محتويات
مفهوم النادرة في أدب الجاحظ
اعتمدَ الجاحظ في تأليف النادرة على طريقة التّوليد، حيث لجأ إلى تأليفِ النادرة ونِسبتِها إلى أشخاص آخرين ليقوموا بروايتها، أو أنه ألّفها ذاكرًا أشخاصًا -حقيقيين أو وهميّين- متواجدين فيها محرِّكين الحدث الرئيس فيها، ولعلّ لجوء الجاحظ إلى هذه الطريقة في تأليفه للنوادر يُعلَّل بأن طريقة التأليف في عصره كانت في بدايتها، وكانت تعتمد على الرواية وذكر الأسانيد.[١]
رأى الجاحظ أن اتّباع طريقة التوليد في تأليف النادرة من شأنه أن يضاعِف حسنها، ويغلظ من حقّها، وأنها تُكسِب المنسوبة إليه نضارةً ورفعة؛ لذلك كان يمتنع عن نسبة النوادر لنفسه وينسبها لغيره، وكان له دورٌ أساسيّ في صياغتها وترتيبها محققًا هدفه الفني في إمتاع قرّائه.[١]
أنواع النادرة في أدب الجاحظ
عبّر الجاحظ عن أنواع النادرة بمصطلحات وضّح من خلالها مراده، إذ إن النادرة عند الجاحظ على ثلاثة أنواع كما يأتي:[١]
- النادرة الباردة جدًّا
وهي التي قد تفتقر لعناصر الإضحاك، إلا أنها لغرابتها قد تكون مضحكة جدًّا.
- النادرة الفاترة
وهي التي قد لا تحتوي على أيّ عنصر من عناصر الإضحاك، أو التي لا تثير بموضوعها، أو أنها التي لا تفاجئ القارئ أو السامع بما تثيره من ضحك.
- النادرة الحارة
هي التي تضحك من يسمعها أو يقرأها بشدّة.
مضامين النادرة في أدب الجاحظ
دارت مضامين النادرة في كتب الجاحظ ومؤلفاته في أفلاك متعددة، نذكر منها ما يأتي:[١]
نوادر الأعراب
أبدى الجاحظ إعجابه بنوادر الأعراب، وخلال عرضه لها اهتمّ بذكر ما فيها يدلّ على فصاحة الأعراب، وجهلهم مع ذلك بقواعد النحو، فهم أهل اللغة ومعدنها، فلا حاجة لهم بتلك القواعد، كما أن بعض هذه النوادر تظهر ما اتّصف به الأعراب من صراحة وجرأة عند الحديث.[١]
نوادر البخلاء
ظهر بخلاء الجاحظ في نوادره كثيرو الكلام، مجادلين، يتّصف حوارهم بالمبالغة في حين أن مضمونه تافه، يتعلق بالبخل، وقد عرض الجاحظ هذه النوادر في كتابيه: كتاب البخلاء وكتاب الحيوان، وقامت هذه النوادر على ثلاث آليّات، كما يأتي:[٢]
- الالتباس
فهؤلاء البخلاء ليسوا فقراء ولا هم قليلي المعرفة، بل هم على مستوى عالٍ من المعرفة، فكيف يكون الإنسان بخيلًا وذا معرفة واسعة.
- الذهول
يعني في نظر الجاحظ أن المسخور منه مذهول عن المقام، فيخفق في توجيه الحجة لا في استجلابها، وهو يعني الغفلة أحيانًا.
- التوريط
فالخطاب الساخر ليس إخباريًّا يطابق الواقع، ولا وعظيّا يتصدّى للعيوب، بل إنه يسعف الاعوجاج ويصفّق له.
نوادر الحمقى والمغفَّلين
جاءت نوادر هؤلاء مضحكة؛ لأن كلامهم وأفعالهم تفتقرللعقل والمنطق، حيث يقومون بأفعال غريبة، وفي بعض الأحيان يتفوهون بالحكمة التي من العجيب أن تصدر عن مجانين مثلهم.[١]
نوادر المُدَّعين
تصّفح الجاحظ على -حدّ وصفه- النفوس الإنسانية، فكان خبيرًا بها، ويمتلك القدرة العالية على كشف زيف المدَّعين والمخادعين من غيرهم.[١]
نوادر القصّاص
ادّعى الكثير من القصَّاص العلمً، في حين أنهم في حقيقة الأمر جاهلون، وقد دفع الجاحظ في كثير من هذه النوادر إلى التندّر بجهلهم وتصرفاتهم العجيبة.[١]
نوادر الخطباء
التفت الجاحظ إلى عدم استحقاق بعض الأشخاص إلى الوقوف في موقف الخطابة؛ لعدم خبرتهم في هذا الأمر، فصدرت عنهم أقوال وتصرفات مضحكة حريّة لتوليد النادرة فيهم.[١]
حركة النص في نوادر الجاحظ
تعتمد حركة النص في النادرة وفعاليّتها على طبيعة النادرة ومضمونها، وحسب البنية الفنيّة التي صيغت عليها، فعلى سبيل المثال في نوادر البخلاء نجد الجاحظ في جدلية البخل والكرم يضع هاتين الظاهرتين وجهًا لوجه في صراع داخلي وخارجي، أو في جدلية التخفّي والانكشاف والظاهر والباطن.[٣]
تنتهي النادرة بانكشاف أعماق البخل في شخصية البخيل، واستطاع الجاحظ أن يكشف تناقضات البخيل في حركاته وسلوكه وانفعالاته للقارئ بطريقة فنية تشخيصية مثيرة للضحك والهزل.[٣]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ د علي خليفة، فن النادرة عند الجاحظ، صفحة 50. بتصرّف.
- ↑ د عيسى برهومة، البيان الحجاجي في قصص بخلاء الجاحظ، صفحة 7. بتصرّف.
- ^ أ ب الحبيب العوادي، دور النادرة والبخلاء في كتاب البخلاء للجاحظ، صفحة 6. بتصرّف.