فن الرسائل في العصر العباسي الأول

كتابة:
فن الرسائل في العصر العباسي الأول


تطوّر فن الرسائل في العصر العباسي

شهد العصر العباسي ازدهارًا علميًّا وأدبيًّا انعكست آثاره على فن الرسائل الأدبية في ذلك العصر، طال الازدهار موضوعاتها وأنواعها، وتجدر الإشارة إلى أن الرسائل الأدبية تعني فيما تعنيه نصوص نثرية توجّه لإنسان مخصوص، وقد تتضمّن خطابًا عامًا في بعض الأحيان، وتصاغ بأسلوب وجدانيّ حاني.[١]

مما أوحى بتطور الرسائل في العصر العباسي، هي الرسائل السلطانية وهي تلك الرسائل التي كانت تصدر من الديوان العالي للدولة، وقد كتب إبراهيم علي أبو الخشب واصفًا الرسائل الأدبية في العصر العباسي، فقال: "هي مثار الخيال، ومناط الدهشة، وموضع الأناقة والافتتان، ومنها رسائل الخميس التي كان يكتبها بلغاء الدولة ورسائل الأدب الصغير والأدب الكبير لابن المقفّع، ورسائل الجاحظ".[١]


أنواع الرسائل في العصر العباسي

بالرغم من تنوّع موضوعات الرسائل في العصر العباسي واختلاف أغراضها، فنجد الرسائل الاجتماعية، والسياسية وغيرها، إلا أننا يمكن أن نحدد الرسائل في ذلك العصر ضمن موضوعين اثنين، هما كالآتي:

الرسائل الديوانيّة

ومن اسمها هي تلك الرسائل الصادرة عن الديوان، والتي تصدر عن الدولة في الداخل والخارج، وهي تسمى أيضًا بالرسائل الرسمية، وجاء في ثنايا هذه الرسائل معلومات قيّمة عن أساليب الكتابة الإنشائية، وآداب مكاتبة الخلفاء.[١]
كما حوت الرسائل على على رؤية بني العباس لمشروعية خلافتهم، وأسسها المستمدة من الأحاديث النبوية، ومظاهر سيادة الخلافة، كما حوت على الألقاب، وكيفية تطورها، وأسباب منحها، وغيرها من المضامين.
رغم الأهمية الكبيرة لهذه الرسائل، إلا أنها عليها بعض المآخذ، فهي رسائل رسمية، مما يعني أن ما يرد فيها من معلومات تتعلق بالأحداث السياسية غير مبرأ من الانحياز، كما أنّ هذه الرسائل تحمل في طياتها لغة دبلوماسية قد تخفي سوء العلاقات بين الخلفاء والمرسَل إليهم، كما أنها تصور المثال الذي يجب أن تسير عليه الأمور لا سيرها الحقيقي.[١]


الرسائل الإخوانية

وهي رسائل خاصة بين الأفراد، وليس لها علاقة بشؤون الملك ولا سياسة الدولة وليس لها صف رسمية، وهي تشمل الرسائل الشخصية، أو الأدبية، أو الاجتماعية، ومن أمثلتها: رسائل التهنئة، والتعزية، والشكوى، والعتاب، والاستعطاف.[١]


الفرق بين الرسائل الديوانيّة والرسائل الإخوانية

يكمن الفرق بين الرسائل الديوانية والرسائل الإخوانية فيما يأتي:[١]

  • الكاتب في الرسائل الإخوانية يتمتع بالحريّة فيما يكتب، ولا توجد قواعد رسمية ولا ألفاظ منتقاة كما في الرسائل الديوانية.
  • مواضيع الرسائل الديوانية لا تخرج عن إطار الحكم، وما يتعلق بذلك من عهود الخلفاء، وأخبار الولايات، والجهاد، والموسم الدينية، وغير ذلك، أمّا الرسائل الإخوانية فأغراضها كثيرة، وتتنوع حسب نوع الروابط والصلات بين الأفراد.


الخصائص الأسلوبية للرسائل في العصر العباسي

يختلف الأسلوب في فن الرسائل خاصة باختلاف طريقة الأديب في التعبير، ويمكن التعرف على أساليب الرسائل في ذلك العصر من خلال العناصر الآتية:[٢]

  • الألفاظ والمعاني
يتميّز أسلوب الرسائل العباسية باختيار الألفاظ التي تؤدي إلى المعنى المراد دون لَبْس أو غموض بما يتناسب وموضوع الرسالة، كما تميّز بالعناية بترتيب الألفاظ والعبارات؛ لتكون واضحة الدلالة على المعاني، كما اتّسمت الرسائل العباسية بجزالة اللفظ، وقوة المعنى.
  • الاقتباس
يميل كتاب الرسائل في العصر العباسي إلى الاقتباس، فتزيّنت رسائلهم ببعض الآيات القرآنية سواء صريحة أو بالأخذ من معناها، مما جعلها على قدر عالٍ من البهاء، والجمال، والبلاغة، لكننا نلحظ قلّة في استعمال الاقتباس في الرسائل الاجتماعية.
  • السجع والتوازن
لم يتكّلف كاتبو الرسائل العباسية السجع، إنما جاء عفوًا عن طَبْعٍ وسجية فكان ذا وَقْع ورنين، بَيْد أن بعض الكتّاب التزموه في جميع رسائلهم حتى المطوّلة منها، وكَثُر السجع في الرسائل الإخوانية.
  • التخييل والتصوير
تتميز الرسائل بمشابهتها للشعر، وذلك بإبراز فكرتها في قوالب من التخييل والتصوير، فلعبت الصور البيانية، والمحسنات المعنوية واللفظية دورًا في تشكيل الصورة الفنية لأسلوب الرسالة العباسية، فتزيّنت بالاستعارات، وكذلك كثر استخدام الكنايات، وبرزت روعة التشبيه فيها، فتمتع الرسائل العباسية بأسلوب بلاغيّ حصيف.
  • الاستشهاد بالقصة
يغلب أحيانًا على الرسائل العباسية الطابع القصصي، وقد يلجأ إليه الكاتب لما يجده في تلك القصص من إعانة على إفهام السامعين.
  • الاستشهاد بالشعر

 يكثر الكتّاب العباسيين من الاستشهاد بالأشعار أثناء مراسلاتهم، وهو ترصيع يزيد المعنى جمالًا ووضوحًا وقوةً، إلا أن بعض الكتّاب بالغ في الاستشهاد بالشعر حتى غلب الشعر على النثر.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح أسماء عبدالرؤوف، فن الرسائل في العصر العباسي، صفحة 72-74. بتصرّف.
  2. عطية الله،أسماء، الرسائل في العصر العباسي أنواعها وخصائصها الفنية، صفحة 128. بتصرّف.
7386 مشاهدة
للأعلى للسفل
×