سورة البقرة
سورة البقرة أعظم سورة بعد فاتحة الكتاب، وهى أولى السِّبع الطِّوال، جاءت سورة البقرة بعد الفاتحة مباشرة ففصلت ما أُجمِلَ بفاتحة الكتاب، وورد العديد من الأحاديث الدّالة على فضلها، قال رسول الله: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ"،[١] وقال أيضًا: "اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ"،[٢] وهي أوّل سورة مدنية، وتعددت أسماء هذه السورة: فهي البقرة وسنام القرآن وفسطاط القرآن والزّهراء، وجُمعت آياتها بمائتان وستِِ وثمانون، واشتملت على ثلاثة أجزاء من القرآن وُرد في كل جزء منها أحكام شرعية متعددة؛ كالتربية والصِّيام والحجِّ والنِّكاح والطلاق، ومن آياتها ما تعلق باليهود ومنها بالمشركين، فهي سورة عظيمة قامت على بناء المجتمع الإسلاميّ،[٣] ومن حافظ على قراءتها نال البركة والأجر الكبير، وفيها آية الكرسي، لذلك سنخصص الحديث في هذا المقال عن فضل آية الكرسي وتفسيرها ومواضع قراءتها.[٤]
فضل آية الكرسي
إنَّ آية الكرسي تُعدُّ أعظم آية في القرآن الكريم، وهي آية ذات شأن عظيم ورد فضلها في العديد من الأحاديث النّبويّة، وتعد أعظم آية لاشتمالها على أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى قال النووي: "إنّما تميّزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات"، وعن فضائلها ما ورد في حديث رسول الله حيث قال: "يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ. قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: {اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ}، قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ"،[٥] وإنَّ من فضل قراءتها أنّها سببًا في حفظ النَّفس والبيت من كيد الشيطان ووساوسه حيث قال أبي هريرة: "إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ: {اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ}، حتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فإنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ ، ولَا يَقْرَبَنَّكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ"[٦]، ومن الجدير بالذكر أنْ ثواب قراءتها موصول ومستمر؛ حيث قال القرطبي في تفسيره: "هذه آية أنزلها الله جل ذكره، وجعل ثوابها لقارئها عاجلًا وآجلًا، فأما في العاجل فهي حارسة لمن قرأها من الآفات"، فمن داوم على قراءتها نال الفضل الكبير والأجر العظيم.[٧]
تفسير آية الكرسي
عظُم شأن آية الكرسي في كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم لفضائلها العظيمة؛ والعبد المسلم لا بُد له أنْ يعلم تفسير ما يحفظ وما يقرأ من القرآن العظيم حتى يتدبر ويستعشر عظيم معاني آيات الله لذلك ورد في تفسير آية الكرسي العديد من المعاني وسنأخذ تفسير السّعدي لأنّه من التفاسير الميسرة المفيدة؛ قال تعالى: { اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ} أخبر الله -عزّ وجلّ- أنَّه لا معبود بحق سواه، فهو الذي يتعيّن أنْ تكون أنواع العبادة والطاعة له وحده لكماله وكمال صفاته، {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} هما اسمان من أسماء الله الحسنى؛ فالحيُّ: من له الحياة الكاملة كالسمع والبصر والعلم، والقيوم: هو الذي قام بنفسه وقام بغيره؛ بمعنى اتصاف الله -عزّ وجلّ- بجميع الأفعال بما يشاء؛ كالاستواء والنزول والكلام والإماتة والإحياء، ومن بعض العلماء من قال: بأنهما اسم الله الأعظم الذي إذا دُعيّ به أجاب، وقوله {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} أيّ لا يأخذه نعاسٌ ولا نوم، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أيّ أنّه مالك الملك الخالق المدبر وغيره مخلوق مدبّر لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} أيّ أنّه لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه فالشفاعة كلها لله -عزّ وجلّ- {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} يعلم ما مضى من الأمور وما يستقبل منها فعلمه محيط بالظاهر والباطن بالغيب والشهادة، {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وهذا يدل على كمال عظمة الخالق وسِعة سُلطانه؛ فإذا كان هذا لكرسي يَسع السَّموات والأرض وهو ليس أكبر المخلوقات، فالذي أعظم منه هو العرش فهذا مما يُذهب العقول والأبصار، {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[٨] أيّ لا يثْقله بذاته فوق عرشه، العلي بقهر كل مخلوقاته والعظيم الذي تتضائل عند عظمته جبروت الجبابرة، وقد اشتملت هذه الآية علىتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات فهي آية من آيات العقيدة العظيمة.[٩]
مواضع قراءة آية الكرسي
بعد أنّ تمَّ بيان فضل آية الكرسي وتفسيرها لا بُد من ذكر مواضع قراءة آية الكرسي، ليكسب العبد فضل وقتها وعظيم أجرها، فهي آية من بضع أسطر إلا أنّها اشتملت على عقيدة العبد المسلم؛ فلذلك يُسنُّ له أنْ يحافظ عليها في المواضع الآتية:[١٠]
- تقرأ آية الكرسي في كل يوم مع أذكار الصباح والمساء بدليل قول رسول الله: "من قَرَأَ الله لا إِلَهَ إِلَّا هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ مَنْ قالَها حِينَ يُمسِي أُجِيرَ مِنَّا حتَى يُصْبِحَ ومَن قالَها حينَ يصبحُ أُجِيرَ مِنَّا حتى يُمسِي فلَمَّا أصبحَ أتَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليِه وسلَّمَ فذكر ذلكَ له فقال : صَدَقَ الخبيثُ".[١١]
- تقرأ آية الكرسي في كل ليلة عند النوم بدليل قول رسول الله: "إذا أَوَيتَ إلى فراشِك ، فاقرأ آيةَ الكرسيِّ : (اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حتى تختم الآيةَ ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظٌ ، ولا يقربُك شيطانٌ حتى تصبحَ". [١٢]
- تقرأ أية الكرسي دبر كل صلاة بدليل قول رسول الله: "مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ ، إلَّا الموتُ".[١٣]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:780، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:804، صحيح.
- ↑ "بطاقات التعريف بسور المصحف "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ "أسماء سورة البقرة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم:810، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2311، حديث معلق.
- ↑ "فضل آية الكرسي"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:255
- ↑ "تفسير آية الكرسي"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16.
- ↑ "مواطن قراءة آية الكرسي"، ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-16. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم:662، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب ، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 610، حديث صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في بلوغ المرام، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:97، حديث صحيح.