محتويات
مفهوم عوارض الأهلية في القانون
متى تثور عوارض الأهلية؟
الأهلية تَدور مع التّمييز وُجودًا أو عَدَمًا وتَمامًا ونقصانًا، فإذا كان التمييز تامًّا كانت الأهلية تامّة، وإذا كان التمييز ناقصًا فالأهلية هي الأخرى ناقصة، وإذا كان منعدم الأهلية فالأهلية هي الأخرى معدومة، وعليه قد يبلغ الإنسان سنّ الرشد تامَّ التمييز، ولكن يطرأ على تمييزه ما يخلّ به، فتختل تبعًا لذلك أهليّته، وهنا ما يطلق عليها عوارض الأهلية، وهناك حالة قد تطرأ على الإنسان ولكنها لا تخلّ بتمييزه، بل تمنعه فقط من التّعبير عن إرادته، ففي هذه الحالة تُعين المحكمة وَصِيًّا عليه، كما هو الحال مع الشخص الأصم أو الأبكم أو الأعمى، حيث يتعذّر عليه التعبير عن إرادتِه فيجوز للمحكمة أن تنصبّ عليه وَصِيًّا، وتحدّد تصرفات هذا الوصي.[١]
تجدُر الإشارة إلى أنّ هنالك حالاتٍ قد تطرأ على الإنسان فلا تؤثّر على تَمييزه، أو قدرته على التّعبير، ولكنّها تمنعه من إدارة شؤونه، ففي هذه الحالة تتولّى المحكمة تنصيب قِيَم عليه، مثالها الشخص الغائب غيبة منقطعة، وحالة المَحكوم عليه بعقوبة جنائية، وعلى هذا الأساس، ولَمّا كان مناط الأهلية التّمييز، فهي تتأثّر بالسنّ دائمًا، وقد تتأثّر بعوارض تقع أو لا تقع وهي حالة الجنون أو العته أو الغفلة أو السفه.[٢]
أقسام عوارض الأهلية في القانون
ما هي الآثار التي تترتب على ثبوت عوارض الأهلية؟
تنقسم عوارض الأهلية في القانون إلى نوعَيْن اثنين: عوارض تعدم الأهلية وهي: الجنون، والعته، وعوارض تنقص من الأهلية، وهي: السفه، والغفلة.[٣]
عوارض تعدم الأهلية في القانون
ما هي الآثار القانونية التي تترتب على العوارض التي تعدم الأهلية؟
وهي العوارض التي تعدم الأهليّة مثل الجنون والعته؛ وذلك لأنّ من يبلغ سن الرشد ويُصاب بأحد هذَيْن العارِضَيْن، سوف يكون بحكم فاقد التمييز، أيْ: بعبارة أخرى تكون له أهلية الوجوب فقط دون أهلية الأداء، وعليه لا يكون له الحقّ في مباشرة الحقوق المدنية، أو القيام بأيّ إجراء أو تصرف قانوني.[٤]، وهذه العوارض هي:
الجنون
لم يورد القانون تعريفًا خاصًّا بالجنون، إنما ترك أمر تعريفه للفقه القانوني، الذي تولّى وضع العديد من التّعريفات الخاصة بالجنون، وعلى النحو الآتي:
- المجنون وفق فقهاء القانون: هو اختلال عقليّ يصيب الإنسان، فيفقده الإدراك والتمييز، ويترك تحديد هذا الأمر إلى الخبرة الطبيّة، لتحديد مدى نسبته لدى المريض.[٥]
- المجنون في الشريعة الإسلامية: هو كلّ من أصيب باختلال في عقله، ممّا أدّى إلى فقدانه الإدراك تمامًا، وتكون حالته حالة اضطراب، وحكمه أن جميع تصرفاته باطلة بطلانًا كليًّا، فلا تصحّ ولا يبنى عليها أيّ حكم من الأحكام، وتَجدُرُ الإشارة إلى أنّ الجنون الذي يصاب به الإنسان قبل بلوغه سن الرشد، لا يعد عارضًا من عوارض الأهلية؛ لأن الإنسان المصاب به لم تكتمل له أهلية الأداء، أو حتى أهلية ناقصة، بل هو يتمتع فقط بأهلية الوجوب التي تمكّنه من الحصول على الحقوق فقط.[٤]
- الجنون المطبق والجنون المتقطع: بعض القوانين مَيّزت بين الجنون المطبق والجنون المتقطع، فهم يرون أنّ الجنون المطبق هو الجنون المستمرّ الذي لا تتخلّله أيّ فترة إفاقة، وفي هذه الحالة يعدّ أيّ تصرف صادر عن الشخص باطلًا بطلانًا مطلقًا، في حين أنّ الجنون المتقطع هو الجنون الذي يصيب الشخص في بعض الأوقات دون البعض الآخر، فيجعل تصرفه صحيحًا وقت الإفاقة، وباطلًا وقت الجنون.[٦]، كما تجدر الإشارة أنّ رأي الطبيب أو الجهة الطبية المختصّة، في تحديد كون الإنسان مجنونًا مِن عدمه هو مجرد رأي خبير، جاز للمحكمة الأخذ به أو تركه.[٤]
العته
لم يُورد القانون تعريفًا للعته بشكل خاص، كما هو الحال في الجنون، بل ترك الأمر لفقهاء القانون ليبينوا ما هو وما المقصود به، لذلك يمكن التعريف به على النحو الآتي:[٤]
- العته في اللغة: هو التجنن والرعونة، والمعتوه هو المدهوش من غير مس جنون، أو بعبارة أخرى: ناقص العقل.[٧]
- العته لدى فقهاء القانون: يُقصد به الاختلال في شعور الشّخص بأن يكون فهمه قليلًا وكلامه مختلطًا، وتدبيره فاسدًا، وهو آفة تصيب العقل فتعيبه وتنقص من كماله.[٨]
- المعتوه في القانون: لقد عَدّ القانون المعتوه شخصًا عديم الإرادة، وتصرّفاته باطلة بطلانًا مطلقًا، أي أنّه ساوى بين الشخص المعتوه والشخص المجنون من حيث الحكم القانوني، ولم يفرق بين المعتوه الفاقد كلّ الإدراك والتمييز، وبين المعتوه الذي لم يفقد إدراكه وتمييزه.[٤]
تجدر الإشارة إلى أن كلًّا من الجنون والعته هما واقعتان مادّيتان، يمكن أن يتم إثباتها بوسائل الإثبات كافّة، وللمحكمة التي تنظر في هذا الموضوع الحق في الرجوع إلى الخبرة الطبية، وكذلك إلى شهود الحال، ومن ثم إذا ما أقامت حكمها على إثبات حالة الجنون أو العته، فإن ذلك الحكم يستقل بهقاضي الموضوع، ولا معقّب عليه من محكمة النقض، ولعلّ من أهم الآثار القانونية التي تترتب حالة الشخص الجنون أو المعتوه أنهما لا يتمتّعان بأهلية إبرام التصرفات القانونية؛ لأنّ التصرف القانونيّ يرتبط وجودًا وعَدَمًا بالإدراك والتّمييز، وكلٌّ منهما فاقدٌ للإدراك والتمييز.[٤]
عوارض تنقص الأهلية في القانون
ما هي الآثار القانونية التي تترتب على العوارض التي تنقص الأهلية؟
وهي عوارض لا تعدم الأهلية، إنما تجعلها ناقصة، وأغلب القوانين والتشريعات أخذت بنوعين اثنين من هذه العوارض، أولهما السفه وثانيهما الغفلة.[٤]، ويمكن بيانهما على النحو الآتي:
السفه
السفه في اللغة: ضدّ الحُكم، وأصله الخفّة والحركة، يُقال: تسفهت الريح الشجر، أيْ مالت، والسّفيه هو الشخص الجاهل.[٢] ، أمّا السفيه عند فقهاء القانون فهو كلّ شخص يبذر ماله ويبدده في غير موضعه، وعلى غير مقتضى العقل والشّرع، إذ إنّه يبدّد أمواله بصورة منافية للصواب، وتتسم نفقاته بالمبالغة والإفراط والخروج عن المألوف، حتى لو كان في أوجه الخير.[٣]
تجدر الإشارة إلى أن فكرة السفه ليست فكرة مقيدة، بل هي فكرة معياريّة، يتم الرجوع فيها إلى الكثير من التجارب المجتمعية، وكذلك ما تعارف عليه الناس في الحياة، وهي تبنى بوجه عام على إساءة استعمال الحقوق الشخصية، مثال ذلك: إدمان الشخص على المقامرة بمبالغ كبيرة، أو الإسراف في التبرعات، أو صرف المال في كل ما يتبع الهوى.[٤]
الغفلة
عرّف فقهاء القانون الغفلة بأنها سهولة الشخص في الغبن بسبب سلامة القلب وضعف الإدراك.[٩]، لذلك فالغفلة عارض من العوارض التي تعترض الإنسان، فلا تخل بالعقل، إنما تعمل على الإنقاص من قوة الملكات النفسية الأخرى، ومن أهمها: الإدارة وحسن التدبير والتقدير، والسفيه وذو الغفلة وإن اشتركا في معنى واحد -وهو ضعف الملكات الضّابِطة للنفس- إلا أن السفيه في العادة يكون مبصرًا لعواقب أفعاله الفاسدة، ومع ذلك هو يتعمد القيام بها، أما ذو الغفلة، فالفعل يصدر عنه عن حسن نية غير مدرِك لعواقبه.[٣]
تجدر الإشارة إلى أنّ لمحكمة الموضوع استخلاص قيام حالة السفه أو الغفلة في تصرفات المطلوب الحَجْر عليه، ومتى ما ثبت لها أنّ تصرفاتهما فيها تبذير أو إسراف على خلاف الشرع بالنسبة للسفيه، وفيها غبن بالنسبة لذي الغفلة، فإن لها أن توقع الحجر، ولا يعد حكمها محلًّا للمراجعة من قبل محكمة النقض.[٤]
وعلى هذا الأساس فإن عوارض الأهلية تثور فقط إذا ما أصيب الشخص بأيّ عارض من هذه العوارض، بحيث يؤثر في مركزه القانوني، وهي تختلف باختلاف نوع العارض، كما أن عوارض الأهلية على اختلاف أنواعها هي ذاتها في أغلب التشريعات المدنية، ولا تختلف إلا في بعض الجزئيات البسيطة.
تأثر الأهلية بالسن
الأدوار الطبيعيّة في حياة الإنسان هي الأدوار التي يمرّ بها كلّ إنسان من وقت الولادة إلى وقت الموت، وبها تنتهي الشخصيّة القانونيّة الخاصة به، وهذه المراحل ثلاث مراحل هي:[٢]
- من وقت الولادة إلى سن التمييز (الصبي غير المميز): تقدر سن التميز بسبع سنوات، وكلّ من لم يبلغ سن السابعة لا يستطيع أن يباشر أيّ عمل قانوني، وهنا تجدُرُ الإشارة إلى أن الولاية على مال الصبي غير المميّز تكون للولي، ومن ثم للوصيّ.
- من سن التمييز إلى البلوغ (الصبي المميز): يعدّ الصبي مميّزًا من وقت بلوغه سن التمييز، أيْ سنّ السابعة لحين بلوغه سن الرشد، والذي يقدر في بعض القوانين بواحد وعشرين عامًا، وهناك من خفضها إلى سن الثامنة عشر، فإذا كان الصبي مميزًا كانت جميع تصرّفاته المالية صحيحة، متى ما كانت نافعة نفعًا مَحضًا، وباطلة متى ما كانت ضارّة ضررًا محضًا، أما التصرفات المالية التي تكون دائرة بين النفع والضرر فتكون قابلة للأبطال لمصلحة القاصِر.
- من سن البلوغ إلى الموت (البالغ الرشد): كلّ شخص بَلَغ سن الرشد فهو متمتع بقواه العقلية ولم يتمّ الحجز عليه لأيّ سبب كان، ولم يكن مجنونًا أو معتوهًا أو محكومًا عليه باستمرار الولاية أو الوصاية لأيّ سبب من أسباب الحجر أصبح راشدًا كامل الأهلية، لمباشرة حقوقه المدنية، وإذا ما أريد الحجر عليه بعد ذلك، وجب استصدار حكم قضائيّ بالحجر، وتختار المحكمة له قيمًا، قد يكون غير الوصيّ أو الولي.
لقراءة المزيد عن مبحث الأهلية القانونية، انظر هنا: أنواع الأهلية في القانون.
المراجع
- ↑ عبد المجيد الحكيم (1963)، الموجز في شرح القانون المدني الجزء الأول مصادر الالتزام مع المقارنة بالفقه الاسلامي (الطبعة 2)، بغداد:شركة الطبع والنشر الأهلية، صفحة 107. بتصرّف.
- ^ أ ب ت عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني (مصادر الالتزام)، القاهرة:مطبعة دار المعارف، صفحة 252. بتصرّف.
- ^ أ ب ت النظرية العامة في الالتزامات في القانون المصري (1980)، عبد المنعم البدراوي، صفحة 141، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ أحمد فوزي أبو عقلين (2012)، عوارض الأهلية دراسة موازنة في القانون الفلسطيني والقانون المصري، غزة فلسطين: جامعة الأزهر، صفحة 23. بتصرّف.
- ↑ سليمان الناصر، لمدخل لدراسة القانون، صفحة 148. بتصرّف.
- ↑ عدنان إبراهيم السرحان ونوري حمد خاطر (2005)، شرح القانون المدني الالتزامات دراسة عامة مقارنة، صفحة 119. بتصرّف.
- ↑ أبي الفضل جمال الدين ، لسان العرب، بيروت: دار صادر، صفحة 512، جزء 13. بتصرّف.
- ↑ ياسين محمد الجبوري ، المبسوط في شرح القانون المدني، صفحة 375، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ كمال حمدي (2003)، الولاية على المال، القاهرة: منشأة المعارف، صفحة 202. بتصرّف.