عبدالله بن أبي بكر في الهجرة مواقف مشرفة على خطى الصّديق!

كتابة:
عبدالله بن أبي بكر في الهجرة مواقف مشرفة على خطى الصّديق!

ما هو دور عبدالله بن أبي بكر في الهجرة؟

يعتبر عبد الله بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- من الصحابة المسلمين الأوائل، فما هو دوره في الهجرة؟ وما هي صفاته التي ساعدته على نجاح الهجرة؟ وكيف كانت هجرته؟ كل هذه التساؤلات سيجيب عنها هذا المقال.



حين أرادَ الرسول -عليه الصلاة والسلام الهجرة- إلى المدينة، تطلّب الأمر منه أن يُعطي لكل فرد مُهمّة تتناسب مع الأسس التي وضعها حسب صفاتهم وقدراتهم؛ فكلّ من شارك في هجرته خلّده التاريخ وأصبح اسمه مكتوباً في صفحات المجد.[١]


وقد برز دور عبدالله -رضي الله عنه- العظيم في هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك حين أراد الرسول الهجرة إلى المدينة بعد تلقّي الأذى في مكة يُرافقه فيها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-؛ كما أقام أبو بكر الصديق مع الرسول -عليه الصلاة والسلام في الغار-، وكان دور عبد الله بن أبي بكر في الهجرة عظيماً؛ حيث كان يبات عندهما في الغار ويذهب وقت السّحر.[١]


وكان يُصبح وكأنَّه بات في قريش، وكان يستمع إلى أخباره قريش ويعلم مكائدهم نهارًا، ويأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بما علمه في الليل، ليُحبط لهم مخططاتهم ويدمّر كيدهم، وبذلك ساعد النبي -صلى الله عليه وسلم- في رسم خطة دقيقة للهجرة والتحرّك في الوقت المناسب.[١]



صفات عبدالله بن أبي بكر التي ساعدت في نجاح الهجرة

أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- كلّ فرد دوره المناسب لنجاح هجرته إلى المدينة، وكان سبب اختياره لعبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- أنَّه كان له عين يقظة وأذن واعية، وكان ذو أمانة عالية، وثقة كبيرة، وكما قالت عنه عائشة -رضي الله عنها-: "إنّه شاب ثقفٌ لَقِن"؛ أي أنَّه فاهم لما يسمع، وذو فطنة وذكاء.[٢]



هجرة عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه

كان الصحابي عبد الله بن أُريقط دليل النبي -صلى الله عليه وسلم- في هجرته إلى المدينة؛ فلمّا وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها عاد إلى مكّة وذهب إلى عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- وأخبره بوصول النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر -رضى الله عنه-، فخرج عبد الله -رضي الله عنه- بعيال أبيه بطلب منه، وكان معهم أم رومان، وعائشة، وأسماء بنات أبي بكر -رضي الله عنهم جميعًا- وصحبهم طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- حتى قدموا إلى المدينة.[٣]



أسئلة شائعة من القراء حول عبدالله بن أبي بكر

كثيرًا ما تدور في أذهان النّاس أسئلة عن الصحابي عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه-، ومن الأسئلة الشائعة حوله، ما يأتي:


  • هل روى عبدالله بن أبي بكر أحاديث عن الرسول ؟

لم يكن لعبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- دور كبير في رواية الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يرد عنه إلا حديث واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال البغوي: "لا أعرف عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- أسند غيره".[٤]



والسبب في قلّة روايته لم يُذكر؛ فربّما يكون الباعث في عدم روايته للحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو التقوى والخوف من الله -تعالى- كما هو الحال مع والده أبي بكر -رضي الله عنه- مقارنة بالصحابة المُكثرين في الرواية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ إنَّ عدم ضبط الحديث بشكل دقيق قد يؤدي إلى تحريف كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وقد يكون هذا الخوف دفعه إلى التَّورع عن رواية الحديث.[٤]



والحديث الوحيد المرويّ عنه الحديث التالي: عن عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا بلَغ المرءُ المسلمُ خمسين سنةً صرَف اللهُ عنه ثلاثةَ أنواعٍ مِنَ البَلاءِ الجنونَ والجُذامَ والبَرَصَ، فإذا بلَغ ستِّين رزَقه اللهُ الإنابةَ إليه، فإذا بلَغ سبعين سنةً مُحِيَتْ سيِّئاتُه وكُتِبَتْ حسناتُه، فإذا بلَغ تسعين سنةً غفَر اللهُ له ذنبَه ما تقدَّم منه وما تأخَّر وكان أسيرَ اللهِ في الأرضِ وشفيعًا لأهلِ بيتِه).[٥]



  • ما المعارك التي شهدها عبدالله بن أبي بكر؟

لم يُسمع عن عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه شهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- غير:[٦]

  • الفتح.
  • وحنين.
  • والطائف، وهي الغزوة التي استشهد فيها.



  • كيف استُشهد عبدالله بن أبي بكر؟

لقد نال عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- شرفًا عظيمًا بأن كان أحد المسلمين الأوائل، ولقد حاز شرف صحبة النّبي -صلى الله عليه وسلم-، وحاز شرف الشّهادة، وهي أجلّ الأعمال وأعظمها عند الله -تعالى- ، فكانت شهادته بإصابة من سهم في الطائف.[٧]



وبحسب ما جاء في الرواية الواردة في استشهاده في غزوة الطائف: "أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نصَب المنجنيق على أهل الطائف، وقذَف به القذائف، حتى وقعتْ شدخة في جدار الحصن، فدخَل نفرٌ من المسلمين تحت دبابة، ودخلوا بها إلى الجدار ليحرقوه، فأرَسل عليهم العدو سككَ الحديد مُحماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرموهم بالنَّبل وقَتَلوا منهم رجالاً، وأُصيب عبدالله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- بسهم في جسده".[٧]



وبعد إصابة عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- قدم وفد من ثقيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألهم أبو بكر -رضي الله عنه-: "هل فيكم من يعرف هذا السهم؟ فقال سعيد بن عبيد: أنا بريته ورميته به، فقال: الحمد لله أكرم عبد الله بيدك ولم ينهك بيده"، وقيل إنَّه مات بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعين ليلة، وقيل أيضًا إنَّه أصابه حجر في حصار الطائف ومات شهيدًا منه،[٨] روى الذهبي عن القاسم بن محمد بإسناد ضعيف :(رُمِيَ عبدُ اللهِ بنُ أبي بكر بسهمٍ يومَ الطائفِ فانتُقِضَتْ به بعدَ وفاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأربعين ليله فماتَ).[٩]



  • ما قصة عبدالله بن أبي بكر وعاتكة؟

تزوّج عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- من عاتكة بنت زيد بن عمرو، وكانت عاتكة زوجة عبد الله بن أبي بكر امرأة ذات خلق وجمال، وأحبّها عبد الله -رضي الله عنه- حُباً شديدًا، حتى أشغلته عن أموره الأخرى مثل الغزو وهكذا، فأمره أبو بكر -رضي الله عنه- أن يطلّقها فطلّقها،[١٠] ثم ندم على طلاقها فكتب فيها أبيات من الشعر، وفيما يلي شعر عبد الله بن أبي بكر في عاتكة :


أَعَاتِكُ لَا أَنْسَاكِ مَا ذَرَّ شَارِقٌ

                 وَمَا نَاحَ قُمْرِيُّ الْحَمَامِ المُطَوَّقُ  

أَعَاتِكُ قَلْبِي كَلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ

                   إِلَيْكِ بِمَا تُخْفِي النُّفُوسُ مُعَلَّقُ  

وَلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ الْيَوْمَ مِثْلَهَا

                  وَلا مِثْلَهَا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلَّقُ  

لَهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَرَأْيٌ وَمَنْصِبٌ

                وَخَلْقٌ سَوِيٌّ فِي الْحَيَاءِ وَمَصْدَقُ 


فرقّ قلب أبي بكر -رضي الله عنه- فأمره بإرجاعها، فأرجعها وقال أبيات الشعر الآتية:


أَعَاتِكُ قَدْ طُلِّقْتِ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ

                   وَرُوجِعْتِ لِلأَمْرِ الَّذِي هُوَ كَائِنُ  

كَذَلِكِ أَمْرُ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحٌ

                        عَلَى النَّاسِ فِيهِ أُلْفَةٌ وتَبَايُنُ 

المراجع

  1. ^ أ ب ت منير غضبان، كتاب فقه السيرة النبوية، صفحة 335. بتصرّف.
  2. مثنى علوان الزيدي، "الهجرة وأسس اختيار الأفراد فيها "، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 2\8\2021. بتصرّف.
  3. الطبري، أبو جعفر، كتاب تاريخ الطبري ، تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري، صفحة 601. بتصرّف.
  4. ^ أ ب نضال عباس دويكات (10\5\2012)، "الشهيد ابن الصديق عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما "، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2\8\2021. بتصرّف.
  5. رواه الهيثمي، في مجمع الزائد، عن عبد الله بن أبي بكر، الصفحة أو الرقم:209، فيه نظر.
  6. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، صفحة 874. بتصرّف.
  7. ^ أ ب نضال عباس دويكات (10\5\2012)، "الشهيد ابن الصديق عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما "، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2\8\2021. بتصرّف.
  8. ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، صفحة 25. بتصرّف.
  9. رواه الذهبي، في المهذب، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، الصفحة أو الرقم:3629، إسناده ضعيف.
  10. "أمر الأبوين أو أحدهما بتطليق امرأة ابنهما"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 2\8\2021. بتصرّف.
5219 مشاهدة
للأعلى للسفل
×