فلسفة معلقة طرفة بن العبد

كتابة:
فلسفة معلقة طرفة بن العبد

الشعر الجاهلي

يُعدُّ الشعر الجاهلي أقدم ما وصل من الشعر العربي القديم؛ فهو مهد الشعر العربي وعهده الأول، وقد كان الشعر في العصر الجاهلي أكثر الفنون الأدبية انتشارًا بين الناس، فقد كان الشعر ديوان العرب وكان الشاعر لسان القبيلة الذي يذود عنها ويواجه شعراء القبائل الأخرى، وجدير بالذكر إنّ تحديد عمر العصر الجاهلي أمر معقَّدٌ قليلًا، وغالب الأقوال تشير إلى أنَّ الشعر الجاهلي هو ما جاء قبل الإسلام بحوالي قرن ونصف، ولأن الشعر الجاهلي المعروف يُعد من أجود الشعر، فإنَّه لا بدَّ من وجود شعر عربي سابق له يمثِّل المحاولات الأولى للعرب في نظم الشعر، وهذا المقال سيسلط الضوء على الشاعر طرفة بن العبد وعلى فلسفة معلقة طرفة بن العبد أيضًا.[١]

تعريف المعلقات

قبل التعريف بالشاعر الجاهلي طرفة بن العبد والحديث عن فلسفة معلقة طرفة بن العبد، لا بدّ من تعريف المعلقات، إذ تُعرَّف المعلقات بأنَّها مجموعة من القصائد الجاهلية التي كتبها عدد من شعراء العصر الجاهلي، وهي قصائد طويلة، جَزِلة الألفاظ، متنوعة الفنون والبحور الشعرية، جمع هذه القصائد واختارها رواية الكوفة المعروف حماد الراوية حوالي عام 156 للهجرة، وقد كان عددها سبع معلقات وأصحابها هم: "امرؤ القيس، زهير بن أبي سُلمى، عنترة بن شداد، طَرَفة بن العَبد، عَمرو بن كلثوم، لَبيد بن ربيعة، الحارث بن حِلّزة اليشكري"، وقيل في رواية أخرى إنَّها كانت عشر معلقات وأضافوا على السبع السابقة معلقة الأعشى ومعلقة النابغة ومعلقة عبيد بن الأبرص.[٢]

وقد سُمِّيت المعلقات بهذا الاسم لأسباب مختلفة، منها أنَّ هذه المعلقات كانت تُشبَّه بعقود الدر التي تُعلَّق في النحور، وقيل أيضًا إنَّها سُمِّيت بالمعلّقات لأنَّها كانت تُعلَّق على أستار الكعبة في الجاهلية، وقيل أيضًا في سبب تسميتها أنَّها سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّها أخذت من العلق ومعناه الشيء النفيس أو الثمين، ولكنَّ السبب الراجح في تسمية هذه القصائد بالمعلقات هو أنَّها كانت تعلق في أذهان الناس فيحفظوها لجمالها، وقد تناولت المعلقات مظاهر الحياة الجاهلية، فصوَّرت البيئة الجاهلية وأطباع الناس وسلَّطت الضوء على عدد من الأحداث التي حصلت في الجاهلية، كلُّ هذا كان بأسلوب شعري رائق وصياغة لغوية عالية من أهم شعراء العصر الجاهلي على الإطلاق.[٣]

طرفة بن العبد

قبل الحديث عن فلسفة معلقة طرفة بن العبد، لا بدَّ من القول إنَّ طرفة بن العبد هو طرفة، وقيل إنًَ اسمه عمرو وقيل عُبيد، وهو ابن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان، وهو شاعر جاهلي من شعراء الطبقة الأولى، كان طرفة مقيما في إقليم البحرين بحسب ما ذكرت المصادر التاريخية، وهو شاعر من شعراء المعلقات، وكثيرون من عدُّوا معلقته أفضل ما قيل في الشعر الجاهلي على الاطلاق، ولد طرفة حوالي 543م، وعاش في في بيئة أدبية، فكان أبوه وأعمامه وأخواله شعراءً، فنشأ على حب الأدب حتَّى أصبح فحلًا من فحول الشعر العربي في التاريخ.[٤]

بعد أن توفِّي والدة طرفة بن العبد كفله أعمامه، فعاملوا معاملة سيئة وجاروا عليه جورًا كثيرًا، فحاد طرفة عن الطريق وصار صاحب لهو ولعب وسكرٍ فطرده قومه من القبيلة وعاش مرتحلًا بين الأمصار، ولم يمهل الموت طرفة بن العبد طويلًا؛ فقد مات طرفة وهو ابن ست وعشرين سنة فقط.[٥]

فلسفة معلقة طرفة بن العبد

في الحديث عن فلسفة معلقة طرفة بن العبد، يمكن القول إنَّه وعلى قِصَر عمر الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد الذي عاش ستة وعشرين عامًا فقط، كان طرفة حكيمًا بأشعاره، فيلسوفًا يخوض في أشياء لم يخض فيها من هم أكبر منه سنًّا من الشعراء العرب عبر العصور، ولعلَّ معلقة طرفة بن العبد خير شاهد ودليل على فلسفة هذا الشاعر الجاهلي، وقد توضَّحت فسلفة معلقة طرفة بن العبد في غير موضع واحد من المعلقة، فهو على الرغم من اقتدائه بمن سبقه من الشعراء الجاهليين من حيث مطلع النص وأغراضه إلَّا أنَّه ترك في معلَّقته فلسفة خاصة عن الموت والحياة، دعا في هذه الفلسفة إلى ضرورة أنْ يعيش الإنسان كلَّ ملذاته الجسدية الحياتية قبل أن تحين ساعة الموت وينقضَّ هادم اللذات على حياة الإنسان، يقول طرفة في معلَّقته:

لَعَمْرُكَ مَا الأَيَّامُ إِلاَّ مُعَارَةٌ

فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فَتَزَوَّدِ

أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ وَيَصْطَفِي

عَقِيلَةَ مَالِ الفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ

وتظهر فلسفة معلقة طرفة بن العبد من خلال التأمُّل الطويل الذي قام به الشاعر في الحياة من حوله، كان ينظر إلى الكون والعالم نظرة تأمليَّة فكرية، استطاع من خلالها أن يسرد فكرة الموت والحياة بمفهومه الخاص في معلَّقته هذه، فعاش كما كان يعيش أغلب الناس في الجاهلية؛ مؤمنًا أنَّه لا حياة بعد الموت، وموقنًا أنَّ حياة الإنسان تنتهي بموت جسده وأنَّه لا حياة بعد هذه الحياة الدنيا؛ لذلك كان يدعو دائمًا إلى ضرورة استثمار كلِّ ثانية يعيشها الإنسان في هذا العالم، وضرورة الاستمتاع بكلِّ متع الحياة، فلا خلود بعد الموت ولا حياة بعد الحياة، يقول الشاعر:

أَرَى الْمَوْتَ لاَ يَرْعَى عَلَى ذِي جَلاَلَةٍ

وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا عَزِيزًا بِمقْعَدِ

لَعَمْرُكَ إِنَّ الْمَوْتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَى

لَكَالطِّوَلِ الْمُرْخَى وَثِنْيَاهُ بِاليَدِ

مَتَى مَا يَشَأْ يَوْمًا يَقُدْهُ لِحَتْفِهِ

وَمَنْ يَكُ فِي حَبْلِ الْمَنِيَّةِ يَنْقَدِ

وممّا ظهر من فلسفة معلقة طرفة بن العبد، إنَّ طرفة كان مفكِّرًا عظيمًا، وحكيمًا من الحكماء على صغر سنِّه، فبعد الذي قدَّمه من تصوره للموت والحياة، كانت فسلفة معلقة طرفة بن العبد واضحة في أبياته التي تحدَّث فيها عن الحياة وما وجده فيها من أشياء اقتضت أن يكتبها حكمة للناس، فبقيت هذه الأبيات مضرب مثل بين الناس حتَّى هذه الأيام، يقول طرفة بن العبد:

سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا

وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ

وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ

بَتَاتًا وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ

عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ

فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي

من هنا تظهر فلسفة معلقة طرفة بن العبد، من تصورُّه الخاص للحياة والموت، من هذه الرؤية التي طبَّقها عمليَّا في سلوكياته، والتي بنى حياته وأفعاله عليها، فكانت قصيدته انعكاسًا لواقعه وسلوكه، موحِّدًا فيها كلامه وأفعاله وشعوره في بناء لغويٍّ مقسِّم الأغراض، واضح المعالم، عظيم الصياغة.[٦]

قصة وفاة طرفة بن العبد

في ختام ما ورد من فلسفة معلقة طرفة بن العبد، من الجدير بالذكر إنَّه في يوم من الأيام اتجه طرفة بن العبد إلى الحيرة التي يحكمها الملك عمرو بن هند، حيث يعيش المتلمّس خال طرفة بن العبد والذي اسمه جرير بن عبد المسيح، ومما جاء عن طرفة أنَّه كان شديد الإعجاب بنفسه، فكان يفاخر في مشيته أمام ملك الحيرة عمرو بن هند، فنظر إليه الملك نظرة غريبة شعر بخطورتها خال طرفة المتلمَّس فحذَّره منها، فلم يعطِ طرفة بالًا لتحذير خاله، وبعد هذه الحادثة كتب الملك عمرو بن هند لطرفة وخاله المتلمّس كتابًا وأمرهم أن يرسلاه إلى عامله في البحرين وعُمان، وإذ هما في الطريق قابلا شيخًا ودار بينهما حديث، فنبههما الشيخ مما في الرسالة التي أرسلها ملك الحيرة معهم، فاستدعى المتلمّس غلامًا وأمره بقراءة الرسالة، وكان قد كُتب فيها: "باسمك اللهم: من عمرو بن هند إلى المكعبر، إذا أتاك كتابي هذا من المتلمّس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيًا"، فرمى المتلمس الرسالة.[٧]

ثمَّ طلب المتلمِّس من طرفة أن يطلع على الرسالة فأبى، وأوصلها إلى عامل عمرو بن هند في البحرين، فلمَّا فتح عامل البحرين رسالة الملك التي أوصلها طرفة، أمر طرفة بالهرب فقد كان بينهما نسب فأبى طرفة أن يهرب، فحبسه وأرسل إلى عمرو بن هند قائلًا: "ابعث إلى عملك من تريد فاني غير قاتله"؛ فأرسل عمرو بن هند رجلًا من تغلب، فقال هذا التغلبيُّ لطرفة: "إنِّي قاتلك لا محالة، فاخترْ لنفسكَ ميتة تهواها"، فردَّ عليه طرفة: "إن كان ولا بدّ فاسقني الخمر وأفصدني"، فمات طرفة.[٧]

المراجع

  1. "أدب جاهلي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  2. "المعلقات وشعراؤها"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  3. "المعلقات"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  4. "طرفة بن العبد"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  5. "من هو طرفة بن العبد"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  6. "فلسفة الموت والحياة في معلقة طرفة بن العبد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  7. ^ أ ب "طرفة بن العبد"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
5882 مشاهدة
للأعلى للسفل
×