محتويات
المحاكمات
تَعني المحاكمات وجود عدّة خصوم يحكم بينهم قاضٍ أو أكثر، مؤهّلون علميًا وذو خبرة واسعة في هذا المجال، ويسعى كل من الخصمين تقديم أدلته ودفاعه لتبرئة نفسه وعدم إيقاع العقاب عليه، وتمرّ المحاكمات بمراحل وإجرءات عديدة منصوص عليها بالقانون، وتعد هذه الإجرءات منظمة لعملية المحاكمة سواء كانت جزائية أم مدنية، حيث ينص قانون أصول المحاكمات المدنية على القواعد المتبعة أمام المحاكم المدنية، أمّا قانون أصول المحاكمات الجزائية فيوضّح الإجراءات المتّبعة أمام المحاكم الجزائية، وبناءً على ما سبق، سيتم توضيح قانون أصول المحاكمات الجزائية وتطوّره ومواضيعه والتمييز بينه وبين قانون أصول المحاكمات المدنية.
قانون أصول المحاكمات الجزائية
هو عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي تبيّن الطرق الواجب اتباعها من وقت وقوع الجريمة إلى حين إيقاع العقاب المناسب بمرتكب هذه الجريمة، وما تتطلّبه هذه الإجراءات من حَبس المجرم، أو الإفراج عنه، أو تفتيش الجاني أو منزله أو سيارته، إلى حين عَرْض المجرم على المحكمة الجزائيّة المختصّة، وبيان كيفية إجراءات مُحاكمته أمامَ هذه المحكمة، إلى حين صدور الحكم المناسب بحقّه، وكيفية تنفيذ هذا الحكم بحقّه وطرق الطعن به.[١]
وهناك علاقة وثيقة بين قانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات والذي يسمّيه البعض بالقانون الجنائي، فقانون العقوبات هو الذي يوضّح الأفعال التي تعدّ بنظر القانون جريمة ويبيّن العقوبات المناسبة لها، وقانون أصول المحاكمات الجزائية يوضح الإجراءات المتبعة لتنفيذ هذه العقوبة، ويعدّ قانون أصول المحاكمات الجزائية فرع من فروع القانون العام، والذي يتسم بأن جميع قواعده آمرة ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها أو الخروج عنها.[١]
التطور التاريخي لقانون أصول المحاكمات الجزائية
إنّ التطورات التي حدثت في المجتمعات العربية والغربية، لم تكن قواعد قانون أصول المحاكمات الجزائية بمعزل عنها، بل مرت هذه القواعد عبر العصور بالعديد من الأنظمة حتى أصبحت كما عليه الآن، وهي ثلاث أنظمة كالآتي:[٢]
النظام الاتهامي
يعدّ هذا النظام من أقدم الأنظمة التي ظهرت، وظهر هذا النظام في مصر الفرعونية والدول الرومانية واليونانية، حيث إنّ أساسه يتمثل بأن الفرد الذي تعرض لأذى من جريمة ما أو شاهد جريمةً أمامه، له الحق بإقامة الدعوى العمومية وتحريكها، فهذا الفرد هو المكلف بإثبات الجريمة والتحري عن الفاعل واتهامه، وليس للقاضي المختص سلطة سوى إصدار حكمه حسب الأصول التي يجري عليها المجتمع.
نظام التنقيب والتحري
ظهرَ هذا النظام في الدول الرومانية، وكان بدايةً يطبق فقط على العبيد -الرقيق-، ثم بعد ذلك طبق على جميع المتهمين ولو كانوا من غير العبيد، وتتولّى السلطة العامة في هذا النظام الإتهام، وتبدأ يإجراءات التحقيق بمعزل عن المتهم، ولا يسمح للمتهم بالدفاع عن نفسه أو الإدلاء بأقواله أو الإستعانة عمن يدافع عنه، ويعد هذا النظام من أشد الأنظمة التي قاسى منها الأبرياء.
النظام المختلط
ظهر هذا النظام في القرن الثامن عشر، حيث أوجد قوانين إجراءات جزائية تتلائم مع العصر الحديث، وابتعد عن جميع الإجراءات التي تتسم بالقسوة والظلم، ومن هذه التشريعات قانون التحقيق الجنائي الفرنسي الصادر عام 1808، وتأثر بهذا النظام العديد من التشريعات، حيث إنّه أخذ بمزايا النظاميين السابقيين واجتنب سيئاتهما.
موضوع قانون أصول المحاكمات الجزائية
إن قانون أصول المحاكمات الجزائية يتضمّن قواعد يجب السير بها منذ لحظة وقوع الجريمة إلى حين صدور حكم قطعي بها لمعاقبة المجرم، ويجب أن يكون هذا الحكم غير قابل للطعن؛ لأنّه إذا تم الطعن به من الممكن تبرئة الفاعل وعدم تنفيذ العقوبة بحقه، ويتم ذلك من خلال ثلاث مراحل تقوم بها أجهزة الدولة المختصة بهذا الشأن، تبدأ بمرحلة الإستقصاء وجمع الأدلة، ويقوم بهذه المرحلة رجال الضابطة العدلية، والذين بدورهم يقومون بالذهاب إلى مسرح الجريمة، وجمع الأدلة والمعلومات التي تثبت وقوع الجريمة، ونسبة هذه الجريمة إلى مرتكبها.[٣]
ثم تأتي مرحلة التحقيق الابتدائي، وأصحاب الشأن المعنيون بهذه المرحلة هم أعضاء النيابة العامة التي تكلفهم الدولة بهذا الأمر، فهي سلطة التحقيق الممثلة عن المجتمع، وهي التي تحرك الدعوى العمومية وتباشرها، وتعتبر خصم محايد هدفها الوصول للحقيقة، أما آخر من مرجل الدعوى الجزائية هي مرحلة تسمى مرحلة المحاكمة أو كما يسميها البعض بمرحلة التحقيق النهائي، حيث يقوم قضاة المحاكم الجزائية بالنظر بالدعوى، والتحقيق النهائي بها بصورة علنية، ثم يتم إصدار حكم نهائيّ بهذه الدعوى.[٣]
التمييز بين قانون أصول المحاكمات الجزائية والمدنية
إنّ وظيفة قانون أصول المحاكمات المدنية تنصرف إلى تطبيق قواعد القانون التجاري والمدني، حيث يبين كيفية إجراءات التقاضي المتعلقة بهم، والحفاظ على حقوق الأفراد وحرياتهم والسعي للدفاع عنها، بينما قانون أصول المحاكمات الجزائية مجموعة من الإجراءات الضرورية لتطبيق قانون العقوبات، لذلك فإن كل من القانونين له إجراءات مستقلة عن الآخر تسعى لتحقيق العدالة في المجتمع، حيث أن كل من القانونين متعلق بالجهاز القضائي وحُسن سَيره، سواء أكان متعلقًا بالمواد الجزائية أم المدنية، وكلاهما يتضمنان مبدأ التقاضي على درجتين لتصحيح أي أخطاء صادرة عن محاكم الدرجة الأولى.[٤]
لكن قانون أصول المحاكمات المدنية هدفُه الأساسيّ مصلحة الفرد وتعويضه عن أي ضرر قد يصيبه نتيجة الأفعال غير المشروعة، أما قانون أصول المحاكمات الجزائية فإن هدفه الأسمى تحقيق مصلحة المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره، فالقانونان يختلفان من حيث التسمية والأهداف والمواضيع والإجرءات المتّبعة في كلٍّ منهما.[٤]
المراجع
- ^ أ ب عباس الصراف،جورج حزبون (2014)، المدخل إلى علم القانون (الطبعة الخاامسة عشر)، عمان-الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع، صفحة 35-39. بتصرّف.
- ↑ جمال محمد مصطفى (2004)، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، بغداد-العراق: المكتبة الوطنية، صفحة 7-9. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد سعيد نمور (2016)، أصول الإجرءات الجزائية (الطبعة الرابعة)، عمان-الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع، صفحة 20-21. بتصرّف.
- ^ أ ب علي محمد جعفر (1994)، مبادىء المحاكمات الجزائية (الطبعة الأولى)، بيروت-لبنان: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، صفحة 8-10. بتصرّف.