قصائد أبي القاسم الشابي الوطنية

كتابة:
قصائد أبي القاسم الشابي الوطنية


قصيدة ألا أيها الظالم المستبد

في ما يأتي أبيات هذه القصيدة:[١]

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ

حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ

سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ

وكفُّكَ مخضوبة من دِماهُ

وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ

وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ

رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ

وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ

ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام

وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ

حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ

ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ

تأملْ! هنالِكَ..أنّى حَصَدْتَ

رؤوسَ الورى، وزهورَ الأمَلْ

ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ

وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ

سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء

ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ


قصيدة إرادة الحياة

في ما يأتي بعض من أبيات هذه القصيدة:[٢]

إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ

فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ

ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي

ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ

ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ

تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ

فويلٌ لمَنْ لم تَشُقْهُ الحياةُ

من صَفْعَةِ العَدَمِ المنتصرْ

كذلك قالتْ ليَ الكائناتُ

وحدَّثَني روحُها المُستَتِرْ

ودَمْدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجاجِ

وفوقَ الجبالِ وتحتَ الشَّجرْ

إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ

رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ

ولم أتجنَّبْ وُعورَ الشِّعابِ

ولا كُبَّةَ اللَّهَبِ المُستَعِرْ

ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ

يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ

فَعَجَّتْ بقلبي دماءُ الشَّبابِ

وضجَّت بصدري رياحٌ أُخَرْ

وأطرقتُ أُصغي لقصفِ الرُّعودِ

وعزفِ الرّياحِ وَوَقْعِ المَطَرْ

وقالتْ ليَ الأَرضُ لما سألتُ

أيا أمُّ هل تكرهينَ البَشَرْ

أُباركُ في النَّاسِ أهلَ الطُّموحِ

ومَن يَسْتَلِذُّ ركوبَ الخطرْ

وأَلعنُ مَنْ لا يماشي الزَّمانَ

ويقنعُ بالعيشِ عيشِ الحجرْ

هو الكونُ حيٌّ يحبُّ الحَيَاةَ

ويحتقرُ الميْتَ مهما كَبُرْ


قصيدة إلى الشعب

فيما يأتي بعض من أبياتها:[٣]

أَيْنَ يا شعبُ قلبُكَ الخافقُ الحسَّاسُ

أَيْنَ الطُّموحُ والأَحْلامُ

أَيْنَ يا شعبُ رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ

أَيْنَ الخيالُ والإِلهامُ

أَيْنَ يا شعبُ فنُّكَ السَّاحرُ الخلاّقُ

أَيْنَ الرُّسومُ والأَنغامُ

أَيْنَ يمَّ الحَيَاةِ يَدْوي حوالَيْكَ

فأَينَ المُغامِرُ المِقْدامُ

أَيْنَ عَزْمُ الحَيَاةِ لا شيءَ إلاَّ

الموتُ والصَّمْتُ والأَسى والظَّلامُ

عُمُرٌ مَيِّتٌ وقلبٌ خَواءٌ

ودمٌ لا تُثيرُهُ الآلامُ

وحياةٌ تَنامُ في ظُلْمة الوادي

وتنمو في فوقها الأَوهامُ

أَيُّ عيشٍ هذا وأَيُّ حياةٍ

رُبَّ عيشٍ أَخَفُّ منه الحِمَامُ

قَدْ مشتْ حولكَ الفُصولُ وغَنَّتْكَ

فلمْ تبتهج ولمْ تترنَّمْ

ودَوَتْ فوقكَ العَواصفُ والأَنواءُ

حتَّى أَوْشَكَتْ أن تتحطَّمْ

وأَطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْكَ

فلم تَضْطَرِبْ ولم تتألَّمْ


قصيدة لست أبكي لعسف ليل طويل

فيما يأتي أبياتها:[٤]

لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ

أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ

إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ

قد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ

كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ

مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ

ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ

فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ

وتوخَّوْا طرائقَ العَسف الإِرْ

هَاقِ تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ

هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ

رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ

غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا

واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ

أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَة فِي لُجِّ

الهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ

شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّي

قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ

لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو مـ

ـتُّ وقامتْ على شبابي المناحَة

لا أبالي..وإنْ أُريقتْ دِمائي

فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ

وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي

صَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ

إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَة غَيْرَ أنِّي

مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ

ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ

سَتَرُدُّ الحَيَاة يَوماً وِشَاحَهْ


قصيدة قضيت أدوار الحياة، مفكراً

فيما يأتي أبيات هذه القصيدة:[٥]

قضَّيتُ أدْوارَ الحياة، مُفَكِّراً

في الكَائِناتِ، مُعَذَّباً، مَهْمُوما

فَوَجَدْتُ أعراسَ الوُجود مآتماً

ووجدتُ فِرْدَوسَ الزَّمانِ جَحيمَا

تَدْوي مَخَارِمُهُ بِضَجَّة صَرْصَرٍ

مشبوبَة، تَذَرُ الجيالُ هشيمَا

وحضرتُ مائدة الحياة، فلم أجدْ

إلاّ شراباً، آجناً، مسموماً

وَنَفضْتُ أعماقَ الفَضَاءِ، فَلَمْ أجِدْ

إلا سكوناً، مُتْعَباً محمومَا

تتبخَّرُ الأَعْمارُ في جَنَباتِهِ

وتموتُ أشواقُ النّفوس وَجومَا

ولمستُ أوتارَ الدهور، فلم تُفِضْ

إلا أنيناً، دامياً، مَكْلُوما

يَتْلُو أقاصيصَ التَّعاسة والأسى

ويصيرُ أفراح الحياة همومَا

شُرِّدْتُ عن وَطَنِي السَّماويِّ الذي

ما كانَ يوْماً واجمَا، مغمومَا

شُرِّدْتُ عَنْ وطني الجميل..أنا الشَّـ

قيّ، فعشت مشطورَ الفؤاد، يتيمَا

في غُربة رُوحيَّة مَلْعُونة ٍ

أشواقُها تَقْضِي، عِطاشاً، هِيما

يا غُربة َ الرُّوحِ المفكِّر‍ إنّه

في النَّاسِ يحيا، سَائماً، مَسْؤُوما

شُرِّدتُ لِلدنيا.. وَكُلٌّ تائهٌ

فيها يُرَوِّعُ رَاحلاً ومقيما

يدعو الحياة ، فلا يُجيبُ سوى الرَّدى

ليدُسَّهُ تَحْتَ التُّرابِ رَميما

وَتَظَلُّ سَائِرة، كأنّ فقيدها

ما كان يوماً صاحباً وحميمَا‍

يا أيُّها السّاري! لقد طال السُّرى

حَتَّام تَرْقُبُ في الظَّلامِ نُجُوما؟

أتخالُ في الوادي البعيدِ المُرْتَجى؟

هيهاتَ! لَنْ تَلْقى هناكَ مَرُوما

سرْ ما اسْتَطَعْتَ، فَسَوْفَ تُلقي - مثلما

خلَّفتَ ـ مَمشُوقَ الغُصونِ حَطِيما


قصائد أخرى لأبي القاسم الشابي

من ضمنها هذه القصيدة:


قصيدة أيها الليل

في ما يأتي أبيات هذه القصيدة:[٦]

أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ

لِ،! ياهيكلَ الحَياة ِالرَّهيبِ!

فِيكَ تَجْثُو عرائسُ الأَمَلِ العذْ

بِ، تُصلَّي بصَوتِها المحبوبَ

فَيُثيرُ النَّشِيدُ ذكرى حياة

حَجَبَتها غيومُ دَهر كَئيبِ

وَتَرُفُّ الشُّجونُ مِنْ حول قلبي

بسُكُونٍ، وَهَيْبَة، وَقُطُوبِ

أنتَ ياليلُ! ذرَّة، صعدت للكونِ،

من موطئ الجحيمِ الغَضوبِ

أيُّها الليلُ! أنت نَغْمٌ شَجِيُّ

في شفاهِ الدُّهورِ، بين النَّحيبِ

إنَّ أُنشودة السُّكُونِ، التي ترتجّ

في صدرك الرّكود، الرحيب

تُسْمِعُ النَّفْسَ، في هدوء الأماني

رنة الحقَّ، والجمال الخلوبِ

فَتَصوغُ القلوبُ، منها أَغَارِيداً،

تَهُزُّ الحياة هَزَّ الخُطُوبِ

تتلوّى الحياة، مِنْ أَلَم البؤْ

س فتبكي، بلوعة ونحيبِ

وَعَلى مَسْمَعيكَ، تَنْهلُّ نوحاً

وعويلاً مُراً، شجون القلوبِ

فأرى بُرقعاً شفيفاً، من الأو

جاع، يُلقي عليك شجوَ الكئيبِ

وأرى في السُّكون أجنحة الجبَّـ

ـبارِ، مخلصة بدمعِ القُلوبِ

فَلَكَ اللَّهُ! مِنْ فؤادٍ رَحيمٍ

ولكَ الله! من فؤادٍ كئيب

يهجع الكونُ، في مابيبة العصفور

طفلاً، بصدركَ الغربيب

وبأحضانك الرحيمة يستيقظُ، في

نضرة الضَّحُوكِ، الطَّرُوبِ

شَادياً، كالطُّيوبِ بالأَملِ العَذْ

بِ، جميلاً، كَبَهْجَة الشُّؤْبُوبِ

ياظلام الحياة !يا روعة الحز

ن! وَيَا مِعْزَفَ التَّعِيس الغَرِيبِ

المراجع

  1. أحمد حسن، ديوان أبي القاسم الشابي، صفحة 160. بتصرّف.
  2. "إرادة الحياة"، الديوان. بتصرّف.
  3. "إلى الشعب"، الديوان. بتصرّف.
  4. "لست أبكي لعسف ليل طويل"، الديوان. بتصرّف.
  5. "قضيت أدوار الحياة"، الديوان. بتصرّف.
  6. أحمد حسن، ديوان أبي القاسم الشابي، صفحة 29. بتصرّف.
6761 مشاهدة
للأعلى للسفل
×