محتويات
عطف عبد الله بن عمر على المساكين
كان لِعبد الله بن عُمر -رضي الله عنه- الكثير من المواقف التي تُبيِّن عَطفهُ على المساكين، وفيما يأتي في المقال ذكرٌ لأهمّ هذه المواقف.
الإقبال عليهم ودعوتهم ومجالستهم
كان عبد الله بن عُمر -رضي الله عنه- جواداً كريماً على المساكين، ولم يكُن ذلك بُغيةَ الظهور والمُفاخرة، ونادراً ما كانَ يأكُلُ وحده بل يُطعِمُ معه اليتامى والفقراء، فيُقبِلُ عليهم ويأخُذهم معهُ إلى بيته، حتى أنَّه كان يُعاتِبُ بعض أبنائه إن هُم أقاموا الولائمَ للأغنياءِ دونَ الفُقراء، فيقول: "تدْعُون الشِّباع وتدَعُونَ الجِياعَ؟"[١] وبقيَ عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- لا يأكلُ إلّا مع الفقراء والمساكين؛ حتى أضرَّ ذلك بجسمه، وأرسلَ ذاتَ يومٍ إلى يتيمٍ ليأكُلَ معهُ فلم يجده، فاحتفظ بحصَّته حتى جاءه وأعطاهُ إياها،[٢] وكان سبب ما سبق من عدم تناول طعامه إلا معهم؛ لأنَّه كان يقول: لعلَّ أَحَدَهُم يكونُ ملكاً يوم القيامة، ولمعرفته فضل ومنزِلة الفقراء والمساكين، كما في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قُمْتُ علَى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَن دَخَلَهَا المَسَاكِينُ).[٣][٤]
كثرة الإنفاق عليهم
كان عبدُ الله بن عُمر -رضي الله عنه- كثير الإنفاق في سبيل الله، فقد أنفق في مجلسٍ واحد اثنان وعُشرين ألفاً، وأعتق في حياته أكثر من ألفِ عبدٍ، وجاء عن نافعٍ أنّ عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- جاءه مئة ألفٍ، فأنفقها قبل أن يَحُولَ عليها الحَول، وكُلَّما كان الشيء غالياً عليه كُلَّما أكثر من الإنفاقِ منه؛ تطبيقاً لِقولهِ -تعالى-: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)،[٥] وكان يتصدّق بأحب الأشياء إلى قلبه، وبالسُكَّر الذي هو أحبُّ الطَّعام إليه، وعَرَف ذلك رقيقه، فأخذوا يلزمون المسجد، وعندما رآهم ابن عمر -رضي الله عنه- على هذه الحال الحسنة أعتقهم، حتى قيل له إنهم يخدعونه بذلك، فيقول: من خدَعَنا بالله -تعالى- انخدعنا له،[٦] وجاء عنه أنّهُ باعَ أرضاً له بمئتي ناقةٍ، فوضع منها مئةً في سبيل الله -تعالى-.[٧]
يُجيب المحتاجين ولا يَردُّهم
كان ابنُ عمر -رضي الله عنه- لا يردُّ أحداً، فيأتيهِ المجذومُ فيأكُلُ معه ويدهُ تسيلُ دماً، ولمّا أُهديَ إليهِ جوارش؛ وهو دواءٌ يهضِمُ الطعامَ، قال عن نفسه: إنّهُ لم يملأ بطنهُ مُنذُ أربعين سنةً، فلا حاجة له به. وذات يومٍ جاءه عبدٌ له يخبره أنَّ أصحاب نجدٍ أخذوا إبِلَهُ التي كان يرعاها العبد، فقال له: كيف أخذوا الإبل وتركوك؟ فأجابه العبد أنَّه هرب منهم، ولمَّا سأله عن السبب قال له: إنَّه أحَبُّ إليه منهم، فأعتقهُ عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- بذلك.[٨]
الزُّهد والتَّشبُّه بالمساكين
كان ابنُ عُمر -رضي الله عنه- كثير التَّشبُّه بالفُقراء والمساكين، فكان ثوبه خَشِناً، ولايلبس الثَّوب الجميل؛ خوفاً من أن يجعلهُ ذلك مختالاً فخوراً، ودخل عليه ذات يومٍ رَجُلٌ يُسمَّى ميمون فقال: قوَّمتُ ما عِندهُ من فراشٍ، ولحافٍ، وبساطٍ، وكُلَّ شيءٍ، فما وجدتُّها تُساوي مئة درهمٍ، وليس ذلك لفقرهِ، فقد كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- غنيَّاً؛ ولكن لكثرةِ زُهدهِ في الدُنيا وهوانِها عِندهُ، وورعهِ وصدقهِ.[٩]
وقال له بعض أصحابه أن يُلطّفهُ أهله بالطعام عندما يرجع إليهم؛ لِكبر سنِّه، وحتى يعرفهُ النَّاس، حيث إنّ جسمه صار ضعيفاً ونحيلاً، فقال لهم: والله ما شبعتُ مُنذُ إحدى عشرة سنةً، ولا اثنتي عشرة سنةً، ولا ثلاث عشرة سنةً، ولا أربع عشرة سنةً مرةً واحدةً،[١٠] وعلى الرَّغم من كرمهِ وزُهده لم يتكبَّر أو يغترَّ بنفسه، وكان يقول: "لو علمتُ أنّ الله -تعالى- تقبَّل مني سجدةً أو صدقة درهمٍ لكان الموتُ أحبُّ إليَّ، والله -تعالى- يتقبَّلُ من المُتَّقين".[١١]
التعريف بعبدالله بن عمر
هو عبدُ الله بن عُمر بن الخطَّاب القُرشيِّ العدويِّ -رضي الله عنه-، وأمّهُ زَينب بنتُ مظعون بن حبيب الجُمحيّة، وُلد بعد بِعثة النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- بعشر سنين، أسلَمَ مع أبيه وهو صغيرٌ قبل أن يَبلُغ، وردَّهُ النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- في غزوتَي بدرٍ وأُحدٍ لِصِغَر سنِّه، وأوَّل غزوةٍ شهدها هي غزوة الخندقِ، ثُمَّ مؤتةَ، واليرموكَ، وفَتحُ مِصرَ، وإفريقيةَ، وكان يُكثر من اتِّباعِ سنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان كثير الصَّلاح والتَّقوى، وكان من أئمَّة المُسلمين، ويفتي للنَّاس في المواسم، كما كان كثير الحجِّ والصَّدقةِ، شديد الورع، هيِّنٌ، ذو وجهٍ طَلِقٍ، ليِّن الكلام، وتوفيَّ في السَّنة الثالثةِ والسبعين للهجرة، وهو ابنُ ستٍ وثمانين سنةً، وقيل أربعٌ وثمانون، ودُفن بالمحصب، وقيل: بذي طوى،[١٢] وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- كثير العِبادة، والصَّلاة، وقيام اللّيل، والدُعاء، والخوف من الله -تعالى-.[١٣]
المراجع
- ↑ خالد محمد (2000)، رجال حول الرسول، بيروت - لبنان: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 76. بتصرّف.
- ↑ علي الطنطاوي، ناجي الطنطاوي (1983)، أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر (الطبعة الثامنة)، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 445. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ظأُسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 2736، [صحيح].
- ↑ زين الدين بن الحسن، الحنبلي (2004)، مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي (الطبعة الأولى)، القاهرة: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر ، صفحة 58، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 92.
- ↑ محيي الدين مستو (1992)، عبد الله بن عُمر رضي الله عنه المؤتسي برسول الله صلى الله عليه وسلم (الطبعة الخامسة)، دمشق: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 194-200. بتصرّف.
- ↑ علي الطنطاوي، ناجي الطنطاوي (1983)، أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر (الطبعة الثامنة)، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 443. بتصرّف.
- ↑ أحمد الأصفهاني (1996)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، بيروت: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع، صفحة 300، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ خالد محمد (2000)، رجال حول الرسول، بيروت: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع، صفحة 77. بتصرّف.
- ↑ أحمد الأصفهاني (1996)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 299، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محيي الدين مستو (1992)، عبد الله بن عُمر رضي الله عنه المؤتسي برسول الله صلى الله عليه وسلم (الطبعة الخامسة)، دمشق: دار القلم، صفحة 202. بتصرّف.
- ↑ علي بن أبي الكرم، عز الدين ابن الأثير (1994)، أسد الغابة في معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 336، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ علي الطنطاوي، ناجي الطنطاوي (1983)، أخبار عُمر وأخبار عبد الله بن عُمر (الطبعة الثامنة)، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 435. بتصرّف.