قصائد صوفية في حب الله

كتابة:
قصائد صوفية في حب الله

قصيدة: عرفتُ الهوى مذ عرفتُ هواكا

قالت الشاعرة رابعة العدوية:[١]

عَرَفْتُ الهَوى مُذْ عرفْتُ هَواكَ

وأَغْلقتُ قلبي عّمَّن سِواكَ

وَكُنتُ أُناجِيك يا مَن تَرى

خَفايا اقُلوبِ ولَسْنا نَراكَ

أُحبُّكَ حبّّيْن حبُّ الهَوَى

وَحُبًّا لِأَنَّك أّهْلٌ لِذاكَ

فَأَمَّا الّذي هوَ حبُّ الهَوى

فّشُغْلي بِذكْرِكَ عَمَّن سِواكَ

وأمَّا الَّذي أنتَ أهلٌ لَهُ

فكَشْفكَ للحُجبِ حتَّى أراكَ

فلا الحمدُ في ذَا ولا ذَاك لي

ولكن لك الحمد في ذا وذاَكَ

أحبُّك حبَّينِ حبُّ الهَوى

وحبًّا لأنّك أهْلٌ لذاكَ

وأشتاقُ شوقَيْنِ.. شوْق النَّوى

وشوقًا لقربِ الخُطى من حِماكَ

فأمَّا الَّذي هُو شوقُ النّوى

فمَسرى الدُّموع لطولِ نواكَ

وأمّا اشتياقي لقربِ الحِمى

فنارُ حياةٍ خبتْ في ضِياكَ

ولستُ على الشّجْو أشكو الهوى

رضيتُ بما شئتَ لي في هُداكا

قصيدة: ما لي بٌعدٌ بعدَ بُعدك

قال الشاعر الحلاج:[٢]

فَما لِيَ بَعدَ بُعدِكَ بَعدَما

تَيَقَّنتُ أَنَّ القُربَ وَالبُعدَ واحِدُ

وَإِنّي وَإِن أُهجِرتُ فَالهَجرُ صاحِبي

وَكَيفَ يَصِحُّ الهَجرُ وَالحُبُّ واحِدُ

لَكَ الحَمدُ في التَوفيقِ في بَعضِ خالِصٍ

لِعَبدٍ زَكِيٍّ ما لِغَيرِكَ ساجِدُ

قصيدة: تِه دلالًا فأنت أهلٌ لذاكا

قال الشاعر ابن الفارض:[٣]

تِهْ دَلالًا فأَنْتَ أهْلٌ لِذَاكا

وتحَكّمْ فالحُسْنُ قد أعطاكا

ولكَ الأمرُ فاقضِ ما أنتَ قاض

فَعَلَيَّ الجَمَالُ قد وَلاّكَا

وتَلافي إن كان فيه ائتلافي

بكَ عَجّلْ به جُعِلْتُ فِداكا

وبِمَا شِئْتَ في هَواكَ اختَبِرْنِي

فاختياري ما كان فيِه رِضَاكَا

فعلى كُلّ حالَةٍ أنتَ مِنّي

بيَ أَوْلى إذ لم أَكنْ لولالكا

وكَفَاني عِزًّا بحُبّكَ ذُلّي

وخُضوعي ولستُ من أكْفاكا

وإذا ما إليكَ بالوَصْلِ عَزّتْ

نِسْبَتِي عِزّةً وصَحّ وَلاكا

فاتّهامي بالحبّ حَسْبي وأنّي

بَيْنَ قومي أُعَدّ مِنْ قَتْلاَكَا

لكَ في الحيّ هالِكٌ بِكَ حيٌّ

في سبيلِ الهَوَى اسْتَلَذّ الهَلاَكَا

عَبْدُ رِقّ ما رَقّ يومًا لعَتْقٍ

لَوْ تَخَلّيْتَ عنهُ ما خَلاّكا

بِجَمَالٍ حَجَبْتَهُ بجَلاَلٍ

هامَ واستَعْذَبَ العذابَ هُناكا

وإذا ما أَمْنُ الرّجا منهُ أدْنا

كَ فعَنْهُ خَوْفُ الحِجى أَقصاكا

فبِإقْدَام رَغْبَةٍ حينَ يَغْشا

كَ بإحجامِ رَهبْةٍ يخشاكا

ذابَ فلبي فَأْذَنْ لَهْ يَتَمَنّا

كَ وفيِه بَقِيّةٌ لِرَجَاكَا

أو مُرِ الغُمْضَ أَنْ يَمُرّ بجَفْنِي

فكأني بِهِ مُطِيعًا عَصَاكا

فعسى في المَنام يَعْرِضُ لي الوَهْ

مُ فيوحي سِرًّا إليّ سُراكا

وإذا لم تُنْعِشْ بِرَوْحِ التّمَنّي

رَمَقِي واقتضى فنائي بَقاكا

وحَمَتْ سُنّةُ الهوَى سِنَةَ الغُمْ

ضِ جُفُونِي وحَرّمَتْ لُقْياكا

أبْقِ لي مقْلَةً لَعَلّيَ يومًا

قبل مَوتي أَرَى بها مَنْ رآكا

أينَ مِنّي ما رُمْتُ هيهات بل أي

نَ لعَيْنِي بالجَفْنِ لثمُ ثَراكا

فبَشيري لو جاء منكَ بعَطْفٍ

وَوُجُودي في قَبْضَتِي قلتُ هاكا

قد كفى ما جرَى دمًا من جُفُونٍ

بك قرحَي فهل جرى ما كفاكا

فأَجِرْ من قِلاَكَ فيك مُعَنّىً

قبلَ أَن يعرفَ الهَوَى يَهواكا

هَبْكَ أنَ اللاّحي نَهاهُ بِجَهْلٍ

عنك قل لي عن وَصْلِهِ من نَهاكا

وإلى عِشْقِكَ الجَمالُ دعاهُ

فإلى هجَرِهِ تُرى من دعاكا

أتُرى من أفتَاكَ بالصّدّ عنّي

ولغَيري بالوُدّ مَن أفتاكا

بانْكِسَاري بِذِلّتي بخُضوعي

بافْتِقَاري بفَاقَتي بغِناكا

لا تَكِلْنِي إلى قُوَى جَلَدٍ خا

نَ فإنّي أَصْبَحْتُ من ضُعَفَاكَا

كُنْتَ تجْفُو وكان لي بعضُ صَبْرٍ

أحسَنَ الله في اصطباري عَزاكا

كم صُدودًا عساكَ ترْحَمُ شكْوا

يَ ولو باسْتِمَاعِ قولي عساكا

شَنّعَ المُرْجِفونَ عنكَ بِهَجري

وأشاعُوا أنّي سَلَوْتُ هَواكا

ما بأحشائهِمْ عشِقْتُ فأسلُو

عنك يوماً دعْ يهجُروا حاشاكا

قصيدة: عجبتُ منك ومني

قال الشاعر الحلاج:[٤]

عَجِبتُ مِنكَ وِمنّي

يا مُنيَةَ المُتَمَنّي

أَدَنَيتَني مِنكَ حَتّى

ظَنَنتُ أَنَّكَ أَني

وَغِبتُ في الوَجدِ حَتّى

أَفنَيتَني بِكَ عَنّي

يا نِعمَتي في حَياتي

وَراحَتي بَعدَ دَفني

ما لي بِغَيرِكَ أُنسٌ

إِذ كُنتَ خَوفي وَأَمني

يا مَن رِياضُ مَعاني

هِ قَد حَوَت كُلَّ فَنِّ

وَإِن تَمَنَّتُ شَيئًا

فَأَنتَ كُلُّ التَمَنّي

قصيدة: ما بين مُعترَكِ الأحداق والمُهجِ

قال الشاعر ابن الفارض:[٥]

ما بَيْنَ مُعْتَركِ الأحداقِ والمُهَجِ

أنا القَتِيلُ بلا إثمٍ ولا حَرَجِ

ودّعتُ قبل الهوى روحي لما نَظَرْتَ

عينايَ مِنْ حُسْنِ ذاك المنظرِ البَهجِ

للَّهِ أجفانُ عَينٍ فيكَ ساهِرةٍ

شوقًا إليكَ وقلبٌ بالغَرامِ شَجِ

وأضلُعٌ نَحِلَتْ كادتْ تُقَوِّمُها

من الجوى كبِدي الحرّا من العِوَجِ

وأدمُعٌ هَمَلَتْ لولا التنفّس مِن

نارِ الهَوى لم أكدْ أنجو من اللُّجَجِ

وحَبّذَا فيكَ أسْقامٌ خَفيتَ بها

عنّي تقومُ بها عند الهوى حُجَجي

أصبَحتُ فيكَ كما أمسيَتُ مكْتَئِبًا

ولم أقُلْ جَزَعًا يا أزمَةُ انفَرجي

أهْفُو إلى كلّ قَلْبٍ بالغرام لهُ

شُغْلٌ وكُلِّ لسانٍ بالهوى لَهِجِ

وكُلِّ سَمعٍ عن اللاحي به صَمَمٌ

وكلِّ جَفنٍ إلى الإِغفاء لم يَعُجِ

لا كانَ وَجْدٌ بِه الآماقُ جامدةٌ

ولا غرامٌ به الأشواقُ لم تَهِجِ

عذّب بما شئتَ غيرَ البُعدِ عنكَ تجدْ

أوفى محِبّ بما يُرضيكَ مُبْتَهجِ

وخُذْ بقيّةَ ما أبقَيتَ من رمَقٍ

لا خيرَ في الحبّ إن أبقى على المُهجِ

مَن لي بإتلاف روحي في هوَى رَشَإٍ

حُلْوِ الشمائل بالأرواحِ مُمتَزِجِ

مَن ماتَ فيه غَرامًا عاشَ مُرْتَقِيًا

ما بينَ أهلِ الهوَى في أرفع الدّرَجِ

مُحَجَّبٌ لو سَرى في مِثلِ طُرَّتِهِ

أغنَتْهُ غُرّتُهُ الغَرّا عن السُّرُجِ

وإن ضَلِلْتُ بلَيْلٍ من ذوائِبهِ

أهدى لعيني الهدى صُبحٌ من البَلجِ

وإن تنَفّس قال المِسْكُ مُعْترفًا

لعارفي طِيبِه مِن نَشْرِهِ أَرَجي

أعوامُ إقبالِهِ كاليَّومِ في قِصَرٍ

ويومُ إعراضِه في الطّول كالحِججِ

فإن نأى سائرًا يا مُهجَتي ارتحلي

وإن دَنا زائرًا يا مُقلتي ابتهِجي

قُل للّذي لامني فيه وعنّفَني

دعني وشأني وعُد عن نُصْحك السمِجِ

فاللّوْمُ لؤمٌ ولم يُمْدَحْ بِهِ أحَدٌ

وهل رأيتَ مُحِبًّا بالغرام هُجي

يا ساكِنَ القلبِ لا تنظُرْ إلى سكَني

وارْبَحْ فؤادك واحذَرْ فتنةَ الدّعجِ

يا صاحبي وأنا البَرّ الرّؤوفُ وقد

بذَلْتُ نُصْحِي بذاكَ الحيّ لا تَعُجِ

فيه خَلَعْتُ عِذَاري واطّرَحْتُ بِهِ

قَبولَ نُسْكيَ والمقبولَ من حِججي

وابيَضّ وجهُ غَرامي في محَبّتِهِ

واسْوَدّ وجْهُ ملامي فيه بالحُجَجِ

تبارَكَ اللَّهُ ما أحلى شمائلَهُ

فكمْ أماتَتْ وأحْيَتْ فيه من مُهَجِ

يهوي لذِكْرِ اسمه مَنْ لَجّ في عَذَلِي

سَمعي وإن كان عَذلي فيه لم يَلِجِ

وأرحَمُ البرْقَ في مَسراهُ مُنْتَسِبًا

لثَغْرِهِ وهوَ مُسْتَحيٍ من الفلَجِ

تراهُ إن غابَ عنّي كُلُّ جارحةٍ

في كلّ مَعنى لطيفٍ رائقٍ بَهجِ

في نغْمَةِ العودِ والنّايِ الرّخيم إذا

تَألّقا بينَ ألحانٍ من الهَزَجِ

وفي مَسَارحِ غِزْلاَنِ الخمائلِ في

بَرْدِ الأصائلِ والإِصباحِ في البلَجِ

وفي مَساقط أنْداء الغَمامِ على

بِساط نَوْر من الأَزهارِ مُنْتَسِجِ

وفي مساحِب أذيالِ النّسيم إذا

أهْدى إليّ سُحَيْراً أطيَبَ الأرَجِ

قصيدة: راحتي في خَلوتي

قالت الشاعرة رابعة العدوية:[٦]

راحتي يا إخوتِي في خُلوتي

وحبيبي دائمًا في حَضْرتي

لم أجدْ لي عن هواهُ عِوَضًا

وهَواهُ في البرايا محنَتِي

حيْثُما كنت أشاهدُ حُسْنَه

فهُو مِحرابي إليه قِبلتِي

إن أمُتْ وَجْداً ومن ثمّ رضًا

وأعْناني في الوَرَى وشَقْوتِي

يا طبيبَ القلبِ يا كلِّ المُنى

جِدْ بوصلٍ منك يشفي مُهْجَتي

يا سروري وحياتِي دائمًا

نشأتِي منك وأيضًا نشوتِي

قد هجرتُ الخَلقَ جَميعًا أرتَجي

منكَ وصْلًا فهَل أقضِي أُمنيتي!

قصيدة: قلبي يحدّثني بأنك متلفي

قال الشاعر ابن الفارض:[٧]

قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي

روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ

لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي

لم أقضِ فيِه أسىً ومِثليَ مَنْ يَفي

ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ

في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف

فلَئِنْ رَضِيتَ بها فقد أسعَفْتَني

يا خَيبَة المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ

يا مانِعي طيبَ المَنامِ ومانِحي

ثوبَ السّقامِ بِهِ ووَجْدِي المُتْلِفِ

عَطفاً على رَمقي وما أبقَيتَ لي

منْ جسميَ المُضْنى وقلبي المُدَنَفِ

فالوَجْدُ باقٍ والوِصَالُ مُماطلي

والصّبْرُ فانٍ واللّقاء مُسَوّفي

لم أَخلُ من حَسَدٍ عليك فلا تُضِعْ

سَهَري بتَشْنِيع الخَيالِ المُرجِفِ

واسأَلْ نجومَ اللّيلِ هل زارَ الكَرَى

جَفني وكيف يزورُ مَن لم يَعْرِفِ

لا غَرْوَ إن شَحّتْ بغُمْضِ جُفُونها

عيني وسَحّتْ بالدّموعِ الذّرّفِ

وبما جرَى في موقفِ التوديعِ مِنْ

ألمِ النّوَى شاهدتُ هَولَ الموقفِ

إن لم يكن وْصلٌ لدَيْكَ فعِدْ به

أَمَلي وَمَاطِلْ إنْ وَعَدْتَ ولا تفي

فالمَطْلُ منكَ لدَيّ إنْ عزّ الوفا

يحلو كوَصَلٍ من حبيبٍ مُسْعِفِ

أهْفُو لأنفاسِ النّسِيمِ تَعِلّةً

ولوَجْه مَن نقَلَتْ شَذَاهُ تشوّفي

فلَعَلّ نارَ جوانحي بهُبُوبِها

أن تنطَفي وأوَدّ أن لا تنطَفي

يا أهلَ وُدّي أنتم أَمَلي ومَن

نَادَاكُمُ يا أَهْلَ وُدّي قد كُفي

عُودوا لِما كُنْتُم عليه من الوفا

كَرَمًا فإنّي ذَلِكَ الخِلّ الوَفي

وحياتِكُمْ وحياتِكُمْ قَسَمًا وفي

عُمري بغيرِ حياتِكُمْ لم أحْلِف

لو أَنّ رُوحي في يدي وَوَهَبْتُها

لمُبَشّري بِقُدُومكمْ لم أُنْصِف

لا تحسَبُوني في الهوى مُتَصَنّعًا

كَلَفي بِكُمْ خُلُقٌ بغيرِ تكلُّف

أخفَيتُ حُبّكُمُ فأخفاني أسىً

حتى لعَمري كِدْتُ عني أختفي

وكتمْتُهُ عنّي فلو أبدَيْتُهُ

لوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْف الخَفي

ولقد أَقولُ لِمَنْ تحَرّشَ بالهوى

عرّضْتَ نفسَكَ للبَلا فاستهدف

أنتَ القَتِيْلُ بأيّ مَنْ أحبَبْتَهُ

فاختر لنَفْسِكَ في الهوى من تصطفي

قُلْ للعذولِ أطلْتَ لومي طامعًا

إنَّ الملامَ عن الهوى مُستوقِفي

دَعْ عنكَ تَعنيفي وذُقْ طعم الهَوَى

فإذا عشِقْتَ فبعدَ ذلكَ عَنّف

بَرَحَ الخَفاء بحُبّ مَنْ لَوْ في الدّجى

سَفَرَ اللّثامَ لقُلْتُ يا بدرُ اختَفِ

وإن اكتفى غَيري بطَيفِ خيالِهِ

فأنا الّذي بوِصالِهِ لا أكتَفي

وَقْفًا عليِه مَحَبتِّي ولِمِحنتي

بأَقَلّ مِن تَلَفي به لا أشتَفي

وهَواهُ وهْوَ أليّتي وكَفَى بِه

قَسَمًا أكادُ أُجِلّهُ كالمُصْحَفِ

لَوْ قالَ تِيهًا قِفْ على جَمْر الغَضا

لَوَقَفْتُ مُمْتَثِلًا ولم أتوَقّف

أوْ كان مَنْ يرضى بخدّي موْطِئًا

لَوَضَعْتُهُ أرْضًا ولم أستنكِف

لا تُنْكِروا شغَفِي بما يرضَى وإن

هو بالوِصَالِ عليّ لم يتعطّف

غَلَبَ الهَوَى فأطَعْتُ أمْرَ صَبابتي

من حيثُ فيه عصَيتُ نهْيَ مُعنّفي

مني لَهُ ذُلّ الخَضُوعِ ومنهُ لي

عِزّ المَنوعِ وقوّة المستضْعِف

ألِفَ الصّدُودَ ولي فؤادٌ لم يزَلْ

مُذْ كُنتُ غيرَ وِدَادِهِ لم يألَف

يا ما أُمَيْلَحَ كُلَّ ما يرْضَى بِهِ

ورُضابُهُ يا ما أحَيْلاَهُ بفي

لو أسمَعوا يَعقُوبَ ذِكْرَ مَلاحَةٍ

في وجهِهِ نَسِيَ الجَمالَ اليوسُفي

أو لو رأهُ عائِدًا أيّوبُ في

سِنَةِ الكَرَى قدمًا من البلوى شُفي

كُلُّ البُدُورِ إذا تَجَلّى مُقْبِلًا

تصبُو إليه وكُلُّ قَدٍ أهيَف

إن قُلْتُ عندي فيكَ كُلُّ صَبَابَةٍ

قالَ المَلاحةُ لي وكُلُّ الحُسْنِ في

كَمَلَتْ مَحاسنُهُ فلو أَهدى السّنا

للبَدْرِ عند تَمامِهِ لم يُخْسَف

وعلى تَفَنّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ

يَفنى الزّمانُ وفيه ما لم يُوصف

ولقد صَرَفْتُ لحُبّه كُلّي على

يَدِ حُسْنِهِ فحمِدْتُ حُسْنَ تصرّفي

فالعينُ تهوى صورةَ الحُسْنِ التي

روحي بها تَصبو إلى مَغْنىً خَفي

أسْعِدْ أُخَيَّ وغَنني بحديثه

وانْثُر على سَمْعي حِلاهُ وشَنِّف

لأرى بعينِ السّمعِ شاهِدَ حُسْنِهِ

معنىً فأتحِفْني بذاكَ وشَرّف

يا أخْتَ سعْدٍ مِن حَبيبي جئتِني

بِرِسالةٍ أدّيتِها بِتَلَطّف

فسَمِعْتُ ما لم تسمَعِي ونَظَرْتُ ما

لم تنظُري وعَرَفْتُ ما لم تعرِفي

إنْ زارَ يومًا يا حشايَ تَقَطَّعِي

كَلَفاً بِه أو سارَ يا عينُ اذرِفي

ما للنّوَى ذنْبٌ ومَنْ أهوَى مَعي

إن غابَ عن إنسانِ عيني فهْوَ في

قصيدة: زِدني بفَرط الحبّ فيك تحيّرا

قال الشاعر ابن الفارض:[٨]

زِدْني بفَرْطِ الحُبّ فيك تَحَيّرا

وارْحَمْ حشىً بلَظَى هواكَ تسعّرا

وإذا سألُتكَ أن أراكَ حقيقةً

فاسمَحْ ولا تجعلْ جوابي لن تَرى

يا قلبُ أنتَ وعدَتني في حُبّهمْ

صَبراً فحاذرْ أن تَضِيقَ وتَضجرا

إنَّ الغرامَ هوَ الحياةُ فمُتْ بِهِ

صَبًّا فحقّك أن تَموتَ وتُعذرا

قُل لِلّذِينَ تقدَّموا قَبلي ومَن

بَعدي ومَن أضحى لأشجاني يَرَى

عني خذوا وبي اقْتدوا وليَ اسمعوا

وتحدّثوا بصَبابتي بَينَ الوَرى

ولقد خَلَوْتُ مع الحَبيب وبَيْنَنَا

سِرٌّ أرَقّ منَ النسيمِ إذا سرى

وأباحَ طَرْفِي نَظْرْةً أمّلْتُها

فَغَدَوْتُ معروفًا وكُنْتُ مُنَكَّرا

فَدُهِشْتُ بينَ جمالِهِ وجَلالِهِ

وغدا لسانُ الحال عنّي مُخْبِرا

فأَدِرْ لِحَاظَكَ في محاسنِ وجْهه

تَلْقَى جميعَ الحُسْنِ فيه مُصَوَّرا

لو أنّ كُلّ الحُسْنِ يكمُلُ صُورةً

ورآهُ كان مُهَلِّلًا ومُكَبِّرا

قصيدة: نسختُ بحبي آية العشق قبلي

قال الشاعر ابن الفارض:[٩]

نسخْتُ بِحَبّي آية العِشْقِ من قبلي

فأهْلُ الهوى جُندي وحكمي على الكُلّ

وكلُّ فَتىً يهوى فإنّي إمَامُهُ

وإني بَريءٌ من فَتىً سامعِ العَذْلِ

ولي في الهوى عِلْمٌ تَجِلّ صفاتُهُ

ومن لم يُفَقّهه الهوى فهْو في جهل

ومن لم يكنْ في عِزّةِ الحبِّ تائهًا

بِحُبّ الذي يَهوى فَبَشّرْهُ بالذّل

إذا جادَ أقوامٌ بمالٍ رأيْتَهُمْ

يَجودونَ بالأرواحِ مِنْهُمْ بِلا بُخل

وإن أودِعوا سِرًا رأيتَ صُدورهم

قُبوراً لأسرارٍ تُنَزّهُ عن نَقلِ

وإن هُدّدوا بالهَجْرِ ماتوا مَخافَةً

وإن أوعِدوا بالقَتْلِ حنّوا إلى القتل

لَعَمري هُمُ العُشّاقُ عندي حقيقةً

على الجِدّ والباقون منهم على الهَزْل

قصيدة: يا سروري ومُنيتي واعتمادي

قالت الشاعرة رابعة العدوية:[١٠]

يا سُروري ومُنيَتي وعِمَادِي

وَأَنيسي وعدَّتي ومُرادِي

أنتَ روحُ الفؤادِ أنتَ رَجائِي

أنتَ لِي مُؤْنِسِي وشَوْقُكَ زادِي

كمْ بدَتْ مِنّة وكَمْ لكَ عِندي

منْ عَطاءٍ ونعمةٍ وأيَادي

حبّك الآن بُغيتِي ونَعيمي

وجلاء لِعينِ قلبي الصَّادي

قصيدة: لبّيكَ لبّيكَ يا سرّي ونَجوائي

قال الشاعر الحلاج:[١١]

لَبَّيكَ لَبَيكَ يا سِرّي وَنَجوائي

لَبَّيكَ لَبَّيك يا قَصدي وَمَعنائي

أَدعوكَ بَل أَنتَ تَدعوني إِلَيكَ فَهَل

نادَيتُ إِيّاكَ أَم نادَيتَ إِيّائي

يا عَينَ عَينِ وَجودي يا مدى هِمَمي

يا مَنطِقي وَعَبارَتي وَإيمائي

يا كُلَّ كُلّي وَيا سَمعي وَيا بَصَري

يا جُملَتي وَتَباعيضي وَأَجزائي

يا كُلَّ كُلّي وَكُلُّ الكُلِّ مُلتَبِسٌ

وَكُلُّ كُلِّكَ مَلبوسٌ بِمَعنائي

يا مَن بِهِ عَلِقَت روحي فَقَد تَلِفَت

وَجدًا فَصِرتُ رَهينًا تَحتَ أَهوائي

أَبكي عَلى شَجَني مِن فُرقَتي وَطَني

طَوعِا وَيُسعِدُني بِالنَوحِ أَعدائي

أَدنو فَيُبعِدُني خَوفي فَيُقلِقُني

شَوقٌ تَمَكَّنَ في مَكنونِ أَحشائي

فَكَيفَ أَصنَعُ في حُبٍّ كُلِّفتُ بِهِ

مَولايَ قَد مَلَّ مِن سُقمي أَطِبّائي

قالوا تَداوَ بِهِ فَقُلتُ لَهُم

يا قَومُ هَل يَتَداوى الداءُ بِالدائي

حُبّي لِمَولايَ أَضناني وَأَسقَمَني

فَكَيفَ أَشكو إِلى مَولايَ مَولائي

إِنّي لَأَرمُقُهُ وَالقَلبُ يَعرِفُهُ

فَما يُتَرجِمُ عَنهُ غَيرُ إيمائي

يا وَيحَ روحي وَمِن روحي فَوا أَسفي

عَلَيَّ مِنّي فَإِنّي أَصِلُ بَلوائي

كَأَنَّني غَرِقٌ تَبدوا أَنامِلَهُ

تَغَوُّثاً وَهوَ في بَحرٍ مِنَ الماءِ

وَلَيسَ يَعلَمُ ما لاقَيتُ مِن أَحَدٍ

إِلّا الَّذي حَلَّ مِنّي في سُوَيدائي

ذاكَ العَليمُ بِما لاقَيتُ مِن دَنَفٍ

وَفي مَشيئَتِهِ مَوتي وَإِحيائي

يا غايَةَ السُؤلِ وَالمَأمولِ يا سَكَني

يا عَيشَ روحِيَ يا ديني وَدُنيائي

قُلي فَدَيتُكَ يا سَمعي وَيا بَصَري

لِم ذي اللُجاجَةُ في بُعدي وَإِقصائي

إِن كُنتَ بالغَيبِ عَن عَينَيَّ مُحتَجِبًا

فَالقَلبُ يَرعاكَ في الإِبعادِ وَالنائي


لقراءة المزيد من القصائد الصوفية، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: أجمل أشعار الحلاج.

المراجع

  1. " قصيدة عرفت الهوى مذ عرفت هواكا"، بينات، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  2. "فما لي بعد بعدك بعدما"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  3. "ته دلالا فأنت أهل لذاكا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  4. "عجبت منك ومني"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  5. "عذب بما شئت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  6. "قصيدة راحتي في خلوتي"، المكتبة الشاملة، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  7. "قلبي يحدثني بأنك متلفي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  8. "زدني بفرط الحب فيك تحيرا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  9. "نسخت بحبي آية العشق من قبلي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  10. "يا سروري"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
  11. "لبيك لبيك يا سري ونجوائي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2020.
5352 مشاهدة
للأعلى للسفل
×