محتويات
علوم القرآن
إنَّ مصطلح علوم القرآن مركب إضافي يتكون من كلمتين وهما: علوم والقرآن، والعلوم جمع علم وهو نقيض الجهل وبه تُسمى المباحث التي تتناول موضوعًا واحدًا، أمَّا القرآن فهو كلام الله تعالى المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- المتعبد بتلاوته،[١] وعلى ذلك يُمكن تعريف علوم القرآن على أنَّه: "مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وجمعه وقراءاته وتفسيره وناسخه ومنسوخه وأسباب نزوله ومكيه ومدنيه ونحو ذلك"،[٢] ويعدُّ علم المناسبات في القرآن الكريم أحد فروع علوم القرآن التي نالت عناية العلماء واهتمامهم، لذلك سيتم تخصيص هذا المقال للحديث عن علم المناسبات في القرآن الكريم ثمَّ سيتم ذكر أنواع المناسبات في القرآن الكريم.
علم المناسبات في القرآن الكريم
إنَّ القرآن الكريم كتابًا محكم السرد ودقيق السبك وأسلوبه متين وجميع آياته متصلة وكأنَّه سبيكة واحدة وعقد فريد نُظِّمت آياته على أكمل الوجوه وأتمِّها، وقد وصف الله -عزَّ وجلَّ- آيات القرآن الكريم في كتابه الكريم حيث قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}،[٣] ومن العلوم التي اتَّخذت القرآن الكريم على أنَّه وحدة واحدة ،[٤] وأنَّ آياته آخذة بأعناق بعض هو علم المناسبات في القرآن الكريم حيث يتمُّ تعريفه على أنَّه: "ارتباط السورة بما قبلها وما بعدها من السور وكذلك ارتباط الآية بما قبلها وما بعدها من الآيات"،[٥] بناءً على ذلك يُمكن استنباط من ذلك أنَّ ترتيب آيات القرآن الكريم وكذلك سوره هو أمرٌ توقيفي لا اجتهادٌ توفيقي بالإضافة إلى عددٍ من الأدلة مثل قول الله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}،[٦] وأحد معاني الجمع في الآية الكريمة تأتي بمعنى تأليفه وترتيب سوره وآياته.[٤]
أنواع المناسبات في القرآن الكريم
بعد تعريف علم المناسبات قي القرآن الكريم لا بدَّ من ذكر أنواعه، إنَّ التناسب في القرآن الكريم على عدَّة أنواع، ومن هذه الأنواع: التناسب في السورة الواحدة والذي بدوره ينقسم إلى عدَّة أقسام، والمناسبة بين السورتين والذي أيضًا ينقسم إلى قسمين، ومناسبات عامة في القرآن الكريم،[٧] وسيتم فيما يلي تفصيل ذلك:
المناسبات في السورة الواحدة
إنَّ النوع الأول من المناسبات في القرآن الكريم هو المناسبات في السورة الواحدة، وهو أيضًا ينقسم إلى عدَّة أنواع، وفيما يلي ذكر هذه الأنواع مع ذكر مثال على كلِّ نوع:[٧]
- المناسبة بين مضمون السورة واسمها: إنَّ سورة الكهف ذكرت أنواعًا من الفتن الذي قد يمرُّ بها المرء، مثل: الفتنة في الدين والتي تدل عليه قصة الفتية، وفتنة المال التي تدل عليها قصة صاحب الجنتين ، وفتنة العلم التي تدل عليها قصة الخضر وموسى، وفتنة السلطان التي تدلُّ عليه قصة ذي القرنين، وفتنة القوة والكثرة والتي تدلُّ عليها قصة يأجوج ومأجوج، وقد ذكرت هذه السورة الكريمة المخرج من كلِّ هذه الفتن وكأنَّ القرآن يشبه السورة بالكهف الذي يعصم المحتمي به.[٧]
- المناسبة بين أول السورة وخاتمتها: إنَّ بداية سورة البقرة ذكرت صفات المتقين حيث قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}،[٨] ثمَّ في نهاية السورة يبيِّن الله -عزَّ وجلّ- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن آمن معه من المسلمين قد اتصفوا بهذه الصفات العظيمة،[٧] حيث قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.[٩]
- المناسبة بين الآية والتي تليها: إنَّ في سورة الفاتحة اعترافٌ من المسلم بعبوديته لله -عزَّ وجلَّ- حيث قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}،[١٠] وأنَّه مستحقٌ لكلِّ أنواع المحامد والثناء، فإنَّ العاقل المعترف بذلك المقبل على عبادة الرحمن الرحيم لا يتناوى عن طلب العون منه والمدد، وظهر ذلك جليًا بالآية التالية حيث استشرف هذا العابد المثني وطلب من الله الرحمن الرحيم هدايته إلى الطراط المستقيم،[٧] حيث قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.[١١]
- المناسبة بين حكمين في الآيات: ويمثِّل ذلك آيات الاستئذان التي أعقبها الله -عزَّ وجلَّ- بآيات غضِّ البصر، ووجه المناسبة في ذلك أنَّ الاستئذان إنِّما شُرع لئلَّا يقع النَّظر إلى ما حرَّم الله من عورات، وإن صدف ووقع النظر إلى العورات فعلى المستأذن غضَّ بصره، والحكمة من مشروعية آداب الاستئذان وغض البصر واحد وهو العفة وحفظ العورات.[٧]
المناسبة بين السورتين
إنَّ المناسبات في القرآن الكريم لا تقتصر فقط على العلاقة بين الآيات في السورة الواحدة، بل قد يقع التناسب بين سورتين مختلفتين أيضًا،[٧] وفيما يأتي ذكر أقسام المناسبة بين السورتين مع ذكر مثالٍ على كلِّ قسم:
- المناسبة بين السورة وخاتمة التي قبلها:[٧] خُتمت سورة سبأ بذكر هلاك المشركين وإنزالهم منازل العذاب في الآخرة حيث قال تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}،[١٢] لذلك ناسب افتتاح السورة التي بعدها بالحمد على إهلاك المشركين الظالمين بإنزال العذاب بهم،[١٣] حيث قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.[١٤]
- المناسبة بين مضمون السورة والتي تليها:[٧] ومثال ذلك سورتي الضحى والشرح حيث إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- ذكر في سورة الضحى النعم الحسيَّة على رسول الله وفي سورة الشرح ذكرٌ للنعم المعنوية.[١٥]
مناسبات عامة
وهي عبارة عن المناسبات المطلقة التي يذكرها العلماء في القرآن الكريم، مثل افتتاح سورتي النساء والحج بمخاطبة الناس، ثمَّ بدأ في سورة النساء بذكر بدء الخلق والحياة حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}،[١٦] وفي سورة الحج ذكر نهاية هذه الحياة وبداية الحياة الأخرى،[١٥] حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}،[١٧] وبذلك قد تمَّ بفضل الله الانتهاء من مقال علم المناسبات في القرآن الكريم.
المراجع
- ↑ فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، صفحة 21. بتصرّف.
- ↑ فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، صفحة 30. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية: 1.
- ^ أ ب "علم المناسبات القرآنية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-4-2020. بتصرّف.
- ↑ مصطفى مسلم، مباحث في التفسير الموضوعي، صفحة 58. بتصرّف.
- ↑ سورة القيامة، آية: 17.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ "علم المناسبات في القرآن"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 3.
- ↑ سورة البقرة، آية: 285.
- ↑ سورة الفاتحة، آية: 5.
- ↑ سورة الفاتحة، آية: 6.
- ↑ سورة سبأ، آية: 54.
- ↑ عماد بن زهير حافظ، حمد الله ذاته الكريمة في آيات كتابه الحكيمة، صفحة 64. بتصرّف.
- ↑ سورة فاطر، آية: 1.
- ^ أ ب "علم المناسبات في القرآن"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 1.
- ↑ سورة الحج، آية: 1.