موقف أفلاطون من الجمال
يؤرخ في الفلسفة لأفلاطون على أنه أول فيلسوف صاغ موقفًا مُتكاملًا، وشيد نسقًا في الجمال، ورغم أنه تأثر بأستاذه سقراط، لكن من الصعب تحديد مدى هذا التأثير لقلّة المراجع المُتعلقة بفلسفة سقراط عامةً؛ ولأنّ أفلاطون ذاته هو أهمّ المراجع لدراسة فكر سقراط، والجمال هو أحد المثل التي قامها في عالم المثل، وهو عالم الحقيقة المُجردة، التي لا تشوبها أيّ نواقص، ومن المثل الأخرى، مثال الخير والحقّ.[١]
بدأ أفلاطون باكتشاف مثال الجمال من خلال تأمله بالجمال الموجود في العالم الحسي، أو المادي، إلا أنّه ومن خلال الجدل تطور مفهومه للجمال، فعرف أنّ الجمال الحسي ناقص، وزائل، ويُمكن مُلاحظته من خلال الحواس، وهذا الجمال لا يقع إلّا ضمن نطاق الظن، فالناس يظنون أنّهم توصلوا إلى الجمال، ولكنّهم وقعوا في فخ العالم المادي، والجمالات الجسدية ليست إلا ظلالًا لجمال واحد.[١]
يُميّز مثال الجمال الوحدة، والسمو، والثبات، فخُلاصة فلسفة أفلاطون تقوم على البحث عمّا هو ثابت، في ظلّ عالم مادي يتميّز بالتغيُّر الدائم، والنفس إن أُعجبت بشيءٍ جميل فحتمًا ستُدرك ما أحبّته من صفات هذا الشيء، وهي صفات ماديّة، ولكن يطرح أفلاطون سؤالًا عن مصدر هذه الصفات، ويجتهد في الإجابة فيقول إنّ هذه الصفات فائضة.[١]
من هذا المُنطلق يرتفع التفكير من المعلول إلى العلّة، ويُحاول الوصول إلى النفس الجميلة، المُجردة من العوارض، وهو بذلك يُشير إلى أن الجمال أمر معنوي، لا يُقاس بالمظهر، وتطوّر المفهوم الأفلاطوني للجمال، ليشمل الفنون، والعلم النظرية، وهذا كلّه بمثابة تمهيد لوصول إلى نظرية المثل، وهي نظرية أنطولوجية مثالية، عالجت بالدرجة الأولى بحث أفلاطون عن حقيقة الوجود.[١]
إرهاصات سقراط في الجمال
دوّن أفلاطون محاورات سقراط، وشملت على آرائه في الجمال، ومن هذه المُحاورات مُحاورة أيون التي ظهر فيها موقف سقراط العقلي المُتشدّد في الفن والجمال، فقد رفض الفنون التي تعتمد على إيهام الجماهير بالمُتعة ومن هذا المُنطلق، طوّر أفلاطون فكرة الفن والجمال لذاتهما ورفض التعامل معهما بطريقة براغماتية، وخلاصة هذا أنّ الجميل لا يكون جميلًا إلا لذاته، وليس لتحقيق منفعة أو لذة زائلة.[١]
وصف سقراط في هذه المحاورة أنّ من لا يعقل شيئً من جماليات الفنون كالمسحور، أو المنوم مغناطيسيًا، ووضع شروط أساسية لنظرية الفن، لتحقيق هدف السمو وألّا يكون أداتيًا، ومن القِيَم التي يُضيفها الفن والجمال القيم الأخلاقية، والسمو بالإنسانية، وعرّف سقراط الجميل بأنّه نافع، لكن مفهومه للنافع يختلف عن الأطروحات التي قدّمتها الفلسفات المادية والبراغماتية.[١]
النفع لا يكون باللذة الجسدية، والجمال الحسي لا ينفع المُحب ولا المحبوب، إلّا أنّ جمال النفس هو من يصنع القادة والأبطال في التاريخ، كهِرقل، وكأنّه يقول الجمال يرد إلى الخير، والفن يجب أن يُكرّس الأخلاق، ومن هنا هاجم الشعراء سقراط، وأثاروا العامة حول آرائه ومن المُفكرين اللاحقين من رأى أنّ هذا تطرّف محض، وطوّر أفلاطون هذا الرأي إلى حد أنّه طرد الشعراء من الجمهورية.[١]
رفض سقراط الأساطير في مُحاورة المأدبة، لأنّها تجعل الإنسان يُحيد عن الصواب، وهذه الأساطير وجدت في التراث اليونان، وذكرت في أشعارهم ونثرهم، إلا أنّ سقراط اكتفى بالرواية المتواترة، واتخذ موقفًا خاصًا به بميله إلى ما قاله العلماء.[٢]
درجات الجمال عند أفلاطون
هنالك درجات في الجمال عند أفلاطون، أوّلها الجمال الجسدي، ووضعها في أسفل هرم الجمال، ثمّ يليه جمال الأخلاق، والنفس، وهنا يتطوّر الجمال ويندرج تحت مبحث الأكسيولوجيا، أو القِيم، فيُصبح قيمة بذاته، أمّا أعلى درجات الجمال فهو الجمال المُطلق، ويقع في قمة هرم الجمال، وهذا الجال عقليٌّ محض، ويحتاج الوصول إلى أعلى درجات الجمال الحزم الأخلاقي، وضبط النفس، والترفُّع عن الملذّات الحسية.[٣]
في مُحاورات أفلاطون مثل فايدروس أو المأدبة، وأيون أكّد على الجدلية القائمة بين الحب والجمال، فكلاهما لا يتحقّق إلا بعودة الروح إلى عالم المثل، وببلوغ الإنسان المُستوى الجمالي المثالي، يكون بلغ موضوع الحب الذي يتجه إلى الجمال، وعلاقة مثال الجمال قوية بمثال الخير عند أفلاطون فالوصول إلى مثال الخير مُرتبط بالوصول إلى مثال الجمال، فالإنسان لا يستشعر الجمال إلّا بعد أن يكون حقّق الخير الكثير.[٣]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د/ كريمة محمد بشيوة، التطور التاريخي لفلسفة الفن والجمال في العصور القديمة والوسطى، صفحة 5-8. بتصرّف.
- ↑ د/ أميرة حلمي مطر، محاورة فايدروس، صفحة 36. بتصرّف.
- ^ أ ب ركماوي عبدالله ، الوعي الجمالي في الخطاب الفلسفي هيغل أنموذجًا، صفحة 14-33. بتصرّف.