الشعر الحديث
يأخذُ الشعر بكلِّ أنواعه وأشكاله مكانةً كبيرةً عند العرب أكبر من المكانة التي يحتلُّها عند بقيَّة الشعوب، والشعر الحديث هو الشعر الذي كُتب في العصر الحديث، ويُقصد به الإطار الزمنيُّ الذي تميَّزت فيه معالم الحياة عن الأزمنة التي سبقته، لذلك فهو آخر حلقة من السلسلة الزمنيَّة المتعلقة بالشعر: "العصر جاهلي، صدر الإسلام، العصر الأموي، العصر العباسي، عصر الانحطاط، عصر النهضة، العصر الحديث"، ومن أهم شعراء العصر الحديث: بدر شاكر السياب، نزار قباني، محمود درويش، شوقي بزيع، صلاح عبد الصبور، محمد الفيتوري، عبد العزيز المقالح، محمد بنيس، وغيرهم، وفي هذا المقال سيتمُّ تسليط الضوء على تجربة الشاعر الكبير محمود درويش الشعريَّة وذكر بعض قصائده الشعرية.
تجربة محمود درويش الشعرية
محمود درويش أحد أهمِّ شعراء العصر الحديث، ولد محمود درويش في قرية البروة عام 1942م، لعائلة كبيرة تتكون من خمسةِ أبناء وثلاث بناتٍ، وفي عام 1948م لجأ إلى لبنان وهو في السابعة من عمره واستقرَّ فيها لمدَّة عام واحدٍ، عاد بعدها متسلِّلًا إلى فلسطين وبقي في قرية دير الأسد في الجليل لفترة قصيرة، وعاد بعدها ليستقر في قرية الجديدة شمال غرب قريته البروة، انضمَّ محمود درويش إلى الحزب الشيوعي في فلسطين، وبعد انتهاء تعليمه الثانوي أمضى حياته في كتابة الشعر والمقالات في الجرائد مثل جريدة الاتحاد وفي المجلات مثل مجلة الجديد، وأصبح فيما بعد مشرفًا على تحريرها، وكلاهما تتبعان للحزب الشيوعي، واشترك في تحرير جريدة الفجر.
تعرض الشاعر محمود درويش للكثير من المضايقات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، واعتُقل محمود درويش أكثر من مرة منذ عام 1961م بتهمٍ تتعلق بكتاباته ونشاطاته الساسيَّة، نزحَ بعدَ ذلك إلى مصر ثمَّ إلى لبنان، وشغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرَّر في مجلَّة الكرمل، أقام في باريس لمدة عشر سنوات متقطِّعة تقريبًا قبل أن يعود إلى وطنه فقد سُمح له بتصريح لزيارة والدته وفي فترة وجوده في فلسطين قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحًا بالسماح له بالبقاء فسُمِح له بذلك فأقام في عمان في الأردن لأنَّها قريبة من وطنه الأم.
حصل محمود درويش على الكثير من الجوائز منها: جائزة لوتس عام 1969م، جائزة البحر المتوسط عام 1980م، درع الثورة الفلسطينية عام 1981م، لوحة أوروبا للشعر عام 1981م، جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفيتي عام 1982م، جائزة لينين في الاتحاد السوفييتي عام 1983. توفي الشاعر محمود درويش عام 2008م بعد أن ذهب إلى مشفى تكساس في مدينة هيوستن في الولايات المتحدة الأمريكية ودخل هناك في غيبوبة فقام الأطباء بإزالة أجهزة الإنعاش كما كان قد أوصاهم وأُعيدَ جثمانه إلى وطنه ليُدفنَ فيه [١].
كانت تجربة الشاعر محمود درويش الشعرية تجربةً ثريةً أثرت الشعر العربي الحديث، فقد ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وأسهم بإدخال الرمز في الشعر، فقد بدأ محمود درويش في كتابة الشعر وهو في سنٍّ صغيرة فكانت أولَى قصائدِه الشعريَّة وهو في المرحلة الابتدائيَّة، وفيما بعد أي في بداياته في الوطن اتَّسم شعرُه ببداية التكوُّن والتشكُّل وشكَّل بدايةَ وعيه بقضيةِ وطنهِ وانتمائِه إلى هذا الوطن الذي يعيشُ تحتَ نار الاحتلال الإسرائيليِّ، واتَّسم عندها بالماركسيَّة ومالَ إلى التيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصرِ مقتديًا بالعديد من الشعراء أمثالِ نزار قباني، وكان نصُّه الشعريُّ مباشرًا، لكن بعد ذلك خرج محمود درويش من وطنه ليعيشَ في القاهرة ثمَّ في بيروت فبدأَ شعرُه في أخذِ طابع الثوريَّة والاهتمامِ بالقوميَّة العربيَّة أكثر من قبل، ويلاحَظُ امتزاجَ الحبِّ للوطنِ بالحبِّ للحبيبةِ الأنثَى مع إحساسِه بالتَّسامي في سماءِ المقاومةِ العربيَّة، فشعره يمثِّل مقاومةً على نارٍ ليست ذاتَ لهبٍ يكمُن أوارُها في النَّفسِ العربية كمونَ الرُّوح في الجسدِ الحيِّ، ورويدًا رويدًا تطوَّر أسلوبُه فأخذَ يستخدمُ دلالاتٍ شعريَّة أكثرَ بكثيرٍ من ذي قبل، واستخدَم كذلك التَّاريخ والدِّين والأساطيرِ والأدبِ والحضارات أكثر من قبل بكثير.
أمَّا في المرحلةِ الثالثةِ والأخيرة من التطور الشعري عند محمود درويش وهي عندما بدأَ في الدُّخول إلى مرحلةِ الوعْي الممكِنِ والحلم الإنسانيِّ خاصَّة أثناء إقامته في باريس بعدمَا فقد الأملَ في القوميَّة العربيَّة بعدَ الخروج من لبنانَ والحرب الأهليَّة هناك ساعدهُ ذلك على الانفصالِ تدريجيًّا عن خطابِه الأيديولوجيِّ المباشر. [٢]
قصائد محمود درويش
كان محمود درويش من أشهر الشعراء العرب في العصر الحديث الذين ارتبطَت أسماؤهم بالوطن والثورة، وقد انتشرَ شعرُه بشكل كبير في كافَّة أصقاع الوطن العربي، فقد اتَّسمَ شعره بالاهتمام بالقوميَّة العربية والوطنيَّة كما أوْلَى القضيَّة الفلسطينية الكثير من الاهتام في أشعاره فلقِّب بشاعر الجرح الفلسطينيِّ، وعُرفَ عنه أيضًا بأنَّه أحدُ أدباء المقاومة، ومن أشهر قصائد الشاعر محمود درويش:
- قصيدة "وعاد في كفن"، ومن مقاطع القصيدة [٣]:
يحكونَ في بِلادنا
يحكونَ في شَجنْ
عن صاحِبي الَّذي مضَى
و عادَ في كَفنْ
ما قالَ حينَ زغردَت خطاهُ خلفَ البابْ
لأمِّه: الوَداع!
ما قالَ للأحبَابِ، للأصحابْ:
موعدُنا غَدًا!
ولَم يَضعْ رسالةً كعادةِ المسَافرين
تقولُ: إنِّي عائدٌ وتسكتُ الظنُون
ولم يخطَّ كلمةً
تضيءُ ليلَ أمِّه التِي
تخاطبُ السَّماء والأشياءْ،
تقولُ: يا وسادةَ السرير!
يا حقيبةَ الثِّياب!
يا ليلُ! يا نجوم! يا إلهُ! يا سحابُ!
أمَا رأيتُم شاردًا عيناهُ نجمتَانْ؟
يداهُ سلَّتانِ من ريحانْ
وصدرُه وسادةٌ النُّجوم والقمَرْ
وشعرُه أرجوحةٌ للريح والزَّهرْ!
- قصيدة "رسالة من المنفى" والتي يوجِّه فيها محمود درويش الخطاب من منفاه إلى وطنه وذكرياته فيه، وتبدأ القصيدة بالمقطع التالي [٤]:
تحيةً وقبلةً وليسَ عندي ما أقولُ بعدْ
مِن أينَ أبتدي؟ وأينَ أنتهي؟
ودورةُ الزَّمان دونَ حَدْ
وكلُّ ما في غُربتي
زوادةٌ فيها رغيفٌ يابسٌ وَوَجْدْ
ودفترٌ يحملُ عنِّي بعضَ ما حملْت
بصقتُ في صفحاتِه ما ضاقَ بي من حِقدْ
من أينَ أبتدي؟
وكلُّ ما قيلَ وما يُقال بَعد غدْ
لا ينتَهي بضمَّةٍ أو لمسَةٍ من يدْ
- ومن قصائدِه الشهيرة أيضًا قصيدة "مديح الظل العالي" وهي القصيدة الأطول من بين قصائده، وهي عبارة عن قصيدة ملحمية من روائع الشاعر محمود درويش، كتبها بعد أحداث بيروت جمع فيها بين الصمود الفلسطيني والخذلان العربي المُخجل، ومن مقاطع هذه القصيدة الشهيرة [٥]:
هي هجرةٌ أُخرى
فلا تكتُبْ وصيَّتكَ الأخيرةَ والسَّلاما
سَقَطَ السقوطُ وأنت تعلو
فكرةً ويداً وشاما!
لا بَرَّ إلاّ ساعداكْ
لا بحرَ إلاّ الغامضُ الكحليُّ فيكْ
فتقمَّصِ الأشياء كي تتقمَّص الأشياءُ خطوتَك الحراما
واسحبْ ظلالكَ عن بلاطِ الحاكمِ العربيِّ حتَّى لا يُعَلِّقها وساما
واكسرْ ظلالك كُلَّها كيلا يمدُّوها بساطًا أو ظلاما
كسروكَ، كم كسروكَ كي يقفُوا على ساقيك عرشا
وتقاسموكَ وأنكروكَ وخبَّأوك وأنشأوا ليَديكَ جيشا
حطُّوك في حجرٍ، وقالوا: لا تُسَلِّمْ
ورموك في بئرٍ، وقالوا: لا تُسَلِّمْ
وأَطَلْتَ حربَكَ يا ابن أُمِّي
ألفَ عامٍ ألف عامٍ في النهارِ
فأنكروكَ لأنَّهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرارِ
هم يسروقون الآن جلدكْ
فاحذرْ ملامحهم وغمدَكْ
كم كنتَ وحدكَ يا ابنَ أُمِّي
يا ابنَ أكثرَ مِنْ أَبٍ
كَمْ كُنتَ وحدكْ!
- ومن مقاطع القصيدة أيضًا:
حاصِـر حصاركَ، لا مفـرُّ
سقطَتْ ذراعُك فالتقطْها
واضــربْ عدوَّك لا مفرُّ
وسقطتُ قربَكَ، فالتقِطْني
واضربْ عدوَّك بيْ فأنتَ الآن حـُـرُّ
حـــرٌّ وحـــرُّ
قتلاكَ أو جرحَاك فيكَ ذخيرةٌ
فاضربْ بهَا، إضربْ عدوَّك لا مفرُّ
أشـــلاؤنا أسماؤنا
حاصـرْ حصـارَك بالجنونِ وبالجنونِ وبالجنونْ
ذهبَ الذين تحبُّهم ذهبوا
فإمَّا أن تكونْ
أو لا تكونْ
ســــقطَ القناعُ عن القناعِ عن القناعْ
ســـقط القنـاعُ
ولا أحدْ
إلَّاك في هذا المَدى المفتوح للأعداءِ والنِّسيان
فاجعلْ كلَّ متراس ٍ بلدْ
لا لا أحـــدْ
- ومن قصائد محمود درويش أيضًا قصيدة بعنوان "قصائد عن حبٍّ قديم" وفيما يلي أحدُ مقاطعها [٦]:
على الأنقاضِ وردتُنا
ووجهَانا على الرملِ
إذا مرَّت رياحُ الصيفِ
أشرعنَا المناديلَا
على مهلٍ على مهلِ
و غبنَا طيَّ أغنيتَينِ، كالأسرَى
نراوغُ قطرة الطَّلِّ
تعالي مرَّةً في البالِ
يا أختاهُ!
إنَّ أواخرَ الليلِ
تعرِّيني من الألوانِ و الظلِّ
و تَحميني من الذلِّ!
و في عينيكِ، يا قمرِي القديمَ
يشدُّني أصلي
إلى إغفاءَةٍ زرقاءَ
تحتَ الشَّمس والنَّخلِ
بعيدًا عن دُجى المنفى
قريبًا من حِمى أهلي
- ومن قصائده الشاعر محمود درويش أيضًا، القصيدة المعروفة "أمرُّ باسمكِ" والتي غنَّاها المُطرب مارسيل خليفة، وكانت من أشهر ما كتبَ محمود درويش:
أمُرُّ باسمِكِ إذ أخْلو إلى نَفَسي كَما يمُرُ دِمَشقيٌّ بأَندَلِس
هُنا أَضاءَ لكِ الليمونُ ملحَ دَمي وهَا هُنَا وقَعتْ ريحٌ عَنِ الفَرَسِ
أمرُّ باسمك لا جَيشٌ يُحاصِرُني ولا بلادٌ كأنِّي آخرُ الحَرَسِ
- أَوْ شَاعِرٌ يَتَمشَّى في هَوَاجسِهِ.
المراجع
- ↑ محمود درويش, ، "www.marefa.org"، اطُّلع عليه بتاريخ 6-12-2018، بتصرف
- ↑ من هو محمود درويش, ، "www.arageek.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 6-12-2018، بتصرف
- ↑ وعاد في كفن, ، "www.adab.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 6-12-2018، بتصرف
- ↑ رسالة من المنفى, ، "www.adab.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 6-12-2018، بتصرف
- ↑ مديح الظل العالي, ، "www.aldiwan.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 6-12-2018، بتصرف
- ↑ قصائد عن حب قديم, ، "www.adab.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 6-12-2018، بتصرف