محتويات
فضل سورة القيامة
لم ترد أحاديث نبويَّة في فضل سورة القيامة، ولم يُروى عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قراءتها في موقفٍ مخصوصٍ أو لتحقيق منفعةٍ معينةٍ، لكنّ سورة القيامة من سور المفصّل (السور القصيرة) التي تفضّل الله بنزولها على رسوله كما قال -عليه السلام-: (... وفُضِّلتُ بالمُفصَّلِ)،[١] لتكون رغم قصرها إلا أنّها احتوت على موضوعاتٍ تستحقُّ أن يتوقّف المسلم معها وقفة تأملٍ كما سيأتي.[٢]
والسورة كذلك تدخل في عموم فضائل سور القرآن وآياته، والآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة الواردة في فضل تلاوة القرآن الكريم والحثِّ عليها كثيرةٌ، ومن هذه الفضائل:[٣]
- في الدُّنيا
- السَّكينة والطمأنينة، فخالق النَّفس الإنسانيَّة هو منزل دستورها (القرآن).
- المكانة العالية التي بشَّر بها رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عندما قال: (إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخرين).[٤]
- مصدر رئيسي للتعرّف على الله -سبحانه- وأوامره ونواهيه.
- في الآخرة
- الشَّفاعة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ).[٥]
- الأجر والثَّواب العظيم والمنزلة العالية في الجنَّة.
فضل موضوعات سورة القيامة
عند قراءة سورة قرآنية مع التدبُّر نلاحظ أنَّ سورة القيامة تناولت موضوعاتٍ مترابطة تحقِّق هدفاً معيَّناً، والمتأمِّل لسورة القيامة يجد أنَّها تناولت موضوعاتٍ وحقائق منسجمةً مع اسمها، وذكرت السُّورة مجموعةً من الصور والمشاهد بترتيبٍ مختلفٍ عن التسلسل الزمني، فخُتمت بالحديث عن خلق الإنسان وبُدِئَت بالحديث عن يوم القيامة الذي أقسم الله به.[٦]
وقد خُلق الإنسان ولم يُترك، فأرسل الله له الأنبياء وأقام عليه الحجَّة، وترك له الخيار ما بين طريقٍ يوصل إلى الجنَّة ونعيمها، وطريقٍ يوصل إلى النَّار وعذابها، وسورة القيامة تبيِّن أهوال يوم القيامة، الحدث الذي ينتهي به اللهو في الدُّنيا الزائلة ويبدأ به الجزاء، وفيما يأتي ذكر هذه المواضيع مع شيءٍ من التفصيل:
إثبات القيامة وما يحدث فيها
ذّكّرت الآيات من (1- 13) يوم القيامة وما يحدث فيه من أهوالٍ لا سبيل لمعرفتها إلَّا من خلال الوحي الصَّادق؛ لأنَّها أمرٌ غيبيٌّ لا يعلمه إلَّا الله، فأنزلها في كتابه لتكون تذكرةً للناس.[٧] ومعرفة هذه الأهوال يذكِّرالمؤمن بركنٍ من أركان الإيمان.
وهو الإيمان باليوم الآخر الذي ينكره الكافرين، ويظنون أن الله -سبحانه- غير قادر على خلقهم بعد موتهم، مع أنَّه خلقهم من قبل أوَّل مرة، أمَّا المؤمن باليوم الآخر، فيعلم أنَّ الله قادرٌ على بعثه وخلقه، وسيلقى حسابه على جميع أفعاله، فيستعد لهذا اليوم بالعبادة والأعمال الصَّالحة.
الإنسان مرهون بعمله
جاءت الآيتين (14-15) لتؤكِّد على أنَّ الإنسان محاسبٌ على عمله، يستطيع تمييز الصواب من الخطأ، ولو لجأ إلى الأعذار والحجج والتبرير؛ فستشهد نفسه عليه، وسيشهد على الإنسان بصره وسمعه وجميع جوارحه أنه فعل السوء، وهو بصيرٌ مختارٌ له، وذلك لمن أطاع نفسه الأمَّارة بالسُّوء وظنَّ أنَّ التبرير وتقديم الأعذار الواهية سينجيه.[٨]
وفي هذا إشارةٌ إلى ضرورة تقويم النَّفس وتدريبها على ترك ما لا يرضي الله -عز وجل-، والعمل الجاد وصدق النيَّة على الاستقامة، فالأعذار لا قيمة لها يوم القيامة، والله يعلم ما تخفي الصدور.
آداب تلقي الوحي
الآيات من (16-19) لها العديد من الفوائد:[٩]
- تُطمئِن قلب النبيِّ أنَّ القرآن الكريم تعهَّد الله بحفظه
- فقد كان النبيُّ عند نزول الوحي يحرّك لسانه بالكلمات بسرعةٍ كي يستطيع حفظها، والحقيقة أن القرآن حفظه الله في الصدور بزمن النبيِّ -صلى الله عليه وسلّم-، ثمَّ حفظه بالسُّطور المكتوبة دون أن يُمسَّ أو يبدَّل أو يقع خطأ، فهو الكتاب الوحيد الذي يستطيع الإنسان حفظه من أوله لآخره، وهو الكتاب الوحيد الذي لا يحتاج الى مراجعةٍ أو تنقيحٍ وتعديلٍ، وهذا كلُّه من صور حفظ الله لكتابه.
- تعليم طالب العلم آداب التعامل مع تلقي المعلومات
- فلا يتسرَّع بالحكم عليها بالمدح أو الذمِّ قبل اكتمال الحديث، ولا يتعجل بالحصول على الإجابات والنقاش حتى انتهاء المعلم، وعند تلقي العلم تكتمل الصورة وتوضّح التفاصيل دون مقاطعة تسلسل الحديث.
تقرير حب الكافرين للدنيا
تحدثت الآيتين (20-21) عن تعلُّق القلوب في الدُّنيا ومتاعها العاجل السَّريع، وتعلُّق الكافرين فيها أشدُّ؛ لأنَّهم لم يعملوا للآخرة وظنوا أنهم خالدين في الدنيا.[١٠] ويتعلّق الكافر في الدنيا، أما المؤمن فيتعلَّق قلبه في الآخرة ونعيمها، حتى ولو كان هذا آجل بعد وقت، ويعلم أن هذه الدنيا محطةٌ عابرةٌ سيتركها ليصل الى دار القرار والخلود.
سرور المؤمنين برؤية الله
تحدثت الآيتين (22-23) عن أعظم نعمةٍ سيُرزق بها المؤمن يوم القيامة، أعظم من القصور والأنهار الجارية والطَّعام وكل النِّعم التي ذكرها القرآن مجتمعةً، إنَّها رؤية الله -عز وجل-، وقد وعد الله -سبحانه- المؤمنين بأنَّهم سيتنعّمون وينظرون إليه، فقال -سبحانه-: (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)،[١١] وهذه النعمة ليست إلَّا للمؤمنين.[١٢]
أمَّا الكافرين فقال -تعالى-: (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُون)،[١٣] أما المؤمنين ليسوا بمحجوبين،[١٢] وذكر النبيُّ -عليه السلام- أحاديث صحيحةً يشجّع فيها الصَّحابة أنَّ بعد هذا التعب في الدنيا سيكون للمؤمنين لقاءٌ مع الله ينظرون فيه إليه فتنشرح صدورهم وتستنير وجوههم، فقال: (إنكم سترون ربكم عياناً).[١٤]
ذكر حال المكذب عند الاحتضار
تحدثت الآيات من (26 - 35) عن حال المكذّب بالله واليوم الآخر عند حضور الموت، واجتماع الشدائد عليه، فهو يترك الدُّنيا التي عمل لها، ويذهب إلى الآخرة وهو غير مستعدٍ للقاء ربِّه،[١٥] والموت حقيقةٌ لا ينكرها أحد، فلا بدَّ من الاستعداد لتلك اللحظة التي نفارق بها حياتنا الدنيا، وسؤال الله الخاتمة الحسنة، والإكثار من الخيرات، حتى لا نندم في موقف لا ينفع فيه الندم.
الإنسان لا يُترك سدى
تحدثت الآيات (36 - 40) عن أن الإنسان لا يترك مهملاً دون توجيهٍ وحسابٍ ومهماتٍ مطلوبةٍ منه، فالله -عزَّ وجل- لم يخلقنا عبثاً، وإنما خلقنا لنعبده ونعمر الأرض.[١٦] وجاءت الآيات تردُّ على منكِر البعث والحساب، فالذي خلق الإنسان من ماء الرجل وكوّنه في رحم الأم قطعة دمٍ تكبر ويصبح لها شكلٌ وعظامٌ ليتكون إنسان كامل في أحسن تقويم؛ لا يصعب عليه الخلق مرة ثانية
وقدرة الله لا حدود لها، فهو قادر على الخلق في الدنيا، وقادر على إحياء الموتى ثم حسابهم على ما عملوا في حياتهم من لحظة خلقهم إلى موتهم، وفي هذه الآيات دعوة الى الاستعداد للقاء الله، والتأمل بضعف الإنسان ومراحل خلقه، ومراقبة أعماله؛ لأنَّه محاسب عليها.
التعريف بسورة القيامة
جاءت هذه السورة المكيَّة ضمن سور المفصل لتحذّر المؤمن من عاقبة الكافر الذي كذب وأعرض عن آيات الله في 40 آية كريمة،[١٧] وهي سورةٌ مليئةٌ بالدروس والعبر، تناولت موضوعاتها يوم القيامة وما فيه، وذكّرت المؤمنين باليوم الآخر والحساب على الأعمال، كما ذكّرت الناس بقدرة الله على خلقهم بإعجاز، ثمَّ بشرت المؤمن بالنعم ورؤية الله.
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في بداية السول، عن واثلة بن الأسقع الليثي أبي فسيلة، الصفحة أو الرقم:59، صحيح .
- ↑ السيوطي، الدرر المنثور في التفسير بالمأثور، الجزء 7، صفحة 586.
- ↑ محمود الملاح، كتاب فتح الرحمن في بيان هجر القرآن، صفحة 73-78. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:817، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:804، صحيح .
- ↑ سعيد حوى، الأساس في التفسير، ج 11، صفحة 6259. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحلي، التفسير الوسيط، الجزء 3، صفحة 2779. بتصرّف.
- ↑ الثعالبي، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، الجزء5، صفحة 522. بتصرّف.
- ↑ السعدي، تيسير الكريم الرحمن، صفحة 899. بتصرّف.
- ↑ أسامة سليمان، تفسير القرآن الكريم، الجزء 23، صفحة 2. بتصرّف.
- ↑ سورة القيامة، آية:23
- ^ أ ب مصطفى العدوي، سلسلة التفسير، الجزء80، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ سورة المطففين، آية:15
- ↑ رواه ابن خزيمة، في التوحيد، عن جرير بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:413/2، صحيح .
- ↑ الفيروزآبادي، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، صفحة 494. بتصرّف.
- ↑ صديق حسن خان، فتح البيان في مقاصد القرآن، الجزء14، صفحة 449. بتصرّف.
- ↑ القاسمي جمال الدين، تفسير القاسمي محاسن التأويل، الجزء 9، صفحة 362. بتصرّف.