محتويات
طرق تدريس تلاوة القرآن الكريم
الحياة مع القرآن الكريم تبعثُ في النَّفْسِ اطمئناناً، وتُحيي الرُّوح الذابلة بينابيع القرآنِ الفيّاضة بكُلّ معاني الدفء، والأُنس، والراحة، ولا رَيب أنّ القلبَ يزدادُ إيمانُه، ويتألّقُ نبضُه؛ فتلاوتُه عملٌ تعبُّدي خالصٌ لله -تعالى-، وهو يبني جسوراً مَتينةً للآخرة.[١]
ولذلك كان تعليم القرآن الكريم في الحلقات للتلاميذ في المراحل الأولى أساساً، ومُرتَكَزاً لا يقلّ أهمّيةً عن الحِفظ، والفَهم، وغيره؛ مِمّا يعني ضرورة التحلّي بآداب القرآن الكريم، وتعويد الأطفال على حُبّه، والشوق إليه.[١]
ولِتجويد القرآن الكريم جانبان أساسيّان، وهما:[٢]
الجانب النظريّ
هذا الجانبُ يُعنَى بمعرفة أحكام علم التجويد، وقواعده، ثمّ فَهمها فَهماً وافياً، وحِفظها بإتقانٍ؛ لأنّها المُرتكز الأساسيّ في الجانب العَمليّ التطبيقيّ.
الجانب العمليّ
هذا الجانبُ يُعنَى بتطبيق الأحكام، والقواعد التجويديّة تطبيقاً تامّاً؛ عن طريق التلقّي بالسَّماع والمُشافهة من أفواه العلماء العارفين بأحكامه، وقواعده، والمُتقِنين تلاوتَه، وبيانَه.
وقد جاء أنّ تعلُّم هذا الجانب واجبٌ على كُلّ مسلمٍ قادرٍ على تطبيقه، وتلاوته بإتقانٍ، ومِمّا يدلّ على ذلك قوله -تعالى-: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)،[٣] وقوله -تعالى-: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ)؛[٤] وهذا ما استند إليه العلماء في وجوب تطبيق الأحكام التجويديّة في التلاوة القرآنيّة.
طُرق تحفيظ القرآن الكريم
تتمحور طُرق تحفيظ القرآن الكريم حول أربع طُرقٍ، وبيانها فيما يأتي:[٥]
الطريقة الجماعيّة
هذه الطريقة تقتضي أن يكون الطلبة على مستوى واحدٍ؛ فيبدأ المُعلِّم تلاوةَ الصفحةِ مثلاً تلاوةً مُتقَنةً مُرتَّلةً، وهذا مِقدارٌ يُحدّده المُعلِّم للطلبة، ثمّ يختار الطلبة المُتميِّزين في الأداء؛ فيُعيدون المقدار نفسَه، ثمّ يأتي دور الطلبة الآخرين، كُلٌّ على حِدة؛ كي يُعيدوا تلاوة المِقدار نفسه بشكلٍ فرديٍّ، وأخيراً يُسمِّعون المِقدارالمُقرَّر للمُعلِّم، ويُمكن تطبيق هذه الطريقة في عدّة أماكن، منها: المدارس النظاميّة، والمعاهد، والمراكز القرآنيّة، بالإضافة إلى تطبيقها مع الطلبة المُبتدِئين في تلاوة المصحف.
ومن إيجابيّاتِ هذه الطريقة: حِرص المُعلّم على ارتفاع مستويات الأداء في الأحكام التجويديّة؛ عن طريق الإنصات إلى تلاوته، ثمّ الإنصات إلى الطلبة المُتميِّزين في أدائهم، إلى جانب إعلاء الهِمَم، وشَحْذها؛ من خلال تمكين الطلبة الضِّعاف في التلاوة، والحِفظ من مُواكبة زملائهم في ذلك، ودَفعهم إلى التميُّز مثلهم.
أمّا سلبيّاتها: الحاجة إلى الإمكانات المادّية، والبشريّة؛ لتحمُّل أفواج تِلو الأفواج من مُتعلِّمي المعاهد، والمراكز القرآنيّة، وعدم مراعاة الفروق الفرديّة؛ وذلك من خلال تأخُّر تميُّز الطلبة المُجتهدين، وعرقلة استمرارهم وتقدُّم في الحِفظ؛ لمُواكبة زملائهم الضِّعاف.
الطريقة الفرديّة
هي طريقةٌ تعتمد على فَتح الآفاق للطلبة في الحِفظ، والأداء؛ كُلٌّ حسب طاقته، ومقدرته، وتميُّزه، وهذا من باب التنافس، والانطلاق في الحِفظ، والتلاوة، وتحت إشراف المُعلّم ومُتابعته بكفاءةٍ، وتكون هذه الطريقة في الحلقات المُتعدِّدة المُستوى في المراكز، والمعاهد، كما تكون للفئة التي تُجيد القراءة بشكلٍ مُتقَنٍ من المصحف.
ومن إيجابيّاتها: مراعاة الفروق الفرديّة للطلبة، وفَتح المجال للتنافُس المُتميّز، والتقدُّم، وعدم حَصرهم في بُؤرة الجماعة التي قد تكون خانقةً للطلبة المُتميِّزين، كما تُتيح الفرصة لمشاركة الطلبة المُتميِّزين في مساعدة زملائهم الضِّعاف، وتدريسهم، وذلك بعد تأدِية ما عليهم من مَهامٍّ.
أمّا سلبيّاتها: إحباط الهِمَم لدى بعض الطلبة الذين لم يتمكّنوا من اللحاق بزملائهم المُتميِّزين، مِمّا قد يُؤدّي إلى عدم استمرارهم، أو انسحابهم، واستمرار بعض الطلبة بإعادة السُّوَر نفسها، أو اقتصارهم على ما مضى منذ مدّةٍ طويلةٍ.
الطريقة الترديديّة
هي طريقةٌ تُؤدّى بترديد الآيات خلف مَن يقرؤها بصوتٍ واضحٍ، وتطبيقٍ للأحكام بشكلٍ مُتقَنٍ، وهي تُطبَّق للطلبة الذين لا يُحسنون القراءةَ من المصحف، أو المُبتدِئين منهم، أو أولئك الذين يكونون في الحلقات الجماعيّة.
ومن إيجابيّاتها: تخليص الطلبة من مشاكلهم في النُّطق، وتصحيح حروفهم بالترديد، وتنبيههم إلى الأخطاء التي قد يقعون فيها من تلقاء أنفسهم، كما تُمكِّن هذه الطريقة الطلبة من التعرُّف إلى المصطلحات التجويديّة في المصحف؛ من علامات وقفٍ، وابتداءٍ، والأرباع، والأحزاب، والسجدات، وغيرها.
أمّا سلبيّاتها: زيادة ضَعْف الطلبة الضِّعاف باختفاء أصواتهم تحت أصوات زملائهم؛ فلا يُردِّدون معهم، ورَفع الأصوات أحياناً قد يُؤثّر في بقيّة الحلقات في المعهد، أو المركز، بالإضافة إلى احتماليّة عدم مراعاة الفروق بين الطلبة.
الطريقة الجماعيّة الترديديّة
هذه طريقةٌ جامعةٌ بين الطّريقتَيْن الأولى، والثالثة؛ وهي تكون للطلبة في شتّى مستوياتهم؛ مُبتدِئين، أو مُتقدِّمين، وعلى خطواتٍ، منها ما يأتي:
- يحرص المُعلِّم على جَذب انتباه الطلبة إليه؛ بافتتاحه الحصّة بمُقدّمةٍ جميلةٍ، وتعريفهم بمعنى السُّورة بشكلٍ عامٍّ، أو قصّتها، أو ذِكر مَعانٍ إجماليّةٍ، مِمّا يُرغّبهم في التلاوة، والحِفظ.
- يتلو المُعلّم الآيات بأسلوبٍ مُتقَنٍ، ومُؤثّرٍ، وصادقٍ؛ حتى يصل بالطلبة إلى حُبّ التعلُّم، والرغبة فيه، فيردِّدون من ورائه؛ مُراعِياً الأحكامَ والقواعد، وغيرها من علامات الوقف، والابتداء، وتحقيق المعاني المَرجُوّة، وتقصير المَقاطع على الطلبة؛ حتى يتمكّنوا من التلاوة بأداءٍ جيّدٍ مثله، ثمّ إتاحة الفرصة للطلبة المُتفوِّقين بإعادة التلاوة، ثمّ قِسمٌ آخرٌ من الطلبة المُتوسِّطين؛ لإظهار مدى فَهْمهم، واستيعابهم.
- يُعطي المُعلِّم المجال للطلبة؛ لحِفظ ما عليهم، ثمّ تسميعه فيما تبقّى من الحَلَقة من وقتٍ، واستكمال الباقي في موعد الحلَقة اللاحقة.
صفات معلم القرآن الناجح
يوجد عدة صفات لمعلم القرآن الناجح منها ما يأتي:
- أن يُتقِن مخارج الحروف بأنواعها؛ الحَلْقيّة، واللسانيّة، والشفويّة.[٦]
- أن يتمكّن من الرَّبط بين معاني الآيات؛ حتى يتحقّق المُراد منها. [٦]
- أن يُجوِّد، ويُرتِّل الآيات بأسلوبٍ مُحبَّبٍ، وخاصّةً للأطفال؛ حتى يتعلّقوا بالقرآن الكريم، ويُرغبوا في تلاوته، وحِفْظه، وفَهْمه.[٦]
- أن يساعد تلاميذه على استخلاص النتائج، والعِبَر، وهي من أنجح الطرائق في إتقان القرآن الكريم، وتعليمه.[٦]
- أن يدرك الهدف من إيصال معاني القرآن الكريم، وأحكامه.[٦]
- أن يُوّضح أهدافه وغاياته للتلاميذ بأساليب مُيسَّرةٍ واضحةٍ. [٦]
- أن يجعل طرائق تدريس القرآن الكريم أكثر شموليّةٍ؛ وذلك برَبط الأفكار الواردة في القرآن الكريم بالحياة الإنسانيّة.[٦]
- أن يُوّضح لتلاميذه أنّ القرآن الكريم هو دستور هذه الأمّة، وسبب رِفْعتِها، وأساس نُصرَتها، وهو ليس وثائق مقروءة فقط، أو صفحاتٍ يُتبرَّك بها، أو آياتٍ يُتغنّى بها، وإنّما هو مَنهج الحياة اليوميّة، والعمليّة، والذي يُؤسّس الفرد.[٦]
توصياتٌ مُهمّةٌ لمُدرِّسي القرآن
يُنصَح مُعلِّم القرآن بالعديد من الأمور في تعليم تلاميذه، منها:[٧]
- الحِرص على استخدام أسلوب التدرُّج في التعليم؛ إذ يبدأ المُعلّم بتعليم نُطق الحروف، والكلمات بطريقةٍ صحيحةٍ، ثمّ تخليص التلاميذ من مشكلات عيوب النُّطق، كالتأتاة، والفأفأة، وغيرها، وتخليصهم من التأثُّر باللهجات بأشكالها المَحلّية، والأعجميّة، وتدريبهم على نُطق الكلمات دون لحونٍ جَليّةٍ، ثمّ تدارُك الأخطاء الخفيّة شيئاً فشيئاً.
- عدم السَّماح للطلاب بالانتقال من صفحةٍ إلى أخرى إلى أن يتمّ التأكُّد من أنّهم أتقنوا الأولى بشكلٍ جيّدٍ؛ من حيث نُطق الكلمات، والحركات.
- تدريب الطلاب على اكتشاف أخطائهم بأنفسهم في درس التلاوة؛ فلا يَردّ المُعلِّم الخطأ، وإنّما يتأنّى معهم؛ حتى يعرفوا ما الخطأ الذي وقعوا فيه.
- عدم تكليفهم فوق طاقتهم، بل يُكلّف كُلّ طالبٍ منهم حسبَ طاقته؛ فلا يشعرالضَّعيف بالعَجز، ولا يشعر المُتميِّز بالملل، والسآمة.
- استخدام أسلوب المُوازنة بين كُلٍّ من الحِفظ الجديد، والمُراجعة؛ فلا يطغى أحدهما على الآخر، ولا ينتقل الطلبة إلى حِفظٍ جديدٍ دون تثبيت الحِفظ القديم.
- الاستماع إلى تلاوات الطلبة؛ فلا يستمع المُعلِّم إلى أكثر من طالبٍ في الوقت نفسه، بل يُتابع كُلَّ واحدٍ على حِدة.
- تعزيز مُساندة الطلبة لغيرهم؛ بحيث تُقرئ الفئةُ الجيّدةُ المُتميِّزة الطّلبةَ الضِّعاف؛ فمَن أجازوه منهم، عُرِضت تلاوتُه على المُعلِّم.
- الالتزام بآداب التلاوة، وآداب حَمَلة القرآن، وتربية التلاميذ عليها، كالإنصات أثناء التلاوة، والجلوس بتؤدةٍ وسكينةٍ ووقارٍ، والطهارة في المَلبس، والمكان، والبسملة، والاستعاذة في بداية التلاوة، وغيرها من الآداب.
- مراعاة استخدام الأساليب المناسبة لإيضاح الدرس أثناء حَلَقة التلاوة، أو أثناء تعليم درسٍ في التجويد، ومن تلك الأساليب: استخدام الأشرطة، أو القراءات المِثاليّة من قِبل الطلبة المُتميِّزين، أو الصُّحف واللوحات الحائطيّة إن توفّرت، أو استخدام الكُتُب التجويديّة المُختَصّة، كما أنّ على المُعلِّم أن يحرص على استخدام السبّورة في الشرح، والتوضيح لعلامات الإعراب، أو علامات الوَقف، وغيرها.
- تهيئة الجوّ النفسيّ والعاطفيّ للطلبة؛ وذلك من خلال ابتدائِه بالترغيب، والتحبيب، والحَثّ على الآيات بالحِفظ، والعمل، والتلطُّف في طَرح الحوارات مع الطلبة، وقراءة الآيات بطريقةٍ مُتقَنةٍ صحيحةٍ، والتأدُّب بآداب مجالس القرآن، وحُسن الإنصات والسَّماع.[٨]
- الحرص على ترسيخ المفاهيم الإيمانيّة، والمبادئ الإسلاميّة الصحيحة في نفوس طلابه، فيحرص على إذكاء روح المُراقبة، واستشعار أهميّة العبادات بتنوُّعها، والنهوض بنفوس تلاميذه إلى مَرتبة الصالحين، والترفُّع عن النقائص، والمَلذّات الدُّنيوية.[٩]
- التركيزعلى أهميّة الدعاء، والتوجّه إلى الله -تعالى- به.[٩]
- الحرص على على إيضاح مكنونات العبادة في الإسلام، وأنّ الله لم يخلق عباده عَبَثاً.[٩]
ملخص المقال: إنّ تعليم القرآن الكريم شرف كبير، وعرض المقال لطرق تدريس القرآن الكريم بالتفصيل، مع بيان صفات معلم القرآن الناجح، ثم أوصى المقال بعدد من الإرشادات التي تفيد معلم القرآن.
المراجع
- ^ أ ب عبد الرشيد عبد العزيز سالم (1402هـ)، طرق تدريس التربية الإسلامية نماذج لإعداد دروسها (الطبعة الثالثة)، الكويت: وكالة المطبوعات، صفحة 116. بتصرّف.
- ↑ محمود أحمد مروح (2013م)، تدريس التلاوة والتجويد طرائق، أساليب، وسائل، مهارات (الطبعة الأولى)، عمّان: مركز ديبونو لتعليم
- ↑ سورة المزمّل، آية: 4.
- ↑ سورة البقرة، آية: 121.
- ↑ "بعض الطرق المتبعة لتحفيظ القرآن الكريم وتعليمه"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 28/5/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د عبد الرشيد عبد العزيز سالم (1402هـ)، طرق تدريس التربية الإسلامية نماذج لإعداد دروسها (الطبعة الثالثة)، الكويت: وكالة المطبوعات، صفحة 109-111. بتصرّف.
- ↑ "توجيهات عامة حول طرق تدريس القرآن الكريم"، www.alimam.ws، اطّلع عليه بتاريخ 28/5/2020. بتصرّف.
- ↑ محمود أحمد مروح (2013م)، تدريس التلاوة والتجويد طرائق أساليب وسائل مهارات (الطبعة الأولى)، عمّان: مركز ديبونو لتعليم التفكير، ص
- ^ أ ب ت عبدالرشيد عبدالعزيز سالم (1402هـ)، طرق تدريس التربية الإسلامية نماذج لإعداد دروسها (الطبعة الثالثة)، الكويت: وكالة المطبوعات، صفحة 120-121. بتصرّف.