قصائد محمود درويش عن الوطن

كتابة:
قصائد محمود درويش عن الوطن

قصيدة أغنيات إلى الوطن

  • قصيدة جبين وغضب:

وطني ! يا أيها النسرُ الذي يغمد منقار اللهبْ

في عيوني

أين تاريخ العرب؟

كل ما أملكه في حضرة الموت:

جبين وغضب.

وأنا أوصيت أن يزرع قلبي شجرةْ

وجبيني منزلاً للقُبَّرهْ.

وطني إنا ولدنا وكبرنا بجراحك

وأكلنا شجر البلّوط...

كي نشهد ميلاد صباحك

أيها النسر الذي يرسف في الأغلال من دون سببْ

أيها الموت الخرافيُّ الذي كان يحب

لم يزل منقارك الأحمر في عينيَّ

سيفاً من لهب...

وأنا لست جديراً بجناحك

كل ما أملكه في حضرة الموت:

جبين ... وغضب !

  • قصيدة وطن:

علِّقوني على جدائل نخلةْ

واشنقوني ... فلن أخون النخلةْ!

هذه الأرض لي... وكنت قديماً

أحلبُ النوق راضياً ومولَّهْ

وطني ليس حزمه من حكايا

ليس ذكرى وليس قصةً أو نشيداً

ليس ضوءاً على سوالف فُلّهْ

وطني غضبة الغريب على الحزن

وطفلٌ يريد عيداً وقبلةْ

ورياح ضاقت بحجرة سجن

وعجوز يبكي بنيه .. وحلقهْ

هذه الأرض جلد عظمي

وقلبي...

فوق أعشابها يطير كنحلةْ

علِّقوني على جدائل نخلةْ

واشنقوني فلن أخون النخلةْ!

  • قصيدة لا مفر:

مطر على أشجاره ويدي على

أحجاره والملح فوق شفاهي

من لي بشبّاك يقي جمر الهوى

من نسمة فوق الرصيف اللاهي ؟

وطني ! عيونك أم غيومٌ ذوَّبت

أوتار قلبي في جراح إلهِ !

هل تأخذنَّ يدي ؟ فسبحان الذي

يحمي غريبًا من مذلِّة آهِ

ظلُّ الغريب على الغريب عباءةٌ

تحميه من لسع الأسى التيّاهِ

هل تُلْقِيَنَّ على عراء تسولي

أستار قبر صار بعض ملاهي

لأشمَّ رائحة الذين تنفَّسوا

مهدي... وعطر البرتقال الساهي

وطني ! أُفتِّش عنك فيك فلا أرى

إلاّ شقوق يديك فوق جباهِ

وطني أتفتحُ في الخرائب كوة؟

فالملح ذاب على يدي وشفاهي

مطر على الإسفلتِ، يجرفني إلى

ميناءِ موتانا ... وجرحُك ناهِ

  • قصيدة رد الفعل:

وطني ! يعلمني حديدُ سلاسلي

عنف النسور ورقة المتفائلِ

ما كنت أعرف أن تحت جلودنا

ميلادَ عاصفةٍ ... وعرس جداولِ

سَدُّوا عليَّ النور في زنزانةٍ

فتوهَّجتْ في القلب ... شمسُ مشاعلِ

كتبوا على الجدار.. مرج سنابلِ

رسموا على الجدار صورَ قاتلي

فمحتْ ملامحَها ظلالُ جدائلِ

وحفرتُ بالأسنان رسمك دامياً

وكتبتُ أُغنية العذاب الراحلِ

أغمدت في لحم الظلام هزيمتي

وغرزت في شعر الشموس أناملي

والفاتحون على سطوح منازلي

لم يفتحوا إلاّ وعود زلازلي !

لن يبصروا إلاّ توهُّج جبهتي

لن يسمعوا إلاّ صرير سلاسلي

فإذا احترقت على صليب عبادتي

أصبحت قديساً.. بِزَيّ مُقاتلِ

  • قصيدة الموعد:

لم تزل شرفةٌ.. هناك

في بلادي ملوحةْ

ويدٌ تمنحُ الملاك

أغنيات وأجنحةْ

العصافير أم صداك

أم مواعيدُ مفرحةْ

قتلتني.. لكي أراك؟!

وطني ! حبنا هلاك

والأغاني مجرحةْ

كلما جاءني نداك

هجر القلب مطرحةْ

وتلاقي على رباك

بالجروح المفتحةْ

لا تلمني ففي ثراك

أصبح الحب .. مذبحةْ !

  • قصيدة أحبك أكثر:

تَكَبَّرْ…تَكَبَّر!

فمهما يكن من جفاك

ستبقى، بعيني ولحمي، ملاك

وتبقى، كما شاء لي حبنا أن أراك

نسيمك عنبر

وأرضك سكَّر

وإني أحبك… أكثر

يداك خمائلْ

ولكنني لا أغني

ككل البلابلْ

فإن السلاسلْ

تعلمني أن أقاتلْ

أقاتل… أقاتل

لأني أحبك أكثر!

غنائي خناجر وردْ

وصمتي طفولة رعد

وزنبقة من دماء

فؤادي،

وأنت الثرى والسماء

وقلبك أخضر…!

وَجَزْرُ الهوى، فيك، مَدّ

فكيف، إذن، لا أحبك أكثر

وأنت، كما شاء لي حبنا أن أراك:

نسيمك عنبر

وأرضك سكَّر

وقلبك أخضر…!

وإنِّي طفل هواك

على حضنك الحلو

أنمو وأكبر!

قصيدة كتابة بالفحم المحترق

مدينتُنا.. حوصرتْ في الظهيرةْ

مدينتنا اكتشفتْ وجهها في الحصارْ

لقد كذب اللونُ

لا شأن لي يا أسيرةْ

بشمسٍ تُلمِّعُ أوسمة الفاتحين

وأحذية الراقصين

ولا شأن لي يا شوارع إلاّ

بأرقام موتاكِ

فاحترقي كالظهيرةْ..

كأنكِ طالعةٌ من كتاب المراثي

ثقوبٌ من الضوء في وجهك الساحليّ

تُعيد جبيني إليَّ

وتملأني بالحماس القديم إلى أبويَّ

.... وما كنتُ أؤمنُ إلاّ

بما يجعل القلب مقهى وسوقْ

ولكنني خارج من مسامير هذا الصليب

لأبحث عن مصدر آخر للبروق

وشكل جديد لوجه الحبيب

رأيتُ الشوارع تقل أسماءها

وترتيبها

وأنتِ تظلّين في الشرفة النازلةْْ

إلى القاع

عينين من دون وجه

ولكنَّ صوتك يخترق اللوحة الذابلةْ

مدينتُنا حوصرت في الظهيرةْ

مدينتُنا اكتشف وجهها في الحصار


قصيدة عابر سبيل

بلادي بعيدة

تبخَّر مني ثراها

إلى داخلي...

لا أراها

وأنت بعيدهْ

أراك

كومضة ورد مفاجئ

وفي جسدي رغبةٌ في الغناء

لكلِّ الموانئ

... وإني أُحبُّكِ

لكنني

لا أُحبُّ الأغاني السريعة

ولا القُبَلَ الخاطفة

وأنت تحبّينها

كبحّارة يائسين..

أرى عبر زنبقة المائدة

وعبر أناملك الشاردْ

أرى البرق يخطف وجهي القديم

إلى شرفة ضائعة

وأنت تحبّينني –

قلت –

من أجل هذا المساء

لنرقصْ إذن

أنا الماء والظلّ

والظل والماء لا يعرفان الخيانة

ولا الانكسارْ

ولا يذكران

ولا ينسيان

ولكن ... لماذا؟

لماذا توقفتِ الأسطوانة؟

ومن خَدَشَ الأسطوانة

لماذا تدور على نفسها :

بلادي بعيدهْ

بلادي

بلادي

بلادي


قصيدة أنا من هناك

أَنَا مِنْ هُنَاكَ. وَلِي ذِكْريَاتٌ. وُلِدْتُ كَمَا تُولَدُ النَّاسُ. لِي وَالِدَهْ

وبيتٌ كثيرُ النَّوافِذِ. لِي إِخْوَةٌ. أَصْدِقَاءُ. وَسِجْنٌ بِنَافِذَةٍ بَارِدَهْ.

وَلِي مَوْجَةٌ خَطَفتْهَا النَّوارِسُ. لِي مَشْهَدِي الخَاصُّ. لِي عُشْبَةٌ زَائِدَهْ

وَلِي قَمَرٌ فِي أقَاصِي الكَلاَم، وَرِزْقُ الطُّيُورِ، وَزَيْتُونَةٌ خَالِدَهْ

مَرَرْتُ عَلَى الأَرْضِ قَبْلَ مُرُور السُّيُوفِ عَلَى جَسَدٍ حَوَّلُوه إِلَى مَائِدَهْ.

أَنَا مِنْ هُنَاكَ. أُعِيدُ السَّمَاءَ إِلَى أُمِّهَا حِينَ تَبْكي السَّمَاءُ عَلَى أمَّهَا،

وَأَبْكِيِ لِتَعْرفَنِي غَيمَةٌ عَائِدَهْ.

تَعَلّمْتُ كُلِّ كَلامٍ يَلِيقُ بمَحكَمَةِ الدِّم كَيْ أُكْسِرَ القَاعِدهْ.

تَعَلّمتُ كُلِّ الكَلاَمِ ، وَفَكَّكْتُهُ كَيْ أُرَكِّبَ مُفْرَدَةً وَاحِدَهْ

هِيَ: الوَطَنُ....

8180 مشاهدة
للأعلى للسفل
×