في أي سورة ذكر الذباب؟
جاء ذكر الذّباب في سورة الحج في الآية الثالثة والسبعين، إذ يقول -سبحانه وتعالى- فيها: (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)،[١] وقد جاءت في معرض الحديث عن كفار قريش، وإعراضهم عن التوحيد، والتشبّث بمعتقداتهم وموروثاتهم الخاطئة.[٢]
تفسير الآية
تأتي الآية الكريمة لتنبّه على سخافة الأصنام والاستخفاف بعقول من يعبدها، فضرب الله -سبحانه وتعالى- مثلاً لما يعبده الجاهلون الكافرون، وطلب منهم أن يستمعوا له بإنصاتٍ وانتباه؛ حتى يَعوا ويفهموا ما يُراد منه، فكان المثل بأن هذه الاصنام التي تعبدونها من دون الله -سبحانه- لا تستطيع خلق ذباب.[٣]
ولو تحالفت واجتمعت وتظافرت كلّها فلن يقدروا على ذلك، فهم عاجزون عن خلق حشرة صغيرة فكيف بما هو أكبر؟ لذلك ضعُف الطالب وهو الأصنام، والمطلوب وهو حشرة الذباب.[٣]
ويزيد الله -سبحانه وتعالى- من إشعارهم بالضعف، فيخبرهم بأنّ هذا الذباب لو أراد أن يسلب من هذه الأصنام شيئاً كطعام ونحوه فلن يستطيعوا أن يستردّوه منه؛ وهذا لضعفهم وعدم مقدرتهم على أقلّ الأعمال وأهونها، فكيف بالنفع والضرّ، وكيف يكون منهم عبادتها![٣]
ومن عادة القرآن الكريم استخدام ضرب الأمثال والتحدي أيضاً، والأمثلة على هذين الأمرين متعدّدة، وإن كانت كلّها تصبّ في تأكيد عجز الفريق المتحدّى، ومحاولة ربط أوجه الشبه بينهم وبين ما ضرب به المثل، ففي ضرب الأمثال يقول -سبحانه-: (مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت).[٤][٥]
ومن الأمثلة على التحدّي قوله -سبحانه-: (قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)،[٦] وفي كل هذا تأكيد على أنّ الذين يتحدّاهم لا يستطيعون إنجاز التحدّي لا قبله ولا حتى بعده، فالعجز ثابت في الحاضر والمستقبل على وجه التأبيد.[٥]
الحكمة من ضرب المثل بالذباب
يمكننا استنتاج الحكمة من ضرب الذباب مثلاً لتحدي هؤلاء الكفار وتلخيصها بما يأتي:[٧]
- الذباب أضعف وأهون مخلوقات الله -سبحانه-.
- خلق الذباب من هذه الآلهة المزعومة شيء مستحيل، بل هي عاجزة عن خلق ذبابةٍ واحدةٍ ولو اجتمعت لذلك.
- بيان عجز الآلهة من الأصنام والأوثان بمقاومة الذباب الصغير، واستنقاذ ما تمّ سلبه منها عبر هذه الحشرة.
- بيان التسوية بين هذه الآلهة وبين الذباب بالضعف والمكانة، وجعل الذباب مع ضعفه وهوانه أقوى وأغلب من هذه الآلهة الوثنيّة.
- بيان جحودهم ومدى تجبّرهم، فما قَدَروا المولى -سبحانه- حقّ قدره الذي لا تقارن قوته وغلبته بهذه الآلهة مسلوبة الإرادة والتأثير.
- إبطال المولى -سبحانه- ألوهيّة وعبادة غيره من المخلوقات مهما كانوا ومهما بلغوا من القوة.
- بيان أنّ الطريق الوحيد لمعرفة الحق واتّباعه هو عبادة الله -سبحانه- واتّباع الرّسل المبلّغين لأمره وهديه.
المراجع
- ↑ سورة الحج، آية:73
- ↑ الثعالبي، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، صفحة 136. بتصرّف.
- ^ أ ب ت جامعة المدينة المنورة، الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، صفحة 173. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية:41
- ^ أ ب محمد متولي الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 9930-9933. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:88
- ↑ سعيد حوى، الأساس في التفسير، صفحة 3601. بتصرّف.