محتويات
حسن الظن بالله تعالى
الظنّ بما يليق بالله -عزّ وجلّ-، واعتقاد ما يحقّ لجلاله بما تقتضيه أسماؤه وصفاته العلا، ظنًّا ساميًا بالتعظيم تكسوه جواهر الإحسان، فإنّما حسن الظنّ يُنال بمرتبة الإحسان، فالمؤمن المحسن ينال بحسن الظنّ المراتب العالية، بينما الفاجر لا يُحسن ظنّه بالله؛ فالمعاصي حرّمته من لذة الوصول وغشيته وحشة الإساءة بالله.[١]
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يقولُ اللهُ -تَعالَى-: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً).[٢]
علامات محسني الظنّ بالله
إنّ علامات حسن الظنّ تتجلى في نفس المؤمن بنفائس كثيرةٍ، فيما يلي ذكر جملةٍ منها.
شدّة الاجتهاد في طاعة الله
إنّ حسن الظنّ بالله يعظم حرص العبد على طاعة الله ورضاه، إذ إنّه لا يتقن حسن الظنّ إلّا من امتلأ قلبه بحبّ اللّه فإنّ حسن الظنّ من الإحسان، وكما أنّه لا يتصوّر حسن الظنّ مع سوء العمل، فالذي يعصي الله، أو يسرق من طاعاته بانقاص شرطٍ من شروطها أو أركانها، فإنّما يحسن بالله الظنّ من حسن عمله.[٣]
قوة القلب على العمل
من أحسن ظنّه بالله، وصدق وعد الله في تمكين أهل الإيمان بالأرض، اشتد سعيه في رضا الله، وزاد حسن ظنه بالله، فيزيد جهاد نفسه في فعل الطاعات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقدم على المصاعب بقلبٍ قوي لا يهاب شيئًا؛ لأنّه واثقٌ بنصر اللّه، متيقِّنٌ أنّ اللّه لا بد ناصر المؤمنين.[٤]
حسن الظنّ يدعو إلى التوكّل
فإنّه لا يتصوَّر التوكل على الله بسوء الظنّ؛ فمن حَسُنَ ظنُّه حَسُنَ توكّله، فإنّه لا بد للعبد أن يحسن ظنّه بالله؛ فيعمل بالأسباب ليحصل الكسب بالتوكل على اللّه، فالمتواكل الذي لا يعمل بالأسباب خالٍ قلبه من حسن الظنّ؛ لأنّه يظنّ أنّ القعود عن العمل وعدم السعي في طلب الرزق قدرٌ من الله،[٥]وبهذا يعترض على اللّه أنّ اللّه ظالمه، والحقيقة أنّه ظالمٌ لنفسه؛ لأنّ الجهل قد أعمى بصيرته، فانتكس ظنّه بالسوء، فإنّ حسن التوكّل يكمن بالعمل وبه يسمو حسن الظن بالله.[٥]
حسن الظن عند الموت
يجب على المؤمن أن يحرص على حسن الظن حتى إذا مات ذهبت روحه الطيّبة لباريها بريح المسك، فيباركها الله في سمائه، فإنّه إن مات محسنًا متيقًِّا أنّ اللّه لا يخلف وعده رفعه الله،[٤] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).[٦]
راحة القلوب
إنّ حسن الظنّ بالله يسكب في قلب المؤمن راحةً تنزع مخاوف الأقدار؛ فتظلّه غيمة السكينة حتى تستروح روحه فترضى؛ قانعةً بقدر اللّه أنّه الخير دائمًا، فتسكنه طمأنينة الإيمان والراحة العامرة.
حسن الظن بالله يطفئ القنوط
فالمؤمن إذا عصى ربّه يتوب لله ولا يقنط من رحمة الله؛ لأنّه يعلم مدى سعة عفوه وكرمه،[٧] فقال الله -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا).[٨]
المراجع
- ↑ خالد الحسنيان، هكذا كان الصالحون، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7405، صحيح.
- ↑ محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد، صفحة 867. بتصرّف.
- ^ أ ب خالد الحسنيان، هكذا كان الصالحون، صفحة 10. بتصرّف.
- ^ أ ب إبراهيم بن سعد ابا حسين، معجم التوحيد، صفحة 647. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2877، صحيح.
- ↑ موسى بن راشد العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 608. بتصرّف.
- ↑ سورة الزمر، آية:53