محتويات
إسلام ابن مسعود
هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي حليف بني زهرة، وكان من أوائل المسلمين؛ فهو سادس المسلمين، وهاجر إلى الحبشة مرتين، وشهد غزوة بدر، والمعارك والغزوات مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وما تخلف عن غزوة معه ولا تخاذل عنه في أي مشهد أو واقعة.[١]
وعُرف بأمانته قبل إسلامه، وهو يرعى الغنم لابن أبي معيط، وأسلم عبد الله بن مسعود عندما رأى معجزة من معجزات النبي الكريم عندما مسح على ضرع شاةٍ جذعة صغيرة؛ فامتلأ الضرع باللبن فاحتلبها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فشرب منها النبي وأبو بكر وابن مسعود.[١]
وكان أفقه الصحابة وأقرأهم للقرآن وأحفظهم، مسح النبي على رأسه وقال له "إنك غلام معلّم"، وطلب العلم والقرب من النبي -صلى الله عليه وسلم- كما طلب علم القرآن، وعمل لذلك فكان له ما أراد فغدا عالماً وفقيهاً ومُقرئاً.[١]
صفات ابن مسعود
كان عبد الله ابن مسكود رَقِيق البِنْيَة، نَحِيل الساقين، قامته قصيره، لم يكتسِ بكثير من اللحم، طيب الرائحة نظيف الملبس، لكنه بالإيمان القوي، واليقين الراسخ تكاملت في نفسه التقوى فكان الأقرب إلى الله -تعالى-، وقد ضحك بعض الصحابة مزاحاً ذات مرة من دقة ساقيْهِ؛ فبشّره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّهما عند الله أثقل في الميزان من جبل أُحد.[٢]
قربه من الرسول
بلغ الفضل والمنزلة بقربه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحمله لنعليه وسواكه ووسادته، ولازمه في المحل والسفر، فكان واحداً من أهل النبي -صلى الله عليه وسلم- بشهادة الصحب الكرام، ولُقب بصاحب السواد؛ لِما كان يكتم من سرِّ النبي -صلى الله عليه وسلم-.[٣]
ورفع الله قدره وأعلى شأنه، وكان أقرب الصحابة هدياً وسمتاً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، كما قال عنه ذلك الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: "ما أعرف أحدًا أقرب سمتًا وهديًا ودلًّا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم من ابن أمِّ عبد".[٣]
علم ابن مسعود
تلقى القرآن من فيِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بلغت سبعون سورة كما يروي عن نفسه، بلغ بهنّ المكانة والمنزلة في القراءة والإقراء، وكان من أعلم وأبرع الصحابة في الحديث والقرآن، فاختصه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأحد الأربعة المقرئين من الصحابة، مع أُبَيْ بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، فقد كان يقرأ القرآن غضاً ليناً كما أُنزل.[٤]
وكان أعلم الصحابة بالقرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وما أُنزلت سورة إلا ويعلم في أي مكان نزلت، وما نزلت آية إلا ويعلم فيمن أُنزلت، ومع ذلك تواضع لعلمه، وكان حسن الصوت نديَّاً بالقرآن، يُسمع له دويٌ كدوي النحل في صلاته وقيامه بالليل، رجلٌ أَسيْفٌ بَكاءٌ من خشية الله، له خطين أسودين على وجنتيه من كثرة بكائه وخشيته.[٤]
شجاعة ابن مسعود
جسمه الضعيف وساقيه الدقيقتين لم يكونا بالقدر الكافي من الضعف حتى يمتنع عن الجهر بالقرآن في بطحاء مكة، متحدياً مجموع الكفر والشرك قبل الهجرة، فكان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله بفاتحة سورة الرحمن، حتى اجتمعوا فانهالوا عليه ضرباً فأبرحوه، محتسباً لله ومتوعداً بمثلها في الغداة.[٥]
وكان له السبق في الإجهاز على رأس الكفر والشرك أبي جهل في غزوة بدر، فمات أبو جهل تحت قدمي ابن مسعود -رضي الله عنه-، فكان رجلاً مقداماً في الحق شجاعاً على الباطل رغم ما فيه من حال.[٥]
ابن مسعود سفيراً
بعثه الفاروق عمر معلماً ومربياً وفقيهاً إلى الكوفة وقاضياً، ليُحدث الحديث ويُقرأ القرآن، فعلّم وأثَّر واقتدى بهديِّ النبي الكريم في الصلاة والعبادة والعلم والقرآن،[٥] أخذ عنه قراءة القرآن أبي عبد الرحمن السلمي ومن ثم عاصم ثم حفص وهي القراءة المشهورة في بلاد المسلمين، وأوصى الوصايا النافعة التي ظلّت خالدة للتاريخ يقتدي بها المسلمون.[٦]
حكمة ابن مسعود
كان رجلاً عظيما واعظاً ذو حكمة ورأي سديد، لم يكن يرى العلم بمن هو أكثر رواية للحديث والعلم، ولكن كان يراه بمن هو أخشى وأتقى، يرى الإنسان بأنه ضيف في الدنيا وماله أمانة عنده، فالضيف إلى رحيل والأمانة إلى أصحابها، والليل والنهار عنده ممر، والأعمال إلى الله هي المفر والمزرع.[٥]
ولكلٍ ما زرع؛ فإن كان خيراً فهو خير، وإن شر فهو ما كان، المتقون عنده أسياد، والفقهاء عنده هم القادة، وفي مجالستهم يكون الإيمان، فأكثر ما كان يكره ابن مسعود الرجل التافه الفارغ، ليس له عمل في الدنيا ولا عمل للآخرة، ويرى في الصلاة قرع لباب الملك، ومن أكثر قرع الباب كاد أن يفُتح له.[٥]
أمنيته في تبوك
عبد الله ابن مسعود لم يكن يطمع في دنيا ولا مغنم ولا في منصب ولا رفعة، فمن أمنياته -رضي الله عنه- في غزوة تبوك لما دَفن النبي ذو البجادين وترضى عنه، تمنى أن يكون مكانه ليحظَ بدعاء النبي الكريم والرضا عنه وعليه، فأقصى ما تمنى ابن مسعود مرافقة النبي الكريم في الجنة.[٧]
وابن مسعود لم يكن صاحب مال ولا جاه، فمنحه الإسلام التقوى لما دخل الإيمان قلبه، واستغنى بالله لمّا جمع كسرى وقيصر الكنوز، فكانت إرادته وعزيمته القوية التي ساهمت في تغيير مجرى التاريخ، ولمّا ترك ما يَفنى في الآخرة وتقرب من الرسول الكريم استحق أن يذكره التاريخ ويصبح رمزاً من رموز الدنيا وألا يدركه أحدٌ من الأعلام.
وفاة ابن مسعود
مرض ابن مسعود في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان، وعاده الصحابة والتابعين وعلى رأسهم عثمان، وهو على فراش الموت ما شكى من المرض إلا ذنوبه، وما اشتهى لحظتها إلا رحمة ربه، فتوفِّيَ ابن مسعود -رضي الله عنه ودفن في البقيع.[٤]
وذلك عام اثنين وثلاثين، وقيل: ثلاث وثلاثين للهجرة، بعد أن قضى عمراً مباركاً ساهم فيه بالعلم الغزير والفقه الواضح والقراءة الغضة، تتغنى بسيرته الأجيال إلى يوم الدين، وتقتدي أثره بالقرآن، كما بنى للدين صرحاً متيناً.[٣]
المراجع
- ^ أ ب ت مناع القطان، تاريخ التشريع الإسلامي، صفحة 248- 249. بتصرّف.
- ↑ "أتعجبون من دقة ساقيه؟"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 20/7/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "عبد الله بن مسعود"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 20/7/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "مقتطفات من سيرة عبدالله بن مسعود "، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20/7/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ابن عساكر، تاريخ دمشق لابن عساكر، صفحة 53- 54. بتصرّف.
- ↑ غانم قدورى، محاضرات في علوم القرآن، صفحة 155. بتصرّف.
- ↑ "دروس من غزوة تبوك"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 20/7/2022. بتصرّف.