علاقات المجاز المرسل

كتابة:
علاقات المجاز المرسل

السببيّة

يشير معنى السببية في المجاز المرسل إلى ذكرِ سبب وقوع الشيء والمراد منه المسبَّب الذي أدَّى إلى وقوعه السبب المذكور، مثل قولهم: "عمَّت أياديه كل الناس"، فقد ذكرَت أياديه نيابة عن المراد الأصلي وهو الفضل ولم تستخدم في معناها الحقيقي، وبما أنَّ اليد هي سبب العطاء والسخاء والجود،[١] وفيما يأتي بعض الأمثلة على السببية في المجاز المرسل:

  • عيون الأمير في كلِّ المدينة

وقع المجاز في استخدام كلمة عيون، فقد استخدمت نيابة عن الحراسة وبما أنَّها هي التي تستخدم للنظر من أجل الحراسة فقد استخدمت بدلًا عن المسبَّب.

  • رعت الإبل في الغيث

وقع المجاز في هذا المثال في كلمة الغيث التي دلَّت على النبات، فالغيث هو السبب في نمو النبات، فنابَ السبب عن المسبَّب.

  • للأب يدٌ على أبنائه

وقع المجاز هنا في كلمة يد، فقد نابت عن فضل الوالد على أولاده، لأنَّ اليد هي السبب والأداة التي تستخدم في الفضل فنابَت عن المسبَّب.

  • قال تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.[٢]

وقع المجاز في هذه الآية في كلمة الشهر فقد نابت عن الهلال.

في هذا البيت الشعري وردت كلمة يد لأنَّها السبب في العطاء، فدلَّ السبب على المسبَّب.


المسببيّة

المسببيَّة في المجاز المرسل أن يُذكَر المسبَّب والمقصود منه ذكر السبب، فيكون المعنى المراد هو السبب ولكنه لا يدرَج بشكل صريح في الجملة بل يؤتى بالأمر الذي نتجَ عن ذلك السبب، كأن يُقال: أمطرت السماء خيرًا، فكلمة خير هي مسبَّب أي نتيجة، والسبب هو المطر، فذكِرت كلمة خير نيابةً عن المطر المراد في الجملة أصلًا،[٤] وفيما يأتي بعض الأمثلة على المسببية:

  • اللصوص يأكلون نارًا في بطونهم

وقع المجاز هنا في كلمة النار، فقد وردَت في الجملة نيابةً عن المال الحرام الذي يوصِل إلى النار، فكانت هي النتيجة أو المسبَّب وذكرت نيابةً عن السبب.

  • يتسابق المصلُّون إلى الجنة

وقع المجاز في هذا المثال في كلمة الجنة، حيثُ أنَّها أتت نيابة عن الصلاة التي هي السبب في دخول الجنة، وكان المسبَّب أو النتيجة الجنة.

  • جاء الذي يجمعُ الذهب

وقع المجاز في هذه الجملة في كلمة الذهب، حيثُ أنَّ الذهب مسبَّبًا، والسبب هو المال، فجاءت كلمة الذهب والمقصود أنه يجمع المال، فأتى المسبَّب نيابةً عن السبب.

  • قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}[٥]

في هذه الآية وقع المجاز في كلمة نارًا، وهي تشير إلى أموال اليتامى التي تؤكل ظلمًا، وكان المسبَّب النار، فأتى المسبَّب نيابةً عن السبب.

  • يقول ابن حمديس: معشوقةٌ حَيّتْ بوردةِ وجنةٍ ** وَسقَتْ بكاسِ فمٍ سلافاً مُسْكرا[٦]

وردت كلمة مسكرًا نيابةً عن الخمر، فالخمر سبب في حدوث المُسكر أو السُّكْر، فوردَ المسبَّب بدلًا عن السبب.


الجزئيّة

في الجزئية يذكَر جزءٌ من شيء ما والمقصود منه الدلالة على الكل، وفي ذلك أمثلة كثيرة كأن يقول أحدهم: لقد أسرَ قلبها بلطفه، المقصود بقلبها أي أسرها كلها، فأتى الدزء وهو القلب نيابةً عن الكل وهو الشخص نفسه،[٧] وفيما يأتي بعض الأمثلة على ذلك:

  • عاثت يدهُ فسادًا في البيت

جاءت كلمة يد نيابةً عن الكل وهو الشخص نفسه الذي أفسد في البيت، فأتى الجزء نيابة عن الكل.

  • سلبَ عقلي بجمال خلُقه

هنا وردت كلمة العقل نيابةً عن الكل وهو الشخص.

  • جاء وجهُ السعد

وقع المجاز هنا في كلمة وجه، فقد دلَّت هذه الكلمة على مجيء الشخص نفسه، رغم أنها جزء من الكل.

  • قال تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}[٨]

وقع المجاز في الآية في كلمة رقبة، فقد دلَّت على تحرير شخص من العبودية.

  • تقول الخنساء: وَكُنتَ إِذا كَفٌّ أَتَتكَ عَديمَةً ** تُرَجّي نَوالًا مِن سَحابِكَ بُلَّتِ[٩]

وردت كلمة كف نيابةً عن الشخص كله، فإذا جاءك الشخص أعطيته من فضلك وهذا هو المقصود من البيت.


الكليّة

يقصد بالكلية في المجاز المرسل المجيء بالكل غير أنَّ المقصود منه الجزء، وهو عكس الجزئية، كما في قولهم: شرب ماء النهر، فالمقصود أنه شرب من ماء النهر ولم يشربه كله، ولكن الكل دلَّ على الجزء،[١٠] وفيما يأتي بعض الأمثلة على ذلك:

  • أكلت الماشية الزرع

جاءت كلمة الزرع مجازًا وهي تشير إلى أن الماشية أكلت من الزرع.

  • شرب الرجل ماء البئر من العطش

جاءت ماء البئر مجازًا على الكلية، إذ عبَّرت عن عطش الرجل والمقصود أنه شرب جزءًا من الماء وليس الماء كله.

  • لقد أهلكَ الفقرُ المدينة

المقصود أنَّه أهلك بعض أهل المدينة، ولكنَّ دلَّت الكلمة على الجزء، وذلك حتى تدلُّ أيضًا على شدة وتفاقم الحالة.

  • قال تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ}[١١]

أي يجعلون أناملهم في آذانهم، فقد دلَّ الكل على الجزء، فالأصابع كلها لا يمكن أن تدخل في الأذن.

  • يقول المتنبي: كُلَّما رَحَّبَت بِنا الرَوضُ قُلنا ** حَلَبٌ قَصدُنا وَأَنتِ السَبيلُ[١٢]

أشار المتنبي إلى أنَّ قصدوا حلب، والمقصود هو منطقة أو جزء منها، فرمزَ بالكل عن الجزء.


اعتبار ما كان

يعتمد هذا المجاز على ذكر ما كان عليه الشيء في الماضي، فيتمُّ ذكر الشيء باسمه القديم رغم أنَّ المقصود منه ذكر هيئته التي هو عليها في الوقت الحالي،[١٣] وسوف يتم توضيح ذلك من خلال بعض الأمثلة فيما يأتي:

  • شرب الرجلُ البنَّ

وقع المجاز في كلمة البنّ، فقد شرب الرجل القهوة، والبنُّ هو ما كانت عليه، فجيء بكلمة بن نيابةً عن القهوة مجازًا.

  • بعض الناس يأكل القمح وبعضهم يأكل الشعير

في كلمتي القمح والشعير مجاز مرسل، فالمقصود هو الطعام المصنوع من كل منهما.

  • لقد تزوج الطفل الذي كنتَه أمس

المقصود أنَّ الشاب هو الذي تزوج، ولكن الطفل جاءت مجازًا لتدل على ذلك، وتشير إلى أنه كان طفلًا.

  • قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ}[١٤]

كلمة مجرمًا هي التي جاءت مجازًا، إذ أنَّ الشخص الذي أتى كان مجرمًا في الحياة الدنيا واستحق العذاب بذلك.

  • يقول ابن المقري: رأى فيه طفلاً كلما كان جدهُ ** يرى في ابنه من نحيلتهِ الحسنى[١٥]

أشار بما كان عليه الرجل وهو حالة الطفل، فدلَّ عليه بما كان.


اعتبار ما سيكون

يعتمد المجاز في هذه الحالة على ذكر ما سوف يكون عليه الشيء في المستقبل، فيؤتى بالحالة المستقبلية لتعبِّر عن المعنى المقصود مجازًا، ولذلك قد تسمَّى هذه الحالة باسم المستقبليَّة،[١٣] وسيتمُّ توضيح ذلك من خلال بعض الأمثلة فيما يأتي:

  • سوف يلدٌ المؤمنُ مؤمنًا

المقصود أنَّ مولود المؤمن سوف يصبح مؤمنًا عندما يكبر، وقد وقع المجاز في كلمة مؤمنًا.

  • يجب القصاص في القتلى

فكلمة القتلى وقع فيها المجاز، إذ دلَّت على ما سيكون عليه الأشخاص في المستقبل، فهم ليسوا قتلى في الوقت الحالي.

  • تريد زوجته أن تلدَ طبيبًا

المقصود أنها تريد من طفلها أن يكون طبيبًا في المستقبل، فقد دلت الكلمة على أنها ستلد طفلًا، واستخدمَ ما سيكون عليه في المستقبل.

  • قال تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}[١٦]

المجاز هنا في كلمة خمر، فالمقصود منها أنَّه سوف يعصر العنب، لأن الخمر لا يُعصَر، ولكن جيء بما سيكون عليه لاحقًا.

  • يقول خليل مطران: تَحِيَّةً أَيُّهَا القَتْلَى وَتَسْلِيماً ** بَلَغْتُمُ الشَّأْوَ تَخْلِيداً وَتَعْظِيما[١٧]

أشار إلى الناس بالحالة التي سوف يكونون عليها وهم يدافعون عن أوطانهم، فأشار عليهم بالقتلى وهم أحياء.


الحاليّة

الحالية هي أن يتم ذكر الحالّ الموجود في المكان، والمقصود منه المكان أو المحل نفسه، وفي هذا النوع لا يذكَر المكان بل يُشار إليه بما يدلُّ عليه من الأشخاص أو الأشياء الموجودة فيه،[١٨] وفيما يأتي بعض الأمثلة التي توضح ذلك:

  • يعيش المؤمن في نعيم

والمقصود من ذلك أن المؤمن يعيش في الجنة، ودل على ذلك النعيم الموجود في الجنة، ودلت الكلمة على المكان مجازًا.

  • نزلَ الرجل بالكرماء

أي نزل الرجل ضيفًا في ديار الكرماء، فالكرماء هم الحال في المكان ودلت عليه.

  • الظالم مصيره عذاب الله يوم القيامة

جاء المجاز في عذاب الله، فقد دلَّ الحال وهو العذاب على المكان الذي سوف يكون فيه وهو النار.

  • قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[١٩]

القرينة هي رحمة الله، فالحالُّ في الجنة هو الرحمة، ولذلك دلَّت على المحل وهو الجنة.

  • يقول المتنبي: إني نزلتُ بكذّابين ضيفُهُمُ ** عن القِرى وعن التّرحال محدودُ[٢٠]

وقع المجاز في كلمة الكذابين، فأشار إلى المكان بمن حلَّ فيه من أهل الكذب.


المحليّة

وهو الإتيان بالمحل أو المكان والمقصود منه ذكر الحالُّ فيه أو الساكن أو الشيء الموجود فيه، وهو عكس الحالية،[٢١] وفيما يأتي سيتم ذكر بعض الأمثلة التي توضح المجاز المرسل حسب المحلية:

  • لقد حزنت المدينةُ على رحيله

القرينة هي كلمة المدينة، فالمقصود أن أهل المدينة هم الحزانى، ولكن جاء المحل ليدلّ على الحالّ فيه.

  • اذهب إلى القبر وألقِ السلام عليه

المقصود ألقِ السلام على صاحب القبر، فدلَّ المحل أو المكان على الحال فيه.

  • اجتمع المجلس يوم الجمعة

جاءت كلمة المجلس لتدلُّ على اجتماع أعضاء المجس، فدلَّ المكان على من يحلُّ فيه.

  • قال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ}[٢٢]

ذكرت الآية النادي للدلالة على من يجتمع فيه، فدلَّ المكان على أهله.

  • يقول الزير سالم: نُبّئْتُ أنّ النارَ بعدكَ أوقدتْ ** واستبّ بعدّكَ يا كُليبُ المجلس[٢٣]

وقع المجاز في كلمة المجلس، فقد عبَّر عن أهل المجلس بالمجلس نفسه، وناب المحلُّ عن الحالِّ فيه.


المجاورة

في هذه الحالة يتمُّ ذكر الشيء ولكنَّ المقصود منه هو الشيء المجاور له، وهو من المجاز المرسل والذي يستخدم لإضفاء البلاغة والجمال على النص في اللغة العربية، وفيما يأتي سيتم ذكر بعض الأمثلة التي توضح ذلك:

  • فرغت الراويةُ من الماء

المقصود بها فرغت القربة، والراوية هي الدابة التي تحمل القربة، فدلَّت عليها بالمجاورة.

  • قرأ المعلم معنى الجملة

المقصود من المجاز أنَّ المعلم قرأ لفظ الجملة وفهم معناها، واللفظ والمعنى متجاوران، فدل المعنى على اللفظ.

  • أصابت الرصاصة درعَ الرجل فمات

تشير كلمة درع إلى أن الرصاصة أصابت صدر الرجل، ودلت كلمة درع على الصدر للمجاورة.

  • يقول عنترة بن شداد: فشَكَكْتُ بالرُّمحِ الأصَمِّ ثيابَهُ لَيْسَ الكَرِيمُ على القَنَا بمُحَرَّمِ[٢٤]

أي شكَّ قلبه بالرمح، ولكن عبَّر عن ذلك بذكر الثياب وذلك بسبب المجاورة.


في نهاية المقال تمَّ التعرُّف على علاقات المجاز المرسل بشكل مفصَّل، إذ إنَّ المجاز علاقة بين شيئين أو بين أمرين أو مجموعة أمور، ولا تكون تلك العلاقة مقيدة بالتشبيه، وإنَّما تتعداها لتشمل علاقات كثيرة منها: السببية، والمجاورة، والحالية، وغير ذلك.


المراجع

  1. حامد عونى، كتاب المنهاج الواضح للبلاغة، صفحة 294. بتصرّف.
  2. سورة البقرة، آية:185
  3. ^ أ ب "لا زلت أبيض غرة وأياد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/10/2021. بتصرّف.
  4. حامد عونى، كتاب المنهاج الواضح للبلاغة، صفحة 295. بتصرّف.
  5. سورة النساء، آية:10
  6. "هل كان أودع سر قلب محجرا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/10/2021. بتصرّف.
  7. حامد عونى، كتاب المنهاج الواضح للبلاغة، صفحة 297. بتصرّف.
  8. سورة النساء، آية:92
  9. "لهفي على صخر فإني أرى له"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/10/2021. بتصرّف.
  10. حامد عونى، كتاب المنهاج الواضح للبلاغة، صفحة 296. بتصرّف.
  11. سورة البقرة، آية:19
  12. "أحبب إلي بطيف سعدى الآتي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/10/2021. بتصرّف.
  13. ^ أ ب عبد العزيز عتيق، كتاب علم البيان، صفحة 161. بتصرّف.
  14. سورة طه، آية:74
  15. "أتم سرور يرى الوالد الابنا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/10/2021. بتصرّف.
  16. سورة يوسف، آية:111
  17. "تحية أيها القتلى وتسليما"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/10/2021. بتصرّف.
  18. حامد عونى، كتاب المنهاج الواضح للبلاغة، صفحة 298. بتصرّف.
  19. سورة آل عمران، آية:107
  20. "عيد بأية حال عدت يا عيد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/10/2021. بتصرّف.
  21. عبد العزيز عتيق، كتاب علم البيان، صفحة 162. بتصرّف.
  22. سورة العلق، آية:17
  23. "نبئت أن النار بعدك أوقدت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/10/2021. بتصرّف.
  24. "هل غادر الشعراء من متردم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/10/2021. بتصرّف.
3824 مشاهدة
للأعلى للسفل
×