تلاوة القرآن
إنّ التلاوة من جهة اللغة تعني القراءة على نحوٍ عام، وأمّا من الجهة التي اصطلح الناس على معناها والتي يذهب الذهن إليها حال سماع الكلمة فإنّها تعني قراءة القرآن الكريم وفق الضوابط والشروط المعروفة لقراءة القرآن، ومراتب تلاوة القرآن هي ثلاث: الأولى هي الترتيل؛ وهي أعلى المراتب، ومعناها قراءة القرآن من غير عجلة وعلى مُكث؛ وبها نزل القرآن الكريم لقوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا}[١]، والثانية هي الحدر؛ وتعني قراءة القرآن بإسراع مع الحفاظ على أحكام التجويد ومخارج الحروف، والثالثة هي التدوير؛ وهي حالٌ وسَط بين الترتيل والحدر، ومن العلماء من يرى أنّ التلاوة بمعنى الاتّباع؛ وذلك لقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[٢]، فمعنى الآية -بحسب ابن مسعود- الذين يتبعون ما جاء فيه من تحليل الحلال وتحريم الحرام، وسيقف المقال فيما يأتي مع فضل تلاوة القرآن في رمضان.[٣]
فضل تلاوة القرآن في رمضان
لقد استدلّ بعض اهل العلم على فضل تلاوة القرآن في رمضان وأنّ لهذه التلاوة في هذا الوقت شرفٌ أكبر من غيره بحديث رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه يقول فيه: "كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ"[٤]، بل وذهب بعضهم إلى استحباب قراءته ليلًا في شهر رمضان؛ كون الليل عادة يكون فيه العبد مقطوعًا عن شواغل الدنيا مستدلّين بقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}[٥]، وقد كان من السلف من يقرأ القرآن في القيام فيختمه بثلاث ليالٍ أو سبع، ولعلّ العلاقة بين شهر رمضان وبين القرآن تكون أبعد من هذا؛ فإنّ القرآن الكريم قد نزل في شهر رمضان كما بيّن تعالى في قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}[٦]، وقد حثّ الله -تعالى- عباده المؤمنين على تلاوة القرآن لما فيها من أجر عظيم وشرف رفيع للعباد فقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[٧]، فيقول الإمام ابن كثير الدمشقي في تفسيره لهذه الآية الشريفة: "اقرأه على تمهل، فإنه يكون عونًا على فهم القرآن وتدبّره، وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه".[٨]
وقد كان للسلف مع القرآن الكريم في رمضان أحوال كثيرة؛ فإنّ فضل تلاوة القرآن في رمضان له أجرٌ مُضاعفٌ عن سائر الأوقات؛ إذ كلّ أعمال الخير في رمضان لها أجر مضاعف عن غير رمضان، فقد كان إمام دار الهجرة مالك بن أنس إذا أتى رمضان فإنّه يترك قراءة الحديث ويلتفت لقراءة القرآن الكريم من المصحف، وكذلك كان فعل الإمام قتادة مع القرآن في رمضان يختلف عن غيره من الأوقات؛ إذ كان يختم القرآن في غير رمضان بسبع ليال، فإذا دخل رمضان ختمه في كلّ ثلاث ليال مرّة، وأمّا إذا دخلت العشر الأواخر فإنّه يختمه في كلّ ليلة مرّة، ومن فضل تلاوة القرآن في رمضان وفي غيره من الشهور أنّ تلاوة القرآن:[٨]
- فيها تحصيل لأجر عظيم: وذلك لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}[٩]، وقراءة القرآن الكريم قد جعل الله لها بكلّ حرف حسنة، والحسنة عند الله بعشر أمثالها، والله -سبحانه- يضاعف لمن يشاء، فقد ورد عن ابن مسعود انّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة"[١٠]، فمثلًا الم في سورة البقرة هي ثلاثة حروف وليس حرفًا واحدًا.[١١]
- تتنزّل السكينة على قارئيه: فقد روى البراء بن عازب في صحيح مسلم أنّه كانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ منها، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقالَ: "تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ"[١٢]، فالسكينة تغشى قارئ القرآن وتتنزّل عليه من الله سبحانه.[١٣]
آداب تلاوة القرآن
بعد الوقوف على فضل تلاوة القرآن في رمضان وغيره يقف هذا المقال ختامًا مع آداب تلاوة القرآن التي حثّ عليها الإسلام عند قراءة الكتاب العزيز، وهي آداب كثيرة سيقف هذا المقال مع بعض منها؛ إذ قد صُنّف في هذا الأمر مصنّفات كثيرة منها كتاب الإمام النووي الذي عنوانه: التبيان في آداب حملة القرآن، ومن تلك الآداب:[١٤]
- الإخلاص.
- الطهارة.
- السواك.
- نظافة المكان.
- استقبال القبلة.
- الاستعاذة والبسملة.
- التّرتيل.
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية: 106.
- ↑ سورة البقرة، آية: 121.
- ↑ "معاني التلاوة ومراتبها و أفضلها"، /www.islamweb.net، 22-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3220 ، حديث صحيح.
- ↑ سورة المزمل، آية: 6.
- ↑ سورة البقرة، آية: 185.
- ↑ سورة المزمل، آية: 4.
- ^ أ ب "فضل قراءة القرآن"، www.islamweb.net، 22-3-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة فاطر ، آية: 29.
- ↑ رواه السيوطي، في مطلع البدرين، عن عبدالله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم: 54، حديث صحيح.
- ↑ "فضل تلاوة القرآن الكريم"، al-maktaba.org، 22-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 795، حديث صحيح.
- ↑ "تلاوة القرآن سبب لتنزل السكينة"، al-maktaba.org، 22-3-2020. بتصرّف.
- ↑ "آداب تلاوة القرآن"، al-maktaba.org، 22-3-2020. بتصرّف.