عدد المسلمين في غزوة تبوك

كتابة:
عدد المسلمين في غزوة تبوك

عدد المسلمين في غزوة تبوك

كانت غزوة تبوك آخر غزوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمشهور من الأقوال أن عدد جيش المسلمين في غزوة تبوك كان أكثر من ثلاثين ألف مُقاتلٍ، وكان معهم عشرة آلاف فرس، وذكر ابن خلدون -رحمه الله- أنّ عدد المسلمين المُشاركين فيها بلغ مئة ألفَ مُقاتلٍ وعشرة آلاف من مُضر وقحطان. وهناك صحابة لم يخرجوا مع رسول الله وجيشه لكنّهم لحقوا بهم وأدركوهم، منهم أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-، وكان تأخّره بسبب بُطْء بعيره، أما أبو خيثمة مالك بن قيس الأنصاري فقد تأخّر وتخلّفه عن القتال إلا أنّه لحق بجيش المسلمين.[١][٢]


وقيل إنّ عددهم أكثر من عشرة آلاف، فقد ورد عن زيد بن ثابت أنّهم كانوا ثلاثين ألفاً، وقال ابن اسحاق والحاكم بأنّهم أكثر من ذلك، وذهب أبو زرعة الرازي إلى أنّهم بلغوا أربعين الفاً، ورغم تعدّد الأقوال بعدد المسلمين إلا أنّ أهل العلم اتّفقوا على أن غزوة تبوك هي الغزوة التي شارك فيها أكبر عددٍ من المسلمين مع رسول الله، مُستدلّين بحديث كعب بن مالك -رضي الله عنه-، حيث قال: (وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بنَاسٍ كَثِيرٍ يَزِيدُونَ علَى عَشَرَةِ آلَافٍ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانُ حَافِظٍ).[٣][٤]


دعا الرسول -عليه السلام- المسلمين للخروج معه، وقد وقعت غزوة تبوك في وقتٍ ضيقةٍ وعسرٍ وحرٍ شديد، فاستجاب له المسلمون المؤمنون إلا عدداً قليلاً من الصحابة تخلّفوا عنها، وتخلّف أيضاً عددٌ من المنافقين عن هذه الغزوة، وكانوا بذلك قد كُشفوا وفُضِح أمر نفاقهم، ودعا -عليه السلام- الأغنياء للتصدّق لتجهيز الجيش، فاستجاب أصحاب رسول الله وتبرّع أبو بكر بكل ماله، وعمر بن الخطاب بنصف ماله، وعثمان بن عفان بالكثير من المال وجهّز ثلث الجيش. فخرج الرسول مع جيش المسلمين -وكان من أعظم الجيوش التي شهدتها العرب آنذاك- مُتّجهين إلى تبوك، وأقاموا فيها نحو عشرين ليلة، وقد أنزل الله -تعالى- بعد غزوة تبوك آياتٍ يُبشّر بها عباده المسلمين الذين شاركوا والذين قد تخلّفوا منهم بأنه تاب عليهم برحمته وعطفه، كقوله -تعالى-: (لَقَد تابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ والمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ ما كادَ يَزيغُ قُلوبُ فَريقٍ مِنهُم ثُمَّ تابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَءوفٌ رَحيمٌ).[٥][٦]


عدم خروج بعض المسلمين إلى غزوة تبوك

وقعت غزوة تبوك خلال ظروفٍ صعبةٍ حلّت بالمسلمين، فقد كانوا يُعانون من قلّة الموارد الماديّة وظروف الجو في حرٍ شديد؛ وبسبب ذلك تخلّف عددٌ من المسلمين عن هذه الغزوة، وقد ذكر كعب بن مالك -رضي الله عنه- أصنافاً من المُتخلّفين عن القتال بقوله: (أحْزَنَنِي أنِّي لا أرَى إلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عليه النِّفَاقُ، أوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ)،[٧] وكان هناك صحابةٌ لم يحضروا المعركة بأمرٍ من رسول الله مثل؛ عليّ بن أبي طالب، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنهم-، ومنهم من لم يستطع المشاركة في الغزوة؛ لقلّة حيلتهم الماديّة والبدنيّة، وقد عذرهم رسول الله، وقد تخلّف عن هذه الغزوة أيضاً المنافقون الذين كانوا يُظهرون عكس ما يُضمرون وهناك من عصى أمر رسول الله من الصحابة بلا سبب وعذر؛ وهم كعب بن مالك واثنين من الصحابة، وأمر رسول الله أهل المدينة بعدم محادثة من تخلّف بلا سببٍ أو إذنٍ حتى يأتيهم العفو من الله -تعالى- عنهم.[٨]


وعند عودة الرسول للمدينة سارع المُتخلّفين من المنافقين باختلاق الأعذار الكاذبة؛ لينالوا العفو من رسول الله، ونزل فيهم الكثير من الآيات التي تكشف نفاقهم وكذبهم كقوله -تعالى-: (يَعتَذِرونَ إِلَيكُم إِذا رَجَعتُم إِلَيهِم قُل لا تَعتَذِروا لَن نُؤمِنَ لَكُم قَد نَبَّأَنَا اللَّـهُ مِن أَخبارِكُم وَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ ثُمَّ تُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ)،[٩] وقوله -تعالى-: (وَمِمَّن حَولَكُم مِنَ الأَعرابِ مُنافِقونَ وَمِن أَهلِ المَدينَةِ مَرَدوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدّونَ إِلى عَذابٍ عَظيمٍ).[١٠][١١]


البشارة بتوبة الله على المتخلفين من الصحابة

تخلّف كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع بلا سبب، وذهبوا إلى رسول الله واعتذروا منه، وأخبروه وصارحوه بأنّهم تخلّفوا بلا عُذرٍ، فتأخّر الحكم بقبول توبتهم، أمّا كعب بن مالك فقد عزم على الذهاب مع المسلمين، وكان ينوي اللّحاق بهم إلا أنه تباطأ، فبقي في المدينة، فلما عاد الرسول ذهب اليه كعب بن مالك وقد روى ماحصل مُخاطباً رسول الله: (لَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لَأَرْجُو فيه عَفْوَ اللَّهِ، لا واللَّهِ، ما كانَ لي مِن عُذْرٍ، واللَّهِ ما كُنْتُ قَطُّ أقْوَى، ولَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أمَّا هذا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ)،[٧] وكان حال كل من مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي كحال كعب بن مالك.[١١]


وقد أمر الرسول الناس بمقاطعتهم حتى يقضيَ الله بأمرهم، وقد مضى على ذلك أربعين ليلة، ثم أمرهم الرسول باعتزال نسائهم ففعلوا، وبعد عشرة أيامٍ أخرى من الانتظار جاءت البُشرى له ولصاحبيه، فخرَّ كعب ساجداً شاكراً لله -تعالى- حينما سمع خبر التوبة، وأسرع الى رسول الله، إذ روى كعب: (فَلَمَّا سَلَّمْتُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وهو يَبْرُقُ وجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: أبْشِرْ بخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ ولَدَتْكَ أُمُّكَ)،[٧] وقد نزل الحكم في قبول توبتهم بعد خمسين ليلة من الانتظار في قوله -تعالى-: (لَقَد تابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ ما كادَ يَزيغُ قُلوبُ فَريقٍ مِنهُم ثُمَّ تابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَءوفٌ رَحيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ).[١٢][١١]


وآخرون ندموا بسبب تخلُّفهم عن القتال ندماً شديداً كأبي لُبابة وسبعة غيره، فربطوا أنفسهم بسور المسجد ولم يبرحوا أماكنهم، وأصرّوا على البقاء على حالهم حتى يعفوا الله ورسوله عنهم، ولم يرضَ رسول الله أن يعفوا عنهم حتى يتوب الله عليهم، وقد نزل فيهم قوله -تعالى-: (وَآخَرونَ اعتَرَفوا بِذُنوبِهِم خَلَطوا عَمَلًا صالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّـهُ أَن يَتوبَ عَلَيهِم إِنَّ اللَّـهَ غَفورٌ رَحيمٌ)،[١٣] فلمّا أتى العفو عنهم أطلقهم رسول الله، فسارعوا للتصدّق بالمال تكفيراً عما بدر منهم من ذنبٍ، ولم يقبلها رسول الله حتى نزل قول -تعالى-: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها).[١٤][١١]


سبب وقوع غزوة تبوك

كان من أسباب وقوع غزوة تبوك امتثال أمر الله -تعالى- لمّا أنزل الآيات التي تحثّ على الجهاد، كقوله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قاتِلُوا الَّذينَ يَلونَكُم مِنَ الكُفّارِ وَليَجِدوا فيكُم غِلظَةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ المُتَّقينَ)،[١٥] وبسبب هذا الأمر قرر الرسول -عليه الصلاة والسلام- الذهاب لمقاتلة الرّوم؛ لأنّهم الأقرب في ذلك الحين إلى ديار الإسلام وأهله؛ وبذلك تكون لهم الأولوية في الدعوة للدين الاسلامي.[١٦][١٧] وقال ابن سعد في طبقاته إنّ سبب غزوة تبوك كان وصول أخبار للمسلمين بأنّ هرقل ملك الروم يستعدّ لغزوهم، وقد تحالف مع الغساسنة والقبائل العربية المجاورة، فتجهّز الرسول والمسلمون جميعاً وخرجوا لقتالهم.[١٨]


نتائج غزوة تبوك

لما وصل المسلمون إلى تبوك عسكروا فيها، ولم ينزل الأمر بالقتال بعد، فشاور الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه إما بمقاتلتهم أو الرّجوع إلى المدينة، وقد كانت الغلبة للمسلمين بشكلٍ معنوي، وقد أخذوا بالرأي الثاني، وكانت غزوة تبوك قد خلت من أيِّ قتال ولكنها تركت آثاراً معنويةً في قلوب المسلمين وغيرهم، وتوضيح نتائج هذه الغزوة فيما يأتي:[١٩][٢٠]

  • نزول المطر بفضل دعاء النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وإمداد الله -تعالى- عباده بالطعام الكثير عندما كانوا بأمسّ الحاجة إليه.
  • تحالف المسلمين مع عددٍ من القبائل العربية التي كانت تابعةً لحكم الروم عند الحدود الشمالية التي تربط شبه الجزيرة العربية ببلاد الشام.
  • قبول القبائل بإعطاء الجزية، وإطلاق عليهم اسم أهل الذمة حينما كتب لهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بواسطة شرحبيل بن حسنة وجَهيم بن الصلت، ومن هذه القبائل؛ أهل أيلة، وأهل جرباء، وأهل أذرح، وأهل مقتا.
  • اقتناع المسلمين بقدرتهم على هزيمة قوةٍ كبيرة مثل قوة الروم أدّى لارتفاع معنوياتهم وإقرار الجميع بقوّتهم العسكريّة.
  • إقبال الكثير من القبائل العربية إلى المدينة المنورة قاصدين رسول الله؛ وذلك لإعلان إسلامهم، وكانوا يحضرون بأعدادٍ كثيرة؛ فسُمّي هذا العام بعام الوفود.


المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، المملكة العربية السعودية - جدة: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 391، جزء 1. بتصرّف.
  2. ابن خلدون (1988م)، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر (الطبعة الثانية)، لبنان - بيروت: دار الفكر، صفحة 204، جزء 1. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2769، صحيح.
  4. أكرم العمري (1994م)، السيرة النبوية الصّحيحة محاولة لتطبيق قوَاعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية (الطبعة السادسة)، المملكة العربية السعودية - المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، صفحة 531، جزء 2. بتصرّف.
  5. سورة التوبة، آية: 117.
  6. مصطفى السباعي (1985م)، السيرة النبوية - دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، لبنان: المكتب الإسلامي، صفحة 104-105. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4418، صحيح.
  8. موسى العازمي (2011م)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، الكويت: المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 350-352، جزء 4. بتصرّف.
  9. سورة التوبة، آية: 94.
  10. سورة التوبة، آية: 101.
  11. ^ أ ب ت ث محمد أبو شُهبة (1427هـ)، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة (الطبعة الثامنة)، سوريا - دمشق: دار القلم، صفحة 510-516، جزء 2. بتصرّف.
  12. سورة التوبة، آية: 117-118.
  13. سورة التوبة، آية: 102.
  14. سورة التوبة، آية: 103.
  15. سورة التوبة، آية: 123.
  16. صالح عبد الواحد (1428ه)، سُبُل السَّلام مِن صَحيح سيرة خَير الأنَامِ عَليه الصَّلاة وَالسَّلام (الطبعة الثانية)، الأردن - عمّان: الدار الأثرية، صفحة 525، جزء 1. بتصرّف.
  17. ابن كثير (2003م)، البداية والنهاية (الطبعة الأولى)، صفحة 144-145، جزء 7. بتصرّف.
  18. موسى العازمي (2011م)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، الكويت: المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 274، جزء 4. بتصرّف.
  19. أحمد غلوش (2004م)، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الأولى)، لبنان - بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ، صفحة 624-625. بتصرّف.
  20. محمود خطاب (1422ه)، الرسول القائد (الطبعة السادسة)، لبنان - بيروت: دار الفكر، صفحة 417-418. بتصرّف.
5733 مشاهدة
للأعلى للسفل
×