فضل صوم يوم عرفة

كتابة:
فضل صوم يوم عرفة

كم سنة من الذنوب يكفّر صيام يوم عرفة؟

في هذا المقال سيتعرَّف القارئ على فضل يوم عرفة وفضل صيامه، وحكم صوم يوم عرفة للحاجِّ عند الأئمة الأربعة، بالإضافة إلى حكم عدم صيام هذا اليوم لغير الحاجِّ، ودرجة الحديث الذي يتحدّث عن صيام يوم عرفة.

إنَّ صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين؛ سنة ماضية وسنة مقبلة،[١] وهذا هو أحد فضائل يوم عرفة، وهناك فضائل عظيمة أخرى له، وفي هذا المقام بيانٌ لبعض هذه الفضائل:

  • العتق من النيران

هناك أيام مخصوصة وضّحت السنة النبوية الشريفة أنّ الله -عزَّ وجلَّ- يعتق فيها رقاب عباده من النار، وإنَّ أكثر يومٍ يعتق الله -عزَّ وجلَّ- عباده من النار يكون هو في يوم عرفة، ودليل ذلك ما ثبت عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- حيث قالت: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ).[٢][٣]

  • المباهاة بأهل الأرض

إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يباهي أهل سمائه بأهل الأرض في يوم عرفة، ودليل ذلك ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- حيث قال: "إنَّ اللهَ يُباهي بأهلِ عرفاتٍ ملائكةَ السماءِ، فيقولُ: انظُروا إلى عبادي هؤلاءِ، جاءوني شُعْثًا غُبْرًا".[٤][٥]

  • تكثير الحسنات

إنَّ يوم عرفة من الأزمنة التي لها أفضلية في الشرع الحنيف، وهو من الأيام التي يكون أجر العمل الصالح فيها مضاعفًا أكثر من غيره.[٦]

  • تكفير الذنوب
إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يكفِّر ذنوب عامٍ مضى وعامٍ سيأتي؛ وذلك تكريمًا لعبده الصائم في يوم عرفة، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ، والسنَةَ التي بَعدَهُ، وصِيامُ يومِ عاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ).[٧] 
  • كسب رضا الله
إنَّ حرص المسلم على فعل ما يحبه الله يكون سببًا من أسباب كسب رضاه؛ لذلك فإنَّ حرص المسلم على فعل الطاعات يوم عرفة سببٌ في كسب رضا الله -عز وجل-، وهذا مستنبطٌ من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ".[٨] 

إنَّ من فضائل يوم عرفة أنَّه يكفِّر ذنوب سنةٍ ماضيةٍ وذنوب سنةٍ آتيةٍ من حياةِ العبدِ المسلم، وله العديد من الفضائل الأخرى؛ أهمّها: نيل رضا الله -تعالى-، وتكفير الذنوب، والعتق من النار، وتكثير الحسنات.

هل يجوز صيام الحاج ليوم عرفة؟

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم صوم يوم عرفة للحاجِّ،[٩] وفيما يأتي بيان آراء أهل العلم في هذه المسألة:[١٠]

الرأي الأول

صوم يوم عرفة مستحبٌ في حقِّ الحاجِّ إذا كان الصيام لا يُتعبه ولا يضعفه عن القيام بأعمال عرفة، أمَّا إذا كان الصيام يؤثر سلبًا على قوته فيُكره في حقِّه، وهذا مذهب الأحناف، وهو كذلك مذهب الشافعيّة القديم، ودليلهم في ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ، والسنَةَ التي بَعدَهُ)،[٧] وقالوا إنَّ كراهة صيامه مُعللة بالضعف عن القيام بأعمالِ عرفة، فإذا زالت العلة عاد الحكم الأصلي.

الرأي الثاني

صوم يوم عرفة غير مستحبٌ في حقِّ الحاجِّ، وهذا مذهب المالكيّة والحنابلة، وهو القول المعتمد عند فقهاء الشافعية، ودليلهم في ذلك ما رُوي عن أمُّ الفضل حيث قالت: (أنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَومَ عَرَفَةَ، في صِيَامِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هو صَائِمٌ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: ليسَ بصَائِمٍ، فأرْسَلْتُ إلَيْهِ بقَدَحِ لَبَنٍ، وَهو وَاقِفٌ علَى بَعِيرِهِ بعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ)،[١١] ووجه الدلالة من هذا الحديث أنَّ إفطار النبيِّ يوم عرفة دليلٌ على استحبابِ إفطار الحاجِّ فيه.

الرأي الثالث

صيام يوم عرفة مستحبٌ للحاجِّ مُطلقًا، وهذا قول السيدة عائشة وعبد الله بن الزبير، ودليلهم ذات الحديث السابق، ووجه الدلالة منه أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم يفرق بين الحاجِّ وغير الحاجِّ. 

إنّ في حكم صيام يوم عرفة للحاجّ أقوال؛ فمن العلماء من قال إنّه مكروه، بدليل فعل النبيّ وإفطاره في هذا اليوم في الحجّ، وقيل هو مستحبّ إطلاقاً، وقيل إنّه مستحبّ في حال لم يُضعف الحاجّ عن بقية الأعمال الأخرى.

ما صحة حديث صيام يوم عرفة؟

ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ، والسنَةَ التي بَعدَهُ)،[٧]وفيما يأتي ذكر أقوال بعض المحدثين في درجة هذا الحديث:

  • الترمذي: حسَّن الترمذي هذا الحديث.[١٢]
  • النسائي: صحّح النسائي هذا الحديث، وهذا الحكم مستنبطٌ من قوله، حيث قال عنه: "هذا أجود حديثٍ عندي في هذا الباب".[١٣]
  • ابن عبد البر: صحح ابن عبد البرِّ هذا الحديث المروي عن أبي قتادة.[١٤]
  • البغوي: صحح البغوي هذا الحديث.[١٥]
  • ابن حجر العسقلاني: صحّح ابن حجر هذا الحديث، حيث قال عنه إنَّه من أصحِّ الأحاديث المروية في فضل صيام يوم عرفة.[١٦]

الخلاصة: حديثُ صيام يوم عرفة ثابتٌ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة النبوية المطهرة، وصحّحه العديد من المحدّثين.

ما حكم عدم صيام يوم عرفة لغير الحاج؟

إنَّ صيام يوم عرفة ليس واجبًا على غير الحاجِّ، بل إنَّ صوم هذا اليوم في حقِّ المسلم عموماً مستحبٌ ومن السنة، وبناءً على ذلك يُمكن القول بأنَّه يجوز للمسلم ترك صوم عرفة، ولا حرج عليه في ذلك، لكنَّه يكون بذلك قد فوَّت على نفسه أجرًا كبيرًا وفضلًا عظيمًا.[١٧]

يجوز للمسلم الإفطار يوم عرفة وترك صيام هذا اليوم ولا حرج عليه في ذلك، إلا أنه يفوته أجره العظيم.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 18327، جزء 11. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1348، حديث صحيح.
  3. مجموعة من المؤلفين (2)، الموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت:طبع الوزارة، صفحة 315، جزء 45.
  4. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1132، حديث صحيح.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:طبع الوزارة، صفحة 316، جزء 45. بتصرّف.
  6. عطية سالم، شرح الأربعين النووية، صفحة 5، جزء 79. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5101، حديث صحيح.
  8. رواه موفق الدين ابن قدامة، في المغني، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:443/4، حديث صحيح.
  9. "أحكام الصيام"، الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 18/7/2021. بتصرّف.
  10. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 281-285، جزء 59. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن لبابة بنت الحارث أم الفضل، الصفحة أو الرقم:1123، حديث صحيح.
  12. محمد بن عيسى الترمذي (1998)، سنن الترمذي، بيروت:دار الغرب الإسلامي، صفحة 116، جزء 2.
  13. النسائي (2001)، السنن الكبرى (الطبعة 1)، بيروت:مؤسسة الرسالة، صفحة 224، جزء 3. بتصرّف.
  14. ابن عبد البر (1387)، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، المغرب:وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 162، جزء 21.
  15. البغوي (1983)، شرح السنة (الطبعة 2)، دمشق- بيروت:المكتب الإسلامي، صفحة 343، جزء 6. بتصرّف.
  16. ابن حجر العسقلاني (1379)، فتح الباري، بيروت:دار المعرفة، صفحة 237، جزء 4. بتصرّف.
  17. عبد العزيز بن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 436، جزء 16. بتصرّف.
3693 مشاهدة
للأعلى للسفل
×