قصائد في مدح الرسول

كتابة:
قصائد في مدح الرسول

قصيدة جرير

إِنَّ الَّذي بَعَثَ النَبِيَّ مُحَمَّدًا

جَعَلَ الخِلافَةَ في الإِمامِ العادِلِ

وَلَقَد نَفَعتَ بِما مَنَعتَ تَحَرُّجًا

مَكسَ العُشورِ عَلى جُسورِ الساحِلِ

قَد نالَ عَدلُكَ مَن أَقامَ بِأَرضِنا

فَإِلَيكَ حاجَةُ كُلِّ وَفدٍ راحِلِ

إِنّي لَآمُلُ مِنكَ خَيراً عاجِلًا

وَالنَفسُ مولَعَةٌ بِحُبِّ العاجِلِ

وَاللَهُ أَنزَلَ في الكِتابِ فَريضَةً

لِاِبنِ السَبيلِ وَلِلفَقيرِ العائِلِ[١]

قصيدة حسان بن ثابت

وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني

وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ

خلقتَ مبرًّءًا منْ كلّ عيبٍ

كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ

وقال حسان بن ثابت في قصيدة أخرى:

أغَرُّ، عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّة خَاتَمٌ

مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ

وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ

إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ

وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ

فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمَّدُ

نَبيٌّ أتَانَا بَعْدَ يَأسٍ وَفَتْرَةٍ

منَ الرسلِ، والأوثانِ في الأرضِ تعبدُ

فَأمْسَى سِرَاجًا مُسْتَنيرًا وَهَادِيًا

يَلُوحُ كما لاحَ الصّقِيلُ المُهَنَّدُ

وأنذَرَنا نارًا، وبشّرَ جنةً

وعلّمنا الإسلامَ، فاللهَ نحمدُ

وأنتَ إلهَ الخلقِ ربّي وخَالِقي

بذلكَ ما عمَّرتُ في الناسِ أشهدُ

تَعَالَيْتَ رَبَّ الناسِ عن قَوْل مَن دَعا

سِوَاكَ إلهًا، أنْتَ أعْلَى وَأمْجَدُ

لكَ الخلقُ والنعماءُ، والأمرُ كلهُ

فإيّاكَ نَسْتَهْدي، وإيّاكَ نَعْبُدُ


قصيدة أبي الهدى الصيادي

كتابٌ جَليلٌ طابَ في مَدحِ أحمَد

حَبيب آله العَرشِ سيّدُ مَن بدا

فمدحُ الرّسُولِ المُصطفى خيرُ نِعْمَةٍ

بها نالَ أهلُ الحبِّ واللهِ مَقصِدا

فَهاكَ كتابًا للتوسُّلِ جامِعًا

لِخَيرِ الوَرى من قد تَسَمّى مُحمّدا

تَوسَلْ به إنْ جَارَ دهرٌ بفعلِهِ

تنَلْ كلَّ ما ترجو وتنجو من الرّدَى

يفوقُ نِظَام الدرّ عقد نِظامِهِ

حَبَانا به الفردُ الهمامُ أبو الهُدَى

قصيدة ابن الخياط

كلُّ القُلوبِ إلىَ الحبيبِ تَمِيْلُ

وَمعَي بِهـَذَا شـاهدٌ وَدَلِيِلُ

أَمَّا الدَّلِيِلُ إذَا ذَكرتَ محمدًا

فَتَرَى دُمُوعَ العَارِفِيْنَ تسيلُ

هَذا مَقالي فِيْكَ يَا شَرَفَ الورى

وَمَدحِي فِيكَ يَا رسولَ اللهِ قَلِيْلُ

هَذَا رَسُــولُ اللهِ هذا المُصْطفى

هَذَا لِرَبِ العالمينَ رَسُولُ

إِنْ صادَفَتْنِيِ مِنْ لَدنْكَ عِنَايَةٌ

لِأَزُوُرَ طَيْبَةَ والنَّخِيل جَمِيْلُ

يَا سَيِّدَ الكَوْنينِ يَا عَلمَ الهُدىَ

هَذَا المُتيَمُ فيِ حِماكَ نَزِيلُ

هَذا النبيُّ الْهَاَشِميُ مُحَمَّدٌ

هَذا لكلِّ العالمينَ رَسُولُ

هَذا الـذي رَدَّ العُـُيونَ بِكَفِّهِ

لمَّاَ بَدَتْ فَوْقَ الخُدَودِ تَسِيلُ

يـَا رَبِّ إِنِّيِ قَـْد مَدَحْـتُ مُحَمَّدًا

فِيِهِ ثَوَابِيِ وَلِلْمَدِيِــحِ جَزِيـِلُ

صَلَّىَ عَلَيْكَ اللهُ يَا عَلَمَ الْهُدَىَ

مَاَ لَاحَ بَدْرٌ فِيِ السَّمَاَءِ دَلِيِلُ

صَلَّىَ عَلَيْكَ اللهُ يَاَ عَـلَمَ الهُدَىَ

مَاَ حَنَّ مُشتَاقٌ وَساَرَ جَمِيْلُ

هَذَا رَسَولُ اللهِ نِبْرَاسَ الهُدَىَ

هَذَا لكلِّ العالمينَ رَسُـولُ

قصيدة أبي طالب

أَنتَ النَبِيُّ مُحَمَّدُ

قرمٌ أَغَرُّ مُسَوَّدُ

لِمُسَوّدين أَكارِمٍ

طابوا وَطابَ المَولِدُ

نِعمَ الأَرومَةُ أَصلُها

عَمرُو الخِضَمُّ الأَوحَدُ

هَشَمَ الرَبيكَةَ في الجِفا

نِ وَعَيشُ مَكَّةَ أَنكَدُ

فَجَرَت بِذَلِكَ سُنَّة

فيها الخَبيزَةُ تُثردُ

وَلَنا السِقايَةُ لِلحَجيـ

جِ بِها يُماثُ العُنجُدُ

وَالمَأزمانِ وَما حَوَت

عَرَفاتُها وَالمَسجِدُ

أَنّى تُضامُ وَلَم أَمُت

وَأَنا الشُجاعُ العِربِدُ

وَبِطاحُ مَكَّةَ لا يُرى

فيها نَجيعٌ أَسوَدُ

وَبَنو أَبيكَ كَأَنَّهُم

أُسدُ العَرينِ تَوَقَّدُ

وَلَقَد عَهِدتُكَ صادِقاً

في القَولِ لا تَتَزَيَّدُ

ما زِلتَ تَنطِقُ بِالصَوا

بِ وَأَنتَ طِفلٌ أَمرَدُ

قصيدة كعب بن زهير

أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني

وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ

مَهلًا هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ الـ

قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ

لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم

أُذِنبْ وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ

لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ

أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ

لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ

مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ

ما زِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعًا

جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ

حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ

في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ

لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ

وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ

مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً

بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ

يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما

لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ

إذا يُساوِرُ قِرنًا لا يَحِلُّ لَهُ

أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ

مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً

وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ

وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ

مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ

إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ

مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

قصيدة أحمد شوقي

وُلِدَ الهُـدى فَالكائِناتُ ضِياءُ

وَفَـمُ الزَمانِ تَبسُّـمٌ وَثَناءُ

الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ

لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ

وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي

وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ

وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُّبا

بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ

وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَ

وَالّلوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ

نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ

في اللَوحِ وَاِسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ

اِسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ

أَلِـفٌ هُـنالِكَ وَاِسمُ طَهَ الباءُ

يا خَيرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً

مِن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا

بَيتُ النَبيّينَ الَّذي لا يَلتَقي

إِلّا الحنائِـفُ فـيهِ وَالحُنَفاءُ

خَيرُ الأُبُـوَّةِ حازَهُـم لَكَ آدَمٌ

دونَ الأَنامِ وَأَحـرَزَت حَوّاءُ

هُم أَدرَكوا عِـزَّ النُبُوَّةِ وَاِنتَهَت

فيها إِلَيكَ العِزَّةُ القَعساءُ

خُلِقَت لِبَيتِكَ وَهوَ مَخلوقٌ لَها

إِنَّ العَظـائِـمَ كُفؤُها العُظَماءُ

بِكَ بَشَّرَ اللَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت

وَتَضَوَّعَت مِسكًا بِكَ الغَبراءُ

وَبَدا مُحَـيّـاكَ الَّـذي قَسَماتُهُ

حَـقٌّ وَغُـرَّتُـهُ هُـدىً وَحَـيـاءُ

وَعَليهِ مِن نورِ النُبُوَّةِ رَونَقٌ

وَمِنَ الخَليلِ وَهَديِهِ سيماءُ

أَثنى المَسيحُ عَلَيهِ خَلفَ سَمائِهِ

وَتَهَلَّلَت وَاِهـتَزَّتِ العَذراءُ

يَومٌ يَتيهُ عَلى الزَمانِ صَباحُهُ

وَمَساؤُهُ بِمُحَمَّدٍ وَضّاءُ

الحَقُّ عالي الرُكنِ فيهِ مُظَفَّرٌ

فـي الـمُلكِ لا يَعلو عَلَيهِ لِواءُ

ذُعِرَت عُروشُ الظالِمينَ فَزُلزِلَت

وعَلَت عَلى تيجانِهِم أَصداءُ

وَالنارُ خاوِيَةُ الجَوانِبِ حَولَهُم

خَمَدَت ذَوائِـبُها وَغاضَ الماءُ

وَالآيُ تَترى وَالخَوارِقُ جَمَّةٌ

جِبريلُ رَوّاحٌ بِها غَدّاءُ

نِعمَ اليَتيمُ بَدَت مَخايِلُ فَضلِهِ

وَاليُتمُ رِزقٌ بَعضُهُ وَذَكاءُ

في المَهدِ يُستَسقى الحَيا بِرَجائِهِ

وَبِقَصدِهِ تُستَدفَعُ البَأساءُ

بِسِوى الأَمانَةِ في الصِبا وَالصِدقِ لَم

يَعرِفهُ أَهلُ الصِدقِ وَالأُمَناءُ

يا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا

مِنها وَما يَتَعَشَّقُ الكُبَراءُ

لَو لَم تُقِم دينًا لَقامَت وَحدَها

دينًا تُضيءُ بِـنـورِهِ الآناءُ

زانَتكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ

يُغرى بِهِنَّ وَيـولَعُ الكُرَماءُ

أَمّا الجَمالُ فَأَنتَ شَمسُ سَمائِهِ

وَمَلاحَةُ الصِدّيقِ مِنكَ أَياءُ

وَالحُسنُ مِن كَرَمِ الوُجوهِ وَخَيرُهُ

ما أوتِيَ القُوّادُ وَالزُعَماءُ

فَإِذا سَخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى

وَفَعَلتَ ما لا تَفعَلُ الأَنواءُ

وَإِذا عَفَوتَ فَقادِرًا وَمُقَدَّر

اًلا يستَهينُ بِعَفوِكَ الجُهَلاءُ

وَإِذا رَحمتَ فَأَنتَ أُمٌّ أَو أَبٌ

هَذانِ في الدُنيا هُما الرُحَماءُ

وَإِذا غَضِبتَ فَإِنَّما هِيَ غَضبَةٌ

في الحَقِّ لا ضِغنٌ وَلا بَغضاءُ

وَإِذا رَضيتَ فَذاكَ في مَرضاتِهِ

وَرِضى الكَثيرِ تَحَلُّمٌ وَرِياءُ

وَإِذا خَطَبتَ فَلِلمَنابِرِ هِزَّةٌ

تَعرو النَدِيَّ وَلِلقُلوبِ بُكاءُ

وَإِذا قَضَتَ فَلا اِرتِيابَ كَأَنَّما

جاءَ الخُصومَ مِنَ السَماءِ قَضاءُ

وَإِذا حَمَيتَ الماءَ لَم يورَد وَلَو

أَنَّ القَياصِرَ وَالمُلوكَ ظِماءُ

وَإِذا أَجَرتَ فَأَنتَ بَيتُ اللَهِ لَم

يَدخُل عَلَيهِ المُستَجيرَ عَداءُ

وَإِذا مَلَكتَ النَفسَ قُمتَ بِبِرِّها

وَلَوَ اَنَّ ما مَلَكَت يَداكَ الشاءُ

وَإِذا بَنَيتَ فَخَيرُ زَوجٍ عِشرَةً

وَإِذا اِبتَنَيتَ فَدونَكَ الآباءُ

وَإِذا صَحِبتَ رَأى الوَفاءَ مُجَسَّمًا

في بُردِكَ الأَصحابُ وَالخُلَطاءُ

وَإِذا أَخَذتَ العَهدَ أَو أَعطَيتَهُ

فَجَميعُ عَهدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفاءُ

وَإِذا مَشَيتَ إِلى العِدا فَغَضَنفَرٌ

وَإِذا جَرَيتَ فَإِنَّكَ النَكباءُ

وَتَمُدُّ حِلمَكَ لِلسَفيهِ مُدارِيًا

حَتّى يَضيقَ بِعَرضِكَ السُفَهاءُ

في كُلِّ نَفسٍ مِن سُطاكَ مَهابَةٌ

وَلِكُلِّ نَفسٍ في نَداكَ رَجاءُ

قصيدة المكزون السنجاري

لِأَحمَدَ في الذِكرِ وَصفٌ عَظيمٌ

رَسولٌ نَبِيٌّ رَؤوفٌ رَحيمُ

شَهيدٌ بَشيرٌ سِراجٌ مُنيرٌ

كسِميعٌ بَصيرٌ خَبيرٌ عَليمُ

نَذيرٌ مُجيرٌ وَلِيٌّ نَصيرٌ

وَساعٍ وَداعٍ وَراعٍ حَميمُ

كِتابٌ مُبينٌ قَوِيٌّ أَمينٌ

مَكانٌ مَكينٌ صِراطٌ قَويمُ

ذُكورٌ شَكورٌ صَبورٌ وَقورٌ

حَميدٌ مَجيدٌ غَفورٌ حَليمُ

قصيدة البوصيري

مَدْحُ النَّبيِّ أُمانُ الخائفِ الوجِلِ

فامْدَحْهُ مَرْتَجِلاً أَوْ غيرَ مُرْتَجِلِ

وَلا تُشَبِّبْ بأَوْطَانٍ وَلا دِمَنٍ

ولا تُعَرِّجْ عَلَى رَبْعٍ ولا طَلَلِ

وصِفْ جَمالَ حَبيبِ اللهِ مُنْفَرِدَاً

بِوَصْفِهِ فَهْوَ خَيْرُ الوصْفِ وَالغَزَلِ

ريْحانَتاه على زَهْرِ الرُّبا

رَيْحانَتاهُ مِنَ الزَّهْراءِ فاطِمَةٍ

خَيرِ النِّسَاءِ وَمِنْ صِنْوِ الإِمامِ علي

إذا امْتَدَحْتُ نَسِيباً مِنْ سُلاَلَتِهِ

فهْوَ النَّسِيبُ لِمَدْحِي سَيِّد الرُّسُلِ

مُحَمَّدٌ أَفْضَل الرُّسْل الَّذي شَهِدَتْ

بِفَضْلِهِ أَنبياءُ الأَعْصُرِ الأُوَلِ

لَمْ يَعْدُهُ الحُسْنُ في خَلْقِ وفي خُلُقٍ

وَلَمْ يَزَلْ حُبُّهُ لِكُلِّ خَلِي

وَقِفْ عَلَة سُنَنِ المَرْضِيِّ مِنْ سُنَنٍ

فإنَّ فيها شِفاءَ الخَبْلِ والخَبَلِ

ونَزِّهْ الفِكْرَ في رَوْضاتِ فِكْرَتِها


وقال البوصيري في قصيدة أخرى:

كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ

يا سَماءً ما طاوَلَتْها سماءُ

لَمْ يُساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حا

لَ سنًا مِنك دونَهم وسَناءُ

إنّما مَثَّلُوا صِفاتِك للنا

س كما مثَّلَ النجومَ الماءُ

أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَص

دُرُ إلا عن ضوئِكَ الأَضواءُ

لكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ الغَيـْ

بِ ومنها لآدمَ الأَسماءُ

لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ تُختَا

رُ لك الأُمهاتُ الأَباءُ

ما مضتْ فَترةٌ من الرُّسْلِ إِلّا

بَشَّرَتْ قومَها بِكَ الأَنبياءُ

تتباهَى بِكَ العصورُ وَتَسْمو

بِكَ علْياءٌ بعدَها علياءُ

وَبَدا للوُجُودِ منك كريمٌ

من كريمٍ آبَاؤُه كُرماءُ

نَسَبٌ تَحسِبُ العُلا بِحُلاهُ

قَلَّدَتْهَا نجومهَا الْجَوزاءُ

حبّذا عِقْدُ سُؤْدُدٍ وَفَخَارٍ

أنتَ فيه اليتيمةُ العصماءُ

وُمُحَيًّا كالشَّمس منكَ مُضِيءٌ

أسْفَرَت عنه ليلةٌ غَرّاءُ

ليلةُ المولدِ الذي كَان للدِّي

نِ سرورٌ بيومِهِ وازْدِهاءُ

وتوالَتْ بُشْرَى الهواتفِ أن قدْ

وُلِدَ المصطفى وحُقّ الهَناءُ

وتَدَاعَى إيوانُ كِسْرَى ولَوْلا

آيةٌ مِنكَ ما تَدَاعَى البناءُ

وغَدَا كلُّ بيتِ نارٍ وفيهِ

كُرْبَةٌ مِنْ خُمودِها وَبلاءُ

وعيونٌ لِلْفُرسِ غارَتْ فهل كا

نَ لنِيرانِهِم بها إطفاءُ

مَوْلِدٌ كان منهُ في طالعِ الكُفْ

رِ وبالٌ عليهِمُ ووباءُ

فَهنيئًا به لآمِنَةَ الفَض

لُ الذي شُرِّفَتْ به حوَّاءُ

مَنْ لِحَوَّاءَ أنها حملَتْ أحْ

مدَ أو أنّها به نُفَسَاءُ

يوْمَ نَالت بِوَضْعِهِ ابنَةُ وَهْبٍ

مِنْ فَخَارٍ ما لم تَنَلْهُ النِّساءُ

وَأَتَتْ قومَها بأفضلَ مما

حَمَلَتْ قبلُ مريمُ العذراءُ

شمَّتته الأَملاكُ إذ وضَعَتْهُ

وشَفَتْنَا بِقَوْلِهَا الشَّفّاءُ

رافعاً رأسَه وفي ذلك الرّفْ

ع إلى كل سُؤْدُدٍ إيماءُ

رامقاً طَرْفه السَّماءَ ومَرْمَى

عينِ مَنْ شَأْنُهُ العُلُوُّ العَلاءُ

وتَدَلَّتْ زُهْرُ النُّجومِ إليهِ

فأضاءت بِضوئها الأَرجاءُ

وتراءت قصورُ قَيصَر بالرُّو

مِ يَرَاهَا مَنْ دَارُهُ البطحاءُ

وبَدَتْ فِي رَضَاعِهِ مُعْجِزَاتٌ

لَيْس فيها عنِ العيون خَفَاءُ

إذْ أَبَتْهُ لِيُتْمِهِ مُرْضِعاتٌ

قُلْنَ ما في اليتيمِ عنا غَنَاءُ

فأتتهُ من آلِ سعدٍ فتاةٌ

قد أبَتْهَا لِفَقْرِهَا الرُّضَعاءُ

أرْضَعتْهُ لِبَانَهَا فَسَقَتْهَا

وَبنِيها أَلْبَانَهُنَّ الشَّاءُ

أَصْبَحَتْ شُوَّلًا عِجافا وأمْسَتْ

ما بِها شائلٌ ولا عَجْفاءُ

أخْصَبَ العَيْشُ عِنْدَهَا بعدَ مَحْلٍ

إذ غَدا للنبيِّ منها غِذاءُ

يا لَها مِنَّةً لقدْ ضُوعِفَ الأَجْ

رُ عليها من جِنْسِها والجزَاءُ

وإذا سخَّرَ الإِلهُ أُناسًا

لسعيدٍ فإِنهم سُعَداءُ

حَبَّة أَنْبَتَتْ سَنَابِلَ والعَص

فُ لَدَيْهِ يَسْتَشْرِفُ الضُّعَفَاءُ

وَأَتَتْ جَدَّهُ وقد فَصَلَتْهُ

وبِهَا مِنْ فِصَالِهِ البُرَحَاءُ

إذ أحاطتْ به ملائكةُ اللـ

هِ فظنَّتْ بأنهم قُرَنَاءُ

ورأى وَجْدَها به ومِنَ الوَج

دِ لهيبٌ تَصْلَى بهِ الأَحْشاءُ

فَارَقَتْهُ كُرْهَاً وكان لَدَيْهَا

ثاوِياً لا يُمَلُّ مِنْهُ الثّواءُ

شُقَّ عَنْ قَلْبِهِ وأُخْرِجَ مِنْهُ

مُضْغَةٌ عِنْدَ غَسْلِهِ سوداءُ

خَتَمَتْهُ يُمْنَى الأَمينِ وقد أُو

دِعَ ما لم تُذَع له أَنْبَاءُ

صانَ أَسْرَارَه الخِتَامُ فلا الفَضْ

ضُ مُلِمٌّ بِهِ وَلا الإِفضاءُ

أَلِفَ النُّسْكَ والعبادةَ والخَلـْ

وةَ طِفلًا وهكذا النُّجَبَاءُ

وإذا حَلَّتِ الْهِدَايَةُ قَلْبًا

نَشِطَتْ في العبادة الأَعضاءُ

بَعَثَ اللَّهُ عندَ مبعثهِ الشُّه

بَ حِراسًا وضاقَ عنها الفضاءُ

تَطْرُدُ الجِنَّ عن مقاعدَ للسَّمْ

عِ كما تَطْرُدُ الذِّئابَ الرِّعاءُ

فَمَحَتْ آية الكَهَانَةِ آيا

ت مِنَ الوحْيِ ما لَهنَّ امِّحاءُ

ورأَتْهُ خديجةٌ والتُّقَى والـ

زُّهْدُ فيه سجيَّةٌ والحياءُ

وأتاها أن الغمامةَ والسر

حَ أَظَلَّتْهُ منهما أفياءُ

وأحاديث أنَّ وَعْدَ رسولِ الـ

لهِ بالبعثِ حانَ منه الوفاءُ

فدَعَتْهُ إلى الزواجِ وما أَحْ

سَنَ ما يبلغُ المُنَى الأَذكياءُ

وأتاهُ في بيتها جَبْرَئيلٌ

ولِذي اللُّبِّ في الأُمورِ ارْتياءُ

فأماطت عنها الخِمَارَ لتَدْري

أهُوَ الوحْيُ أم هو الإِغماءُ

فاختفى عند كشفِها الرأْسَ جِبْري

لُ فما عادَ أو أُعيدَ الغِطاءُ

فاستبانت خديجةٌ أنه الكنْ

زُ الذي حَاوَلَتْهُ والكِيميَاءُ

ثم قام النبيُّ يدعو إلى اللـ

هِ وفي الكُفرِ نَجْدَةٌ وإباءُ

أُمَمَاً أُشرِبَتُ قلوبُهُم الكُف

رَ فَدَاءُ الضَّلالِ فيهم عَيَاءُ

ورأينا آياتِه فاهتدَيْنَا

وإذا الحقُّ جاء زالَ المِراءُ

رَبِّ إِنَّ الهُدى هُداك وَآيا

تُكَ نورٌ تَهْدِي بها من تشاءُ

كم رأَيْنَا ما ليس يَعْقِلُ قد أُلْـ

هم ما ليْس يُلْهَمُ العُقلاءُ

إذ أبى الفيلُ ما أتى صاحبُ الفي

لِ ولم ينفعِ الحِجا والذكاءُ

والجماداتُ أفصحت بالذي أُخ

رِسَ عنه لأَحمدَ الفُصحاءُ

ويْحَ قومٍ جَفَوا نَبِيًّا بأرضٍ

أَلِفَتْهُ ضِبَابُها والظِّبَاءُ

وَسَلَوْهُ وَحَنَّ جِذعٌ إِليه

وَقَلَوْهُ وَوَدَّهٌ الغُرَباءُ

أخرَجوه منها وآوَاهُ غارٌ

وَحَمَتْهُ حَمامَةٌ وَرقاءُ

وَكَفَتْهُ بِنَسْجِها عنكبوتٌ

ما كَفَتْهُ الحمامةُ الحَصْداءُ

وَاختفى منهمُ على قُرْبٍ مَرْآ

هُ ومن شِدَّةِ الظهورِ الخَفَاءُ

وَنَحا المصطفى المدينةَ وَاشتا

قتْ إليه من مكةَ الأَنحاءُ

وَتغنّتْ بِمَدْحِهِ الْجِنُّ حتَّى

أطرَبَ الإِنسَ منه ذاك الغِناءُ

وَاقتفى إثْرَهُ سُراقَةُ فاستَهْ

وَتهُ في الأَرْضِ صافنٌ جَرْداءُ

ثم ناداهُ بعدَما سِيمَتِ الخَسـ

فَ العُلا وَقَد يُنْجِدُ الغريقَ النِّداءُ

فطوى الأَرضَ سائرا وَالسموا

تِ العُلا فوقَها له إِسراءُ

فصِفِ الليلةَ التي كان للمُخ

تارِ فيها على البُراقِ استواءُ

وترقى به إلى قابِ قَوْسَيْ

نِ وَتِلكَ السيادةُ القَعْساءُ

رُتَبٌ تَسْقُط الأَمانيُّ حَسْرَى

دونَها ما وراءهن وَرَاءُ

ثم وافَى يحدِّثُ الناسَ شُكْرًَا

إذ أتته من ربِّه النَّعْماءُ

وتَحَدَّى فارتابَ كلُّ مُريبٍ

أَوَ يَبْقَى مع السُّيُولِ الغُثاءُ

وَهْوَ يدعو إلى الإِلهِ وَإن شق

قَ عليه كفرٌ به وَازدِراءُ

وَيَدُلُّ الورَى على اللَّهِ بالتَّوْ

حيدِ وَهْوَ المَحَجَّةُ البَيْضاءُ

فَبِمَا رحمةٍ مِنَ اللَّهِ لانَتْ

صَخْرةٌ مِنْ إبائِهم صَمَّاءُ

وَاستجابَتْ له بنصرٍ وَفَتْحٍ

بعد ذاكَ الخضراء والغبراءُ

وَأَطاعَتْ لأَمْرِهِ العَرَبُ العَرْ

باء وَالْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلاءُ

وَتَوالَتْ للمصطفى الآيةُ الكبْ

رَى عليهمْ وَالغارةُ الشَّعْواءُ

فإذا ما تلا كتابا من اللـ

هِ تَلَتْهُ كَتِيبَةٌ خضراءُ

وَكفاهُ المستهزئينَ وَكم سا

ءَ نبِيًّا من قومِه استهزاءُ

وَرَماهم بِدَعْوَةٍ من فِناءِ الـ

بَيتِ فيهَا للظالمين فَنَاءُ

خمسةٌ كُلُّهم أُصيبوا بداءٍ

والرَّدَى من جنودِهِ الأَدوَاءُ

فدَهَى الأَسودَ بنَ مُطَّلِبٍ أَي

يُ عمىً مَيِّتٌ به الأَحياءُ

وَدَهَى الأَسودَ بنَ عبدِ يغوثٍ

أن سَقَاهُ كأسَ الرَّدَى اسْتِسْقَاءُ

وأَصابَ الوليدَ خَدْشَةُ سَهْمٍ

قَصَّرَتْ عنها الْحَيَّةُ الرَّقْطاءُ

وَقَضَتْ شَوْكَةٌ على مَهْجَةِ العا

صِي فللّهِ النَّقْمَة الشَّوْكاءُ

وَعَلا الحارثَ القُيُوحُ وَقد سا

لَ بِها رأسُه وَساء الوِعاءُ

خمسةٌ طُهِّرَتْ بِقَطْعِهِم الأَر

ضُ فَكَفُّ الأَذى بهم شَلَّاءُ

فُدِيَتْ خمسةُ الصَّحيفةِ بالخَم

سةِ إن كان بالكرام فِدَاءُ

فِتْيَةٌ بَيَّتُوا على فِعلِ خَيْرٍ

حَمِد الصبحُ أمرَهم وَالمَساءُ

يَا لأَمر أَتاهُ بعدَ هِشامٍ

زَمْعَةٌ إنه الفتَى الأَتَّاءُ

وَزُهَيْرٌ وَالْمُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ

وَأبو البَخْتَرِيِّ مِنْ حيث شاؤوا

نَقَضُوا مُبْرَمَ الصَّحيفةِ إذ شد

دَت عليهم من العِدا الأَنداءُ

أذْكَرَتْنَا بِأَكْلِهَا أكلَ مِنْسَا

ةِ سُلَيْمانَ الأَرْضَةُ الخَرساءُ

وَبهَا أخبَر النبيُّ وكم أخ

رَجَ خَبْئاً له الغُيُوبُ خِبَاءُ

لا تَخَلْ جانِبَ النبيِّ مُضَامًا

حينَ مَسَّتْهُ منهمُ الأَسْواءُ

كلُّ أمرٍ نَابَ النبيِّينَ فالشد

دَةُ فيه محمودةٌ وَالرّخاءُ

لو يَمسُّ النُّضَارَ هُونٌ مِنَ النا

رِ لما اختيرَ للنُّضَارِ الصِّلاءُ

كم يَدٍ عن نَبِيِّهِ كَفَّهَا الل

هُ وَفي الخَلْقِ كَثْرَةٌ وَاجتراءُ

إذ دعا وَحْدَهُ العبادَ وَأَمْسَتْ

مِنه في كلِّ مُقلَةٍ أَقْذاءُ

هَمَّ قومٌ بِقَتْلِهِ فأَبى السَّيْ

فُ وَفاءً وَفاءتِ الصَّفْواءُ

وَأبو جهلٍ إذ رأى عُنُقَ الفحـ

لِ إليه كأنه العنقَاءُ

وَاقتضَاهُ النبيُّ دَيْنُ الإِراشي

يِ وَقد سَاء بيعُهُ وَالشِّرَاءُ

وَرأى المصطفى أَتَاهُ بما لَمْ

يُنْجِ منه دونَ الوفاء النَّجَاءُ

هوَ ما قد رآهُ مِن قبلُ لكنْ

ما عَلَى مِثْلِهِ يُعَدُّ الخَطَاءُ

وَأَعَدَّتْ حَمَّالَةُ الحَطَبِ الفِه

رَ وَجَاءَتْ كأَنها الوَرْقاءُ

يومَ جاءَت غَضْبَى تقولُ أفي مِث

لِيَ مِنْ أحمدٍ يُقالُ الهِجَاءُ

وَتَولَّتْ وَمَا رأته وَمِنْ أَيْ

نَ تَرَى الشمسَ مُقْلَةٌ عمياءُ

ثم سَمّتْ له اليهوديَّةُ الشَا

ةَ وَكم سَامَ الشِّقْوَةَ الأَشقِيَاءُ

فأَذاعَ الذِّراعُ مَا فيه مَن شر

رٍ بِنُطْقٍ إخفاؤُهُ إبداءُ

وَبِخُلقٍ مِنَ النبيِّ كريمٍ

لَمْ تُقَاصَصْ بِجرحهَا العَجْماءُ

مَنَّ فَضْلاً عَلَى هَوَازِنَ إذْ كا

نَ له قبلَ ذَاكَ فيهِمِ رِبَاءُ

وَأتى السَّبيُ فيه أُختُ رَضَاعٍ

وَضَعَ الكُفْرُ قَدْرَهَا وَالسِّبَاءُ

فَحَبَاهَا بِرّاً تَوَهَّمَتِ النَّا

سُ به أنَّما السِّبَاء هِداءُ

بَسَطَ المصطفى لها مِن رِداءٍ

أيُّ فضل حَوَاهُ ذاكَ الرِّداءُ

فَغَدَتْ فيه وَهْيَ سيِّدةُ النِّسْ

وَةِ وَالسيِّدَاتُ فيه إمَاءُ

فتَنَزَّهْ في ذاتِه وَمَعَانيهِ

استماعاً إنْ عَزَّ مِنهَا اجتِلاءُ

وَاملأ السّمْعَ مِن محَاسِنَ يُمْلِي

هَا عليك الإنشَادُ وَالإِنْشَاءُ

كلُّ وَصْفٍ له ابْتَدَأتَ به استَوْ

عَبَ أخبَارَ الفضلِ مِنه ابتداءُ

سَيِّدٌ ضِحْكُهُ التَّبَسُّمُ وَالْمَش

يُ الهَوَيْنَا وَنَومُهُ الإِغفاءُ

مَا سِوَى خُلْقِهِ النسيمُ وَلا غَيْ

رَ مُحَيَّاهُ الرَّوْضَةُ الغَنَّاءُ

رحمةٌ كلُّهُ وَحَزْمٌ وَعَزْمٌ

وَوَقَارٌ وَعِصْمَةٌ وَحَيَاءُ

لا تَحُلُّ البأْسَاء مِنه عُرَا الصَّبْ

رِ وَلا تَسْتَخِفُّهُ السَّرَّاءُ

كَرُمَتْ نَفْسُهُ فما يخْطُرُ السُّو

ء عَلَى قَلْبِهِ وَلا الفحشَاءُ

عَظُمَتْ نِعْمَةُ الإِله عليه

فاستَقَلَّتْ لِذِكْرِهِ العُظَمَاءُ

جَهِلَتْ قومُهُ عليه فأَغْضَى

وَأخو الحِلْم دَأبُهُ الإِغْضَاءُ

وَسِعَ العَالَمِين عِلْمَاً وَحِلْمًا

فهْوَ بحرٌ لم تُعْيِهِ الأَعبَاءُ

مُسْتَقِلٌّ دُنْيَاكَ أن يُنْسَبَ الإِم

ساكُ منها إليه والإِعطاءُ

شمسُ فضلٍ تَحَقَّقَ الظنُّ فيه

الشمسُ رِفْعَةً والضِّياءُ

فإذا ما ضحا محا نورُه الظِّلـ

لَ وقد أثْبَتَ الظِّلالَ الضَّحَاءُ

فكأنَّ الغمامةَ استَوْدَعَتْهُ

مَنْ أظَلَّتْ مَنْ ظِلِّهِ الدُّفَفَاءُ

خَفِيَتْ عِنْدَهُ الفضائلُ وانجا

بَتْ به عن عقولِنَا الأهواءُ

أمَعَ الصُّبحِ للنجومِ تَجَلٍّ

أمْ مع الشمسِ للظلامِ بَقاءُ

مُعجزُ القَوْلِ والفِعَالِ كريمُ ال

خلقِ وَالخُلْقِ مُقْسِطٌ مِعْطاءُ

لا تَقِسْ بالنبيِّ في الفضل خَلْقَاً

فهو البحر والأنامُ إضاءُ

كلُّ فضل في العالَمين فمن فَض

لِ النبيِّ استعارَهُ الفُضَلاءُ

شُقَّ عَنْ صَدْرِهِ وشُقَّ لَهُ البَدْ

رُ وَمِنْ شَرْطِ كلِّ شَرْطٍ جَزاءُ

ورَمَى بالحَصَى فأَقْصَدَ جَيشًا

ما العَصَا عِنْدَه وَمَا الإِلقاءُ

ودعا للأنامِ إذ دَهَمَتْهُم

سَنَةٌ مِنْ مُحولِها شَهْباءُ

فاسْتَهَلّتْ بالغَيْثِ سَبْعَةَ أَيَّا

مٍ عليهم سحابةٌ وَطْفاءُ

تَتَحَرّى مَواضِعَ الرَّعْيِ وَالسَّقْـ

يِ وحيث العِطاشُ تُوهَى السِّقاءُ

وأتى الناسُ يَشْتَكُونَ أذاها

وَرَخَاءٌ يُؤْذِي الأنام غلاءُ

فدعا فانجلى الغمام فقلت في

وصف غيث إِقْلاعَه استسقاءُ

ثم أَثْرى الثَّرَى فقرَّتْ عُيونٌ

بقُراهَا وَأُحْيِيَتْ أَحْيَاءُ

فترى الأرضَ غِبَّهُ كسماءٍ

أشْرَقَتْ مِنْ نُجومِهَا الظَّلْمَاءُ

تُخْجِلُ الدُّرَّ واليواقيتَ من نَوْ

رِ رُباها البَيْضَاءُ والحَمراءُ

لَيْتَهُ خَصَّنِي بِرُؤْيَةِ وَجْهٍ

زَالَ عن كلِّ من رآه الشّقاءُ

مُسْفِرٌ يَلْتَقِي الكَتِيبَةَ بَسَّا

ماً إذا أسْهَمَ الوُجُوهَ اللِّقاءُ

جُعِلَتْ مَسْجِدَاً له الأرضُ فاهْتزْ

زَ به للصلاةِ فيها حِرَاءُ

مُظْهِرٍ شَجّةَ الْجَبِينِ عَلَى البُرْ

ءِ كما أَظهرَ الهلالَ البَرَاءُ

سُتِرَ الحُسْنُ منه بالحسنِ فاعجَبْ

لِجَمِالٍ له الْجَمالُ وِقاءُ

فهْوَ كالزّهْرِ لاحَ من سَجَفِ الأك

مام والعودِ شُقَّ عنه اللّحاءُ

كَادَ أَنْ يُغشِيَ العُيونَ سنًا مِنْ

هُ لِسِرٍّ فيه حَكَتْهُ ذُكاءُ

صانَهُ الحُسْنُ وَالسّكِينَةُ أَنْ تُظ

هِرَ فيه آثارها البأساءُ

وتَخَالُ الوجوهَ إنْ قابَلَتْه

أَلْبَسَتْهَا ألوانَهَا الحِرْبَاءُ

فإذا شِمْتَ بِشْرَهُ وَنَدَاهُ

أذْهَلَتْكَ الأنوارُ والأنواءُ

أَوْ بتقبيلِ راحةٍ كانَ للـ

هِ وباللَّه أخذها والعطاءُ

تَتَّقِي بأْسَها الملوكُ وَتحْظَى

بالغِنَى من نَوَالِهَا الفُقَراءُ

لا تَسَلْ سَيْلَ جُودِها إنما يَك

فِيك مِنْ وكْفِ سُحْبها الأنداءُ

دَرَّتِ الشاةُ حينَ مرَّتْ عَلَيها

فلها ثَرْوَةٌ بها وَنَماءُ

نَبَعَ الماءُ أَثْمَرَ النخلُ في عا

مٍ بها سَبَّحَتْ بها الحصباءُ

أحْيَتِ المُرْمِلِينَ مِنْ مِوْتِ جَهْدٍ

أَعْوَزَ القَوْمَ فيه زادٌ وماءُ

فتغَدَّى بالصَّاعِ أَلْفٌ جِياعٌ

وتَرَوَّى بالصَّاعِ ألفٌ ظِمَاءُ

وَوَفَى قدرُ بَيْضَةٍ مِنْ نُضَارٍ

دَيْنَ سَلْمَانَ حِينَ حانَ الوفاءُ

كانَ يُدْعَى قِنًّا فأُعْتِقَ لَمَّا

أيْنَعَتْ مِنْ نَخيلِه الأَقْنَاءُ

أفلا تَعْذُرُونَ سَلْمَانَ لَمَّا

أَنْ عَرَتْهُ مِنْ ذِكْرِهِ العُروَاءُ

وَأَزالَت بِلَمْسِهَا كلَّ دَاءٍ

أكْبَرَتْهُ أطِبَّةٌ وَإِسَاءُ

وعُيُونٌ مَرَّتْ بها وَهْي رُمْدٌ

فأَرَتْهَا مَا لَمْ تَرَ الزَّرْقَاءُ

وأَعادَتْ عَلَى قَتَادَةَ عَيْنَاً

فَهْيَ حتى مماتِه النَّجْلاءُ

أَوْ بِلَثْمِ التُّرَابِ مِنْ قَدَمٍ لا

نَتْ حَياءً من مَشْيِهَا الصَّفْواءُ

مَوْطِئُ الأخمَصِ الَّذِي منه للقل

لبِ إذا مَضْجَعي أَقَضَّ وِطاءُ

حَظيَ المسجدُ الحرامُ بمَمْشا

ها ولم يَنْسَ حَظه إِيلِيَاءُ

وَرَمَتْ إذْ رَمَى بها ظُلَمَ اللي

لِ إلى اللَّه خوفُه والرَّجاءُ

دَمِيَتْ في الوَغَى لِتَكْسِبَ طِيباً

ما أراقتْ من الدَّمِ الشُّهداءُ

فَهْيَ قُطْبُ المحرابِ وَالْحَرْبِ كم دا

رت عليها في طاعة أَرحاءُ

وَأُرَاهُ لو لم يُسَكِّنْ بها قب

لُ حِراءً ماجَتْ بِهِ الدَّأْمَاءُ

عَجَباً للكُفّارِ زادوا ضلالاً

بالذي فيه للعقول اهتداءُ

والذي يسألون منه كتابٌ

مُنْزَلٌ قد أتاهم وارتقاءُ

أَوَ لم يَكْفِهِمْ من اللَّهِ ذِكْرٌ

فيه للناس رحمةٌ وشفاءُ

أَعجزَ الإِنسَ آية منه والجن

نَ فَهَلَّا يأتي بها البُلَغاءُ

كلّ يومٍ تُهدَى إلى سامِعِيه

مُعجِزاتٍ من لفظِه القُرَّاءُ

تَتَحَلَّى به المسامِعُ والأف

واه فَهْو الحُلِيُّ وَالحَلْوَاءُ

رَقَّ لَفْظاً وراق معنىً فجاءَتْ

في حُلاها وحَلْيِها الخَنْسَاءُ

وأرَتْنَا فيه غوامضَ فضلٍ

رِقَّةٌ مِنْ زُلالِهَا وَصَفاءُ

إنما تُجْتَلَى الوُجُوهُ إذَا ما

جُلِيَتْ عِنْ مِرْآتِهَا الأصْداءُ

سُوَرٌ منه أشْبَهَتْ صُوَراً مِنْـ

نَا ومِثْلُ النَّظَائِر النُّظَراءُ

والأقاويل عندَهمْ كالتماثي

لِ فلا يُوهِمَنَّكَ الخطباءُ

كم أبانَتْ آياتُهُ من علومٍ

عن حُروفٍ أبانَ عنها الهجاءُ

فهْي كالحَبِّ والنَّوَى أعجبَ الزُّر

راعَ منهُ سنابلٌ وَزَكاءُ

فأطالوا فيه التردُّدَ وَالرَّي

بَ فقالوا سِحْرٌ وقالوا افتراءُ

وإذا البيِّنَاتُ لَمْ تُغْنِ شيئًا

فَالتماسُ الهُدَى بِهِنَّ عَناءُ

وإذا ضلَّتِ العُقول على عِلْ

مٍ فماذا تقوله الفُّصَحاءُ

قومَ عيسى عاملْتم قومَ موسى

بالذي عامَلَتْكُم الحُنفاءُ

صَدَّقوا كُتْبَكُمُ وكذَبْتُمْ

كُتبَهُمُ إنّ ذا لَبِئْسَ البَواءُ

لو جحدنا جُحُودَكم لاستويْنَا

أوَ للحقِّ بالضَّلالِ استواءُ

مَا لَكُم إِخْوَةَ الكِتابِ أُناسًا

ليس يُرْعَى للحقِّ منكم إخاءُ

يَحْسُدُ الأولُ الأخيرَ وما زا

لَ كذا المُحْدَثُونَ وَالقُدَمَاءُ

قد عَلِمْتُم بِظلمِ قابيل هابي

لَ ومظلومُ الإِخْوَةِ الأَتْقِيَاءُ

وسمِعْتم بكَيْدِ أَبناءِ يعقو

بَ أَخَاهم وكلُّهم صُلَحَاءُ

حِينَ أَلْقَوْهُ في غَيابَةِ جُبٍّ

وَرَمَوْهُ بالإفْكِ وَهْوَ بَراءُ

فتأَسَّوْا بِمَن مَضَى إذْ ظَلَمتمْ

فالتَّأَسِّي لِلنَّفْسِ فيه عَزَاءُ

أتُرَاكُم وَفَّيْتُم حينَ خَانُوا

أم تُرَاكُمْ أَحْسَنْتُمُ إذْ أساؤُوا

بَلْ تَمَادَتْ عَلَى التَّجَاهُلِ آبَا

ءٌ تَقَفَّتْ آثَارِهَا الأَبناءُ

بَيَّنَتْهُ تَوْراتُهُمْ وَالأَناجِي

لُ وَهم في جُحُودِهِ شُرَكاءُ

إنْ تقولوا ما بَيَّنَتْهُ فما زَا

لَتْ بها عن عيونهم غشوَاءُ

أو تقولوا قد بَيَّنَتْهُ فما لِلْ

أُذْنِ عما تقوله صَمَّاءُ

عَرَفُوهُ وَأنْكَرَوهُ وَظُلمًَا

كَتَمَتْهُ الشَّهَادَةَ الشُّهَدَاءُ

أوَ نُورُ الإِلهِ تُطْفِئُهُ الأَفْ

واهُ وَهْوَ الذي به يُسْتَضاءُ

أوَلا يُنْكِرُونَ مَن طَحَنَتْهُم

بِرَحاها عِنْ أمْرِهِ الْهَيجاءُ

وَكَساهم ثَوْبَ الصَّغارِ وقد

طُلَّت دِماً منهم وصِينَتْ دِمَاءُ

كيف يَهدِي الإِله منهم قلوبًا

حَشْوُها من حَبِيبِهِ الْبَغْضاءُ

خَبِّرونَا أهلَ الكِتَابَيْنِ من أَيْ

نَ أَتَاكُم تَثْليثكم والبَداءُ

مَا أتى بالعقِيدَتَيْنِ كتابٌ

واعتقادٌ لا نَصَّ فيه ادِّعاءُ

والدَّعاوَى ما لم تُقيموا عليها

بَيِّنَاتٍ أبناؤُها أَدْعِياءُ

ليت شعري ذِكرُ الثلاثةِ وَالوا

حِدِ نَقْصٌ في عَدِّكم أمْ نَماءُ

كيف وَحَّدْتُم إِلهاً نَفَى التَّو

حِيدَ عنه الآباءُ والأَبناءُ

أإِلهٌ مُرَكَّبٌ ما سَمِعْنَا

بإِلهٍ لذاتِهِ أَجْزَاءُ

أَلِكُلٍّ منهم نَصِيبٌ مِنَ المُل

كِ فَهَلَّا تَمَيَّزُ الأَنْصِبَاءُ

أم هُمُ حَلّلوُا بها شِرْكَةَ الأب

دَانِ أمْ هُمْ لبعضِهم كُفَلاءُ

أتراهم لحاجةٍ واضطرارٍ

خَلَطُوهَا ومَا بَغَى الخُلَطَاءُ

أهُوَ الرَّاكِبُ الحمارَ فيا عَجْ

زَ إِلهٍ يَمَسُّهُ الإِعْيَاءُ

أمْ جميعٌ عَلَى الحمار لقد جَل

لَ حِمَارٌ بِجَمْعِهِم مَشَّاءُ

أم سِواهم هُو الإِلهُ فما نِسْ

بَةُ عيسى إليه والانْتِمَاءُ

أم أردتُم بها الصفاتِ فلمْ خُصـ

صَتْ ثُلاثٌ بِوصفِه وَثُناءُ

أم هُو ابنٌ للَّه ما شاركته

في معاني النُّبُوَّةِ الأَنبياءُ

قتلَتْهُ اليهودُ فيما زَعَمْتُم

وَلأَمْواتِكم به إحياءُ

إنَّ قَوْلاً أَطْلَقْتُمُوهُ عَلَى الل

هِ تعالى ذِكْرًا لقَوْلٌ هُراءُ

مِثْلَ مَا قَالَت اليهودُ وكلٌّ

لَزِمَتْهُ مقالَةٌ شَنعاءُ

إذْ همُ اسْتَقْرَؤُوا البَداءَ وكم سا

قَ وَبَالًا إِليهم اسْتِقْرَاءُ

وَأَرَاهم لم يجعلُوا الواحِدَ القَهـ

هارَ في الخَلْقِ فاعلاً ما يشاءُ

جَوَّزُوا النَّسْخَ مِثْلَما جوَّزُوا المسـ

خَ عَلَيْهِم لو أنهم فُقهاءُ

هُوَ إِلَّا أَن يُرْفَعَ الحكمُ بالحكـ

مِ وخَلْقٌ فيه وأمرٌ سَواءُ

ولحُكمٍ من الزمانِ انتهاءٌ

ولحُكم من الزمانِ ابتداءُ

فَسَلُوهم أكان في مسخِهِم نَسْ

خٌ لآيات اللَّه أم إنشاءُ

وَبَدَاءٌ في قَوْلِهمْ نَدِمَ الل

هُ عَلَى خَلْقِ آدمٍ أمْ خَطاءُ

أم مَحَا اللَّهُ آية الليل ذكرًا

بعدَ سَهْوٍ ليوجَدَ الإِمْساءُ

أم بدا للإِلهِ في ذَبْحِ إِسْحَا

قَ وقد كان الأمر فيه مَضاءُ

أوَ ما حَرَّمَ الإِلهُ نِكَاحَ ال

أُختِ بعدَ التحليلِ فَهْوَ الزِّناءُ

لا تُكَذِّبْ إنَّ اليَهُودَ وقد زا

غُوا عن الحقِّ مَعْشَرٌ لُؤَماءُ

جَحَدُوا المصطفى وآمن بالطا

غُوتِ قومٌ همْ عندهمْ شُرَفاءُ

قتَلوا الأَنبياءَ وَاتَّخَذُوا العِجـ

لَ أَلا إنهم هم السُّفَهاءُ

وسَفيهٌ من ساءَه المنُّ والسَّلْ

وَى وأَرضاهُ الفُومُ وَالقِثَّاءُ

مُلِئَتْ بالخبيثِ منهم بُطُونٌ

فَهْيَ نَارٌ طِباقُها الأمعاءُ

لو أُرِيدُوا في حال سَبْتٍ بخيرٍ

كان سَبْتَاً لديهمُ الأَربِعاءُ

هُوَ يومٌ مُبارَكٌ قيلَ للتصـ

ريفِ فيه من اليهود اعتداءُ

فَبِظُلْمٍ منهمُ وكفْرٍ عَدَتْهُم

طَيِّبَاتٌ في تَرْكِهنَّ ابْتِلاءُ

خُدِعوا بالمنافقين وهل يَنْ

فُقُ إلَّا على السفيهِ الشَّقاءُ

واطمأنوا بقَوْلِ الَاحزاب إِخوا

نِهِمُ إِننا لكم أولياءُ

حالَفوهم وخالفوهم ولمْ أَدْ

رِ لماذا تخالَفَ الحُلفاءُ

أسلَمُوهم لأَوَّلِ الحَشْرِ لا مِي

عادُهم صادقٌ ولا الإِيلاءُ

سكَنَ الرُّعْبُ والخَرابُ قلوبًا

وبُيُوتاً منهمُ نعاها الجَلاءُ

وَبِيَوْمِ الأحزابِ إِذْ زاغتِ الأَب

صَارُ فيهم وضلتِ الآراءُ

وتَعَدَّوْا إلى النبيّ حدودًا

كان فيها عليهم العُدَوَاءُ

وَنَهَتْهُم وما انتهت عنه قوم

فأُبيدَ الأَمَّارُ والنَّهاءُ

وتعاطَوْا في أحمدٍ مُنْكَرَ القَوْ

لِ وَنُطقُ الأَراذِلِ العَوْراءُ

كلُّ رِجْسٍ يَزِيدُه الخُلُقُ السُّو

ءُ سِفاهًا والمِلَّةُ العَوْجاءُ

فانظروا كيف كان عاقبة القوْ

مِ وَما ساق لِلْبَذِيِّ البَذَاءُ

وجَد السَّبَّ فيه سُمًّا وَلم يَدْ

رِ إِذْ المِيمُ في مواضِعَ بَاءُ

كانَ مِن فيه قتلُه بِيَدَيْهِ

فهو في سوء فِعله الزَّبَّاءُ

أوْ هُوَ النحلُ قَرْصُهَا يَجْلُبُ الحَت

فَ إليها وما له إنْكَاءُ

صَرَعَتْ قومَهُ حبائِلُ بَغْيٍ

مَدَّها المكرُ منهم والدَّهاءُ

فأتتهم خيلٌ إلى الحرب تختا

لُ وللخيْلِ في الوغَى خُيَلاءُ

قَصَدَتْ فيهم القنا فقَوافِي الـ

طعْنِ منها ما شأنها الإيطاءُ

وأثَارَتْ بأرضِ مكةَ نَقْعًَا

ظُنَّ أن الغُدُوَّ منها عِشاءُ

أحْجَمَتْ عندهُ الحجُون وأكْدى

عِنْد إعطائه القليلَ كَدَاءُ

وَدَهَتْ أَوْجُهاً بها وبيوتاً

مُلّ منها الإكفاءُ والإقواءُ

فَدَعَوْا أحْلَمَ البريَّةِ والعفْ

وُ جوابُ الحليمِ والإغْضاءُ

ناشدوه القُرْبَى التي من قُرَيْش

قطعَتْهَا التِّراتُ والشَّحْناءُ

فعَفا عَفْوَ قَادرٍ لم يُنَغِّصْ

هُ عليهم بما مضى إغراءُ

وإذا كان القطْع وَالوصلُ للـ

هِ تَسَاوَى التَّقْرِيبُ وَالإِقْصاءُ

وسواءٌ عليه فيما أتاهُ

مِنْ سِواهُ المَلامُ وَالإطْراءُ

وَلَو انَّ انتقامَهُ لِهَوَى النَّف

سِ لَدَامَتْ قطيعةٌ وَجَفَاءُ

قام للَّه في الأُمورِ فأَرْضَى ال

لهَ منه تَبايُنٌ وَوَفاءُ

فِعْلُهُ كلُّهُ جَمِيلٌ وَهل يَنْ

صَحُ إلّا بمَا حَوَاهُ الإناءُ

أطْربَ السامعينَ ذِكْرُ عُلاهُ

يا لَرَاحٍ مَالَتْ بهَا النُّدَماءُ

النبيُّ الأميُّ أعلمُ مَنْ أسـ

نَدَ عنه الرُّوَاةُ وَالحكَماءُ

وَعَدَتْنِي ازْدِيَارَهُ العامَ وَجْنا

ءٌ وَمَنَّتْ بِوَعْدِها الوجْناءُ

أفلا أنْطَوِي لها في اقْتضائِي

ه لِتُطْوَى ما بَيْنَنا الأَفْلاءُ

بألُوفِ البَطْحاءِ يُجْفِلُهَا النِّي

لُ وقد شَفَّ جَوْفَهَا الإِظْماءُ

أنْكَرَتْ مِصْرَ فَهيَ تَنْفِرُ ما لا

حَ بِنَاءٌ لِعَيْنِهَا أوْ خَلاءُ

فأَقَضّتْ عَلَى مبَارِكها بِرْ

كَتهَا فالبُّوَيْبُ فالخَضْراءُ

فالقِبَابُ التي تَلِيها فبِئْرُ الـ

نخْلِ وَالرَّكْبُ قائِلُونَ رِوَاءُ

وَغَدَتْ أَيْلَةُ وَحِقْلٌ وَقُرٌّ

خَلْفَها فَالمَغَارَةُ الفَيْحَاءُ

فعيونُ الأَقْصَابِ يَتبعُها النَّبـ

كُ وَيتْلو كُفَافَةَ العَوْجاءُ

حاوَرَتْهَا الحوراءُ شَوْقاً فينبو

عٌ فَرَقَّ اليَنْبُوعُ وَالْحَوْراءُ

لاحَ بالدَّهْنَوَيْنِ بَدْرٌ لها بَع

دَ حُنَيْنٍ وَحَنَّتِ الصَّفْرَاءُ

ونَضَتْ بَزْوَةٌ فرابغُ فالجُحْ

فَةُ عنها ما حاكه الإِنضاءُ

وأرَتْهَا الخَلاصَ بئْرُ عَليٍّ

فَعِقَابُ السَّوِيقِ فالخَلصاءُ

فهْيَ من ماء بئْرِ عُسفَانَ أو مِنْ

بَطْنِ مَرٍّ ظمآنةٌ خَمْصَاءُ

قَرَّبَ الزَّاهِرَ المساجِدُ منها

بخُطاها فالبُطءُ منها وَحاءُ

هذه عِدَّةُ المنازلِ لا ما

عدَّ فيه السّماكُ وَالعَوَّاءُ

فكأَني بها أُرَحِّلُ منْ مَكـ

كَةَ شمسًا سماؤُها البَيْداءُ

مَوْضِعُ البَيْتِ مَهْبِطُ الوَحْي مأْوى الـ

رسلِ حيثُ الأنوارُ حيثُ البَهاءُ

حيثُ فرضُ الطَّوَافِ والسَّعْيُ وَالحلـ

قُ وَرَمْيُ الجِمار وَالإِهداءُ

حَبَّذا حَبَّذَا معاهِدُ منها

لم يُغَيِّرْ آياتِهِنَّ البِلاءُ

حَرَمٌ آمِن وَبَيْتٌ حَرامٌ

وَمَقَامٌ فيه المُقامُ تَلاءُ

فَقَضَيْنَا بها مَناسِكَ لا يُحْـ

مَدُ إلّا في فِعْلِهِنَّ القضاءُ

وَرَمَيْنَا بها الفِجَاجَ إلَى طَيْ

بَةَ والسَّيْرُ بالمطايا رِماءُ

فأصَبْنا عَنْ قَوْسِها غَرضَ القُر

بِ وَنِعْمَ الخَبِيئَةُ الكَوْمَاءُ

فرأينا أرضَ الحَبيبِ يَغُضُّ الـ

طرفَ منها الضياءُ وَالْلأْلاءُ

فكأنَّ البَيْدَاءَ مِنْ حيثُما قا

بَلَتِ العَينَ رَوْضَة غَنَّاءُ

وكأَنَّ البِقاعَ زَرَّتْ عليها

طَرَفَيْها مُلاءَةٌ حَمْرَاءُ

وكأَنَّ الأَرجاء تَنشُر نَشْر الـ

مِسْكِ فيها الجَنُوبُ وَالجِرْبِياءُ

فإذا شِمتَ أو شَمِمْتَ رُبَاها

لاحَ منها برقٌ وفاحَ كِباءُ

أيَّ نُورٍ وَأيَّ نَوْرٍ شَهِدْنا

يَوْمَ أَبْدَت لَنا القِبَابَ قُباءُ


قصيدة عائض القرني

مِن أينَ أبدَأُ والحديثُ غَـرامُ

فَالشِّعْرُ يَقصُرُ والكَلامُ كَلامُ

مِن أينَ أبْدَأُ في مديحِ محمّدٍ

لا الشّعرُ يُنصفُهُ ولا الأقلامٌ

هو صاحِبُ الخُلقِ الرّفيعِ على المَدى

هو قائدٌ للمسلمينَ همَامُ

هو سيّدُ الأخلاقِ دونَ منافسٍ

هو مُلهِمٌ هو قائدٌ مِقدامُ

ماذا نقولُ عن الحبيبِ المُصطفى

فمحمّدٌ للعالَمينَ إمامُ

ماذا نقولُ عن الحبيبِ المُجْتَبَى

في وصفِهِ تتكسّرُ الأقلامُ

رَسَموكَ في بعض الصّحائفِ وَيْحَهم

في رسومِهِم يتجسّدُ الإجرامُ

لا عشتَ إن لم ننتصر يومُا فلا

::: سَلِمَت رسومُهُمُ ولا الرّسامُ 

وَصَفوكَ بالإرهابِ دونَ تعقّلٍ

والوصفُ دون تعقّلٍ إقحامُ

لو يعرفونَ محمّدُا وخصالَهُ

هَتَفوا له ولأسلَمَ الإعلامُ

يا حسرَةَ السّيفِ الذي لم ينعقْ

مِن غِمْدِهِ والمكرماتُ تُضَامُ

أيُسَبّ أسوتنَا الحَبِيب فَما الذي

يَبْقى إذا لم تَغضَبِ الأقْوامُ؟

لا عشتَ إن لم تنتصر لمحمّدٍ

يومًا لأنّ المُسلمينَ كِرامُ

سَمِعت جُموعُ المسلمينَ كلامَهُم

ثمّ استفاقَتْ نجدُنا والشّامُ

يا أمّةَ المليارِ لا تتخوّفِي

لا بُدّ أن تَتَقلّبَ الأيّامُ

لا بُدّ للشّعبِ المغيّبِ أن يفِقْ

يومًا ويحدث في الربوع وئام

لا بُدّ للّيثِ المكمّمِ أنْ يَرى

يومًا وهل للظّالِمينَ دَوامُ؟

يا خالدَ اليَرموكِ أينَ سُيوفُنا

أو مَا لنا في المَشْرِقَيْنِ حُسامُ؟

كانت تَموجُ الأرضُ تحتَ خُيولِنَا

كانت لنا في المَغْرِبَيْنِ خِيامُ

يا حسرةَ الأيّامِ كيف تبدّلَت

وهمُا وضاعَ من الأبَاةِ زِمامُ؟

يا سيّدَ الثّقَلَيْنِ يا نورَ الهُدى

ماذا أقول؟ تَخونُني الأقلامُ!

المراجع

  1. "إن الذي بعث النبي محمدا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-26.
4201 مشاهدة
للأعلى للسفل
×