الزكاة
فرض الله -عزّ وجلّ- على المسلمين ما يسمى "بالزكاة " وهي اسمٌ لما يخرجه المسلم من حقّ الله -تعالى- إلى الفقراء، وسُميت بذلك لما يكون فيها من رجاء طهارة النفس وتزكيتها، حيث قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}،[١] وقد قرنها الله -عزّ وجلّ- بالصلاة في عدة مواضع من كتابه وهي ركنٌ من أركان الإسلام.[٢] وسيتم في هذا المقال بيان مصارف الزكاة وفضلها وحكم مانعها وعلى من تجب الزكاة.
مصارف الزكاة
مصارف الزكاة ثمانية أصناف، حصرها الله -عزّ وجلّ- في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}،[٣] وهذا بيان الأصناف الثمانية المذكورة.[٤]
- الفقراء: هو المحتاج الذي لا يجد كفايته لمدة نصف سنة، وعلى من تجب الزكاة عليه أن يُعطي الزكاة للفقير؛ لدفع ضرره وحاجته.
- المساكين: هو المحتاج الذي يجد كفايته وعائلته لمدة نصف سنة لكنه لا يجد كمال الكفاية، وكذلك يُعطى لدفع ضرره وحاجته.
- العاملين عليها: هم الذين يوليهم الإمام أو نائبه العمل جمع مال الزكاة وهم الجباة والحفظة لها والكتبة لديوانها.
- المؤلفة قلوبهم: وهم الجماعة المراد تأليف قلوبهم على الإسلام أو تثبيتها عليه لضعف إسلامهم أو كفِّ شرهم عن المسلمين أو جلب منفعة منهم وعلى من تجب الزكاة عليهم تخصيص حصة لهم من زكاة أموالهم.
- الرقاب: هم الأرقاء والعبيد وقيل أنها تشمل المكاتب الذي اشترى نفسه من سيده مقابل دراهم بقيت في ذمته كما أنها تشمل المسلم الذي وقع في أسر الكفار.
- الغارمين: هم الذين تحملوا الديون وتعذّر عليهم أداؤها، والغارمون قسمين:
- غرم لإصلاح ذات البين.
- غرم لسداد الحاجة.
- في سبيل الله: والمراد بهم المجاهدون الذين خرجوا لقتال العدو لإعلاء كلمة الله، أما من خرج حميةً لوطنه أو غيرها من الأمور الدنيوية فلا يستحق أن يُعطى من مال الزكاة، وقيل بأنّها تشمل من تفرغ لطلب العلم الشرعي.
- ابن السبيل: هو المسافر الذي انقطع عن بلده ونفذت نفقته، فيُعطى ما يستعين به على تحقيق مقصده، أو عودته إلى بلده، وإن كان غنياً في بلده.
فضل الزكاة
كل ما شرعه الله -عزَّ وجلَّ- في الإسلام رتّب عليه الفضل العظيم، كذلك على من تجب الزكاة عليه؛ إن أدّاها له أجر كبير وزيادة وبركة في ماله، وفيما يلي بعض فضائل الزكاة.[٥]
- سبب في تطهير النفوس من دنس البخل والطمع والقسوة على الفقراء والمساكين حيث قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}.[١]
- سبب في نيل رضا الله ورحمته قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.[٦]
- سبب من أسباب دخول الجنة وقد دلَّ عليه أنَّ رَجُلًا قالَ: "يا رَسولَ اللَّهِ، أخْبِرْنِي بعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، فَقالَ القَوْمُ: ما له ما له؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أرَبٌ ما له فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ به شيئًا، وتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وتُؤْتي الزَّكَاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ، ذَرْهَا قالَ: كَأنَّهُ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ."[٧]
- سبب للاستظلال بظلِّ الرحمن يوم القيامة وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلُّه: إمامٌ عادلٌ وشابٌّ نشَأ في عبادةِ اللهِ تعالى ورجلٌ ذكَر اللهَ خاليًا ففاضت عيناه ورجلٌ كان قلبُه معلَّقٌ في المسجدِ ورجُلانِ تحابَّا في اللهِ اجتمَعا عليه وتفرَّقا ورجلٌ دعتْه امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ إلى نفسِها فقال: إنِّي أخافُ اللهَ ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتَّى لا تعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه".[٨]
حكم مانع الزكاة
من منع الزكاة منكرًا لها جاحدًا بوجوبها فقد كفر وخرج من ملَّة الإسلام، حيث إنّه أنكر من الدين ما هو معلومٌ بالضرورة، ومن منعها معتقدًا وجوبها فهو آثمٌ دون أن يخرجه ذلك من الإسلام، ودليل ذلك قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحِبِ ذَهبٍ ولا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْها حقَّها، إلَّا إذا كان يومُ القِيامةِ، صُفِحَتْ لهُ صَفائِحُ من نارٍ، فأُحْمِىَ عليْها في نارِ جهنَّمَ، فيُكْوَى بِها جنْبُهُ، وجَبينُهُ، وظهْرُهُ، كُلَّما بَرُدَتْ أُعيدَتْ لهُ، في يومٍ كان مِقدارُهُ خَمسينَ ألْفَ سنةٍ، حتى يُقضَى بين العِبادِ، فيُرَى سبيلُهُ، إِمّا إلى الجنةِ، وإمَّا إلى النارِ"،[٩] أما من منعها جاهلًا بوجوبها كأن يكون حديث عهدٍ بالإسلام فإن ذلك لا يخرجه من الإسلام ولكنه يُعرَّف بحكمها وعلى من تجب الزكاة،[١٠] وذلك لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.[١١]
على من تجب الزكاة
لعلّ سؤال على من تجب الزكاة من أكثر الأسئلة شيوعًا، لذلك خُصص في هذا المقال تلك المساحة الصغيرة للإجابة عليه وتم تدعيم الإجابة بالدليل، حيث يُشترط على من تجب الزكاة عليه أن يكونَ:
- مسلمًا:[١٢] لَمَّا بَعَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ إلى نَحْوِ أهْلِ اليَمَنِ قالَ له: "إنَّكَ تَقْدَمُ علَى قَوْمٍ مِن أهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلى أنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَومِهِمْ ولَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم زَكَاةً في أمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِن غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ علَى فقِيرِهِمْ، فَإِذَا أقَرُّوا بذلكَ فَخُذْ منهمْ، وتَوَقَّ كَرَائِمَ أمْوَالِ النَّاسِ."[١٣] سواء أكان ذكرًا أو أنثى،[١٤] وسواء أكان بالغًا أم طفلًا، عاقلًا أم مجنونًا حيث أنَّ الطفل الذي لم يصل سن البلوغ والمجنون يدخلان بالإجابة على سؤال: "على من تجب الزكاة؟" حيث إنَّ هذه الشروط للمال المُمَوَّل وليست للشخص المُمَوِّل.[١٥] كما أنَّ احتساب الزكاة تكون بالأشهر القمرية لا الشمسية.[١٦]
- حرًا: فلا تجب على العبد لأنه لا يملك حيث أنه مملوكٌ لسيده،[١٧] وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ابتاعَ عبدًا ولهُ مالٌ فلهُ مالُهُ وعليهِ ديْنُهُ، إلا أن يشترطَ المبتاعُ، ومن أَبَّرَ نخلًا فباعَهُ بعدَ تأبيرِهِ، فلهُ ثمرتُهُ، إلا أن يشترطَ المبتاعُ".[١٨]
- مالكًا للنصاب: وهو مقدارٌ من المال عينه الشارع من لا يملكه لا تجب الزكاة في ماله، وتختلف الأنصبة باختلاف المال المراد تزكيته فنصاب الذهب ما يساوي 85 غرامًا من الذهب، والفضة نصابه ما يساوي 595 غرامًا من الفضة، ونصاب الزروع والثمار ما يساوي 612 كيلو غرامًا من القمح ونحوه، ونصاب الإبل خمس، ونصاب البقر ثلاثون، ونصاب الغنم أربعون،[١٩] ويُشترط بالنصاب أن يحول عليه الحول كاملاً، فإن انقطع النصاب لحظةً انقطع الحول فإن كَمُل النصاب استُؤنِف الحول من الوقت الذي كَمُل به،[١٩] ويُستثنى من هذا الشرط ما يأتي:
- الثمار والزروع: فتكون زكاته يوم حصاده،[١٩] وذلك لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.[٢٠]
- صغار المواشي: إن ولدت المواشي أثناء الحول أُضيفت هذه الصغار على النصاب، حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرسل السعاة لأخذ زكاة السائمة وفيها الصغار والكبار ولم يكن يسأل أهلها بل كانوا يحسبونها ويخرجون زكاتها.[١٢]
- ربح التجارة: كانت تحسب على رأس المال وتُخرج زكاتها أثناء الحول.[١٢]
- الركاز: لم يشترط النبي -صلى الله عليه وسلم- الحول به،[١٢] وذلك لقوله: "وفي الرِّكازِ الخُمُسُ".[٢١]
المراجع
- ^ أ ب سورة التوبة، آية: 103.
- ↑ "الزكاة...تعريفها وخصائصها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 60.
- ↑ "مصارف الزكاة"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "فوائد الزكاة والصدقات "، ar.islamway.net. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 71.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 5983، حديث صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7338، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5729، حديث صحيح.
- ↑ "المطلب الثاني: حُكْمُ مانعِ الزَّكاة"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 15.
- ^ أ ب ت ث "شروط وجوب الزكاة وحكم مانعها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7372، حديث صحيح.
- ↑ "لا فرق بين المرأة والرجل في أحكام الزكاة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "حول الزكاة يكون بالأشهر القمرية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "شرط وجوب الزكاة"، .al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن جابر بن عبد الله ، الصفحة أو الرقم: 4924، أخرجه في صحيحه.
- ^ أ ب ت "/المطلب-الرابع:-بلوغ-النصاب"، dorar.net/feqhia/، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 141.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الرحمن بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 29/11، حديث إسناده صحيح.