سورة غافر
القرآن الكريم كِتاب الله سبحانه وتعالى، أنْزَله على سيّدنا محمَّد -صلّى الله عليه وسلّم-؛ لهدايةِ النَّاس وإرشادهم إلى الطّريقِ المُسْتَقِيم، وإخراجِهم من ظُلمات الجَهْل والرذيلة، إلى نور العلم والفضيلة، ويَضُم مئة وأربع عشرة سورة، ومِن سوره المكية سورة غافِر، وهي السُّورَة الأربعون بحسب ترتيبها في المصحف الشريف، وعدد آياتها خمس وثمانون، وهي من الْحَوَامِيم، والْحَوَامِيم: السُّور السبع المُفْتَتَحَة بحرفي الحاء والميم، وتَضُم السَّور الآتية: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، وفيما يأتي بيان فضل سورة غافر وتعريفٌ بموضوعاتها إجمالًا، وعَرْض موقف من مواقف استغفال فِرْعَوْن لقومه.
مضامين سورة غافر
بدأت السُّورة الكَريمة بحرفي الحاء والميم "حم" وهما من الحروف المُقَطَّعة التي يتكون منها القرآن الكريم، وذلك تحديًا للمشركين المشككين بِصدقه؛ والذين عَجِزوا عن الإتيان بمثلِه، رغم أنه يتكون من ذات الحروف التي يتخاطبون بها، ورغم اشتهارهم بالفصاحة والبيان، [١] وقَدْ ذَكَرَتْ الآيات الكريمة بعض صفات الله -سبحانه وتعالى-، والتي تَضَمَّنَت غفرانه -جلَّ وعلا- للذنوب، وقبوله للتوبة، وشِدَة عقابه، وتحدّثت عن مصير المُكذبين من الأمم السّابقة، وعقاب الله -سبحانه وتعالى- لهم، وعَرَضَت لمشهد حملة العرش ومَنْ حَوله، في عبادتهم لله سبحانه وتعالى، واستغفارهم للمؤمنين، وبعض مشاهد يوم القيامة، كما عَرَضَت جانبًا من قصةِ سيّدنا موسى -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وبعض الآيات الكونية الدالة على قدرة الله سبحانه وتعالى، وعَظَمَتِه. [٢]
فضل سورة غافر
خَصَّتْ بعض الأحاديث النبوية الشريفة سُورًا بعينها بمزيدِ فضلٍ، ومن ذلك ما وَرَدَ في فضل سورةِ غافر فَعَن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ رجُلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ أقرِئْني القُرآنَ، قال: "اقرَأْ ثلاثًا مِن ذَواتِ الر"، قال الرَّجُلُ: كبِر سِنِّي، وثقُل لساني، وغلُظ قلبي، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ حم "، فقال الرَّجُلُ مِثْلَ ذلكَ، ولكِنْ أقرِئْني يا رسولَ اللهِ سورةً جامعةً، فأقرَأه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا"، [٣] حتَّى بلَغ: "مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" [٤] قال الرَّجُلُ: والَّذي بعَثك بالحقِّ ما أُبالي ألَّا أزيدَ عليها حتَّى ألقى اللهَ، ولكِنْ أخبِرْني بما علَيَّ مِن العملِ أعمَلْ ما أطَقْتُ العمَلَ، قال: "الصَّلواتُ الخَمسُ، وصيامُ رمضانَ، وحجُّ البيتِ، وأدِّ زكاةَ مالِكَ، ومُرْ بالمعروفِ، وَانْهَ عنِ المُنكَرِ" "، [٥]
وسورة غافر من ذواتِ حم التي ذُكِرَتْ في هذا الحديث النبويّ الشريف، وهذا مِمَّا يزيد من فضل سورة غافر وفضل سورة غافر -كما هو الحال في القرآن كلّه- لا ينحصر في أجر وبركة التِّلاوَةِ فقط؛ بل يشْمَل الفَهم والتطبيق؛ لذا على المسلم أنْ يَحْرِصَ على فَهْمِ معانيها، وعلى تطبيقها في حياته؛ لينال بذلك الفضل كلّه.
مثل صار فرعون واعظًا
أَورَدَت الآيات الكريمة مِنْ سورة غافِر جانبًا من قصةِ سيّدنا موسى -عليه الصَّلاة والسَّلام- مع قومه؛ تسْليةً للرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، وتثبيتًا لفؤاده في مواجهة ما يلقاه من المشركين، وقد وَرَدَ فيها قول فِرْعَوْن لقومه ذروني أَقْتُلْ موسى، مُعَلِلًا ذلك بخوفه على دين الناس من التغيير والتبديل، وعلى مصالحهم وبلادهم، من ظهور الفساد على يد موسى -عليه الصَّلاة والسَّلام- ومن معه من المؤمنين، قال تعالى: "وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ"، [٦] وهذا مما يثير التَّعَجُّب والإِنْكار؛ فهو كما قال المَثَلْ: "صار فِرْعَوْن واعِظًا"؛ إذ إنَّ رَأْس الكفر، ومُدَّعي الألوهية، ومَنْبَع الظلم والفساد والإفساد، قَدْ لَبِس ثوب الواعظ، الذي يخاف على دين النّاس، ويُشفق عليهم، ويراعي مصالحهم، وهو في الحقيقة يخاف على نفسه، ويخشى زوال ملكه. [٧]
المراجع
- ↑ الحروف المقطعة في القرآن الكريم, ، "www.alukah.net"، اطُلع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرّف.
- ↑ مقاصد سورة غافر, ، "islamweb.net"، اطُلع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرّف.
- ↑ {الزلزلة: الآية 1}
- ↑ {الزلزلة: الآية 7، الآية 8}
- ↑ الراوي: عبدالله بن عباس، المُحدّث: شعيب الأرناؤوط، المصدر: تخريج صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم:6188، خلاصة حكم المُحدّث: إسناده صحيح على شرط الصحيح.
- ↑ {غافر: الآية 26}
- ↑ صار فرعون واعِظا, ، "www.saaid.net"، اطُلع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرّف.