علاقة النحو بعلم التفسير مع أمثلة توضيحية

كتابة:
علاقة النحو بعلم التفسير مع أمثلة توضيحية

النحو

ما هو مفهوم النحو؟

النحو لغةً يعني القصد والطّريق، ويكون اسمًا ويكون ظرفًا، يقولون نحا ينحو -وينحا- نحوًا، وسمّي النحو في العربيّة نحوًا لأنّه يُقصد به القصد إلى لغة العرب، أي محاولة التحدث بها حتى وإن كان المتحدّث ليس عربيًّا أو ليس من الذين يجيدون لغة العرب العالية،[١] وأمّا اصطلاحًا فقد وضع له أهل اللغة تعريفات كثيرة كلّها تدور في فلك واحد وهو أنّ هذا العلم هو الضابط الذي يُرجع إليه عند التحدّث بلغة العرب، ومن تلك التعريفات ما قاله ابن عصفور الإشبيليّ: "علمٌ مستخرج بالمقاييس المستنبطة مِن استقراء كلام العرب، الموصلة إلى معرفة أجزائه التي ائتَلف منها"،[٢] وترجع أهمّيّته إلى أنّ العرب قد اختلطوا بالعجم ففسدت بعض ألسنتهم، فصارت الحاجة لهذا العلم مُلحّة جدًّا،[٣] وأشهر الروايات أنّ الواضع الأوّل لهذا العلم هو أبو الأسود الدّؤَليّ بأمر من علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وثمّة علاقة قائمة بين علم النحو وعدّة علوم أخرى، وهذا المقال سيقف على علاقة النحو بعلم التفسير.[٤]


علاقة النحو بعلم التفسير

هل للنحو علاقة جوهرية بعلم التفسير؟

إنّ أهميّة علم النحو تأتي من كونه العلم الذي تُفهَم من خلاله اللغة، ومن دون فهم اللغة لا يمكن فهم القرآن أو تفسيره، وقد غلّظ الأئمّة على من يحاول تفسير القرآن وهو غير عالمٍ باللغة، وقد ورد عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس -رضي الله عنه- أنّه قال إن جيء له برجل يفسّر كلام الله -تعالى- وهو غير عالم بلغة العرب فإنّه سيجعله نكالًا،[٥] وقد ذكر أئمّة الدين واللغة أنّ تعلّم النحو فرضُ عينٍ على قارئ الحديث والقرآن الكريم، ويرى الإمام الأصمعيّ أنّ الذي لا يعلم النحو يُخشى عليه إن نقل حديثًا عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن يدخل في عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن كَذَبَ عليَّ مُتعمِّدًا فليَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه مِن النَّارِ"،[٦] وقالوا كذلك إنّ تعلّمه واجبٌ وجوبًا صناعيًّا على المشتغل بالتفسير والفقه والتوحيد وغيرها من باقي علوم الشريعة الإسلاميّة، وقد أنشدَ بعضهم يستشهد لحديثه عن ضرورة تعلّم النحو:[٧]

لو كُنتَ في الفِقْهِ كالنُّعمانِ أو زُفَرٍ

أو ابنِ إدريسَ أيضًا وابنِ شيبانِ

وفاتَكَ النّحوُ لم تُحسَبْ -إذا اجتمعَت

فضائلُ النّاسِ- إلّا نصفَ إنسانِ

فمّما سبق يتبيّن أنّ علاقة النّحو بعلوم الشريعة عمومًا، وعلم التّفسير بخاصّة تأتي من كون علم النحو هو المفتاح لفهم هذه العلوم والخوض فيها، فقد يُغيّرُ من لا علم له بالنّحو أو اللغة حركةً في آيةٍ من آيات القرآن الكريم تودي به إلى المهالك وتحريف كتاب الله تعالى، كذلك الأعرابيّ الذي قدِمَ المدينة ولا علم له بالقرآن، فأقرأه رجلٌ من العامّة آية من سورة التوبة على غير ما أُنزِلَت فكفر الأعرابيّ بالنّبيّ وتبرّأ منه ظنًّا منه أنّ الآية تتبرّأ من الرسول عليه الصلاة والسلام.[٨]

وعندما علمَ أنّ الذي قد أقرأه الآية أخطأ عاد وتبرّأ ممّا قاله، وصدر أمر من أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- أنّ يُمنع أن يُقرِئ القرآن من لا علم عنده باللغة، فالمفسّر ينبغي له أن يفهم كلام العرب ويكون عالمًا بأشعارهم، ويكون مطّلعًا على أقوال النحاة المتقدّمين والمتأخّرين منهم، فابن عبّاس -رضي الله عنه- يرى الرجوع إلى أشعار العرب للبحث عن معنى آيات القرآن الكريم، وهذا طبعًا بابٌ من أبواب علم النحو.[٨]

فذهب أهل العلم إلى أنّ النحو بالنسبة لتفسير القرآن كالرأس بالنسبة للجسد، وقال بعضهم إنّه لو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن، ونقل الإمام السيوطي إجماع الأمّة على أنّه لا يجوز الاشتغال بتفسير القرآن الكريم ما لم يكن الرجل عالمًا بالعربيّة مُلمًّا بها، ولذلك كان شرط العلم باللغة العربيّة شرطًا من الشروط التي وضعها أئمّة التفسير لمن يريد الاشتغال بتفسير كتاب الله تعالى، وقد نُقِلَ عن الزمخشريّ -رحمه الله- أنّه قال: "يجب على المفسر أن يكون فارسًا في علم الإعراب"، والله أعلم.[٨]


أمثلة توضيحية

ما هي الأمثلة التي توضح علاقة النحو بعلم التفسير؟

لكي يكون الكلام السابق مفهومًا وذا فائدةٍ تُرجَى فإنّه لا بُدّ من الوقوف على أمثلة توضّح علاقة النحو بعلم التفسير؛ فمهما تحدّث الأئمّة على تلك العلاقة الأزليّة بين هذين العِلمَين فإنّها من دون أمثلة قد لا تصل إلى عامّة القرّاء والسّامعين، ومن الأمثلة على الاتصال الشديد بين النحو وتفسير القرآن الكريم وكون قراءة القرآن أو تفسيره من دون دراية باللغة العربيّة أو بعلومها -ومن أهمّها النحو- سيُفضي بالقارئ إلى فهمٍ خطأٍ لكتاب الله تعالى، ومن تلك الأمثلة ما يأتي:


  • الآية في سورة التوبة: إذ يقول تعالى في سورة التوبة: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ}،[٩] فقد روى أهل السّير أنّ أعرابيًّا قدم المدينة فسمع قارئ يقرأ الآية بجرّ كلمة "رسوله"، فيكون المعنى حينها أنّ الله -تعالى- بريءٌ من المشركين ومن رسوله كذلك حاشا لله، فقال الأعرابي: "أوقد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله تعالى برئ من رسوله فأنا أبرأ منه"، فسمعه عمر بن الخطّاب فاستدعاه، فسأله عن قوله فقال له إنّه سمع الآية بقراءة الجر، فوضّح له أمير المؤمنين -رضي الله عنه- القراءة الصحيحة للآية، فعندها قال الأعرابيّ: "وأنا والله أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم".[١٠]


  • الآية في سورة طه: إذ يقول تعالى في سورة طه: {قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ}،[١١] فغير المطّلع على لغة العرب والعلوم الناظمة لهذه اللغة سيقول إنّ في الآية خطأ والصّواب أن يُقال: إن هذين لساحران على أنّ "هذين" اسم إنّ المنصوب، والمثنّى يُنصَب ويُجَر بالياء، ولكن الصواب أنّ الآية صحيحة ولكنّها جاءت على لغة من لغات العرب الذين ينصبون ويجرّون ويرفعون المثنّى بالألف، وهي قبائل يمنيّة مثل بني الحارث -أو بلحارث- وخثعم وزبيد ومن وليهم، وهذا ما يُعرفُ بلُغَة القَصْر.[١٢]


  • الآية في سورة المائدة: إذ يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}،[١٣] فالذي لا علم له بالنحو قد يجرُّ كلمة {أَرْجُلَكُمْ} ظنًّا منه أنّه معطوفة على {رُءُوسِكُمْ} المجرورة، ولكنّ الصّواب أنّها منصوبة بالعطف على الأيدي والوجوه، فهي بذلك تأخذ حكم الغسل لا المسح، وقد حاول بعض المفسّرين أن يجعل القراءة على الجر؛ أي: جر كلمة أرجلكم، ولكنّ جمهور المفسّرين ردّوا على هذا القول بما سبق تبيينه، والله أعلم.[١٢]

المراجع

  1. "تعريف ومعنى نحو في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-23. بتصرّف.
  2. "النحو العربي نشأته ومدارسه وقضاياه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-23. بتصرّف.
  3. "علم النحو"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-23. بتصرّف.
  4. "علم النحو"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-23. بتصرّف.
  5. "البرهان في علوم القرآن - فصل في أنواع علوم القرآن - النوع الثامن عشر معرفة غريب القرآن"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-23. بتصرّف.
  6. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:12800، الحديث إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  7. ابن هشام (2012)، رسالة الشيخ عبد القادر القصاب الديرعطاني في مدح النحو في مقدمة كتاب شرح قطر الندى (الطبعة 4)، دمشق:مكتبة دار الفجر، صفحة 14. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت "النحو والتفسير وقراءة القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-23. بتصرّف.
  9. سورة التوبة، آية:3
  10. "النحو والتفسير وقراءة القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-24. بتصرّف.
  11. سورة طه، آية:63
  12. ^ أ ب د. لخضر روبحي، "أهمية الشاهد النحوي في تفسير القرآن الكريم تفسير (جامع البيان لابن جرير الطبري) نموذجا"، مجلة الآداب واللغات في جامعة قاصدي مرياح، العدد 6، صفحة 210. بتصرّف.
  13. سورة المائدة، آية:6
2559 مشاهدة
للأعلى للسفل
×