قصائد محمود سامي البارودي في المنفى

كتابة:
قصائد محمود سامي البارودي في المنفى


قصيدة: كفى بمُقامي في سَرَنْديب غربة

قال محمود سامي البارودي: [١]

كَفَى بِمُقَامِي فِي سَرَنْدِيبَ غُرْبَةً

:::نَزَعْتُ بِهَا عَنِّي ثِيَابَ الْعَلائِقِ

وَمَنْ رَامَ نَيْلَ الْعِزِّ فَلْيَصْطَبِرْ عَلَى

:::لِقَاءِ الْمَنَايَا وَاقْتِحَامِ الْمَضَايِقِ

فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ رَنَّقْنَ مَشْرَبِي

:::وَثَلَّمْنَ حَدِّي بِالْخُطُوبِ الطَّوَارِقِ

فَمَا غَيَّرَتْنِي مِحْنَةٌ عَنْ خَلِيقَتِي

:::وَلا حَوَّلَتْنِي خُدْعَةٌ عَنْ طَرَائِقِي

وَلَكِنَّنِي بَاقٍ عَلَى مَا يَسُرُّنِي

:::وَيُغْضِبُ أَعْدَائِي وَيُرْضِي أَصَادِقي

فَحَسْرَةُ بُعْدِي عَنْ حَبِيبٍ مُصَادِقٍ

:::كَفَرْحَةِ بُعْدِي عَنْ عَدُوٍّ مُمَاذِقِ

فَتِلْكَ بِهَذِي وَالنَّجَاةُ غَنِيمَةٌ

:::مِنَ النَّاسِ وَالدُّنْيَا مَكِيدَةُ حَاذِقِ

أَلا أَيُّهَا الزَّارِي عَلَيَّ بِجَهْلِهِ

:::وَلَمْ يَدْرِ أَنِّي دُرَّةٌ فِي الْمَفَارِقِ

تَعَزَّ عَنِ الْعَلْيَاءِ بِاللُّؤْمِ وَاعْتَزِلْ

:::فَإِنَّ الْعُلا لَيْسَتْ بِلَغْوِ الْمَنَاطِقِ

فَمَا أَنَا مِمَّنْ تَقْبَلُ الضَّيْمَ نَفْسُهُ

:::وَيَرْضَى بِمَا يَرْضَى بِهِ كُلُّ مَائِقِ

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْهَضْ لِمَا فِيهِ مَجْدُهُ

:::قَضَى وَهْوَ كَلٌّ فِي خُدُورِ الْعَوَاتِقِ


قصيدة: ردّوا الصبا بعد شيب اللّمةِ الغزل

قال محمود سامي البارودي:[٢]

رُدُّوا عَلَيَّ الصِّبَا مِنْ عَصْرِيَ الْخَالِي

وَهَلْ يَعُودُ سَوَادُ اللّمَّةِ الْبَالِي

مَاضٍ مِنَ الْعَيْشِ مَا لاحَتْ مَخَايِلُهُ

فِي صَفْحَةِ الْفِكْرِ إِلا هَاجَ بَلْبَالِي

سَلَتْ قُلُوبٌ فَقَرَّتْ في مَضَاجِعِهَا

بَعْدَ الْحَنِينِ وَقَلْبِي لَيْسَ بِالسَّالِي

لَمْ يَدْرِ مَنْ بَاتَ مَسْرُوراً بِلَذَّتِهِ

أَنِّي بِنَارِ الأَسَى مِنْ هَجْرِهِ صَالِي

يَا غَاضِبينَ عَليْنَا هَلْ إِلَى عِدَةٍ

بِالْوَصْلِ يَوْمٌ أُنَاغِي فِيهِ إِقْبَالِي

غِبْتُمْ فَأَظْلَمَ يَوْمِي بَعْدَ فُرْقَتِكُمْ

وَسَاءَ صُنْعُ اللَّيَالِي بَعْدَ إِجْمَالِ

قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي مِنْكُمْ عَلَى ثِقَةٍ

حَتَّى مُنِيتُ بِمَا لَمْ يَجْرِ فِي بَالِي

لَمْ أَجْنِ فِي الْحُبِّ ذَنْبَاً أَسْتَحِقُّ بِهِ

عَتْبَاً وَلَكِنَّهَا تَحْرِيفُ أَقْوَالِ

وَمَنْ أَطَاعَ رُوَاةَ السُّوءِ نَفَّرَهُ

عَنِ الصَّدِيقِ سَمَاعُ الْقِيلِ وَالْقَالِ

أَدْهَى الْمَصَائِبِ غَدْرٌ قَبْلَهُ ثِقَةٌ

وَأَقْبَحُ الظُّلْمِ صَدٌّ بَعْدَ إِقْبَالِ

لا عَيْبَ فِيَّ سِوَى حُرِّيَّةٍ مَلَكَتْ

أَعِنَّتِي عَنْ قَبُولِ الذُّلِّ بِالْمَالِ

تَبِعْتُ خُطَّةَ آبَائِي فَسِرْتُ بِهَا

عَلَى وَتِيرَةِ آدَابٍ وَآسَالِ

فَمَا يَمُرُّ خَيَالُ الْغَدْرِ فِي خَلَدِي

وَلا تَلُوحُ سِمَاتُ الشَّرِّ فِي خَالِي

قَلْبِي سَلِيمٌ وَنَفْسِي حُرَّةٌ وَيَدِي

مَأْمُونَةٌ وَلِسَانِي غَيْرُ خَتَّالِ

لَكِنَّنِي فِي زَمَانٍ عِشْتُ مُغْتَرِبَاً

فِي أَهْلِهِ حِينَ قَلَّتْ فِيهِ أَمْثَالِي


قصيدة: تأوب طيف من سميرة زائر

قال محمود سامي البارودي:[٣]

تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ سَمِيرَةَ زَائِرٌ

وَمَا الطَّيْفُ إِلَّا مَا تُريهِ الْخَوَاطِرُ

طَوَى سُدْفَةَ الظَّلْمَاءِ وَاللَّيْلُ ضَارِبٌ

بِأَرْوَاقِهِ وَالنَّجْمُ بِالأُفْقِ حَائِرُ

فَيَا لَكَ مِنْ طَيْفٍ أَلَمَّ وَدُونَهُ

مُحِيطٌ مِنَ الْبَحْرِ الْجَنُوبِيِّ زَاخِرُ

تَخَطَّى إِليَّ الأَرْضَ وَجْدَاً وَمَا لَهُ

سِوَى نَزَواتِ الشَّوقِ حَادٍ وَزَاجِرُ

أَلَمَّ وَلَمْ يَلْبَثْ وَسَارَ وَلَيْتَهُ

أَقَامَ وَلَوْ طَالَتْ عَلَيَّ الدَّيَاجِرُ

تَحَمَّلَ أَهْوَالَ الظَّلامِ مُخَاطِراً

وَعَهْدِي بِمَنْ جَادَتْ بِهِ لا تُخَاطِرُ

خُمَاسِيَّةٌ لَمْ تَدْرِ مَا اللَّيْلُ وَالسُّرَى

وَلَمْ تَنْحَسِرْ عَنْ صَفْحَتَيْهَا السَّتَائِرُ

عَقِيلَةُ أَتْرَابٍ تَوَالَيْنَ حَوْلَهَا

كَمَا دَارَ بِالْبَدْرِ النُّجُومُ الزَّواهِرُ

غَوَافِلُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَةٍ

وَلا هُنَّ بِالْخَطْبِ الْمُلِمِّ شَواعِرُ

تَعَوَّدْنَ خَفْضَ الْعَيْشِ فِي ظِلِّ وَالِدٍ

رَحِيمٍ وَبَيْتٍ شَيَّدَتْهُ الْعَنَاصِرُ

فَهُنَّ كَعُنْقُودِ الثُّرَيَّا تَأَلَّقَتْ

كَواكِبُهُ فِي الأُفْقِ فَهْيَ سَوَافِرُ

تُمَثِّلُهَا الذِّكْرَى لِعَيْنِي كَأَنَّنِي

إِلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ مِنَ الأَرْضِ نَاظِرُ

فَطَوْرَاً أَخَالُ الظَّنَّ حَقَّاً وَتَارَةً

أَهِيمُ فَتَغْشَى مُقْلَتَيَّ السَّمَادِرُ

فَيَا بُعْدَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّتِي

وَيَا قُرْبَ ما الْتَفَّتْ عَلَيهِ الضَّمائِرُ

وَلَوْلا أَمَانِي النَّفْسِ وَهْيَ حَياتُهَا

لَمَا طَارَ لِي فَوْقَ الْبَسِيطَةِ طَائِرُ

فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ فَرَّقْنَ بَيْنَنَا

فَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمَاً إِلَى اللَّهِ صَائِرُ

هِيَ الدَّارُ مَا الأَنْفَاسُ إِلَّا نَهَائِبٌ

لَدَيْهَا وما الأَجْسَامُ إِلَّا عَقَائِرُ


قصيدة: أكلف النفس صبرًا وهي جازعة

قال محمود سامي البارودي:[٤]

أُكَلِّفُ النَّفْسَ صَبْرًا وَهْيَ جَازِعَةٌ

:::وَالصَّبْرُ فِي الحُبِّ أَعْيَا كُلَّ مُشْتَاقِ

لا فِي سَرَنْدِيبَ لِي خِلٌّ أَلُوذُ بِهِ

:::وَلا أَنِيسٌ سِوَى هَمِّي وَإِطْرَاقِي

أَبِيتُ أَرْعَى نُجُومَ اللَّيْلِ مُرْتَفِقَاً

:::فِي قُنَّةٍ عَزَّ مَرْقَاهَا عَلَى الرَّاقِي

تَقَلَّدَتْ مِنْ جُمَانِ الشَّهْبِ مِنْطَقَةً

:::مَعْقُودَةً بِوِشَاحٍ غَيْرِ مِقْلاقِ

كَأَنَّ نَجْمَ الثُّرَيَّا وَهْوَ مُضْطَرِبٌ

:::دُونَ الْهِلالِ سِرَاجٌ لاحَ فِي طَاقِ

يَا رَوْضَةَ النِّيلِ لا مَسَّتْكِ بَائِقَةٌ

:::وَلا عَدَتْكِ سَمَاءٌ ذَاتُ أَغْدَاقِ

وَلا بَرِحْتِ مِنَ الأَوْرَاقِ فِي حُلَلٍ

:::مِنْ سُنْدُسٍ عَبْقَرِيِّ الْوَشْيِ بَرَّاقِ


قصيدة: أبيت في غربة لا النفس راضية

قال محمود سامي البارودي:[٥]

لِكُلِّ دَمْعٍ جَرَىْ مِنْ مُقْلَةٍ سَبَبُ

وَكَيْفَ يَمْلِكُ دَمْعَ الْعَيْنِ مُكْتَئِبُ

لَوْلا مُكَابَدَةُ الأَشْوَاقِ ما دَمَعَتْ

عَيْنٌ وَلا بَاتَ قَلْبٌ فِي الْحَشَا يَجِبُ

فَيَا أَخَا الْعَذْلِ لا تَعْجَلْ بِلائِمَةٍ

عَلَيَّ فَالْحُبُّ سُلْطَانٌ لَهُ الغَلَبُ

لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يَسْتَضيءُ بِهِ

فِي ظُلْمَةِ الشَّكِّ لَم تَعْلَقْ بِهِ النُّوَبُ

وَلَوْ تَبَيَّنَ ما في الْغَيْبِ مِنْ حَدَثٍ

لَكَانَ يَعْلَمُ مَا يَأْتِي وَيَجْتَنِبُ

لَكِنَّهُ غَرَضٌ لِلدَّهْرِ يَرْشُقُهُ

بِأَسْهُمٍ ما لَها رِيشٌ وَلا عَقَبُ

فَكَيفَ أَكْتُمُ أَشْوَاقِي وَبِي كَلَفٌ

تَكَادُ مِنْ مَسِّهِ الأَحْشَاءُ تَنْشَعِبُ

أَمْ كَيْفَ أَسْلُو وَلِي قَلْبٌ إِذَا الْتَهَبَتْ

بِالأُفْقِ لَمْعَةُ بَرْقٍ كَادَ يَلْتَهِبُ

أَصْبَحْتُ فِي الْحُبِّ مَطْوِيَّاً عَلَى حُرَقٍ

يَكَادُ أَيْسَرُها بِالرُّوحِ يَنْتَشِبُ

إِذَا تَنَفَّسْتُ فَاضَتْ زَفْرَتِي شَرَراً

كَمَا اسْتَنَارَ وَرَاءَ الْقَدْحَةِ اللَّهَبُ

لَمْ يَبْقَ لِي غَيْرَ نَفْسِي مَا أَجُودُ بِهِ

وَقَدْ فَعَلْتُ فَهَلْ مِنْ رَحْمَةٍ تَجِبُ

كَأَنَّ قَلْبِي إِذَا هَاجَ الْغَرَامُ بِهِ

بَيْنَ الْحَشَا طَائِرٌ فِي الْفَخِّ يَضْطَرِبُ

لا يَتْرُكُ الْحُبُّ قَلْبِي مِنْ لَواعِجِهِ

كَأَنَّمَا بَيْنَ قَلْبِي وَالْهَوَى نَسَبُ

فَلا تَلُمْنِي عَلَى دَمْعٍ تَحَدَّرَ في

سَفْحِ الْعَقِيقِ فَلِي في سَفْحِهِ أَرَبُ

مَنَازِلٌ كُلَّمَا لاحَتْ مَخَايِلُهَا

فِي صَفْحَةِ الْفِكْرِ مِنِّي هاجَنِي طَرَبُ

لِي عِنْدَ سَاكِنِهَا عَهْدٌ شَقِيتُ بِهِ

وَالْعَهْدُ ما لَم يَصُنْهُ الْوُدُّ مُنْقَضِبُ

وَعادَ ظَنِّي عَلِيلاً بَعْدَ صِحَّتِهِ

وَالظَنُّ يَبْعُدُ أَحْيَاناً وَيَقْتَرِبُ

فَيَا سَرَاةَ الْحِمَى ما بَالُ نُصْرَتِكُمْ

ضَاقَتْ عَلَيَّ وَأَنْتُمْ سادَةٌ نُجُبُ

أَضَعْتُمُوني وَكانَتْ لِي بِكُمْ ثِقَةٌ

مَتَى خَفَرْتُمْ ذِمَامَ الْعَهْدِ يا عَرَبُ

أَلَيْسَ فِي الحَقِّ أَنْ يَلْقَى النَّزِيلُ بِكُمْ

أمْناً إِذا خَافَ أَنْ يَنْتَابَهُ الْعَطَبُ

فَكَيْفَ تَسْلُبُنِي قَلْبِي بِلا تِرَةٍ

فَتاةُ خِدْرٍ لَهَا فِي الْحَيِّ مُنْتَسَبُ

مَرَّتْ عَلَيْنَا تَهَادَى في صَوَاحِبِهَا

كَالْبَدْرِ في هَالَةٍ حَفَّتْ بِهِ الشُّهُبُ

تَهْتَزُّ مِنْ فَرْعِها الْفَيْنَانِ في سرَقٍ

كَسَمْهَرِيٍّ لهُ مِنْ سَوْسَنٍ عَذَبُ

كَأَنَّ غُرَّتَهَا مِنْ تَحْتِ طُرَّتِها

فَجْرٌ بِجَانِحَةِ الظَّلْمَاءِ مُنْتَقِبُ

كانَتْ لَنا آيَةً في الْحُسْنِ فاحْتَجَبَتْ

عَنَّا بِلَيْلِ النَّوَى وَالْبَدْرُ يَحْتَجِبُ

فَهَلْ إِلى نَظْرَةٍ يَحْيَا بِهَا رَمَقٌ

ذَرِيعَةٌ تَبْتَغِيها النَّفْسُ أَو سَبَبُ

أَبِيتُ في غُرْبَةٍ لا النَّفْسُ رَاضِيَةٌ

بِها وَلا المُلْتَقَى مِنْ شِيعَتِي كَثَبُ

فَلا رَفِيقٌ تَسُرُّ النَّفْسَ طَلْعَتُهُ

وَلا صَدِيقٌ يَرَى ما بِي فَيَكْتَئِبُ

وَمِنْ عَجَائِبِ ما لاقَيْتُ مِنْ زَمَنِي

أَنِّي مُنِيتُ بِخَطْبٍ أَمْرُهُ عَجَبُ

لَم أَقْتَرِفْ زَلَّةً تَقْضِي عَلَيَّ بِما

أَصْبَحْتُ فيهِ فَماذَا الْوَيْلُ والْحَرَبُ

فَهَلْ دِفَاعِي عَنْ دِيني وَعَنْ وَطَنِي

ذَنْبٌ أُدَانُ بِهِ ظُلْمَاً وَأَغْتَرِبُ

فَلا يَظُنّ بِيَ الْحُسَّادُ مَنْدَمَةً

فَإِنَّنِي صابِرٌ فِي اللهِ مُحْتَسِبُ

المراجع

  1. "أَسَلَّةُ سَيْفٍ أَمْ عَقِيقَةُ بَارِقِ"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2022.
  2. "ردوا علي الصبا من عصري الخالي"، الديوان. بتصرّف.
  3. محمود سامي البارودي، ديوان محمود سامي البارودي، صفحة 130. بتصرّف.
  4. "هَلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أو رَاقِي ؟"، بوابة الشعراء. بتصرّف.
  5. محمود سامي البارودي، ديوان محمود سامي البارودي، صفحة 53. بتصرّف.
6241 مشاهدة
للأعلى للسفل
×