الأمر سواء أكان البلاغ من قبل الشخص المتضرر أم من شخص آخر، ويشترط في البلاغ عدة شروط أهمها:[٣]
- البلاغ يمكن أن يقع من كل شخص علم بوقوع الجريمة حتى ولو لم يكن قد لحقه ضرر منها أو كان صاحب مصلحة فيها.
- البلاغ يجب أن يحتوي على الواقعة المبلغ عنها ومكان حدوثها ووقت الحدوث واسم الشخص المنسوب له هذا الفعل الجرمي، خاصة إذا ما كان معلومًا لدى المبلغ، وبيان الشخص المتضرر من الجريمة والمجني عليه بصفة أساسية.
طرق مباشرة الدعوى العمومية
متى تبدأ إجراءات الدعوى العمومية؟
بين تحريك الدعوى العمومية وقبل دخولها إلى حيازةالمحكمة المختصة، فالدعوى العمومية لها إجراءات معينة للمباشرة فيها تبدأ بعد تلقي الشكوى أو البلاغ وتنتهي بانتهاء هذه الدعوى[٤]، ومن أجل ذلك لا بد من توضيح ماهية طرق مباشرة إجراءات هذه الدعوى التي تتخلص في مرحلتين هما:
مرحلة المتابعة والتحقيق الجزائي
تبدأ إجراءات الدعوى العمومية في أغلب قوانين الإجراءات الجزائية بمرحلة المتابعة أو الاستدلال، وبمجرد الانتهاء من هذه المرحلة تبدأ مرحلة التحقيق الجزائي، وتكون على النحو الآتي:
مرحلة المتابعة (الاستدلال)
هي أول مرحلة أو طريق من طرق مباشرة الدعوى العمومية، حيث ينصرف مصطلح المتابعة إلى التحقيق الابتدائي أو الأولي الذي تقوم به سلطات الضبط القضائي، وهي مرحلة مهمة للغاية، إذ يتوقف عليها مسار ومصير الدعوى العمومية بالكامل، وهي التي يُطلق عليها في كثير من البلدان الضبطية القضائية نسبة إلى الشرطة القضائية التي تقوم بهذه المهمة، وهي عبارة عن هيئة شبه عسكرية مسؤولة بشكل عام عن المحافظة على الأمن الداخلي وسلامة أمن الدولة، وكذلك عن تنفيذ الأحكام القضائية بعد صدورها.[٤]
مرحلة التحقيق الجزائي (تكيف الواقعة)
هي الطريقة الثانية من طرق مباشرة الدعوى العمومية، والتي تتمثل بالتحقيق الذي تتولى النيابة العامة القيام به خاصة فيما يتعلق بالمسار الإجرائي له، فالنيابة العامة هي الهيئة المكلفة بالدفاع عن القانون الجنائي وتنفيذ السياسة الجنائية في البلاد، لذلك فهي تعد طرفًا أصيلًا من أطراف الدعوى العمومية ضد المتهم وتعمل بكل جهدها على معاقبته متى ما ثبت لها ارتكابه للفعل الجرمي عن طريق دفع المحكمة في إصدار الحكم المناسب له.[٤]
مرحلة مباشرة الإجراءات القانونية للدعوى العمومية
إنّ إجراءات مباشرة الدعوى تعني نقلها من حالة السكون التي كانت عليها إلى حالة الحركة من خلال العمل على إدخالها ضمن نطاق عمل السلطات المختصة[٥]، ويتم ذلك عن طريق مجموعة من الإجراءات القانونية وهي:
الاستدعاء المباشر والإخطار
هي المرحلة التي تعقب مرحلتي الاستدلال وتكيف الواقعة المعروضة في الشكوى أو البلاغ وتصنيفها في حالة كونها جنحة أو مخالفة في غير حالة التلبس، وثبوت نسبة صحتها للشخص المنسوبة إليه، فيتم إحالة أوراق الدعوى إلى محكمة الجنح أو المخالفات وذلك عن طريق الاستدعاء المباشر أو ما يسمى بالتكليف بالحضور، أما الإخطار فهو الإجراء الذي تستبدله النيابة العامة عن التكليف المباشر بالحضور وتكتفي بإخطار الشخص بموعد جلسة المحاكمة التي سيحاكم فيها واسم المحكمة التي تتولى الفصل في الموضوع في التهم المنسوبة إليه.[٦]
فتح التحقيق
إذا ما رأت النيابة العامة وحسب سلطتها التقديرية أنّ الجريمة موضوع الاستدلال ما زالت بحاجة إلى تحقيق قضائي أكثر لوجود الكثير من الأمور الغامضة أو المبهمة والتي يجب أن يتم التأكد منها، فإنها تحيلها إلى جهات تحقيقية مختصة، وذلك بعد أن يتم تقديم طلب افتتاحي بالنسبة للمتهم البالغ سن الرشد، وعن طريق تقديم طلب إلى قاضي التحقيق المختص بالإحداث، إذا كان المتهم أو الشخص المنسوب إليه الفعل الجرمي حدثًا وغير بالغ سن الرشد.[٧]
المثول الفوري
هو إجراء تلجأ إليه الجهات المختصة في حالات التلبس، وذلك عن طريق إخطار محكمة الجنح بالدعوى إذا ما تبين لها من خلال محاضر الاستدلال أن الوقائع المعروضة تشكل جنحة في حالة تلبس، فيطلب من المتهم المثول الفوري، إذ لا تحتاج مثل هذه الحالة فتح تحقيق، وهذه الحالة تتعلق بالجرائم التي تكون فيها أدلة الاتهام واضحة، كما تتّسم وقائعها بالخطورة لمساسها بحقوق الأفراد أو الممتلكات العامة أو النظام العام.[٨]
الأمر الجزائي
يهدف إلى اختصار الكثير من مراحل المحاكمة وتقليل كمية القضايا المنظورة أمام المحاكم، ويمكن اللجوء إلى الأمر القضائي عندما تكون الجريمة أو الجنحة محل الدعوى معاقب عليها بغرامة الحبس لمدة سنتين أو أقل، أو أن الوقائع المنسوبة للمتهم قليلة الخطورة، ويرجح أن تكون العقوبة عليها غرامة مالية، ولكن يشترط في هذه الحالة ألّا تكون الجنحة مقترنة بجنحة أخرى أو مخالفة، كما يجب أن تكون هوية المتهم معلومة ولا يكون حدثًا أو أكثر من متهم واحد.[٩]
المراجع
- ↑ فايز الظفيري (2003)، دور سلطات التحقيق في حماية ضحايا الجريمة، صفحة 19. بتصرّف.
- ↑ محمد سعيد نمور (2005)، أصول الإجراءات الجزائية شرح لقانون المحاكمات الجزائية، الأردن:دار الثقافة والتوزيع، صفحة 180. بتصرّف.
- ↑ محمد حزيط (2006)، مذكرات في قانون الإجراءات الجزائي الجزائري، صفحة 58، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت شرارية محمد (2018)، محاضرات في قانون الإجراءات الجزائية، الجزائر:كلية الحقوق والسياسة، صفحة 46. بتصرّف.
- ↑ أحمد شوفي الشلقاوي (1985)، مبادئ الإجراءات الجنائية الجزائية في التشريع الجزائري، صفحة 197، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز سعد (2000)، إجراءات ممارسة الدعوى الجزائية ذات العقوبة الجنحية (الطبعة 2)، الجزائر:دار هومة، صفحة 76. بتصرّف.
- ↑ عريوة عقيلة (2019)، آليات تحريك الدعوى العمومية في القانون الجزائري، الجزائر:جامعة محمد بو مضياف، صفحة 16. بتصرّف.
- ↑ شملال علي (2016)، المستحدث في قانون الإجراءات الجزائري، الجزائر:دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 152. بتصرّف.
- ↑ خلفي عبد الرحمن (2012)، الحق في الشكوى كقيد على المتابعة الجزائية (الطبعة 1)، بيروت:منشورات الحلبي الحقوقية، صفحة 467. بتصرّف.