عمل المرأة في عهد الرسول

كتابة:
عمل المرأة في عهد الرسول

عمل المرأة في عهد النبوّة

إن للمرأة في عهد النبيّ والتاريخ الإسلاميّ إسهاماتٍ واضحة الأثر في المُجتمع المسلم في معظم المجالات، فقد عملت المرأة في التجارة، وخيرُ شاهدٍ على عملها في هذا المجال ما قامت به أُم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، كما بدا دور المرأة واضحاً في المجالات الطِبّية؛ كمشاركة السيدة رُفيدة الأسلميّة وجهودها المباركة في هذا المجال، وعملت المرأة في الزراعة وتربية الأغنام؛ كأسماء بنت أبي بكر، وفي الإدارة والحِسْبة؛ حيثُ برَعت الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس في هذا المجال إلى الحدّ الذي جعل الخليفة عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- يأخذ مشورتها في العديد من المرَّات في الأُمور الإدارية وشؤون السّوق.[١]


وكانت النساء في زمن النبي -صلى الله عليه وسلَّم- يَقُمن بدبْغ الجلود، فقد ورد عن أسماء بنت عُميس أنَّها قامت في يومٍ واحدٍ بدبْغ أربعين جلداً، كما عَمِلت المرأة في الرِّضاعة؛ فقد أرضعت السيدة حليمة السَّعدية النبي الكريم -صلى الله عليه وسلَّم-، وعملت أُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- في التوليد، وقامت المرأة بمعالجة الجنود في الحروب والغزوات، وعملت الشفاء بنت عبد الله القُرشيَّة في التعليم أيضاً، وقد أقرَّ النبي -صلى الله عليه وسلَّم- فعلها، كما كان للمرأة دورٌ هامٌّ في الحروب، فقد قامت أًمّ عمارة بالقتال يوم أُحد، وخولة بنت الأزور بقتال الروم،[٢] ويُروى في الأثر عن النبي -صلى الله علي وسلَّم- أنَّه قال لأُمِّ بشر الأنصارية: (مَن غَرَسَ هذا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ فَقالَتْ: بَلْ مُسْلِمٌ، قالَ: فلا يَغْرِسُ المُسْلِمُ غَرْسًا، فَيَأْكُلَ منه إنْسَانٌ، وَلَا دَابَّةٌ، وَلَا طَيْرٌ، إلَّا كانَ له صَدَقة إلى يَومِ القِيَامَةِ)،[٣] وفي ذلك إقرارٌ وقبولٌ لعمل المرأة،[٤] ويجدُر بالذِّكر أنَّ أُم المؤمنين زينب بنت جحش امتلكت مهارة الدِّباغة وعملت بها، وكانت تُنفق الكثير من عوائدها المالية على الصَّدقة،[٥] وغير ذلك من الأمثلة العديدة التي توضّح إسهام المرأة في العمل بالعهد النبويّ الشريف.


موقف الإسلام من عمل المرأة

كرَّم الإسلام المرأة، وأعلى من شأنِها، وأعطاها حقوقها، ومن ذلك الحق في العمل الذي يُتيح لها المُساهمة في بناء المُجتمع المسلم،[٦] وتُشرَّع الأحكام في الشريعة الإسلامية بناءَّ على ما جاء في القرآن الكريم والسنَّة النبويََّة الشريفة، ومنه كان الاستدلال على أنَّ عمل المرأة مشروعٌ في العموم فيما أباحه الله -تعالى-، وعند الحاجة إليه بالخصوص، وقد جاء في القرآن الكريم قوله -تعالى-: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)،[٧] وفي هذه الآية الكريمة دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ المرأة قد تضْطرّ إلى العمل خارج بيتها إذا وُجد العُذر، فقد كانت إجابة المرأتين لموسى -عليه السلام- عند سؤاله لهما عن سبب خروجهما؛ أنَّ أباهما رجلٌ كبير لا يتمكَّن من الخروج، وقد ورد عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنَّها قالت: (تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وما له في الأرْضِ مِن مالٍ ولا مَمْلُوكٍ، ولا شيءٍ غيرَ ناضِحٍ وغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أعْلِفُ فَرَسَهُ وأَسْتَقِي الماءَ، وأَخْرِزُ غَرْبَهُ وأَعْجِنُ، ولَمْ أكُنْ أُحْسِنُ أخْبِزُ، وكانَ يَخْبِزُ جاراتٌ لي مِنَ الأنْصارِ، وكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وكُنْتُ أنْقُلُ النَّوَى مِن أرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتي أقْطَعَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى رَأْسِي).[٨][٩]


ضوابط عمل المرأة في الإسلام

أنصف الإسلامُ المرأة، ولم يُحمِّلها من الأعباء ما لا تُطيق، فنرى أنَّ الله -تعالى- كلَّف الرجال ببعض التكاليف التي لم يطلبها من المرأة، كالجهاد، وأداء الصلاة جماعةً في المسجد، وتحمّل مسؤولية الإنفاق، حيث يُطلب من الرّجل أن يُنفق على المرأة بحسب القرابة؛ كأن تكون أُماً أو زوجة له، ولا يُطلب منها أن تُنفق عليه حتى لو امتلكت المال،[١٠] وقد أذِن الإسلام لها بالعمل مع الالتزام بالشروط والضوابط، ومن هذه الضوابط: أن لا تخرج إلى العمل إلا بإذن وليِّ أمرها، والولاية من دواعي القوامة التي كلَّف الله -تعالى- بها الرَّجل، وأن لا يكون العمل مُعطِّلاً لها عن الزَّواج الذي حثَّ عليه الإسلام، وأن لا يَحول هذا العمل بينها وبين واجباتها الأساسيّة تِجاه من عليها رعايتهم، وأن تكون طبيعة العمل فيما أباح الله، وأن لا يُخالف العمل طبيعة المرأة وفطرتها؛ كالعمل في البناء ومصانع الحديد وغيرها من الأعمال التي تَشُّق على المرأة، ومن الضوابط أيضاً التزام المرأة باللّباس الشرعيّ الذي نصَّ عليه القرآن الكريم والسنة النبوية بعيداً عن التبَّرُج والزينة، وعدم الخلوة بالرّجال الأجانب.[١١]


المراجع

  1. د. زيد العقايلة، حقوق المرأة العاملة: دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، صفحة 412. بتصرّف.
  2. د. محمود الشوبكي، عمل المرأة في ضوء الشريعة الإسلامية، صفحة 5-6. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1552، صحيح.
  4. مراد سهيل (2007)، عمل المرأة في المجال الصحي بين الضرورة والضرر، صفحة 25. بتصرّف.
  5. حصة بنت هند بن العتيبي، الدور الحضاري للمرأة المسلمة في العهد النبوي والراشدي، صفحة 500-501. بتصرّف.
  6. محمد جميل زينو (1997)، كتاب مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع (الطبعة التاسعة)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 347، جزء 3. بتصرّف.
  7. سورة القصص، آية: 23.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر ، الصفحة أو الرقم: 5224، صحيح.
  9. د. وضحى عليوي صالح (2015)، ضوابط عمل المرأة في التشريع الإسلامي وأثرهفي السلم المُجتمعي، صفحة 5-6. بتصرّف.
  10. أحمد بن عبد العزيز الحمدان، كتاب دليل مكتبة المرأة المسلمة، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 187، جزء 4. بتصرّف.
  11. مروة محمد، ضزوابط حق المرأة في العمل، صفحة 1. بتصرّف.
4590 مشاهدة
للأعلى للسفل
×