الوالدان
لا بمكنُ أن يتخيّل الإنسان في حياته بكلِّ مراحلها الطفولة والشباب والكهولة قلبًا أحنَّ عليه من قلب أمِّه وأبيه، فالوالدان هما أعظم هِبة روحيّة حباها الله تعالى للناس، ليشعرَ الابن بكمية الدفء الهائلة التي يتلقاها من أبويه قبل أن يكبر ويشبَّ ويدخل مرحلة الأبوّة أو تدخل البنت مرحلة الأمومة فتشعر بالسعادة العارمة التي يعشيها الوالدان أثناء تربية أولادهما، فهذه الحياة مبنية على هذه الدورة الأساسيّة التي سيعيشها كلُّ الناس في الغالب، ولهذا أولى الإسلام الوالدين أهمية كبيرة جدًّا، وهذا المقال سيسلّط الضوء على عقوبة عقوق الوالدين في الإسلام وعلى فضل برِّ الوالدين أيضًا.
عقوبة عقوق الوالدين في الإسلام
إنَّ معنى كلمة العقوق في اللغة هو عدم الطاعة، وهي كلمة مشتقة من العق، والعق هو الشق أو القطع، فإذا قيلَ عقَّ فلان والديه أي قطع صلته بهما، والعقوق في الإسلام هو ضد البر، والبِرٌّ بكسر الباء هو الإحسان للوالدين، وقد جاء في كتاب الله العزيز في سورة الإسراء: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [١]، وأمَّا عقوبة عقوق الوالدين في الإسلام فإنَّ العقوق يعتبر من كبائر الذنوب في الإسلام، وهو من الذنوب التي يعجل الله تعالى العقوبة لمرتكبها في الدنيا إضافة إلى ما ينتظر العبد في الآخرة، وهذا ما أشار إليه حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين قال: "اثنانِ يُعجِّلُهما اللهُ في الدنيا: البغيُ، وعقوقُ الوالدَينِ" [٢] فالبغي وعقوق الوالدين من الذنوب التي يعجلُ الله تعالى العقوبة لمرتكبها في الحياة الدنيا، والله أعلم. [٣]
وجدير بالذكر إنَّ التوبة والبرُّ هي من أهم الأشياء التي يجب أن يلجأ إليها العاق الذي أراد أن يرجع عن ذنبه ومعصيته، فكلُّ إنسان بما عمل رهين، قال تعالى في القرآن الكريم: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [٤]، فلا بدَّ من التوبة والندم والبرُّ والإحسان للوالدين، قال تعالى في سورة النساء: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا...} [٥]، والله تعالى أعلم. [٦]
فضل بر الوالدين
يمكن تعريف البر في الإسلام على أنَّه الإحسان، والبرُّ أيضًا هو العطاء والمنح، وبرُّ الوالدين هو الإحسان إليهما كما وردَ سابقًا، ويعتبر برُّ الوالدين من أعظم الأعمال التي حثَّت عليها السنة النبوية الشريفة، فمما وردَ في السنة:
- جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنَّه قال: "سألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ على وقتِها، قلتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثمَّ برُّ الوالدينِ، قلتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثمَّ الجهادُ في سبيلِ اللهِ، قالَ: حدَّثَني بهنَّ، ولوِ استزدتُهُ لزادَني" [٧]
- قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- في الحديث: "لا أعلم عملًا أقربَ إلى الله عز وجل من برِّ الوالدة" [٨] وقد وردت في القرآن الكريم كثير من الآيات القرآنية التي حثَّ الله تعالى فيها عباده على البرِّ والإحسان للوالدين، وهذه الآيات تدلُّ على فضل برِّ الوالدين في الإسلام وضرورة الالتزام به، ومما جاء:
- قال تعالى في سورة العنكبوت: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [٩].
- وقال تعالى في كتابه العزيز: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [١٠]، والله تعالى أعلى وأعلم [١١]
المراجع
- ↑ الإسراء: الآية 23}
- ↑ الراوي: نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، الجزء أو الصفحة: 137، حكم المحدث: صحيح
- ↑ العقوق: تعريفه وعقوبته, ، "www.islamweb.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 25-12-2018، بتصرّف
- ↑ {الشورى: الآية 30}
- ↑ {النساء: الآية 36}
- ↑ عقوبة عقوق الوالدين, ، "www.binbaz.org.sa"، اطُّلِع عليه بتاريخ 25-12-2018، بتصرّف
- ↑ الراوي: عبدالله بن مسعود، المحدث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، الجزء أو الصفحة: 85، حكم المحدث: صحيح
- ↑ الراوي: عطاء بن يسار، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الأدب المفرد، الجزء أو الصفحة: 4، حكم المحدث: صحيح
- ↑ {العنكبوت: الآية 8}
- ↑ {لقمان: الآية 14}
- ↑ فضائل بر الوالدين, ، "www.alukah.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 25-12-2018، بتصرّف